يقول الأميركيون إنهم لا يريدون لهذه الحرب أن تتوسع، ويشاركهم الرأي الأوروبيون، ويضبط الإسرائيليون أنفسهم بِحُرقة وهم يتلقون الضربات في الشمال منعا لهذه الحرب من التوسع.
والواقع أن ردع إسرائيل لم يتآكل فقط بل إنه انتهى فعلا وأن تصريحات قادة دولة الاحتلال «بحرق لبنان» أو «بتدميره مثل غزة» إذا اشترك في الحرب، لا تعطيهم ردعا ولا قوة لأن جبهة الشمال مفتوحة وتعمل بشكل نشط وتضربهم كل يوم، وأن عدم قصفهم العشوائي للبنان يكشف فقط كم هم مردوعون وكم هي رغبتهم شديدة في ألا تتوسع الحرب أكثر.
لم يعد هنالك شك في أن إسرائيل لا تستطيع مواجهة أكثر من جبهة في نفس الوقت، ولو كانت المسألة غير ذلك لما حضرت أميركا لحمايتها ولما وقفت معها ومدتها بالسلاح بريطانيا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا.
هذه دولة «عاجزة» وأكثر ما يمكنها فعله هو قتل النساء والأطفال وتدمير المستشفيات والمدارس والمساجد وبيوت الآمنين، وتدميرها من الجو ومن دبابات مصفحة. ولأنها بهذا الضعف، لا يخجل وزير تراثها، عميحاي إلياهو، من الدعوة لاستخدام السلاح النووي لإخضاع غزة.
إن هذه الدولة التي منحها الغرب قوة تدميرية هائلة لا تريد توسيع الحرب لسبب بسيط، وهو عجزها عن التعامل مع جبهة الشمال التي ساعدتها الجغرافيا على امتلاك سلاح أكثر تطورا وأكثر قدرة على التدمير تحمي به نساءها وأطفالها ومدارسها ومستشفياتها.
ولو امتلكت غزة هذا السلاح لما تجرأت هذه الدولة المارقة على ارتكاب المجازر بحق أطفالها ونسائها، لكنه قضاء الله، ولعنة الجغرافيا، وظلم الأخ الشقيق الذي حرم أخاه من الحق بامتلاك ما يمكنه من الدفاع عن أطفاله.
إذا كان العالم لا يريد لهذه الحرب أن تتوسع حتى تتمكن إسرائيل من تحقيق أهدافها في غزة، فهل يكون القرار بتوسيع الحرب هو الحل لمنع إسرائيل من تحقيق أهدافها؟
رأيي أن هذا هو الحل، لكن هنالك من يقول إن أميركا وحلفاءها حضروا للمنطقة ليس لاستعراض قوتهم ولكن للتدخل حماية لإسرائيل.
هذا تقدير صحيح، لكن أميركا وحلفاءها الغربيين لا يريدون أن يتورطوا مجددا في منطقة الشرق الأوسط. هم أصلا مشغولون في أوكرانيا ولديهم جبهة يعدون لها مع الصين، وآخر ما يريدونه هو الانشغال بالشرق الأوسط مجددا.
لقد أشغلتهم غزة وحدها في الأسابيع الأربعة الماضية عن روسيا والصين، فكيف إذا توسعت الجبهة لتشمل الشمال وربما سورية والعراق واليمن. هذا آخر ما يريدونه.
والأسوأ هو أن قيامهم بالرد للدفاع عن إسرائيل سيغرقهم أكثر في وحل هذه المنطقة وسيفرض عليهم تسخير مقدرات جديدة لهذه المنطقة لخدمة حربهم، وهو ما سيحرمهم من فرصة تحقيق أي انتصار في صراعهم مع روسيا والصين.
هذا يعني أن الغرب سيكون أمام خيارين: إما المسارعة في وقف الحرب على غزة والشمال وإما الغرق في وحل الشرق الأوسط مجددا وخسارة الصراع مع روسيا والصين، والخيار الأفضل لهم سيكون وقف الحرب. الدول الغربية في النهاية أذكى من أن تبيع نفسها ومصالحها لإسرائيل، الدولة التي يُفترض أنها تحمي مصالحهم في المنطقة وليس العكس.
إن دولة الاحتلال التي كانت حتى قبل السابع من أكتوبر «تتحجز» لضرب إيران انكشفت، وظهرت هشاشتها وضعفها، ومشاهد قتل الأطفال والنساء في غزة، لن تعطيها صورة نصر، ولن تعيد لها الردع، ولن تلغي صورة هزيمتها يوم السابع من أكتوبر.
إن توسيع الجبهة الشمالية ونقلها إلى حرب مفتوحة هو بالتأكيد قرار كبير ستكون نتيجته دمارا هائلا للبنى التحتية في لبنان، ومقتلا للآلاف من أبنائه، ونزوحا لمئات الآلاف منهم. إن نتيجته قد تكون أضعاف الدمار التي حدثت في لبنان العام ٢٠٠٦.
إن هذا بلا شك يضع على صانعي القرار في جبهة المقاومة في الشمال حملا كبيرا لا يمكن تصوره، ويفرض عليهم الإجابة عن عدد من الأسئلة قبل اتخاذ قرار الدخول في حرب مفتوحة، ومن الأسئلة المهمة التي تجب الإجابة عنها أربعة على الأقل:
هل الدخول الكامل في الحرب سيمنع إسرائيل من تحقيق أهدافها في غزة؟ هل ستضطر المقاومة لمحاربة الأساطيل الغربية في المنطقة؟ هل توسيع الحرب سيجبر إسرائيل على التوقف عن استهداف المدنيين فيها؟ هل تستحق هذه الأهداف تعريض لبنان لنفس حجم الدمار الذي تتعرض له غزة؟
هذه أسئلة يجيب عنها قادة المقاومة في الشمال، فهم أكثر معرفة بمعطيات الحرب وأدرى بظروفهم، لكن في نظري إن توسيع الحرب ضروري للأسباب الآتية:
أولا، لا يمكن السماح بأن تستمر إسرائيل بجرائمها ووحشيتها في غزة لأن الغرب المتوحش لا يرغب في إيقافها، ولأن العالمين العربي والإسلامي كالعادة عاجزان أمام إسرائيل، ولم يبقَ بعد الله غير جبهة جديدة تُفتح لإيقافها، وهذا ممكن لأن الغرب غير معني بتوسيع حرب لا تخدم مصالحه.
هل سيدخل الغرب على خط هذه الحرب حماية لإسرائيل؟ بالتأكيد، لكن الغرب لن يدخل بكامل ثقله ولن يكون معنيا باستمرار الحرب لفترة طويلة، وهو بالتأكيد غير راغب بالعودة للشرق الأوسط لأن ذلك لا يخدم مصالحة وسيعمل على وقف الحرب بسرعة.
ثانيا، إنها فرصة لقلب كل المعادلات، هذا لا يعني أنه ستكون هنالك ضربة قاضية تعيد الأراضي المحتلة، لكن أي مفاوضات سياسية تُبنى على الحرب بعد إيقافها، ستكون نتيجتها تحرير هذه الأراضي.
إنها فرصة لم يطلبها أحد ولم يتوقعها أحد ولكنها أصبحت قائمة وحقيقية. ثمن الحرب كبير جدا بلا أدنى شك، لكن نتائجها ليست في صالح إسرائيل، والغرب سيكون معنيا بوقف الحرب بشكل سريع، ووقف الحرب سينتج مسارا سياسيا يعيد الحد الأدنى من الحقوق لأصحابها.
ثالثا، إن خسارة غزة لا تعني فقط أن إسرائيل سترتاح لسنوات من الجبهة الجنوبية، ولكنها تعني أنه سيكون بإمكان إسرائيل بعد غزة حشد كامل قوتها للتخلص من الجبهة الشمالية فهي لن تغفر للمقاومة في الشمال قيامها بدعم المقاومة في الجنوب، وستعمل على القيام بضربة وقائية انتقامية تدميرية للضاحية الجنوبية في بيروت، وربما دون أن ترسل دباباتها لاحتلالها ودون أن يتجاوز جيشها الخط الأزرق.
هذه الضربة في تقديري ستكون انتقامية هدفها تذكير لبنان بقدرتها على تدميره عندما تشاء، ولن يهمها قيام الشمال بعدها بإطلاق مئات الصواريخ كرد انتقامي، فهي ستكون قد ركزت جهودها على هذه الجبهة لتتمكن من تخفيف خسائرها.
هذا يعني أن لبنان في المحصلة سيتعرض للدمار سواء فُتحت الجبهة الشمالية بشكل كامل، أم بقيت جبهة إسناد وإشغال كما هي الآن.
رابعا، إن استمرار الحرب وسقوط غزة سيحدث هزيمة وقهرا نفسيا في داخل كل إنسان عربي، وهذا سيضعف فكرة المقاومة، وفكرة وحدة الساحات، وأي عمل جماعي لاحق، وسيتم استغلاله لإحداث شرخ في الشارع لإضعاف المقاومة.
بقي أن نقول إن توسيع الحرب لن يحمي المدنيين سريعا، لكنه في النهاية سيوقف الحرب، وهذا سيحميهم.
إن قرار توسيع الحرب أو إبقاءها كما هي الآن ليس سهلا. قيادات المقاومة بالتأكيد تعرف أكثر ولديها معلومات ومعطيات تقر بناء عليها، لكن في رأي المتواضع، توسيع الحرب يوقفها ويفتح مسارا سياسيا يؤدي إلى استعادة الحقوق بحدودها الدنيا دون أن تتمكن إسرائيل أو حلفاؤها من نزع سلاح المقاومة أو إضعافها.
(الأيام الفلسطينية)
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه لبنان غزة المقاومة لبنان غزة المقاومة طوفان الاقصي مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة توسیع الحرب جبهة الشمال فی الشمال هذه الحرب فی غزة
إقرأ أيضاً:
اليوم عودة إلى الشمال وغدا للقدس.. مشاهد رجوع النازحين لغزة تغضب إسرائيل
قالت دانا أبو شمسية، مراسلة قناة «القاهرة الإخبارية»، إن النازحين العائدين إلى ديارهم المدمرة في شمال قطاع غزة كانوا يرددون شعارات تعبّر عن الأمل والإصرار، منها: «اليوم عودة إلى شمال قطاع غزة، وغدًا العودة إلى مدينة القدس».
لن نخضع.. لميس الحديدي تعلق على مشهد النازحين العائدين لمنازلهم بغزةالمنظمات الأهلية الفلسطينية: نعمل على توفير مستلزمات الإيواء والمواد الطبية اللازمة للنازحينوأوضحت أن هذه المشاهد والعبارات أثارت انزعاج قادة الاحتلال الإسرائيلي، وخاصة قادة المستوطنين، من بينهم إيتمار بن غفير، وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي المستقيل، والذي استقال بسبب الهدنة بين تل أبيب وحركة حماس.
وأضافت أبو شمسية، خلال رسالة مباشرة على الهواء، أن بن غفير علّق على مشاهد عودة النازحين: «ما يحدث هو استسلام مطلق من إسرائيل، وليس النصر المطلق الذي وعد به نتنياهو».
وأشارت إلى أن رئيس حكومة الاحتلال كان قد توعد بتحقيق نصر كامل على فصائل المقاومة الفلسطينية، خاصة في شمال قطاع غزة، الذي كان مخططًا لفصله عن الجنوب بموجب ما يسمى بخطة الجنرالات.
وأكدت مراسلة «القاهرة الإخبارية» أن بن غفير وصف الوضع الحالي في قطاع غزة بأنه عودة إلى يوم 6 أكتوبر، أي ما قبل الحرب، دون أن تحقق إسرائيل أي إنجاز يُذكر.
وذكرت، أن حركة حماس ما زالت تحتفظ بقدراتها العسكرية وسيطرتها على القطاع، مما يزيد من تعقيد الموقف بالنسبة للاحتلال الإسرائيلي.