الثالث عشر: «إنشاء مُجمَّعات سكنيَّة وتمليكها بأقساط مُيسَّرة».
ضمان تحقيق حلم المستقبل بامتلاك سكن خاص، يرهق تفكير الأُسرة فهو يأتي كأولويَّة أولى ضِمْن برنامجها وخطَّتها المستقبليَّة، وبالأخصِّ المسؤول عَنْها، والشَّاب المقبل على الزواج، بل إنَّ الأسئلة الأساسيَّة والأهمَّ الَّتي سوف تُطرح عَلَيْه من قِبل والدَي الفتاة الَّتي سيتقدم لخطبتها «هل لدَيْك بيت؟ وكيف ستدبِّر أمْرَه؟ وأين سوف تسكنان…؟»، وسوف يشعران بالراحة والطمأنينة على ابنتهما عِندما يسمعان بأنَّ المتقدِّم لدَيْه بيت ملك له، حتَّى وإن كان تأمينه تحقَّق بقرض بنكي، يستنزف قِسطَه الشهري وفوائده البنكيَّة ما يقارب إن لَمْ يكُنْ يزيد عن نصف راتبه، وسوف يستغرق تسديده مُعْظم سنوات خدمته في الوظيفة، ولَنْ يتمكَّنَ فيما بعد من شراء سيارة وتوفير تكلفة الزواج وتأثيث المنزل وصيانته في المستقبل إلَّا بتمويل بنكيٍّ ينمو سنة إثر أخرى إلى أن يصبحَ وأُسرته رهينةً لأوَّل قرض أخذه من المصرف، فهذا هو حال وواقع مُعْظم شبابنا ـ للأسف الشديد ـ إذ يُعدُّ تأمين السَّكن العائق الأوَّل والأهمَّ في حياة الشَّباب يجهد تفكيرهم ويشغلُ وقتهم ويضعهم أمام خيارات ضيِّقة وفرص صعبة محدودة، ويقودهم في نهاية المطاف إلى إيجار لا نهاية له يستنزف دخلهم المتواضع أو دَيْن يُبقيهم أسْرَى تسديده لعقود من الزمن يسرق مِنْهم السَّكينة والاستقرار والراحة، ويُهدر الجزء الأكبر من الراتب، بل وقَدْ يُهدِّد استقرار الأُسرة وتماسكها لِمَا يتسبَّب فيه الدَّيْن والإيجار على السَّواء من خلافات ومشكلات وعجْزٍ عن توفير متطلبات الحياة في هذا العصر، وما أكثرها وما أسرع نُمو أسعارها.
وزارة الإسكان (آنذاك) والجهات الحكوميَّة ذات العلاقة لَمْ تلتفت إلى المُشْكلة العميقة وأضرارها البليغة على الأُسَر ونفسيَّة الشَّباب، فظلَّت توزيعات الأراضي ومساعدات بناء وتخصيص المساكن رهينة الإجراءات العقيمة والمعقَّدة والأهواء والمصالح والواسطات والعلاقات، ومَنْ يملكها حصل على عشرات الأراضي في مواقع استراتيجيَّة وبمساحات ضخمة وذات أغراض واستخدامات متعدِّدة، ومن حرم مِنْها ظلَّ لسنواتٍ وعقودٍ ينتظر حلمًا لا يتحقَّق وقطار العمر يجري مسرعًا لا ينتظر أحدًا، وإن حصل على أرض ففي بقعة بعيدة (نائية) عن الخدمات، فيبيعها ببخس الأثمان لِيسدِّدَ بعضًا من دَيْنه والتزاماته الماليَّة أو تُعِينه على شراء منزل فيضيف قطرة إلى بحر من الدَّيْن. تواصَلَ هذا الواقع المُرُّ لسنوات طويلة، وبالأخصِّ في العقود الثلاثة الأخيرة. وبالرغم من الشكاوى والمطالبات والاستغاثات الَّتي يضجُّ بها فضاء المشهد الوطني بكُلِّ برامجه وقنواته ووسائله، ودراسات ونقاشات الشورى ومقالات الكتَّاب والتحقيقات الصحفيَّة حَوْلَ تداعيات هذا الملف الشَّائك وآثاره، إلَّا أنَّ المعالجات والتغيير إلى الأفضل، والنظر في إعداد خطط تقوم على المساواة في استحقاقات الأراضي والمساكن، وتحقيق مصالح الأُسرة العُمانيَّة وفئة الشَّباب المُقبل على المستقبل، ظلَّت تصطدم بجدران المصالح الخرسانيَّة الَّتي تأبى أن تلينَ وتتجاوبَ مع الواقع. وما زلتُ أذكُر مناقشات أعضاء الشورى المُطالِبة بإلغاء فوائد بنك الإسكان وضخِّ الأموال إلى رصيده لِيتمكَّنَ من الإسهام في توفير حلم الآلاف من الشَّباب في تملُّك منزل واستيفاء جميع الطلبات المتراكمة، وعشرات المقالات والمستندات والمواقف والصوَر الَّتي تعرضها حسابات وسائل التواصل والصحافة حَوْلَ مواطنين مستحقِّين مضَى على طلباتهم سنوات طويلة، بعضهم انتقل بهم العمر من الشَّباب إلى الشيب، وآخرون غيَّبهم الموت دُونَ أن يتحقَّقَ حلمُ التملك، فأيُّ معضلةٍ أنْكَى وأشدُّ كربًا من هذا الوضع المحزن… مجلس الشورى، وفي دراسته المتعلِّقة بـ»إنشاء مُجمَّعات سكنيَّة وتملّكها بأقساط ميسَّرة»، الَّتي أقرَّها في يونيو 2014م، أرادَ ومن واقع مسؤوليَّته وتمثيله لمصالح المُجتمع، والدِّفاع عن حقوق المواطن على ضوء المعايشة لتفاصيل هذا الملف وحيثيَّاته، الإسهام في معالجة مُشْكلة توزيعات الأراضي، فاستندت دراسته إلى «الوقوف على مدى حاجة فئة الشَّباب لمِثل هذه المُجمَّعات السكنيَّة في ظلِّ ارتفاع تكاليف المعيشة المستمرِّ ـ الوقوف على البرامج والخطط الإسكانيَّة بسلطنة عُمان ـ التعرُّف على أبرز التحدِّيات أمام تحقيق التنمية الإسكانيَّة المستدامة ـ الوصول إلى سياسات إسكانيَّة تُلبِّي احتياجات الشَّباب ـ تحقيق العدالة الاجتماعيَّة الإسكانيَّة بالمُجتمع…»، وقَدْ توصَّلت الدراسة إلى جملة من التوصيات، من أهمِّها: «إيجاد استراتيجيَّة اجتماعيَّة وإسكانيَّة تُجدِّد من خلالها الرؤية المستقبليَّة للجانبيْنِ الاجتماعي والإسكاني، تشمل جميع فئات المُجتمع، ووجود هذه الاستراتيجيَّة سوف يُعزِّز دَوْر السِّياسات الاجتماعيَّة حسب التوجُّه العامِّ للسَّلطنة آخذين بعَيْنِ الاعتبار توجيهات صاحب الجلالة في خِطابه لمجلس عُمان 2012م، بأنَّ مسؤوليَّة الحكومة الَّتي تركِّز على الجوانب الاجتماعيَّة، والاستراتيجيَّة سوف تُسهم في تعزيز التكافل الاجتماعي الإسكاني لهذه الفئات ـ إيجاد منظومة قانونيَّة لضمان الفرص المتساوية لحيازة الأراضي بمختلف أنواعها ـ إقامة مُجمَّعات إسكانيَّة للشَّباب المقبلين على الزواج، وحديثي التوظيف، لكَيْ ينعموا بحياة كريمة ومستوى معيشي لائق»، وفقًا للآليَّات والأُسُس الآتية: «تأسيس شركة حكوميَّة في مجال الإنشاءات الإسكانيَّة تموَّل من قِبل الصناديق الاستثماريَّة الحكوميَّة، وتعمل على إقامة مُجمَّعات سكنيَّة متنوِّعة بَيْنَ الشّقق والفلل المدمجة. تتاح الوحدات السكنيَّة للبيع للشَّباب العُماني بأقساط ميسَّرة. تتولى الحكومة تخصيص مخطَّطات سكنيَّة لهذا المشروع بجميع ولايات السَّلطنة بحسب كثافة الطلبات المسجَّلة. تتحمل الحكومة تكاليف البنى التحتيَّة للمشاريع». من ضِمْن التوصيات الَّتي عرضت لها الدراسة «استخدام وتطويع التكنولوجيا في المعاملات الإسكانيَّة بجميع مراحلها ومجالاتها دُونَ لجوء المواطنين للمراجعات الإسكانيَّة من قِبل الجهات المختصَّة…». وطالبت الدراسة بإنشاء مركز بحثي يتولَّى إصدار الدراسات وتقديم المؤشِّرات والمعلومات وتحليل البيانات الخاصَّة بالقِطاعات الإسكانيَّة، وضبط ومراقبة السوق وإيجاد آليَّات تكبح التضخُّم في أسعار البناء، وتشجيع الشركات والمؤسَّسات الخاصَّة الكبيرة لتقديم الدعم في مجال الإسكان… دراسة شاملة ورصينة، احتوت على رؤى ومعالجات ثمينة. وفي كُلِّ دراسة استعرضها يتكرَّر السؤال ذاته: لماذا تجاهلت أو تغافلت أو أسقطت الجهات الحكوميَّة هذه الجهود؟ ولَمْ تنفَّذ وتطبَّق توصياتها، لمعالجة الكثير من الإخفاقات والمشكلات وأوْجُه الخلل في موضوعات وقضايا المشهد الوطني الَّذي حاولت هذه المقالات تقديم إضاءات متواضعة عن جهود وإنجازات الشورى بشأنها، والَّتي تناولها بالبحث والتحليل والرؤى العميقة؟
سعود بن علي الحارثي
Saud2002h@hotmail.com
المصدر: جريدة الوطن
إقرأ أيضاً:
استعراض البرنامج الوطني نزدهر أمام مجلس الشورى
العُمانية: استعرضت وزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار البرنامج الوطني لتنمية القطاع الخاص والتجارة الخارجية " نزدهر" إضافة إلى جهود تعزيز نمو وتطور قطاعات التجارة والصناعة ودعم وتطوير بيئة الأعمال والاستثمار.
جاء ذلك خلال اللقاء الذي عقده سعادة خالد بن هلال المعولي رئيس مجلس الشورى وعدد من أصحاب السعادة أعضاء المجلس بمعالي قيس بن محمد اليوسف وزير التجارة والصناعة وترويج الاستثمار.
وأكد معالي وزير التجارة والصناعة وترويج الاستثمار - في العرض المرئي الذي قدمه - على أهمية اللقاءات والعروض المرئية التي تقدمها المؤسسات الحكومية لأعضاء المجلس للتعريف بالجهود المبذولة في تلك المؤسسات، موضحًا أنها تأتي في إطار تكاملية مؤسسات الدولة والعمل على تحقيق "رؤية عُمان 2040م".
وأشار معاليه إلى عدد من مؤشرات النمو التي حققتها الوزارة في تلك القطاعات إلى جانب عدد من المبادرات الجديدة التي تعكف الوزارة على تنفيذها خلال الفترة المقبلة، والتسهيلات والتحديثات الجديدة التي أجرتها الوزارة على "منصة عُمان للأعمال"، بالإضافة إلى تسهيل إجراءات بدء الأعمال التجارية وتشجيع المستثمرين على إقامة مختلف المشروعات التي ترفد الاقتصاد الوطني وتعزز النشاط الاقتصادي، إضافة إلى تحسين وتسهيل الأعمال على المستثمرين.
وناقش اللقاء البرنامج الوطني لتنمية القطاع الخاص والتجارة الخارجية "نزدهر"، والذي يأتي ضمن البرامج الوطنية في محور الاقتصاد والتنمية لـ "رؤية عُمان 2040"، ويعمل على تكثيف الجهود الوطنية لاستقطاب الاستثمارات، وإيجاد بيئة محفزة للاستثمار وتنمية الصادرات العُمانية في الخطة الخمسية العاشرة (2021 – 2025).
ويهدف البرنامج إلى تمكين سلطنة عُمان لتصبح وجهةً تنافسية للاستثمار، وبيئةَ أعمال نشطة في منظومة التجارة العالمية من خلال تطوير شراكات بين سلطنة عُمان ومجتمعي الأعمال المحلي والدولي.
وقدم عدد من أعضاء مجلس الشورى ملاحظاتهم واستفساراتهم التي تركزت على ضرورة العمل الجاد لزيادة مساهمة الصناعة والتجارة والاستثمار في الناتج المحلي.