قال الدكتور علي جمعة، مفتي الجمهورية السابق وعضو هيئة كبار العلماء،إن  ربنا سبحانه وتعالى: يقول {خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ } إذاً الختم لم يتم على الإبصار إنما تم على القلب والسمع الإبصار عليه الغشاوة.

والختم صفة من صفات القلب ومن صفات السمع، الله قد وصف هذه القلوب بصفات منها الختم ومنها الطبع ومنها الران ومنها القفل {أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} عشر صفات كل واحدة تستر القلب عن معناً معين ، فقد  شاهدنا الشخص الذى لا يؤمن بالله يشعر أنه فى جحيم فقلنا له : أخرج عن الجحيم وأمن بالله ، فيقول : لا أستطيع.

{وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ} إًذا هناك درجة من درجات الكفر لا عودة بعدها حتى لو أمره عقله بها لا يستطيع،إذًا  لا حول ولا قوة إلا بالله. 

فالختم معناه عندما كانوا يختموا الرسالة يغلقوها فلا تفتح ؛ فالختم حالة من حالات الإغلاق مع قرار بعدم الفتح نسأل الله السلامة ، وهنا فإنه من شدة كفره وطول مدته وإيبائه وأذيته للعالمين فإن الله عز وجل يختم له بالسوء والعياذ بالله تعالى، وهذا تحذير للمؤمنين بل ولغير المؤمنين أن يصلوا إلى هذه الحالة.

واشار الي انه يجب علينا ألا نغلق الباب على أنفسنا فربنا وهو يقول:{خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ } يحذر الناس أجمعين أن يستدرجوا إلى هذه المرتبة المنحطة التي لا يستطيع ولو أراد أن يعود مرة أخرى ، أفق أيها الإنسان قبل أن تصل إلى هذا الحال لأنه لو ختم على قلبه فإنه سوف يختم على سمعه ؛ وإذا ختم على سمعه لا يستجيب للنصيحة ، لا يستجيب لنداء العقل ،لا يستجيب لنداء الفطرة ، لا يستجيب لنداء الناس ممن حوله ، لا يستجيب ويأخذ فى عناده وفى كفره وحينئذ يودي بنفسه قبل غيره إلى التهلكة دنيا وأخرى {خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ } فلن يرى الحق حقاً فلا يستطيع أن يقرأ مضبوط ويحلل مضبوط الوقائع التى أمامه ، فلم يختم على عينه فعينه ترى من رحمة الله ولكن { وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ }  وذلك نتيجة للعناد واستمرار الكفر .

تفسير قوله تعالى "اليوم نختم على أفواههم" 

يقول الله سبحانه واصفاً حال الكفار، والعياذ بالله: { ٱلْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَىٰ أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَآ أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } [يس: 65].

قال الإمام الراحل محمد الشعراوي في تفسيرة للآية السابقة، "نختم على أفواههم" أي نضرب عليها فلا يستطيعون الكلام، فالأفواه مَنَاط الكلام، وقبل أن يختم الله على أفواههم في الآخرة ختم على قلوبهم في الدنيا، بالأمس ختم اللهُ على القلوب فلا يدخلها إيمان ولا يخرج منها كفر، واليوم ختم الله على الأفواه ومنعهم الكلام، حتى لا يعتذرون ولا يستغفرون.

وأضاف فالمقام هنا مقام حساب لا عمل، فلا جدوى من الاستغفار، ولا فائدة من الاعتذار، بل انتهى أوان الكلام والمنطق، ولم يعُد للسان دَوْر، اليوم تُغْلَق الأفواه وتُقيَّد الألسنة لتنطق الجوارح.
وتأمل بعدها: { وَتُكَلِّمُنَآ أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } [يس: 65] القياس كان يقتضي أنْ يقول الحق سبحانه { 1649;لْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَىٰ أَفْوَاهِهِمْ } [يس: 65].

وتابع: ومثلها: ونُنْطِق أيديهم ونُشهِد أرجلهم، لكن السياق القرآني هنا مختلف، فبعد أنْ يختمَ اللهُ على أفواههم تُكلمنا أيديهم تطوعاً لا أمراً، وتشهد أرجلهم تطوعاً لا أمراً، فلم نقل للأيدي: تكلمي، ولم نقل للأرجل: اشهدي.

واستطرد: وإنما تطوعتْ هذه الجوارح بالشهادة، مع أنها هي نفس الجوارح التي بُوشِرت بها المعاصي والذنوب في الدنيا، ومع ذلك تشهد لا على نفسها، إنما على النفس الواعية التي أخضع اللهُ لها الجوارح، وأمرها أن تسير وِفْق مرادها، ورهْنَ إشارتها في الدنيا.أما ونحن الآن في الآخرة، وقد تحررتْ الجوارحُ من تبعيتها للنفس الواعية، وأصبح الملْكُ كله والتفويض كله لله تعالى، فالآن تتكلم الجوارحُ بما تريد، وتشهد بما كان أمام الرب الأعلى سبحانه.

وسبق أنْ مثَّلْنَا هذه المسألة بالكتيبة من الجيش يرسلها القائد الأعلى، وعلى الكتيبة أن تطيع أوامر قائدها المباشر، ولو كانت الأوامر خاطئة، إلى أن تعود إلى الأعلى، فتشكو له ما كان من القائد المباشر، هكذا الجوارح يوم القيامة.
وأكد: فإنْ قلتَ: فلماذا أسند التكلم للأيدي، والشهادة للأرجل؟ نقول: لأن جمهرة الأعمال عادة تُسند إلى الأيدي، حتى لو كان المشي وسيلة العمل، وطالما أن الأيدي تتكلم، فكأنها أصبحتْ مُدَّعية تحتاج إلى شاهد فتشهد الأرجل.
أما مسألة: كيف تنطق الأيدي، فالذي أنطق اللسان وهو قطعة من لحم ودم قادر على أنْ يُنْطِق باقي الأعضاء الأيدي أو غيرها، وما دام الفعلُ لله تعالى فلا داعيَ للسؤال عن الكيفية، ثم إن الأيدي بها من الأعصاب أكثر مما بأعضاء الكلام.

وقوله تعالى: { بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } [يس: 65] ولم يقُلْ: بما كانوا يعملون، لأن هناك فرقاً بين إنسان يُقبل على المعصية لكنه لا يفرح بها، بل يندم عليها ويعاقب نفسه على ارتكابها، وآخر يعتبر ارتكاب المعصية مكسباً فيفرح بها، ويتحدث عنها ويتباهى بارتكابها.

ومن حيث التحقيق اللغوي لمادة (كسب)، فإن هذا الفعل يأتي مجرداً (كسب)، ويدل على الربح في البيع والشراء، وعلى العمل يأتي من الإنسان طبيعياً، لا تكلُّفَ فيه ولا افتعال، وغالباً ما يُستخدم في الخير.

ويأتي هذا الفعل مزيداً بالهمزة والتاء (اكتسب)، ويدل على الافتعال والتكلّف، وتُستخدم هذه الصيغة في الإثم، وأوضحنا هذه المسألة فقلنا: إن الإنسان حين يفعل الخير يأتي الفعلُ منه طبيعياً تلقائياً، أما الشر فيتلصص له ويحتال، ذلك لأن الخير هَيِّن ليِّن سهل مقبول، أما الإثم فشَاقٌّ مخجل.

أنت حين تجلس مثلاً بين أهلك ترى زوجك أو بناتك أو عمتك أو خالتك.. الخ وفيهن الجميلات والحسان، وأنت تنظر إليهن جميعاً دون تكلُّف ودون خجل، لأنه أمر طبيعي، أنا مع غير المحارم ومع مَنْ يحرم عليك النظر إليهن، فإنك تسرق النظرة وتحتال لها، حتى لا ينكشف أمرك، ولا يطلع أحد على نقيصتك.

فإذا جاءت كسب محل اكتسب، فاعلم أن صاحب المعصية ومرتكب الإثم قد تعوَّد عليه وألِفه، حتى أنه يفعله كأمر طبيعي فلا يخفيه ولا يستحي منه، بل يجاهر به، فَعَدّ الاكتساب في حقه كسباً، كما في هذه الآية: وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ }.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: ع ل ى أ ب ص ار ه م ع ل ى ق ل وب ه م ی ک س ب ون ختم على غ ش او ة

إقرأ أيضاً:

"هات الكلام" برنامج ساخر يناقش قضايا مجتمعية على قناة "البيداء"

الرؤية - ناصر العبري

تتواصل في هذه الأيام تصوير حلقات البرنامج الساخر "هات الكلام"، والذي يناقش مواضيع اجتماعية بطريقة فكاهية، من خلال استقطاب الفنانين المسرحيين وفنانين الإذاعة والتيلفزيون.

ويتم من خلال البرنامج تصوير مقاطع فيديو هادفة ومناقشتها في جلسة حوارية لتوصيل المعلومة وإيجاد الحلول مثل قضايا الغش والمخدرات والإسراف وتربية الأبناء والكثير من القضايا التي تهم المجتمع.

وقال الدكتور هلال عبدالله العريمي معد ومذيع البرنامج "في تصري لـ"الرؤية": "سعينا في هذا البرنامج لاستقطاب العديد من الفنانين والمؤثرين في المجتمع لنطرح العديد من المناقشات التي تصب في مصلحة المجتمع".

يشار إلى أن حلقات البرنامج من إعداد وتقديم هلال عبدالله العريمي، ومن إخراج غيدق صبار، وفي التنسيق والمتابعة أحمد المرهون، وفي الإشراف العام محمد بن تمان المعشني.

وسيتم بث برنامج هات الكلام على منصة البيداء والتي دأبت على إنتاج البرامج الوثائقية والتراثية، والتي أصبحت مرجعا للتراث العماني الأصيل لكثير من المتابعين والباحثين في هذه المجالات.

مقالات مشابهة

  • «بشارة عظيمة».. تفسير رؤية الحج في المنام
  • ما تفسير حلم غرق المنزل بالماء؟ حزن قادم أم خير
  • احتجاج وشكاوى من نقص الأدوية والأطباء لمرضى غسيل الكلى
  • عميد أوجلة: ما يقارب 30٪ من مزارع المدينة متضررة من حشرة سوس النخيل
  • بشرطين.. دولة آسيوية تقترح استقبال فلسطينيين من غزة مؤقتا
  • تفسير حلم تناول الفسيخ في المنام
  • "هات الكلام" برنامج ساخر يناقش قضايا مجتمعية على قناة "البيداء"
  • تفسير رؤيا الأطفال في المنام لابن سيرين
  • سخاء الكلام لغزة قطع وريد الحياة عنها
  • تفسير حلم البطيخ لابن سيرين والنابلسي