تحليل: بين طوفان الأقصى وهجوم تيت الفيتنامي.. معايير الانتصار والهزيمة
تاريخ النشر: 10th, November 2023 GMT
مع تقدم قوات الاحتلال الإسرائيلي في شمال مدينة غزة، تصاعدت التساؤلات عن مآلات الحرب العدوانية التي يشنها الاحتلال ضد القطاع، كما تصاعدت النقاشات حول معايير الانتصار والهزيمة في هذه الحرب، خصوصا في ظل الثمن الباهظ الذي يدفعه المدنيون جراء العدوان.
ثمة ميل للتحليل الرغائبي أو الأيدولوجي في مثل الأحداث التي تعيشها غزة والمنطقة هذه الأيام، أكثر بكثير من التحليل الاستراتيجي والسياسي.
لكن التحليل الاستراتيجي الهادئ لا يتفق مع كلا النظرتين الاختزاليتين، ويحاول الوصول إلى نتائج لا تعتمد على الرغبات المسبقة.
معركتان وليس معركة واحدة
إن التحليل العلمي للمعركة الدائرة في غزة يتطلب في البداية وضع الأحداث في سياقها. والسياق الأساسي هنا هو أن "طوفان الأقصى" هي ليست "حرب التحرير" النهائية لفلسطين، بل هي معركة في إطار صراع طويل مع الاحتلال. وإذا استعرنا لغة لعبة "الملاكمة"، فإن هذا الصراع لا ينتهي فقط "بالضربة القاضية"، بل هو أساسا صراع تحكمه "النقاط" المتراكمة، كما هو الحال مع كل حركات التحرر الوطني.
والحال هذه، فيجب أن ينظر للجولة التي بدأت في 7 أكتوبر الماضي على أنها "معركتان" وليس "معركة واحدة". انتهت المعركة الأولى يوم السابع أو الثامن من أكتوبر، فيما تستمر المعركة الثانية منذ انتهاء الأولى حتى الآن.
وسنناقش تاليا معايير النصر والهزيمة في المعركتين:
ماذا حققت معركة 7 أكتوبر؟
يمكن تلخيص ما حققته معركة 7 أكتوبر للفلسطينيين في الانتصارات الاستراتيجية التالية:
أولا: هدمت المعركة أسطورة الجيش الذي لا يهزم من جهة، ولكن الأهم أنها هزمة أسطورة القدرات الاستخبارية "لا نهائية القوة" لدى الاحتلال. فشل الاحتلال في كشف توقيت المعركة، وفشل في صدها في آن واحد.
ثانيا: انهيار معادلة الأمن والردع التي فرضها الاحتلال، وهو انهيار سيؤثر لسنوات طويلة على صورة الدولة لدى مواطنيها. صحيح أن من المتوقع فرض حالة ردع جديدة وربما طويلة بعد انتهاء الحرب، ولكنها ستكون مؤقتة، حتى وفق خبراء استخباريين أمريكيين.
ثالثا: نقلت المعركة، لأول مرة منذ عام 1948، القتال إلى داخل فلسطين التاريخية التي احتلت عند تأسيس دولة الاحتلال، بينما كانت كل الحروب تدور في مناطق فلسطينية احتلت عام 1967 أو في أراض عربية. هذا يعني أنها المرة الأولى التي تكون فيها حرب المقاومة هجومية أكثر منها دفاعية.
رابعا: أعادت المعركة الصراع إلى جذوره الأصلية، فهو صراع بين احتلال غاشم وبين شعب يعاني من ظلمه وبطشه، بعد أن تقزمت القضية الفلسطينية في أغلب الوقت منذ توقيع اتفاق أوسلو لتتركز على قضايا هامشية، مثل الاقتصاد والحصار وغيرها.
خامسا: أعادت المعركة قضية فلسطين لتصبح أهم قضية في العالم. وبدون مبالغة، فإن قضية فلسطين تحولت الآن لأيقونة لكل أحرار العالم، كما أنها كسبت تعاطفا غير مسبوق في الرأي العام العالمي. صحيح أن هذا الرأي لم يتبلور بعد للتأثير على سياسات الدول المؤثرة، ولكن لا يجب أن ننسى أن التأييد هو بأقصى درجاته في الأجيال الشابة، وهي الأجيال التي ستصنع سياسات الدول مستقبلا.
سادسا: أسقطت "طوفان الأقصى" سرديات صنعتها الأنظمة العربية ودولة الاحتلال وصرفت على ترويجها ملايين الدولارات عبر أكثر من عقد من الزمان. ستحتاج الأنظمة لمئات الملايين ولن تنجح بعد هذه المعركة في شيطنة الشعب الفلسطيني، واتهامه ببيع الأرض وغيرها من الاتهامات، وسيحكم على أي تطبيع حصل أو سيحصل بين الدول العربية والاحتلال بأن يبقى رسميا لا يصل للشعوب.
سابعا: أيقظت معركة "طوفان الأقصى" الدول الغربية والإقليمية والاحتلال من وهم "انتهاء القضية الفلسطينية" وتراجع أهميتها. ستدفع المعركة العالم بدون شك للبحث في حلول سياسية أكثر استمرارا ونجاعة مما كان الوضع عليه قبل 7 أكتوبر. ليس من المتوقع بالطبع أن نصل لحل سياسي نهائي، ولكن الوضع الذي سيتبع الحرب يجب أن يقدم للفلسطينيين أكثر مما كانوا يحصلون عليه، لضمان استمرار الهدوء وعدم تكرار الحرب. هذان الهدفان لا يمكن تحقيقهما بالحرب فقط، وهذا ما يجعل الحل السياسي القابل للحياة شبه حتمي.
مآلات الحرب الثانية
كما ذكرنا، فإن معركة "طوفان الأقصى" انتهت عمليا في اليوم الأول أو الثاني لانطلاقها، وقد حللنا نتائجها أعلاه. أما الحرب الثانية التي انطلقت بعد انتهاء الأولى فهي لا تزال مفتوحة على الخيارات:
أولا: تسببت الحرب بإيقاع الكثير من الألم في صفوف الفلسطينيين. قتلت حتى الآن أكثر من 10 آلاف شهيد غالبيتهم العظمى من المدنيين الآمنين، وهدمت آلاف البيوت، وجوعت ملايين الغزيين. هذه الخسائر مؤلمة للشعب وللمقاومة، ولا بد أن معالجة آثارها ستكون محورا للنضال الفلسطيني في السنوات القادمة.
ثانيا: تقدمت قوات الاحتلال بريا في مناطق محدودة داخل قطاع غزة صغير المساحة. حتى الآن لم تصل للمناطق المأهولة التي قول بعض الخبراء العسكريين الإسرائيليين أنها ستكون أصعب، بحسب وول ستريت جورنال.
ثالثا: قد تتمكن قوات الاحتلال من السيطرة على مناطق أوسع وتغيير الوضع جذريا في القطاع إذا ظلت حكومة نتنياهو قادرة على الاستمرار بالحرب لوقت طويلة. هذا الاحتمال يجب أن يظل حاضرا أثناء تحليل السيناريوهات في ظل اختلال ميزان القوة الهائل بين الطرفين. لكن هذا السيناريو لا يعني أن الاحتلال سينهي ظاهرة المقاومة، بل إن مثل هذا التطور قد يؤدي إلى أن تتحلل حماس من "إكراهات السلطة"، ويتحول الصراع بينها وبين قوات الاحتلال إلى حرب استنزاف طويلة الأمد.
هجوم تيت الفيتنامي.. درس من التاريخ
لا مثيل للتاريخ كمعلم في قراءة الحاضر. قد لا يكون التاريخ يعيد نفسه كما يقال، ولكنه يمثل نسقا يمكن استخدامه لتحليل الحاضر. لقد شبه محللون غربيون وعرب هجوم 7 أكتوبر بما يعرف بـ"هجوم تيت" الفيتنامي، وهو أحد أكبر الأحداث التي شهدتها حرب فيتنام.
بدأ "هجوم تيت" بشكل جزئي يوم 30 كانون الثاني/ يناير عام 1968، واستكمل بكامل قوته في اليوم التالي. نفذ الهجوم قوات "فيت كونج" و"جيش شمال فيتنام الشعبية" ضد جيش جمهورية جنوب فيتنام وحلفائها، وعلى رأسهم القوات المسلحة الأمريكية. كان الهجوم مفاجئا للأمريكيين وحلفائهم الجنوبيين، واستهدف أكثر من 100 مدينة وبلدة، بما فيها مناطق من العاصمة سايجون. كانت القوات الشمالية تسعى من الهجوم إلى تحريك انتفاضة شعبية ضد الحكومة الجنوبية. بعد امتصاص الصدمة، استطاعت القوات الأمريكية وحلفاؤها الجنوبيون هزيمة الـ"فيت كونج" والجيش الشمالي، ولم يتحقق هدف الهجوم الرئيسي وهو قيام انتفاضة شعبية ضد سايجون وإسقاط حكومتها.
رغم الهزيمة، تمكن الهجوم من هز الحكومة والشعب الأمريكيين، إذ احتاج الجيش الأمريكي لحشد 200 ألف جندي من بينهم جنود احتياط، وأدى إلى انقلاب الرأي العام الأمريكي ضد الحرب، وهو ما نتج عنه انسحاب الولايات المتحدة من فيتنام بعد 7 سنوات من الهجوم.
لا يهدف استعراض تاريخ "هجوم تيت" للقول إن هجوم 7 أكتوبر سيؤدي بعد سنوات لهزيمة الاحتلال الإسرائيلي، إذ أن تشابه أحداث التاريخ لا يعني بالضرورة تكرار نتائجها، ولكن أهم ما يدل عليه هذا التاريخ هو أن الصراع بين الشعوب المحتلة والاحتلال لا ينتهي بهزيمة واحدة أو انتصار واحد، وإنما هو عملية تراكمية، ولا شك أن هجوم 7 أكتوبر يمثل حادثة تاريخية جذرية، سيكون لها ما بعدها في تراكم الصراع بين الشعب الفلسطيني والاحتلال.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة مقابلات سياسة دولية غزة الفلسطينية فلسطين غزة طوفان الاقصي سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة قوات الاحتلال طوفان الأقصى أکثر من
إقرأ أيضاً:
تحقيق الاحتلال عن هجوم 7 أكتوبر في “نير عوز”: فشل ذريع بكل المقاييس
#سواليف
ما زالت المؤسسة العسكرية والأمنية لدى #الاحتلال تصدر نتائج تحقيقاتها تباعاً بشأن إخفاقها في التصدي لعملية #طوفان_الأقصى في السابع من أكتوبر 2023، وهذه المرة حول ما حصل في #كيبوتس_نير_عوز في #غلاف_غزة، حين اقتحمه 500 مقاوم وأدخلوا #جيش_الاحتلال في الفوضى العارمة، ووصل أول الجنود بعد أربعين دقيقة فقط من مغادرة آخر مقاوم.
عيمانوئيل فابيان مراسل موقع زمن إسرائيل، كشف عن “أهم ما جاء في تحقيقات الجيش بشأن تفاصيل الهجوم على كيبوتس نير عوز”، وهو جزء من سلسلة تحقيقات مُفصّلة في أربعين معركة خاضها الجيش مع مقاتلي حماس خلال الهجوم.
#سيناريو_كابوس
مقالات ذات صلةوأضاف في تحقيق مطول أن “نتائج التحقيقات شدّدت على #فشل_الجيش، الذي سمح لمئات المسلحين بالاستيلاء على الكيبوتس دون مواجهة جندي واحد على الأرض، وبالتالي فقد فشل بمهمته لحماية المستوطنين، ويعود ذلك أساسًا لعدم استعداده إطلاقًا لهذا السيناريو المتمثل بوقوع مستوطنة إسرائيلية في أيدي المقاومين، وفي الوقت نفسه #هجوم_واسع النطاق على العديد من #المستوطنات والقواعد في جميع أنحاء الغلاف”.
وأوضح أنه “على عكس المستوطنات الأخرى التي تعرضت للهجوم في ذلك اليوم، فإن كيبوتس نير عوز الذي يبلغ عدد مستوطنيه 420 نسمة، كان منهم 386 موجودًا وقت الهجوم، لم يقاتل الجيش المسلحين على الإطلاق، وفي المجموع، قُتل 47 منهم، واختطفت حماس 76 آخرين، وحتى اليوم، لا يزال خمسة منهم على قيد الحياة، عقب نجاح المسلحين في اقتحام جميع منازل المستوطنة، متسبّبين بدمار هائل، وتخضع المستوطنة لعملية إعادة تأهيل طويلة”.
وأشار إلى أن “التحقيق فيما حدث في نير عوز، أجراه اللواء عيران نيف، الرئيس السابق لقسم تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، الذي كرّس وفريقه مئات الساعات للتحقيق، وفحص جميع مصادر المعلومات الممكنة، بما فيها الوثائق التي صوّرها المسلحون بكاميرات مثبتة على أجسادهم، ورسائل واتساب من المستوطنين، وتسجيلات كاميرات المراقبة، ومقابلات مع ناجين ومختطفين سابقين ومقاتلين حاولوا حماية الكيبوتس، وأجروا زيارات ميدانية، وكل ذلك بهدف استخلاص استنتاجات عملياتية محددة للجيش”.
انهيار القيادة
وكشف التحقيق أن “عددًا غير عادي من المسلحين قاموا بغزو نير عوز، مقارنة بباقي المستوطنات، وقد تفاقم الوضع فيه بسبب الغياب التام للجيش، مما أعطى المسلحين شعورًا بحرية العمل، وأدى لوصول مئات الفلسطينيين من بلدة خزاعة إلى نير عوز، ومن بين أكثر من 500 مسلح تسلّلوا للمستوطنة، فلم يتمكن فريق التحقيق من العثور على جثة واحد منهم، ويبدو أن مقاتلي حماس جمعوا جثث رفاقهم خارج الكيبوتس، وعلى الطريق المؤدي لغزة، تم العثور على جثث 64 منهم، حيث قُتلوا بنيران مروحيات ودبابة”.
وخلص فريق التحقيق إلى أن “القوات لم تستعد، ولم تتدرب على سيناريوهات بحجم ما حدث في السابع من أكتوبر، ولم يتلقوا أي تحذير في ذلك الصباح، ومع بداية القتال، أصيب العديد من القادة على مختلف المستويات في القطاع، وانهارت سلسلة القيادة والسيطرة، ولم يكوّن الجيش صورة دقيقة لما يحدث في المنطقة بأكملها، وفي نير عوز تحديدًا، ولم يتمكن من إجراء تقييم منظم للوضع، كما لم يكن هناك نشاط قتالي في أي وقت أثناء الهجوم، ولم يجرِ أي اتصال بين الجيش والمستوطنين لفهم مسار المعركة هناك”.
وأشار إلى أن “الجنود لم يحموا قاعدة البحث والتطوير قرب نير عوز، الذي كان بإمكان وحداته حماية الكيبوتس لو لم تقع في أيدي المسلحين، كما أن تقدم القوات المدرعة نحو حدود غزة أثناء الهجوم كان خطأً، بدلاً من البقاء أقرب للتجمعات الاستيطانية لحمايتها، أما الفصيل المتأهّب، فقد عانى من نقص في عدد قواته أمام هذا العدد الكبير من المقاومين القادمين من غزة”.
ووفقًا للتحقيق، فإن “الهجوم الواسع والمنسق الذي شنته حماس على عشرات المواقع والقواعد العسكرية جعل من الصعب للغاية على الجيش، على جميع المستويات تكوين صورة دقيقة للأحداث، خاصةً لخطورة الوضع في كل موقع، أما قوات التعزيزات التي وصلت لحدود غزة من الشمال، فقد انحصرت بالقتال داخل سديروت، أما الآخرون الذين تمكنوا من التقدم جنوباً فقد وقعوا في معارك أخرى، أو تعرضوا لكمين من قبل المسلحين عند تقاطعات رئيسية”.
وأكد أن “القوات القادمة من الجنوب هوجمت أثناء طريقها، مما أدى لتأخير وصولها، فلم يصل الجنود الأوائل إلى نير عوز إلا بعد الساعة الواحدة ظهرًا، ولم تتلقَّ سوى قوات قليلة أوامر صريحة بالوصول إليه، أما القوات التي تلقّتها فقد علق أفرادها في القتال على طول الطريق، وعندما نجحت قوة خاصة باقتحام مفترق ماعون قرب الكيبوتس الساعة 11:45 فقد كان الأوان فات بالفعل”.
فشل منهجي
وكشف التحقيق عن “وجود معلومات آنية كان من الممكن لقادة الجيش استخدامها لفهم خطورة الوضع في نير عوز، إلا أنها لم تُستغل، ومنها لقطات من كاميرا مراقبة تابعة للجيش تُظهر عشرات المسلحين يدخلون ويخرجون من نير عوز، وهي لقطات بُثت مباشرةً إلى مركز قيادة الجيش، إضافة لمعلومات من مروحيات سلاح الجو المحلّقة فوق المنطقة، وهذه المعلومات أكدت وجود مسلحين ينشطون في نير عوز، لكنها جاءت من أماكن أخرى عديدة، ولم يكن ممكنا فهم أن نير عوز في وضع أصعب من غيرها من المستوطنات”.
وأكد التحقيق أن “مستوطني نير عوز استغاثوا مرارًا وتكرارًا، لكن اتصالاتهم ضاعت وسط فوضى آلاف الرسائل والتقارير، ونفّذ المسلحون خطتهم في الكيبوتس دون انقطاع، مما يجعل فشل الجيش بحماية نير عوز منهجياً، وليس تكتيكيًا أو أخلاقيًا، لأنه لم يُعطِ أولوية خاصة لإرسال قوات إليه على حساب أماكن أخرى، مما يتطلب إنشاء موقع عسكري جديد بين نير عوز وغزة، وتعزيز الأمن المحلي، وإنشاء آلية جديدة لتكوين صورة استخباراتية للوضع حتى في حالات انهيار سلسلة القيادة أثناء القتال، وتغييرات تكتيكية في الجيش”.