يفتتح فيلم "الشجاعة" (Sisu) بشرح معنى الكلمة الفنلندية (اسم الفيلم) التي يكاد لا يوجد لها مقابل، والتي يمكن ترجمتها إلى العربية كالتالي: "قوة الإرادة والتصميم والمثابرة والتصرّف بعقلانية في مواجهة الشدائد. السيسو ليست شجاعة مؤقّتة، ولكنها القدرة على الحفاظ على تلك الشجاعة".

من هذه الكلمة ذات الحروف الأربعة ندلف إلى الفيلم الذي يتحدث خلال أكثر من 90 دقيقة عن معنى الشجاعة المطلقة، شجاعة الشخص الذي خسر كل شيء ما عدا حياته، لذلك لا يخشى أخذ القتال والعنف إلى حدودهما القصوى.

شجاعة ألا تمتلك شيئا لتخسره

الحرب العالمية الثانية تضع أوزارها، وتحصل فنلندا على أوامر من الحلفاء بطرد الجيش النازي منها، ولكن هذه الفصائل الباقية لا تخرج من البلاد من دون خيط جديد من الدم يتبع خطاها، فيواجهون عقبة تفسد عليهم هذا الخروج العنيف، وتجعلهم يلاقون مصيرا لم يتخيلوه.

ذلك هو ملخص حبكة فيلم "الشجاعة" (Sisu) الفنلندي الذي عُرض للمرة الأولى في مهرجان تورنتو السينمائي، ثم عالميا، محققا نجاحا تجاريا ونقديا، ما أحيا لدى مخرجه (غالماري هيلاندير) أملا بأن يعيد تقديم التجربة في جزء ثانٍ.

يفتتح الفيلم في فنلندا، ويعرفنا على بطله أتامي كوربي، محارب سابق، نعرف من خلال الأحداث أنه فقد كل أسرته بسبب الحرب، ويمضي أيامه في بحث يائس عن الذهب وحيدا. وبشكل مفاجئ، يجد عرقا من المعدن النادر كفيلا بتغيير حياة قرية وليس فقط حياته، فيكسره ويضعه في حقائبه القماشية المهترئة، ويتجه إلى المدينة مستعدا لدخول عالم الأثرياء.

تتقاطع رحلة أتامي مع خروج سرية من الجيش النازي، دبابة وعربات حربية عدة، وجنود يعلو وجوههم اليأس ومجموعة من النساء الفنلنديات تم أخذهن كسبايا، يتعرضن للاعتداءات بشكل مستمر.

يبدو منظر الرجل العجوز مستفزا لتنمر الشباب الألمان، فيقرّرون قتله على سبيل التسلية، ومن هنا تبدأ الحكاية الحقيقية.

أتامي، الرجل العجوز، الذي يبدو مسكينا، مكلوما، مقطّع الثياب، يتحوّل فجأة إلى آلة قتل عنيفة للغاية، شيطان قادر على الهرب من الموت بمعجزة تلو الأخرى. يُخرج القائد النازي عن طوره، يقاتله حتى بالدبابة، ولكن كل الأسلحة الثقيلة لا تعني شيئا لرجل يائس.

وعلى مدار 91 دقيقة، نشاهد هذه المطاردة المحمومة بين جنود النازي والعجوز أتامي، فالفيلم الذي التزم بالقواعد الأرسطية الثلاث، وحدة الزمان والمكان والموضوع، وضع المشاهد في قلب المعركة مباشرة بعد تمهيد قصير، وما على المشاهد سوى اللهاث وهو لا يتخيل كم العنف الذي يمكن أن يقوم به بشري للانتقام من شخص أذل كبرياءه، فيبدو الأمر في النهاية كرجل بمدفع ذري يطارد ذبابة، ويدمر كل من حوله من أجل هذا المطلب المستحيل.

"أكشن" على طريقة تارنتينو

في مسيرته التي لم تتجاوز 9 أفلام، ترك المخرج الأميركي كوينتين تارنتينو علامة بارزة في فن السينما، خصوصا أفلام "الأكشن"، وتحديدا طريقة تصوير المشاهد الدموية. بالطبع، هو لم يكتب نقطة بداية تصوير هذه المشاهد بالصورة التي نراها الآن، فالفضل في ذلك يرجع إلى فيلم "بوني وكلايد" (Bonnie and Clyde) الذي أنتج في 1967، الذي شاهد فيه الجمهور للمرة الأولى القتل العنيف بصورة مقرّبة، وشعروا بالدماء الحقيقية تتناثر حولهم في دور العرض.

ولكن لمسة تارنتينو تمثلت في خفة الظل التي تصاحب أشد اللقطات عنفا، دم يتطاير، وأعضاء بشرية تُنتزع من الأجساد في منتهى العنف، ولكن في الوقت ذاته لا يستطيع المشاهد أن يحيد ببصره لثانية واحدة، بل يستمتع ويضحك أيضا.

من الوهلة الأولى، نلاحظ التشابه بين فيلم "الشجاعة" أو "سيسو" وأفلام تارنتينو، بداية من تقسيمه إلى فصول لكل منها عنوان، وحتى استخدام لون ونوع الخط المكتوبة بها هذه العناوين. ولكن النقطة الأهم تكمن في مشاهد "الأكشن" الدموية والمثيرة.

كما أنه لا يمكن عدم ملاحظة تأثر مخرج الفيلم بأفلام "الويسترن" أو الغرب الأميركي، خصوصا الـ"سباغيتي ويسترن" (Spaghetti Western) التي قدمها المخرج الإيطالي الرائد سيرجيو ليوني.

في بعض المشاهد يمكن الخلط بسهولة بين بطل الفيلم أتامي والممثل الكبير كلينت إيستوود عندما كانت الصحراء حليفته في حربه ضد الأشرار في أفلام مثل "الطيب والشرس والقبيح" (The Good, the Bad and the Ugly) و"من أجل حفنة دولارات" (For a Few Dollars).

لدينا هنا رجل وحيد أمام كتيبة جنود ودبابة، ولكن الفيلم يدفعنا إلى تصديق أنه أسطورة، فيتصاعد الأمل بقدرته على هزيمتهم جميعا، بل والتنكيل بهم!

على الجانب الآخر، العدو هو مجموعة من الجنود النازيين الذين يتسلون بتخريب المدن، وقتل المدنيين والعزل، والاعتداء الجنسي على نساء البلد. هؤلاء مثال لكل ما يرغب المشاهد في القضاء عليه بعنف، وبالتالي يتماهى مع أتامي الذي يكسر كل قواعد المنطق وينجو من الموت المحتّم، مثل الشنق.

ويقع كل هذا العنف على خلفية من الطبيعة الفنلندية. الفيلم من تصوير كغيل لاغيرروس الذي استغل نور الشمس الطبيعي، وكل حبة رمل وجبل وبحيرة في منطقة التصوير لإبراز هذا التضاد الواضح، بين جمال خلق الله، ووحشية الإنسان.

حقق فيلم "شجاعة/ سيسو" معدل 94% على موقع "روتن توماتوز" (Rotten Tomatoes) من النقاد. ومع قدرته على تغطية ضعف موازنته، أصبحت هناك الكثير من الإشارات الدالة على عودته مرة أخرى بجزء ثانٍ، لنرى النسخة العجوز من جون ويك المنتقم مرة أخرى.

المصدر: الجزيرة

إقرأ أيضاً:

النائبة إيمان العجوز: خطة إعمار غزة دون تهجير «إحياء للأمل والحياة» في القطاع

قالت النائبة إيمان العجوز عضو لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس النواب، إن خطة إعمار غزة التي أعلنتها القيادة الفلسطينية تمثل خطوةً تاريخيةً نحو تحقيق العدالة التنموية والاجتماعية لأهالي القطاع، الذين عانوا من ويلات الحروب والتدمير، مشيرة إلى أن هذه الخطة بمثابة إحياء للأمل والحياة في القطاع.

إعادة إعمار غزة

وأضافت في بيان، أن هذه الخطة، التي تُركّز على إعادة الإعمار دون تهجير السكّان، وتُعبر عن رؤيةٍ واضحةٍ تُقدّم الإنسان الفلسطيني أولًا، وتُحافظ على حقوقه في العيش بكرامة على أرضه.  

وشددت إيمان العجوز على أن هذه الخطة ليست مجرد مشروع إنشائي، بل هي مشروعٌ وطنيٌ وإنسانيٌ يتطلب تضافر الجهود الدولية والإقليمية لضمان نجاحه، ومصر، بقيادة الرئيس عبدالفتاح السيسي، كانت ولا تزال في طليعة الدول الداعمة للقضية الفلسطينية، سواء عبر الوساطة السياسية الحكيمة أو عبر المساعدات الإنسانية والإنشائية التي تُقدّمها لقطاع غزة.

تسخير الخبرات المصرية في مجال الهندسة

وواصلت: "نحن في مجلس النواب نؤكد دعمنا الكامل لهذه الخطة، ونسعى لتسخير كافة الخبرات المصرية، خاصة في مجال الهندسة وإعادة الإعمار، للمساهمة في تنفيذها".

ودعت المجتمع الدولي إلى دعم هذه الخطة الطموحة، والمساهمة في تنفيذها عبر القنوات الرسمية المتفق عليها، مع الاحترام الكامل لسيادة الشعب الفلسطيني وخياراته.

مقالات مشابهة

  • مغردون: الفيديو الأخير للقسام أكثر المشاهد عبقرية بالحرب النفسية
  • المليشيا الإرهابية تركب التونسية!
  • ( برد العجوز ) موجة برد قوية تضرب السعودية.. هذه تفاصيلها
  • أيام العجوز.. رياح باردة تودع فصل الشتاء
  • كاميرون هديسون: من المثير للاهتمام رؤية البيان الفاتر من الأمم المتحدة الذي يحذر من إنشاء الدعم السريع لحكومة موازية ولكن دون إدانته
  • جيش الاحتلال الإسرائيلي: المشاهد الأولية للمحتجزين الـ3 تظهر أنهم بوضع صحي جيد
  • النائبة إيمان العجوز: خطة إعمار غزة دون تهجير «إحياء للأمل والحياة» في القطاع
  • المملكة تستعد لموجة برد العجوز: انخفاض حاد في درجات الحرارة بدءًا من اليوم
  • الرئيس الأمريكي يؤكد أهمية الاستثمارات التي تولد عوائد مالية خلال كلمته في النسخة الثالثة لقمة الأولوية بميامي
  • برودة شديدة ورياح عاصفة: برد العجوز يبدأ في 25 فبراير