تحيي دولة الكويت اليوم السبت الذكرى الحادية والستين لإقرار الدستور الكويتي الذي أعده المجلس التأسيسي باعتباره الوثيقة الأساسية التي تحدد نظام الدولة وتنظم العلاقة بين السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية.
ويستذكر الكويتيون بمشاعر غامرة من الاعتزاز والفخر هذه المناسبة الوطنية التي تحتفي بذلك السجل الخالد الذي أكد تمسكها بمسيرة الديموقراطية وشدد على حقوق المواطن المدنية ولا سيما حقه في التعبير والتمسك بثوابت العدل والحرية والمساواة وتكافؤ الفرص بين المواطنين.


وتستعيد ذاكرة الكويت يوم الحادي عشر من نوفمبر عام 1962 حينما صادق أمير الكويت الراحل الشيخ عبدالله السالم على دستور الكويت الذي شكل علامة فارقة في مسيرة البلاد وتاريخ الحياة السياسية فيها.
ويمثل صدور دستور 1962 مرحلة فاصلة في تاريخ الكويت ومسيرتها الديموقراطية إذ توج التجارب السياسية الديموقراطية والجهود التي بذلها أبناؤها لعقود لاسيما الوثيقة الدستورية عام 1938 التي مهدت لولادة دستور عام 1962 وهي الوثيقة المهمة والأبرز في تاريخ البلاد.
وسبق إقرار الدستور إصدار الشيخ عبدالله السالم في 26 أغسطس 1961 مرسوما أميريا يتعلق بالنظام الأساسي لفترة الانتقال وإجراء انتخابات للمجلس التأسيسي الذي يهدف إلى وضع دستور دائم للبلاد.
وفي يناير عام 1962 ألقى الأمير الراحل الشيخ عبدالله السالم كلمة في افتتاح المجلس التأسيسي قال فيها «بسم الله العلي القدير نفتتح أعمال المجلس التأسيسي الذي تقع على عاتقه مهمة وضع أساس الحكم في المستقبل».
وانتخب أعضاء المجلس عبداللطيف محمد ثنيان الغانم رئيساً للمجلس التأسيسي فيما انتخب الدكتور أحمد الخطيب نائبا له.
وفي الجلسة السادسة من عمر المجلس التأسيسي تم تشكيل لجنة الدستور وضمت خمسة أعضاء هم عبداللطيف الغانم رئيس المجلس التأسيسي والأمير الوالد الراحل الشيخ سعد العبدالله وكان حينها وزيرا للداخلية ورئيس لجنة إعداد مشروع الدستور، وحمود الزيد الخالد وزير العدل عضوا منتخبا، ويعقوب يوسف الحميضي عضو المجلس وأمين سر اللجنة، وسعود عبدالعزيز العبدالرزاق عضو المجلس التأسيسي.
وعرضت اللجنة المشروع النهائي للدستور على المجلس التأسيسي الذي أقره بإجماع أعضائه في جلسة عقدت في الثالث من نوفمبر 1962 ثم قدم المجلس مشروع الدستور إلى الشيخ عبدالله السالم الذي صادق عليه وأصدره في 11 نوفمبر 1962 وفق الصورة التي أقرها المجلس ونشر في الجريدة الرسمية في اليوم التالي لصدوره.
ويتألف الدستور الكويتي من 183 مادة موزعة على خمسة أبواب أولها عن الدولة ونظام الحكم والثاني عن المقومات الأساسية للمجتمع الكويتي والثالث عن الحقوق والواجبات العامة.
ويتطرق الباب الرابع إلى السلطات ويشتمل على خمسة فصول الأول عن الأحكام العامة والثاني عن رئيس الدولة والثالث عن السلطة التشريعية والرابع عن السلطة التنفيذية والخامس عن السلطة القضائية فيما احتوى الباب الخامس من الدستور على الأحكام العامة والمؤقتة.
وأجريت أول انتخابات برلمانية شاملة في الكويت بموجب أحكام الدستور الجديد لاختيار أعضاء مجلس الأمة في يناير 1963 وكانت إيذانا ببدء الممارسة السياسية تحت ظل أحكام الدستور الوليد.
ومرت المسيرة الديموقراطية في الكويت بالعديد من المحطات والأزمات السياسية وكان الدستور طوال هذه المسيرة الحصن المنيع في مواجهة الكثير من التحديات الداخلية والخارجية لا سيما كارثة الغزو العراقي الغاشم في أغسطس 1990 حين توحد الكويتيون في الداخل والخارج قيادة وشعبا تحت ظل الشرعية وراية القيادة الحكيمة.
وبعد تحرير البلاد من براثن الاحتلال العراقي عام 1991 صدر مرسوم أميري بتشكيل حكومة جديدة لإعادة الإعمار والبناء.
وفي أبريل من العام نفسه ألقى الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد كلمة قال فيها إن «الشورى والمشاركة الشعبية في أمور البلاد كانت طبيعة الحياة في بلدنا ولها طرق عدة إلا أن عودة الحياة النيابية هي ما اتفقنا عليه في المؤتمر الشعبي بجدة» وهو ما تحقق في أكتوبر 1992 حينما عادت الحياة النيابية مرة أخرى ليمارس مجلس الأمة مهامه التشريعية والرقابية.
وانتهج أمراء الكويت اللاحقون في كل المناسبات والخطابات نهج سلفهم الأمراء السابقين في تأكيد تمسكهم بالدستور وحرصهم على ترسيخه باعتباره يمثل العقد الاجتماعي بين الحاكم والشعب إضافة إلى ترسيخ مبادئ الديموقراطية وحسن استخدامها.
فقد أكد على ذلك أمير الكويت الراحل الشيخ صباح الأحمد في كلمته بدور الانعقاد العادي الثالث من الفصل التشريعي الـ3 لمجلس الأمة في 26 أكتوبر عام 2010 حين قال «لقد جاء دستورنا حاضنا لهذه الديموقراطية مبينا بأحكامه اختصاص كل سلطة وحدودها وصلاحياتها وكل تجاوز على هذه الأحكام هو تجاوز على الدستور نفسه وتعد لا يخدم المصلحة العامة ولا يحقق الغايات الوطنية المنشودة».
ولطالما أكد سمو أمير البلاد الشيخ نواف الأحمد في مناسبات عدة الحرص على التمسك بالدستور والقانون والحفاظ على الوحدة الوطنية باعتبارها السياج الذي يحمي الكويت والكويتيين والحصن لمجابهة التحديات.
ففي كلمته في جلسة مجلس الأمة في الثلاثين من سبتمبر عام 2020 التي أدى فيها سموه اليمين الدستورية أميراً للبلاد، قال سموه: «نؤكد اعتزازنا بدستورنا ونهجنا الديموقراطي ونفتخر بكويتنا دولة القانون والمؤسسات وحرصنا على تجسيد روح الأسرة الواحدة التي عرف بها مجتمعنا الكويتي والتزامنا بثوابتنا المبدئية الراسخة».
كما أكد على ذلك سمو ولي العهد الشيخ مشعل الأحمد في مناسبات عدة منها كلمته التي ألقاها في الجلسة الخاصة لمجلس الأمة لتزكية سموه في الثامن من أكتوبر عام 2020 حين قال إنه سيرفع شعار المشاركة الشعبية وسيعمل على إشاعة روح المحبة والتسامح ونبذ الفرقة ويسعى إلى رسم صورة مشرقة لمستقبل الكويت تحمل ديموقراطية الاستقرار وتغليب المصلحة الوطنية العليا في إطار الدستور ومنهجها العدالة ورائدها العيش الكريم.
ورغم التحديات والأزمات السياسية التي تشهدها البلاد فكان دستور 1962 والتمسك بأحكامه ملجأ لتجاوزها باعتباره المرجعية ووثيقة الحكم ومنهجا ديموقراطياً في ادارة البلاد.

المصدر: الراي

كلمات دلالية: المجلس التأسیسی الراحل الشیخ

إقرأ أيضاً:

الميثاق والدستور والمداورة في الحقائب الوزارية

كتب القاضي سليم جريصاتي في" نداء الوطن": قيل الكثير، وكتب الكثير، ونسب الكثير الى مداولات الطائف، وقال رئيس الجمهورية ما قاله في خطاب القسم، كما قال رئيس الحكومة المكلّف ما قاله بشأن تخصيص حقيبة لطائفة معينة. الا ان الحل يبقى في "الكتاب"، اي الدستور الذي استقى مقدمته وبعض احكامه من "وثيقة الوفاق الوطني" التي أقرها مجلس النواب تمهيدا لتعديل الدستور في ضوئها، الامر الذي حصل بالقانون الدستوري الصادر بتاريخ 31-9-1990. اما الرجوع الى محاضر الطائف الحبيسة، انما يكون كأي رجوع الى محضر، غالبا لتفسير النص الوضعي الذي اقرّ في ضوء المداولات التي دونت فيه، وليس لاعادة صوغه او الاضافة عليه، وذلك من منطلق ان المحضر يعتبر من قبيل "الاعمال التمهيدية" (travaux préparatoires) التي هي مصدر من مصادر تفسير النصوص. هذا مع العلم ان محاضر الطائف وثقت مداولات الوثيقة، التي انتهت الى ميثاق خطي، في حين ان المحضر الذي يصلح مباشرة لتفسير الدستور انما هو محضر جلسة مجلس النواب بالتاريخ المذكور اعلاه. من هنا ان مقاربة هذه المسألة انما تصح من هذا المنطلق الميثاقي والدستوري من دون اي كيدية او تعبير عن غلبة او فرض رأي او سوء نية باستغلال اوضاع نفسية معينة لدى طيف من اطياف الوطن او تعمّد تعطيل انشاء السلطات الدستورية صحيحا لاسباب سلطوية محض، من أنّى اتت هذه التصرفات او الاقوال الرعناء. في الشكل، يجب مراعاة مسار التأليف كما هو موصوف في الدستور، اي تسمية رئيس الجمهورية رئيس الحكومة المكلّف بالتشاور مع رئيس مجلس النواب واستنادا الى استشارات نيابية ملزمة يطلعه رسميا على نتائجها، ومن ثم قيام رئيس الحكومة المكلّف باجراء استشارات نيابية غير ملزمة لتأليف الحكومة، واخيرا صدور مرسوم تأليف الحكومة عن رئيس الجمهورية بالاتفاق مع رئيس مجلس الوزراء.
اما في المضمون، فيجب ان تمثل الطوائف بصورة عادلة في التشكيلة الوزارية، لا سيما ان كلا من المادتين 17و 65 من الدستور ناط السلطة الاجرائية بمجلس الوزراء، وان المادة 66 من الدستور اعطت حيثية دستورية مستقلة للوزير (الذي لم يعد فقط من اعوان رئيس الجمهورية الذي كان يتولى السلطة الاجرائية) ، وان خاتمة مبادىء مقدمة الدستور المقتبسة حرفيا من المبادىء العامة الواردة في مستهل وثيقة الوفاق الوطني، تنص صراحة ان لا شرعية لاي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك، هذا المبدأ الذي اوصى العلاّمة الراحل ادمون ربّاط بتطبيقه على اي مسؤول اعتمد نهجا او موقفا او اتى فعلا تتبدى منه بوادر انقسامات طائفية.
ثانيا- كل هذا يعني ان اي ممارسات لا تمت بصلة الى المبادىء والنصوص والآليات اعلاه ولا ترتكز اصلا الى اعراف نهضت عن ممارسات متواترة وراسخة في معرض تأليف الحكومات، انما يتوجب اهمالها، كي لا تؤسس عليها تدابير، تفاقم الخطأ ولا تصلحه، على ما هي حال المطالبة بتخصيص حقيبة وزارية لطائفة معينة.
ثالثا- لم يخصص الدستور حقائب وزارية لطوائف معينة، واكتفى بما جاء في الفقرة (أ) من المادة 95 منه لجهة ان "تتمثل الطوائف بصورة عادلة في تشكيل الوزارة"، والمقصود المناصفة بين المسيحيين والمسلمين، ونسبيا بين مذاهب كل من الفئتين، على ما يمكن استنباطه من المادة 24 من الدستور. ان المشرّع الدستوري لم يقحم ماهية الحقائب الوزارية في عدالة التمثيل، ذلك ان كل الحقائب الوزارية جميعها تتساوى من حيث المشاركة في السلطة الاجرائية التي ناطها الدستور بمجلس الوزراء مجتمعا، حيث يكون لكل وزير صوت عند التصويت، سواء تولى حقيبة، مهما كانت، او لم يتولّ اي حقيبة. هذا ولم تأت الوثيقة بما يخالف ذلك لاي جهة في حال اعتبرنا ان ما لم يدخل منها في صلب الدستور اضحى مجرد تعهدات وطنية يمكن الركون اليها عند الحاجة.
رابعا- ان التعمّق في مواد الدستور يقودنا الى الآتي:
ان الفقرة (ب) من المادة 95 من الدستور التي قضت بالغاء قاعدة التمثيل الطائفي في الوظائف العامة، انما استثنت الفئة الاولى وما يعادلها من هذا الالغاء، بحيث تبقى وظائف هذه الفئة "مناصفة بين المسيحيين والمسلمين من دون تخصيص اي وظيفة لاية طائفة...".
خامسا- اضافة الى كل ذلك، وتحديدا فيما يتعلق بحقيبة المالية، ان تخصيصها للطائفة الشيعية الكريمة بحجة المشاركة في صناعة القرار الاجرائي، لا يستقيم ميثاقا ودستورا، ذلك ان المشاركة في السلطة الاجرائية تتم في عضوية مجلس الوزراء الذي ناط به الدستور السلطة الاجرائية، على ما شرحت، وان القول بأن وزير المالية هو من يقوم بالتوقيع الثالث او الرابع على معظم المراسيم المتخذة في مجلس الوزراء او المراسيم العادية، هو قول لا يصلح ايضا حجّة للتخصيص والتثبيت، بمعزل عن حسن الممارسة او سوئها، ذلك ان من شأنه ان يرتقي بهذا الوزير من طائفة معينة تستأثر بهذه الحقيبة الى مرتبة تسمو مرتبة رئيس الجمهورية المنتمي الى طائفة معينة عرفا منذ الاستقلال. في الخلاصة، الحقيبة ليست حكرا لاي طائفة ولا يمكن حجب اي طائفة عن اي حقيبة، والوزراء متساوون في مجلس الوزراء الذي يمارس السلطة الاجرائية بالارتكاز الى احكام الدستور. اما الاخطر، فهو ان هذه الاشكاليات المصطنعة انما تعيق انطلاقة العهود الرئاسية الواعدة، او تهدد استمرارها على نهج مرن ومتوازن عند انتاج الحكومات، او تؤسس لأزمة نظام وطروحات بديلة لا يملك لبنان ترف الغوص فيها الان، وهو يعاني ما يعانيه من ازمات حادة على جميع الصعد، وأخرها عدم التزام اسرائيل بمندرجات اتفاق وقف الاعمال العدائية واستمرار احتلالها اراض لبنانية.

مقالات مشابهة

  • السويد تسعى لإقرار قانون يتيح للشرطة "التنصت" على الأطفال دون الـ15 عاما
  • مباراة فاصلة بين البشائر والسيب لحسم لقب دوري السلة
  • السوداني يدعو مجلس النواب لإقرار الموازنة دون تغيير
  • الميثاق والدستور والمداورة في الحقائب الوزارية
  • تأجيل محاكمة متهمين بـ "خليه داعش قنا" لـ 25 فبراير
  • تأجيل محاكمة المتهمين بقضية «داعش قنا» لـ25 فبراير
  • تأجيل محاكمة متهمين في قضية خلية داعش قنا
  • ارسلان من قصر بعبدا : للعودة الى روحية الدستور والترفع عن المطالب الخاصة
  • "خلية داعش قنا" على الطاولة| نظر محاكمة المتهمين خلال ساعات
  • ترامب يلمح لولاية رئاسية ثالثة