بيروت – في وتيرة يومية وتصاعدية بعد عملية "طوفان الأقصى"، تستمر الاشتباكات على طول حدود لبنان الجنوبية بين حزب الله وقوات الاحتلال الإسرائيلي، وتبدو على هيئة حرب صغيرة أدت لتهجير آلاف الأسر من القرى الحدودية.

في هذا الوقت، يتسع الحراك الدبلوماسي والسياسي في المنطقة ولبنان، وتصل رسائل غربية وأميركية لبيروت بغية منع اتساع رقعة الحرب في قطاع غزة، إذ يأخذ بعضها طابعا تهديديا كما جاء على لسان مسؤولين أميركيين حذروا من انخراط حزب الله، ومن خلفه إيران وحلفاؤها بحرب شاملة، بينما يوحي بعضها الآخر بطابع تفاوضي، كون أن أطراف الصراع لا تريد حربا شاملة على أكثر من جبهة، رغم حشد الأساطيل الحربية الأميركية بالمتوسط، وتبني الرئيس الأميركي جو بايدن وجهة النظر الإسرائيلية بالحرب ضد غزة.

وبعد خطاب الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، الذي قرأ فيه كثيرون معطيات بأن جبهة الجنوب اللبناني لن تنفجر لتبلغ حربا شاملة، زار بيروت قبل أيام المبعوث الأميركي لشؤون أمن الطاقة العالمي، ومستشار الرئيس الأميركي آموس هوكشتاين للقاء المسؤولين، وأبرزهم رئيس مجلس النواب نبيه بري، ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي، وقائد الجيش جوزيف عون، ومدير الأمن العام السابق اللواء عباس إبراهيم.

هوكشتاين، وهو صاحب الدور التاريخي ببيروت لرعايته اتفاقية ترسيم الحدود البرية بين لبنان وإسرائيل بواسطة أممية وأميركية العام الماضي، حملت زيارته رسائل متعددة لبنانيا وإقليميا، وكان واضحا بإعلان هدفه من الزيارة في منع تمدد الحرب إلى لبنان، وإعادة الاستقرار المعمول به جنوبا ضمن قواعد الاشتباك التقليدية المكرسة بالقرار 1701 بعد حرب أيلول/تموز 2006، الذي عزز انتشار قوة الأمم المتحدة المؤقتة (يونيفيل) جنوب لبنان.


من رسائل عسكرية لدبلوماسية

يعدّ الخبير وأستاذ العلاقات الدولية اللبناني رئيف خوري أن عنصر المفاجأة لزيارة هوكشتاين اقتصر على الوسط الإعلامي والسياسي المحلي، "لأنه جاء بقرار أميركي مسبق ومحضر، كونه شارك باجتماعات وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في عمّان والقاهرة والدوحة ومسقط".

ويعتقد الخبير عبر الجزيرة نت، بأن العمل جار على أهداف الزيارة وأهمها إيصال رسالة دبلوماسية لحزب الله لضرورة امتناعه عن توسيع الحرب جنوبا، كما يجد بأن هوكشتاين انتقل من "حامل الرسائل النفطية لحامل الرسائل السياسية العسكرية"، بعد اختباره سلوك التفاوض غير المباشر مع حزب الله أثناء مفاوضات ترسيم الحدود البحرية، أو عبر الوسيط اللواء عباس إبراهيم.

ويعتقد رئيف خوري بأن الرسائل الأميركية تتعدى حزب الله إلى حركتي المقاومة الإسلامية (حماس) والجهاد الإسلامي، خاصة حول مصير الأسرى حاملي الجنسية المزدوجة أميركية- إسرائيلية. ويقول المتحدث بأن هوكشتاين صديق شخصي ومستشار لبايدن، ومطلع على أدق التفاصيل والخفايا، وقد يكون من أصحاب معادلة "لكي نمنع حزب الله من توسيع رقعة الحرب الدائرة بغزة، علينا محاورة إيران".

وبعد إقصاء روبيرت مالي عن المفاوضات الأميركية مع إيران، يتردد -حسب رئيف- اسم هوكشتاين لإيصال الرسائل لإيران، ورغم أنه عاش سابقا في إسرائيل وخدم بجيشها أثناء التجنيد الإجباري، فإن "هناك تمايزا بين ما أصرّ عليه بلينكن من خطاب تصعيدي، وما يحمله هوكشتاين من خطاب تفاوضي".

وعليه، يرجح رئيف عدم انزعاج حزب الله من مضمون زيارة هوكشتاين، ويتحدث عن مساعٍ أميركية في بيروت للبحث عن وسطاء تربطهم علاقة جيدة بالفصائل الفلسطينية للتفاوض حول مصير الرهائن، "لكن حماس قد تصر على حصر الدور التفاوضي بقيادتها، عبر كل من الدوحة والقاهرة، مع دور ثانوي لأنقرة".

حراك دبولوماسي

من جانبه، يربط الكاتب والمحلل السياسي داود رمال، حراك هوكشتاين بزيارة بلينكن لبغداد، توازيا مع زيارة رئيس الحكومة العراقي محمد شياع السوداني لطهران، ولقائه كبار القيادات من المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي إلى الرئيس إبراهيم رئيسي، وهو ما قد يشي برسالة مفادها أن لا نية لواشنطن بتوسيع الحرب، والمطلوب وقف العمليات العسكرية ضد القواعد الأميركية.

أما المطلوب من بيروت، برأي داود، فهو دعوة الدولة اللبنانية لتحمل مسؤولية الالتزام بالقرار 1701، ومسؤولية إطلاق الفصائل الفلسطينية للصواريخ من مناطق عمليات (يونيفيل) أو خارجها، ويتحدث عن تبليغ هوكشتاين من مسؤولين لبنانيين عدم نية حزب الله بتوسيع رقعة الحرب مع إسرائيل.

ومع ترقب القمة العربية الطارئة وما سيصدر عنها، ثمة أسئلة تتقدم حسب داود "هل هناك خريطة طريق عربية لها علاقة بمستقبل التسوية السلمية؟ وهل سيعيد العرب تأكيد المبادرة العربية للسلام في 2002 التي أقرت في بيروت، كسقف لهذا المسار السياسي الذي من المفترض أن ينطلق بعد حرب غزة؟".

وعليه، قد يكون لبنان برأيه جزءا من المسار السياسي "مع أولوية وقف إطلاق النار بالجنوب"، ويعتقد المحلل أن واشنطن وحلفاءها الغربيين، قد تجاوزوا مع حزب الله مرحلة التهديد، إلى الربط بين مصلحة لبنان وضرورة الالتزام بالقرار 1701.

أين لبنان الرسمي؟

وعند السؤال عن دور لبنان الرسمي بإطار حرب انخرط بها حزب الله، يجد رئيف خوري بأن لا دور للدولة والحكومة اللبنانية سوى تقديم الشكاوى عبر وزارة الخارجية أو السفراء، ويقول "دور الحكومة مغيب منذ الصراع على سد شغور الرئاسة اللبنانية، رغم المخاطر العالية المترتبة على التهديدات الإسرائيلية".

بالمقابل، يجد داود رمال بأن "موقف الدولة اللبنانية هو الدعوة للالتزام بالقرار 1701، مع تحميل إسرائيل مسؤولية انفجار جبهة الجنوب لأنها بموقع المعتدي، وأن المطلوب وقف الحرب في غزة حتى تهدأ مختلف الجبهات".

أما عن موقف حزب الله من الحراك الدبلوماسي كعامل ضغط على بيروت، فيقول رئيف، إن حزب الله يرد على الرسائل المعلنة والخفية بسلوك لا تفهم منه إسرائيل تقديم الطمأنينة على طبق من فضة.

ومع وضع حسن نصر لله خطا أحمر على مسألة القضاء على حماس، وأنه لن يسمح بذلك، يجد خوري بأن توسيع الحرب جنوبا دونه مخاطر تتعلق بسوريا وبالحشد الشعبي العراقي وبالحوثيين في اليمن، أما ميدانيا "يستنسب حزب الله الرد الواقعي على الاعتداءات الإسرائيلية، والخلاصة أن إسرائيل لا تريد توسيع الحرب لتشمل لبنان وسوريا، والحزب لا يريد توسيع الحرب لتشمل الأرض اللبنانية".

ويعتقد داود بأن حزب الله يواصل سياسة "الغموض البناء"، وعدم الرد بالتطمينات على طروحات وأسئلة الموفدين والدبلوماسيين في بيروت، ولذا "هناك توزيع أدوار بين حزب الله صاحب القرار الميداني، والسلطة السياسية التي تعكس الموقف الدبلوماسي".

والطارئ حاليا، حسب داود، فهو أن إسرائيل بعد وقف إطلاق النار بغزة -إذا حصل- وبعدما تغيرت قواعد الاشتباك، "لن يكون بمقدورها استباحة الأجواء اللبنانية لاحقا، أو تنفيذ اعتداءات من الأجواء اللبنانية ضد سوريا، أو فرض وقائع ميدانية متصلة بالحدود البرية".

أما القضية المغيبة، حسب داود رمال، فتتعلق بالجانب الفرنسي والشركات الأوروبية وعلى رأسها "توتال"، التي يعمل فريقها الاستكشافي على الحفر حتى عمق 5000 آلاف متر تقريبا، بعد ترسيم الحدود البحرية، ومدى الالتزامات التجارية تجاهها.

فبعد وقف إطلاق النار، "قد يتبدل التعاطي الفرنسي مع ملف (البلوكات) النفطية، لأن الأداء مشبوه حاليا، ويخضع للمشيئة الأميركية، لتحديد ما إذا كان هناك مخزونات تجارية من الغاز بالبحر اللبناني".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: توسیع الحرب بالقرار 1701 حزب الله

إقرأ أيضاً:

الرئيس الصربي يحذر: الحرب بين حزب الله وإسرائيل ستجر الغرب والشرق لصراع عالمي

أكد الرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش في لقاء تلفزيوني أن الصراع بين "حزب الله" اللبناني وإسرائيل، الذي أصبح حتميا تقريبا من شأنه أن يجر الغرب والشرق إلى المواجهة العسكرية.

أول دولة أوروبية تدعو مواطنيها لمغادرة لبنان في أقرب وقت ممكن

وأشار فوتشيتش على شاشة تلفزيون "برفا" إلى أن سياسة الغرب المناهضة لروسيا قد تؤدي أيضا إلى صراع عالمي.

وفي السياق ذاته، حذر الجنرال تشارلز براون، رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة من أن أي هجوم إسرائيلي على لبنان قد يزيد مخاطر نشوب صراع أوسع تنجر إليه إيران والمسلحون المتحالفون معها.

وكانت صحيفة "الأخبار" اللبنانية كتبت أن تنظيمي "كتائب حزب الله بالعراق" و"حركة النجباء" أعلنا استعدادهما للمشاركة إلى جانب "حزب الله" في حال موافقته، على "مواجهة أي عدوان إسرائيلي محتمل على لبنان".

ونقلت الصحيفة عن مصادر في "المقاومة الإسلامية" في العراق أن هذين الفصيلين المسلحين أدليا بهذا الموقف خلال اجتماع بين فصائل المقاومة العراقية ووزير الخارجية الإيراني بالإنابة علي باقري كني.

من جانبه قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، : "لست مستعدا لإبقاء الوضع على حاله في الشمال ونجري استعداداتنا لكن لا يمكنني الخوض في تفاصيل خططنا".

وتابع: "نعرف أن لديهم (حزب الله) أهدافا، ونحن منخرطون في دفاع قوي. نحن مستعدون لأسوأ الاحتمالات. إبعاد حزب الله وإزالته فعليا، لن يتم عبر الاتفاقيات على الورق، سيتعين علينا فرض هذا الأمر، علينا إعادة السكان إلى منازلهم في الشمال، ونحن نعمل على ذلك".

المصدر: RT

مقالات مشابهة

  • ترقّب لمحادثات هوكشتاين ولودريان اليوم.. والموفد الاميركي يقترح حصر العمليات في شبعا
  • ماكرون يحذّر نتنياهو: لمنع اشتعال الوضع بين إسرائيل وحزب الله
  • قصف بين حزب الله وإسرائيل وسموترش يدعو لإقامة منطقة عازلة داخل لبنان
  • The Spectator: احتمالات الحرب بين حزب الله وإسرائيل حقيقية.. ليس أمامنا سوى الانتظار
  • خبير استراتيجي: الحرب بين حزب الله وإسرائيل مسألة وقت.. والمنطقة مقبلة على خراب
  • مخاوف فرنسية من حرب نتنياهو بعد خطاب الكونغرس
  • حزب الله وإسرائيل.. الحرب تسابق التسوية
  • الرئيس الصربي يحذر: الحرب بين حزب الله وإسرائيل ستجر الغرب والشرق لصراع عالمي
  • نصر الله يتحدّث.. وإسرائيل تصغي
  • يديعوت: حرب لبنان لا أحد يريدها.. رسالة حازمة من واشنطن