أهلاً بكم إلى “مقبرة الأطفال”… هنا غزة
تاريخ النشر: 10th, November 2023 GMT
ولدنا، ونحن لا نعرف التفريق بين سوريا وفلسطين، وتبنينا تسمية “سوريا الكبرى”، لتظلّ فلسطين في موقع القلب من جغرافيتنا، وليظلّ عزّ الدين القسام الاسم الألمع في تاريخنا الحديث. لكن قبل التاريخ والجغرافيا كان الفلسطينيون بيننا، في كل قرية وبلدة ومخيم، وكان نصيبي منهم قبيلة من نبلاء الروح، أولهم ابن قريتي زميل المدرسة الابتدائية رشاد الكرمي ابن العائلة التي اشتُهرت عربياً في القرن الماضي، من خلال برنامج ثقافي في الراديو العربي، لهيئة الإذاعة البريطانية بي بي سي.
وفي مرحلة الدراسات العليا وضعتني الصدف، مع أرقّ، وأنبه فلسطيني عرفته، وهو فوزي الحاج صاحب النكتة اللمّاحة، والذكاء المتقد. كنت أظنّه مثلي لن ينفع في السلك الأكاديمي الذي يحتاج، إلى الكثير من الرصانة، وتصنّع الجدية، لكنه خيّب ظنّي، وصار أكاديمياً لامعاً بأبحاثه المبتكرة، وتمّ اختياره عميداً لكلية الآداب، في جامعة الأزهر في غزة.
أمّا الأديب الذي عرّفني على الروح الفلسطينية الحقيقية، فهو الكاتب الراحل أميل حبيبي صاحب رواية “الوقائع الغريبة في اختفاء سعيد أبي النحس المتشائل”، وكنت قد انتقدته انتقاداً مرّاً، هو وسميح القاسم في مقالات لي بكتاب “عكس التيار… مشاغبات ثقافية معاصرة”، لكن ما إن عرّفني عليه الصديق المشترك، والمثقف المغربي الكبير محمد بن عيسى في منزله ذات صيف، في إحدى مهرجانات أصيلة، حتى تعانقنا كأصدقاء قدامى، وما لبث أن شدّني من يدي بعنف، وانتحينا عن زحام المثقفين جانباً، وسألني ضاحكاً: “بس بدي أعرف كيف عرفت أنو عندي مركب في حيفا”.
وكان هذا المركب في قلب الانتقادات التي كنا نوجهها لأميل حبيبي، وتقوم على فرضية أن الشيوعي بروليتاري معتر لا يملك شيئاً، وليس من المعقول أن يمتلك حماراً، فما بالك بقارب ضخم في البحر الأبيض المتوسط!
وما زلت أضحك لليوم، وأنا أتذكر الطريقة التي وصف بها أميل حبيبي ذلك اليوم قاربه المُخلّع الصغير الذي بالكاد يشتغل، وبما فوق الكاد كان يجد له المازوت، ونحن اعتبرناه، دون التأكد من تفاصيله “يختاً”، وتهمة تقتضي القصاص من مرتكبها.
أيامها كان فريق منا، نحن “المثقفين السوريين المعترين” يعتبر البقاء في فلسطين المحتلة تحت سلطة الإسرائيليين، جريمة أكبر، من جريمة امتلاك شيوعي لقارب، وحكاية انتقاد سميح القاسم، ومحمود درويش بعنف وفظاظة، حين خرجا تحت العلم الإسرائيلي، في مهرجانات دولية من القصص المشهورة في أدبيات السبعينات، ولطالما اُضطرا، للدفاع عن ذلك الموقف، أمّا أميل حبيبي الذي تحدّى “ديماغوجيا” تلك المرحلة، وطلب أن يُكتب على قبره “باقٍ في حيفا”، فكان يرى أن ذلك هو الموقف الطبيعي الوطني والإنساني، وها نحن اليوم، مع نكبات التهجير القسري المتتالية في سوريا وفلسطين، نُدرك جذرية ذلك الموقف المُشرّف الذي جعلتنا أزمنة التضليل الإعلامي، للأنظمة التي تتاجر بقضية فلسطين، نعتبره الموقف الخاطئ، مع أنه الموقف الأصحّ، في مسار النضال الوطني لأيّ شعب.
وكنت أظنّ لعمر مديد أني لا أعرف شعباً معجوناً بفلسطين، كالشعب السوري، ثم أتت حقبة خلط الأوراق، خلال الثورة السورية، فصرنا نشكّ بكلّ شيء خصوصاً بعد ما شهدناه من ارتكابات أوغاد جماعة أحمد جبريل، وجيش التحرير الفلسطيني بحقّ ثوّار سوريا.
صحيح أننا رأينا تدمير مخيم اليرموك بأم أعيننا عقوبة، لمَن شاركنا من الفلسطينيين في حلم الحرية والكرامة، وصحيح أننا رأينا حفرة التضامن تضمّ السوريين والفلسطينيين معاً، لكن المواقف السياسية لعرّاب أوسلو أبي مازن، وبعض الفصائل الفلسطينية ظلت تنكأ جرحاً عميقاً يأبى أن يندمل، وذاكرة مجروحة لا تريد أن تنسى.
وتأتي حرب غزة الأخيرة، فنجد أنفسنا، دون طويل تفكير في قلبها، وأجدني قبل كل شيء في الثامن من أكتوبر – تشرين الأول ٢٠٢٣، ومع أول قصف يطال المدينة أبحث عن حساب الدكتور فوزي الحاج، في مواقع التواصل، لأطمئن عليه، وعلى أسرته، وأكتب له بعجالة: “كيف أنت أيها الفتى، عسى أن تكون بخير، أو شبه خير أنت والأسرة الكريمة؟”.
وليس من عادة فوزي أن يتأخّر في الرد بنكتة، أو ببيت من الشعر الذي يحفظ منه الكثير، لكنه هذه المرة لم يرد، رغم مضي ثلاثة أسابيع على تلك الرسالة القصيرة، ولا أدري حتى الساعة، هل هو حيّ، فأهنيه وأواسيه، أم هو شهيد، فأحسده وأرثيه؟.
في سوريا وفلسطين فقط تسوّي الطائرات بيوت المدنيين العزّل بالأرض، كي يضيع من تحت الردم، ويتعذر الإحصاء، فلا يدري العالم عدد الضحايا، ولا كم من الأطفال بينهم، وها هو المتحدث الرسمي لليونيسيف يقول صباح اليوم – آخر يوم في أكتوبر – وأنا أضع اللمسات الأخيرة على هذا المقال: إن غزة صارت مقبرة للأطفال، فهل أنت، وبعض أحفادك يا فوزي بينهم؟…
تلحلحْ يا صديقي… رد على الإيميل يا رجل.
نقلاً عن صحيفة “العربي القديم” تشرين الثاني/ نوفمبر 2023
المصدر: يمن مونيتور
كلمات دلالية: غزة فلسطين كتابات
إقرأ أيضاً:
“سلامة الطفل” تبدأ حملة “سلامتهم أولاً” بأكثر من 20 فعالية شاملة لحماية الأطفال وتعزيز ثقافة الوقاية في فصل الشتاء
أطلقت إدارة سلامة الطفل بالشارقة “حملة الشتاء” بالتزامن مع انطلاق فعاليات مهرجان “ضواحي 13” في حديقة القرائن 4، تحت شعار “سلامتهم أولاً”، وتستمر حتى 29 فبراير 2025، وذلك بهدف توعية الأطفال والأسر بأهمية الالتزام بكافة إجراءات السلامة خلال فصل الشتاء وفي الأماكن العامة، وتوسيع سبل التوعية من خلال اللقاءات المباشرة مع الجمهور، حيث تركّز الحملة على توعية الأطفال وأولياء الأمور بأكثر من 20 فعالية من المخاطر المحتملة أثناء ركوب الدراجات والسكوترات، وتدابير السلامة أثناء ممارسة الألعاب الشتوية وخلال رحلات التخييم، فضلاً عن توعية المجتمع بخطورة السقوط من الشرفات، مما يضمن تجربة أكثر أماناً للأطفال.
وتشمل فعاليات الحملة مواقع عدة في الإمارة، إضافة إلى مهرجان “ضواحي 13″، وهي منتزه الشرطة الصحراوي، ومهرجان الحمرية للطفل 13، والمراكز التجارية، ومنتزه مليحة الوطني، إلى جانب تنفيذ حملات توعوية وزيارات ميدانية لعدد من مدارس ومستشفيات وجامعات الإمارة. وتسعى هذه الجهود إلى نشر الوعي الوقائي وترسيخ ثقافة السلامة لدى أفراد المجتمع بجميع شرائحه.
قواعد ذهبية للاستمتاع بشتاء آمن
وفي إطار “حملة الشتاء”، تنظم إدارة سلامة الطفل سلسلة من الأنشطة والورش التوعوية، أبرزها “ورشة القواعد الذهبية لركوب الدراجات الهوائية”، التي تنظمها للأطفال واليافعين تحت إشراف مدرّبين متخصصين. وتتضمن الورشة استعراض القواعد الذهبية الثمانية التي يتضمنها كتيّب الإدارة، وطرح أسئلة تفاعلية على مسرح فعالية مخرج 88 للمأكولات والتسوق في مركز الجواهر للمناسبات والمؤتمرات، إلى جانب تجربة حية لركوب الدراجات في ساحة جانبية، مع تقديم جوائز للمشاركين.
كما تشمل الفعاليات ورشاً تقدّمها الدكتورة بنة يوسف في منتزه الشرطة الصحراوي ومهرجان الحمرية، إلى جانب توزيع منشورات توعوية على العاملات المنزليات، وإنتاج فيديوهات قصيرة (ريلز) للمقارنة بين الممارسات الصحيحة والخاطئة في قيادة الدراجات الهوائية، فضلاً عن زيارات ميدانية إلى مخيّم مليحة وبعض الحضانات والمدارس والمستشفيات، وتوزيع منشورات حول سلامة الأدوية.
وحرصاً على شمولية الرسالة ووصولها إلى أوسع شريحة مجتمعية، توظّف الحملة التغطية الإعلامية والصحفية لنشر الوعي بضرورة اتباع قواعد السلامة، ومن خلال التنسيق مع شركاء متعددي التخصصات، تعمل الحملة على إيجاد بيئة آمنة تمكّن الأطفال والأسر من الاستمتاع بالأنشطة الخارجية، وترسيخ ثقافة الوقاية والحفاظ على سلامة جميع أفراد المجتمع.
أجواء الشتاء تتطلب مضاعفة الوعي
وبهذه المناسبة، أكّدت سعادة هنادي اليافعي، مديرة عام إدارة سلامة الطفل، أهمية اتخاذ التدابير الوقائية اللازمة خلال فصل الشتاء، باعتباره فرصة تستغلها العائلات للترويح عن أنفسهم والاستمتاع بالأجواء المعتدلة. وأشارت إلى أنّ تحسن الطقس يدفع الأطفال للخروج إلى المساحات المفتوحة، وممارسة رياضات ركوب الدراجات الهوائية والكهربائية، والدراجات الصحراوية ذات السرعات العالية، الأمر الذي يتطلب وعياً أكبر من قبل أولياء الأمور ومقدمي الرعاية. كما أوضحت اليافعي أنّ هناك أخطاء شائعة وخطيرة قد تؤدي إلى حوادث بالغة، كقيادة الدراجات بعكس اتجاه السير، أو دخول الدوّارات، أو التجوّل في الشوارع السريعة والمخصصة للسيارات، مما يستوجب التزام جميع أفراد المجتمع بالاشتراطات المرورية، ومراقبة الأطفال في أماكن التنزّه واللعب والتخييم.
وقالت اليافعي: “نجحت الحملات التي تنظمها إدارة سلامة الطفل في مراكمة الوعي المجتمعي حول سلامة الأطفال وتطويره، إلى جانب ترسيخ مفهوم الشراكة بين كافة الجهات والمؤسسات وأفراد المجتمع، حيث باتت هذه الشراكة بمثابة الحاضنة المجتمعية للأطفال وسلامتهم كما تشكل ملمحاً أساسياً في هدفنا الاستراتيجي وهو أن تكون سلامة الطفل أولوية لدى الجميع، وأن تكون الإمارة نموذجاً ملهماً في رعاية الأطفال بدنياً وعقلياً وعاطفياً، فبهذه الرعاية يتحدد شكل مستقبلنا جميعاً، هذا المستقبل الذي يتقدم فيه أطفال اليوم ليكونوا مواطنين مسؤولين ينقلون ما مروا به من تجارب للأجيال التي تأتي بعدهم.”
وفي الوقت نفسه بينت اليافعي إلى أن هدف حملة الشتاء ليس الحد من أنشطة الأطفال الخارجية وتقييدهم بالخوف والتردد، وشددت في المقابل على أهمية هذه الأنشطة لما لها من دور في تحسين صحة الأطفال النفسية والبدنية وفي تشكيل شخصياتهم وتعزيز تفاعلهم الاجتماعي، وخاصة خلال فصل الشتاء الذي ينتظره الجميع.
شركاء استراتيجيين
وتأتي أنشطة الحملة بالتعاون مع عدد من الشركاء الاستراتيجيين في الإمارة، الذين يسهمون في تحقيق رؤية الحملة وإنجاح فعالياتها. وتشمل قائمة الشركاء كلاً من القيادة العامة لشرطة الشارقة، وبلدية مدينة الشارقة، ودائرة الخدمات الاجتماعية، ودائرة شؤون الضواحي، وهيئة الشارقة للدفاع المدني، وهيئة الوقاية والسلامة.