غزة- ما بين القتل والتهديد به، تحيط بالصحفيين الفلسطينيين في قطاع غزة مخاطر جمة، تجعلهم يحملون أرواحهم على أكفهم، وهم يتنقلون في الميدان، لتغطية تطورات الحرب الإسرائيلية على القطاع المحاصر، والتي تزداد شراسة مع دخولها الشهر الثاني على التوالي.

وإضافة إلى الجرائم المباشرة التي ارتكبها جيش الاحتلال بحق صحفيين وعائلاتهم أسفرت عن شهداء وجرحى، تمارس إسرائيل ومنظمات مؤيدة تحريضاً غير مسبوق في حدته وخطورته اعتبرته نقابة الصحفيين الفلسطينيين "دعوة لاستهدافهم وقتلهم".

ونشر موقع وزارة الخارجية ووسائل إعلام إسرائيلية أسماء وصور صحفيين فلسطينيين، يعمل عدد منهم لصالح وكالات أنباء عالمية، واتهمتهم -بالاستناد إلى تقرير صادر عن منظمة "هونيست ريبورتنغ" (Honest Reporting) المنحازة لدولة الاحتلال- بأنهم كانوا على دراية بموعد الهجوم الذي نفذته حركة المقاومة الإسلامية (حماس) على "مستوطنات غلاف غزة" في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

في بؤرة الاستهداف

ويشعر الصحفيون الفلسطينيون بخطر حقيقي من ترجمة هذا التحريض إلى جرائم ترتكبها قوات الاحتلال سواء بحقهم أو ضد عائلاتهم، مثلما حدث مع الصحفي مثنى النجار، وهو من أوائل الصحفيين الذين تعرضوا لتحريض يرقى إلى محاولة التصفية الجسدية الصريحة من أوساط إسرائيلية مع بدء معركة "طوفان الأقصى".

ومنذ الأيام الأولى للحرب الإسرائيلية على غزة، يتردد اسم النجار في مواقع إعلامية ومنصات التواصل الاجتماعي في إسرائيل، على خلفية ظهوره داخل مستوطنات "غلاف غزة" في مقاطع مصورة نشرها موقع محلي يعمل لصالحه.

ولم يتوقف الأمر عند التحريض، إذ استهدفت مقاتلات حربية إسرائيلية، في الأسبوع الأول للحرب، منزله ومنزل عائلة زوجته، شرقي مدينة خان يونس جنوب القطاع.

ونجت أسرة النجار من غارة جوية استهدفت منزله في بلدة خزاعة المتاخمة للسياج الأمني الإسرائيلي، شرق مدينة خان يونس، وبعد لجوء زوجته بأطفالهما إلى منزل عائلتها في بلدة بني سهيلا المجاورة، استهدفتهم غارة جوية في غضون 24 ساعة فقط، وأسفرت عن شهداء وجرحى من بينهم والد زوجته وشقيقها.

وعقب هذا الاستهداف، قال النجار للجزيرة نت إنه يشعر بقلق حقيقي على حياته وأفراد أسرته، ليس لجريمة اقترفها، وإنما عقاباً له على تأديته لمهمته الصحفية المهنية.

وقال الدكتور تحسين الأسطل نائب نقيب الصحفيين الفلسطينيين -للجزيرة نت- إن التحريض الإسرائيلي المتصاعد ينذر بجرائم جديدة ضد الصحفيين، واصفاً ما يتعرض له النجار وزملاؤه بأنه "تحريض مبرمج" تقوده مستويات رسمية بحكومة الاحتلال، وتعززه بالاستناد لتقارير منظمات منحازة لها، ومناوئة للحقوق الفلسطينية.

 

تحريض على القتل

وخلال العدوان، أدى تحريض هذه المنظمات ضد صحفيين فلسطينيين -يعملون لصالح وكالات أنباء عالمية- إلى وقفهم من قبل هذه الوكالات مؤقتاً عن العمل وحتى التحقيق في الاتهامات الموجهة ضدهم.

وقال أحد هؤلاء للجزيرة نت، مفضلاً إخفاء هويته، إن تقريراً تحريضياً ضده نشرته منظمة "هونيست ريبورتنغ" الصهيونية المنحازة لإسرائيل، يتهمه بـ "معاداة السامية" أوقفه عن العمل مؤقتاً، ولم تفلح محاولاته للدفاع عن نفسه وثني الوكالة عن قرارها، كي يتمكن من العمل في تغطية تطورات الحرب على غزة.

وقال الأسطل إن الصحفيين في غزة يعملون بأجواء ميدانية خطرة للغاية، وتمارس عليهم ضغوط كبيرة جراء تحريض مثل هذه المنظمة المنحازة للاحتلال. ودافع بقوة عن الصحفيين الفلسطينيين الذين أثبتوا لعقود طويلة انحيازهم للمهنية.

وتدّعى حملات التحريض على النجار وزملائه أنهم "كانوا على علم مسبق" بالهجوم الذي دشن لمعركة "طوفان الأقصى". وقال نائب نقيب الصحفيين "أحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول استمرت بضع ساعات كانت خلالها بعض مستوطنات غلاف غزة مفتوحة للجميع، ومن الطبيعي أن يصلها الصحفيون لتوثيق ما يجري، وأي ادعاء بأنهم كانوا على علم مسبق بها خبيث هدفه التحريض على استهدافهم، ومحاولة لتبرير جرائم الاحتلال بحقهم".

كان أكتوبر/تشرين الأول الأسوأ بتاريخ الصحافة العالمية لعدد الصحفيين الذين استشهدوا بالقصف الإسرائيلي (غيتي)

وقال الأسطل إن الطعن بمهنية الصحفيين، خاصة أولئك الذين يعملون مع وكالات ووسائل إعلام أجنبية، سواء باتهامهم بالارتباط بفصائل فلسطينية، أو "معاداة السامية" هدفه "تفريغ" هذه الوكالات والوسائل من زاوية التغطية والرواية الفلسطينية، واقتصارها على الاحتلال وما يصدره من "روايات كذب وتضليل".

وفي بيان لها، دعت النقابة وكالات الأنباء ووسائل الإعلام الأجنبية للتحقق الجدي وتوخي المهنية والمسؤولية قبل اتخاذ أي قرارات او إجراءات بحق الصحفيين الفلسطينيين، ودعت إلى "توفير حماية دولية ميدانية للصحفيين، وضمان بيئة عمل آمنة لهم، والتسريع بفتح تحقيق دولي في مجمل الجرائم ضدهم وتقديم قتلتهم والمحرضين عليهم للمحاكم الدولية".


الأسوأ بتاريخ الصحافة العالمية

وقالت النقابة إن أكتوبر/تشرين الأول الماضي "كان الأسوأ في تاريخ الصحافة العالمية لحجم الضحايا من الصحفيين الذين ارتقوا بفعل مجازر قوات الاحتلال الإسرائيلي".

وبحسب توثيق "لجنة الحريات الصحفية" بالنقابة، فقد "ارتقى خلال هذا الشهر 40 صحفياً فلسطينيا، بالإضافة لعدد غير محدد من نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي، الذين استهدفهم الاحتلال بالقتل والاعتقال والقصف والملاحقة".

واستهدف جيش الاحتلال نحو 62 مؤسسة إعلامية بالقصف والتدمير الكلي أو الجزئي، ودمّر أكثر من 70 منزلاً لصحفيين وعائلاتهم في عمليات استهداف مقصودة راح ضحيتها نحو 200 شهيد من عائلات الصحفيين.

ويعتقد رئيس لجنة الحريات بالنقابة محمد اللحام أن عدد الضحايا لجرائم وانتهاكات الاحتلال قد يكون أكبر وأخطر مما ذكر، وذلك بفعل صعوبة العمل بدقة في غزة، بسبب العدوان الذي يحد من التنقل والمتابعة الدقيقة.

واستند اللحام لتقارير مؤسسات دولية خاصة برصد الانتهاكات في العالم "والتي لم تشهد في تاريخها قتل 44 صحفيا في شهر واحد على المستوى العالمي، حيث سجلت معدل استشهاد 50 صحفياً سنويا في كل العالم".

وعامي 2021 و2022 سجل 86 ضحية من الصحفيين وفق المؤسسات الدولية، أي أن الصحفيين الفلسطينيين في أكتوبر/تشرين الأول فقدوا أكثر من نصف الصحفيين من ضحايا جرائم الحرب والانتهاكات خلال عامين مما يؤكد، وفقا للحام، أن "هذا الشهر هو الأسوأ على الإطلاق في تاريخ الجرائم العالمية بحق الصحفيين".

وقال رئيس المرصد "الأورومتوسطي لحقوق الإنسان" الدكتور رامي عبدو -للجزيرة نت- إن دولة الاحتلال تعمل على "تغطية" جرائمها بحق الصحفيين في غزة، بالقتل واستهداف عائلاتهم داخل المنازل، عبر حملة مضادة تقودها ما سماها "ماكينة تعمل على مدار الساعة وتنتهج سياسة اكذب ثم اكذب".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: الصحفیین الفلسطینیین أکتوبر تشرین الأول للجزیرة نت

إقرأ أيضاً:

حملة اعتقالات إسرائيلية في الضفة الغربية

جدد الجيش الإسرائيلين اليوم الأحد، حملات المداهمة والاعتقالات في مناطق متفرقة من الضفة الغربية.

وبحسب وكالة الأنباء الفلسطينية "وفا": اعتقلت قوات الجيش الإسرائيلي، منذ مساء السبت وحتى صباح اليوم الأحد، 12 فلسطينياً على الأقل من الضّفة، بينهم أسرى سابقون.

عمليات الاعتقال توزعت على محافظات طولكرم، والخليل، ونابلس، وجنين، وأريحا، رافقها اعتداءات وتهديدات بحقّ المعتقلين وعائلاتهم pic.twitter.com/aW4JmejDkP

— Wafa News Agency (@WAFA_PS) November 24, 2024

وأوضحت هيئة شؤون الأسرى والمحررين، ونادي الأسير، أن عمليات الاعتقال توزعت على محافظات طولكرم، والخليل، ونابلس، وجنين، وأريحا، رافقها اعتداءات وتهديدات بحقّ المعتقلين وعائلاتهم، إلى جانب عمليات التخريب والتدمير في منازل الفلسطينيين.

إلى جانب ذلك، يواصل الجيش الإسرائيلي اقتحام بلدة المغير شمال شرق رام الله، وينفذ عمليات تحقيق ميداني لعشرات المواطنين، علماً أن الاستجواب الميداني تصاعد مؤخراً بشكل كبير في كافة المحافظات، وطالت المئات من الشبان.

يُشار إلى أن عدد حالات الاعتقال منذ بدء حرب الإبادة المستمرة والعدوان الشامل على أبناء شعبنا، بلغ أكثر من 11 ألف و 800 مواطن من الضّفة، بما فيها القدس.

يذكر أنّ المعطيات المتعلقة بحالات الاعتقال، تتضمن المعتقلين من الضفة دون غزة، والتي تقدر أعدادهم بالآلاف.

مقالات مشابهة

  • حملة اعتقالات إسرائيلية في الضفة الغربية
  • تحقيق لأسوشيتد برس: حملة قمع إسرائيلية ضد الفلسطينيين المقيمين في إسرائيل الذين يعبرون عن رفضهم للحرب في غزة
  • فرض “حل” على الفلسطينيين لن ينهي صراع الشرق الأوسط مع إسرائيل
  • إدارة بايدن تحذر إسرائيل من وقف اعتقال المستوطنين المدانين بمهاجمة الفلسطينيين بالضفة الغربية
  • المجلس الدولي للاتصالات يعتمد قرارا حول حماية الصحفيين الفلسطينيين
  • شاهد بالفيديو.. القائد الميداني للدعم السريع “جلحة” يعود لتصريحاته المثيرة: نرفض السلام ونحن القوم الذين يأتون في آخر الزمان وقال فيهم الله عز وجل: (بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد)
  • ارتفاع عدد الشهداء الصحفيين منذ بدء عدوان الاحتلال على قطاع غزة إلى 189 شخصا
  • ارتفاع حصيلة الشهداء الصحفيين في قطاع غزة مع تواصل العدوان الوحشي
  • الأعلى عالمياً.. حصيلة مروعة لاستهداف المرافق الصحية في لبنان
  • إسرائيل توقف أوامر اعتقال المستوطنين بتهمة الاعتداء على الفلسطينيين