اعتمد الكاتب السوري رفيق شامي واسمه الحقيقي "سهيل فاضل" على الحكاية "الحدوتة الطويلة" التي كان يتناقلها الناس بكل تشويق وبساطة ليكتب روايته "حكواتي الليل" باللغة الألمانية ويقدمها للمجتمع الغربي وكأنها من أحاديث الف ليلة وليلة.

وصلتنا الرواية مترجمة إلى العربية عبر المترجمة السورية رنا زحكا التي أجادت نقل الرواية "الحكايات" عن النسخة الإنكليزية، بطريقة شائقة لا تقل عن كاتبها بالتأكيد، رغم الوقوع في بعض الأخطاء التي لايمكن أن ينتبه لها القارئ العادي الذي ينغمس بالقراءة كون بعضها أخطاء إملائية أو طباعية وما شابه ذلك.

وللرواية قبل صدورها قصة شائقة أيضا لا تقل عن فصول الرواية الأربعة عشر التي جاءت تحت عناوين منفصلة على شكل فصول هي عبارة عن أسئلة ومنها انطلقت الحكايات الكثيرة دون أي مقدمة أو تمهيد يذكر.

فالروائي كتبها للقارئ الغربي أولا كما أسلفت، وقدم فيها تفاصيل كثيرة عن العوالم الدمشقية وعن الأماكن والتواريخ وعن الحالة الاجتماعية والعادات السلوكية وغيرها الكثير، وجاءت في 252 صفحة من القطع المتوسط، ولكن أي دار نشر ألمانية لم تقبل بهكذا تفاصيل وإيقاع الأصوات الصادرة منها إلى أن تبنتها دار نشر أخرى دون أي تغيير وصدرت عام 1989 ولاقت رواجاً واسعاً، ومن ثم ترجمت إلى 22 لغة أخرى وبيع منها حوالي مليوني نسخة في ذاك الوقت.

بالعودة للرواية التي جاءت ضمن إيقاع الحكايات التي يقدمها سارد متمكن وقادر على شد الانتباه بطريقة الحكواتي الذي يعرف كيف يشد المستمعين له، ويتوقف لالتقاط الأنفاس حيناً وتهدئة المستمعين له حيناً آخر.

حاول الكاتب من خلال الرواية تقديم المنمنمات الدمشقية بغالبية تفاصيلها، وأجاد في تقديم الوصف التعبيري الدقيق للمجتمع السوري وأن لم يكن بكل تفاصيله ففي معظمه، قدم الحارات الدمشقية بمسمياتها وأجواءها وعبق الحكايات التي تنبع من جدرانها وحاراتها القديمة وابوابها ونوافيرها وحجارتها وحتى سلوك أهلها، ورسمها بالكلمات كأنها لوحة آخاذة أو قطعة فسيفساء رائعة.

طيات الرواية كانت تحمل بعض النقد للواقع السوري حينذاك من نهاية الاحتلال الفرنسي إلى حيث زمن الانقلابات والفترة التي كانت أيام الوحدة بين سورية ومصر، وأشار لتأثير المطربة أم كلثوم على الشارع العربي "أحبها ملايين العرب الى درجة لم يجرؤ معها رئيس أي دولة بإلقاء أي خطاب في أمسية الخميس لأنه كان يعلم أن ليس هناك أي عربي واحد يستمع إليه" "ص 42".

كل هذا كان حاضرا من خلال ما قدمه من حكايات لفك الخرس الذي أصيب به بطل الرواية سليم العربجي" وكنيته مستمدة من صفة لمن يعمل على العربة، حيث كانت سائدة في ذلك الوقت للتنقل والسفر أيضا"، كان سليم أيضاً يجيد قص الحكايات بطريقة مشوقة جداً، ومن خلالها يجذب زبائنه المسافرين معه من بيروت إلى دمشق يستمع منهم ويحكي لهم، ولديه قدرة عجيبة على إنقاذ طائر السنونو من الموت عندما يقع أرضاً.

وعندما أصبح لايقوى على الكلام بسبب "الجنية" نسبة إلى الجن، التي كانت تلهمه سرد القصص، بل وتعشقه، وقد كبرت في السن وعليها أن تتقاعد، وبذلك سيفقد العربجي صوته اذا لم ينفذ طلب ملك الجان ويستلم سبع هدايا فريدة من نوعها حتى ترافقه من جديد جنية أخرى تساعده في سرد القصص من جديد، وحتى ذلك الوقت كان مسموح له أن يحكي فقط 24 كلمة واذا لم ينفذ الشرط سيصبح اخرس فعلا..

جمع الشامي في روايته سبعة أشخاص كانوا أصدقاء العربجي وكلهم يتجاورون بالعمر عند العقد السابع تقريبا: علي الحداد، ومهدي معلم الجغرافيا، وموسى الحلاق، وفارس الوزير السابق، وتوما المغترب، ويونس القهوجي، وعصام الذي كان مسجوناً لذنب لم يرتكبه، وكانوا يجتمعون كل ليلة ومنذ سنوات مع بعضهم البعض.

وعندما توقف العربجي عن الحديث خوفا أن لا يفقد صوته وينطق بقية الكلمات "المهلة" تباحث الأصدقاء السبعة في أمر صديقهم، والبحث له عن حل يعيد له صوته ويخرجه من قصة الخرس التي حللها كل شخص بطريقته، كما أثارت غرابة كل أهل الحي، وفي النهاية قرر كل واحد منهم أن يحكي لسليم قصة غريبة جدا لعلها تستفزه ويعود للحكي أو تثير فيه الفزع كما كان يعتقد، على مبدأ "داوها بالتي كانت هي الداء" وتناوبوا على قص الحكايات، كل ليلة يقص احدهم قصته، وجاءت بطريقة غريبة وجميلة تداخل فيها الخيال مع الواقع ومع المعتقدات الشائعة حينذاك، ولكن في اليوم الأخير كانت المفاجأة عندما جاء دور علي الحداد الذي لايتقن أي حكايا فقرر أن يصحب معه زوجته الضليعة بالقصص الغريبة أن ترافقه وتحكي بدلا عنه، ووسط استغراب الحضور من مجيئها الغير اعتيادي حكت قصتها الغريبة جدا، التي جعلت سليم يصرخ "لم اسمع في حياتي كلها قصة كهذه، وقد خرج صوته الجهوري من أعماق روحه"، "ص 246" وتعالت الأصوات في الغرفة من أصدقاءه مبتهجين لعودة صوت سليم وكذلك فعل الجيران.

تقنية السرد تبدو هنا بسيطة جدا، ولا يوجد فيها تعقيد، وتأتي الحبكة مع كل قصة يرويها احد المتحدثين السبعة، بطريقته، ولم تخل الحكايات من سرد الكثير من الوقائع الحقيقية التي جرت حينذاك، واختلط الواقع بالخيال بالتاريخي بطريقة متقنة دون أن تفلت خيوط القص من يد الراوي الذي بدا مفتونا في نقل الواقع الدمشقي بكثير من تفاصيله في تلك الحقبة من الزمن ولم يمل أي تفصيل صغير في الأبنية والحارات وطقوس الناس وعاداتهم ومعاناتهم والوضع المادي في ملامسة ناعمة وشفيفة تدفع القارئ للبقاء ضمن الرواية حتى النهاية.

اللغة الرشيقة في الوصف صاحبت الكثير من المشاهد التي تم حياكة المشاهد من خلالها وعبر غالبية الأحاديث التي تم التنقل مابينها برشاقة مترجمة أتقنت حرفتها جيدا.

النهاية المفرحة التي جاءت على لسان امرأة أجادت فن القص على عكس ما يعتقد بأن الحكواتية هم الأمهر في السرد عبر ماهو متداول ولكن رفيق الشامي أراد للنهاية السعيدة أن تكون عبر المرأة، ليثبت أنها تملك فن السرد وكذلك مفاتيح الحلول.

يبدو أنني تأخرت كثيرا في قراءة رواية من روايات الروائي السوري رفيق شامي الذي يكتب أعماله باللغة الألمانية، ومن ثم يتم ترجمتها للعربية عبر لغة أخرى. تأخري في الاطلاع على الرواية رغم أنني امتلكها بنسخة الكترونية، ولكنني آثرت أن أقرأها عبر الكتاب الورقي فوقعت بين يدي نسخة قديمة جدا منها، ورائحة الورق الأصفر الرديء الذي تمت الطباعة عليه كادت أن تسبب لي مشكلة تنفسية، ولكنني آثرت المتابعة فيها، فمنذ زمن لم تلامس أصابعي كتاب ورقي، وكنت سعيدا بهذه الرواية التي طبعت عام 2011 عن منشورات الجمل في بيروت.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: التی کان

إقرأ أيضاً:

من العالم.. فاجعة داخل أسرة بالمغرب وكويتي يقتل جدته بطريقة «شنيعة» وذبح طفلة في تونس

توفي 4 أشخاص، جرّاء اختناقهم بغاز البوتان في مدينة أزغنغان شمالي المغرب.

ونقل موقع “هسبريس” عن مصدر قوله، إن “الضحايا من أسرة واحدة، وهم أم وثلاثة أبناء”.

ووفق الموقع، “توفي الأشخاص بسبب اختناقهم جرّاء تسرب غاز البوتان في منزلهم”.

وأشار الموقع إلى أن “السلطات المغربية فتحت تحقيقا في الحادثة، بعد نقل جثث الضحايا إلى مستشفى الحسني بالناظور”.

الكويت.. الحكم بإعدام مواطن ارتكب جريمة شنعاء بحق جدته

قضت محكمة الجنايات في الكويت، “بإعدام مواطن اتركب جريمة مروعة بحق جدته في منطقة الرميثية”.

وبحسب جريدة “السياسة” الكويتية، “ترافعت النيابة أمام المحكمة في جلسة سابقة، مطالبة بتوقيع أقصى عقوبة بحق المتهم وهي “الإعدام” واصفة الجريمة بالشنيعة، بعد إقدامه على نحر المجني عليها بلا رحمة وهي البالغة من العمر 85 عاما، حيث أنه تجرد من الإنسانية ولم يرحم ضعفها وشيخوختها”.

وأوضحت النيابة أن “الجريمة “لم تكن مجرد اعتداء على شخص بل طعنة في صميم القيم الإنسانية ولم تكن أمام عدو قتل عدوه بل حفيد قتل جدته”.

وأعلنت وزارة الداخلية الكويتية في 27 سبتمبر الماضي، أن “إدارة المباحث الجنائية وبمساندة قطاع الأمن العام، تمكنت من إلقاء القبض على شخص متهم بارتكاب جريمة قتل بحق جدته، وذلك بعد ورود بلاغ يفيد بوقوع الجريمة في أحد المنازل بمحافظة حولي، حيث أنه فور ورود البلاغ، تم تشكيل فرق متخصصة من المباحث الجنائية كثفت عمليات البحث والتحري حول المتهم، حيث نجحت في تحديد مكانه وضبطه في زمن قياسي”.

تونس.. مقتل طفلة ذبحا في ظروف غامضة

عثرت الجهات الأمنية في تونس على “جثة طفلة تحمل آثار اعتداء بآلة حادة بعد إبلاغ أهلها باختفائها السبت الماضي”.

ووفق ما أفادت إذاعة “موزاييك إف إم”، “تعهد قاضي التحقيق بالمحكمة الابتدائية في تونس بالبحث في ملابسات وفاة طفلة زينب الطرخاني البالغة نحو 6 أعوام، بجهة العمران الأعلى (إحدى ضواحي العاصمة تونس)”.

ووفق المعطيات الأولية المتوفرة فإن “عائلة الطفلة أعلموا عن غيابها منذ إفطار أول أمس السبت في ظروف وملابسات مجهولة، حيث تمكنت الوحدات الأمنية من العثور على جثة الطفلة زينب الطرخاني ليتم إعلام ممثل النيابة العمومية الذي توجه إلى المكان رفقة قاضي التحقيق وتم إجراء المعاينات الأولية التي بينت وجود آثار عنف واعتداء على جسد الطفلة التي يشتبه في تعرضها للاعتداء بواسطة آلة حادة”.

ووفق الإذاعة، “فتح القضاء التونسي بالمنطقة تحقيقا في الحادثة مع الاحتفاظ بشخص يقطن غير بعيد عن منزل عائلة الطفلة، على ذمة التحقيق”.

وبحسب الإذاعة، “هناك معلومات أولية تقول إن الطفلة “رافقت شخصا مختلا عقليا كانت تلعب معه في كثير من الأحيان و تم العثور عليها في سطح منزله مقتولة”.

انفجار مرعب بمحطة غاز يسفر في لبنان

أظهر مقطع فيديو، مشهدا “مرعباً” لانفجار في محطة غاز شمالي لبنان، أسفر عن مقتل امرأة سورية الجنسية و3 من أبنائها.

وأفادت “الوكالة الوطنية للإعلام” في لبنان، بأن “انفجارا في محطة لتعبئة الغاز في بلدة الدوسة لأصحابها من آل شعبان أدى الى مقتل سيدة من التابعية السورية وأبنائها الثلاثة وإصابة طفل رابع، وأفادت معلومات بأن سبب الانفجار يعود إلى تسرب غاز”.

إطلاق للنار خلال كرنفال “ماردي غرا” في لويزيانا الأمريكية

أصيب 5 أشخاص بإطلاق للنار خلال عرض كرنفال “ماردي غرا” في مدينة فرانكلينتون بولاية لويزيانا الأمريكية.

ووفقا لوسائل إعلام محلية، “تم اعتقال المشتبه فيه، وهو جايمريان أندرس البالغ من العمر 18 عاما، بتهمة خمس محاولات قتل من الدرجة الجرمية الأولى”.

وفي حادث منفصل، ألقت الشرطة “القبض على اثنين من القصّر الذين عُثر عليهم يحملون أسلحة نارية على طول مسار العرض داخل منطقة مدرسية، كما تعاملت الشرطة مع شخص آخر كان يحمل بندقية من طراز AR-15”.

مقالات مشابهة

  • لوموند: كيف أثر السيسي على الدور الذي كانت تلعبه مصر في القضية الفلسطينية؟
  • من العالم.. فاجعة داخل أسرة بالمغرب وكويتي يقتل جدته بطريقة «شنيعة» وذبح طفلة في تونس
  • مسؤول إسرائيلي: تدفق الشاحنات إلى غزة يعزز رواية حماس بالانتصار
  • طريقة عمل شوربة البروكلي بطريقة سهلة جدا
  • كتاب في سطور| صوت الراوي وميراث السرد.. رحلة في عالم السرد والحكايات
  • صفورية التي كانت تسكن تلال الجليل مثل العصفور.. جزء من هوية فلسطين
  • حفل الأوسكار 2025: مورغان فريمان يكرّم الراحل جين هاكمان الذي فارق الحياة بطريقة غامضة
  • نجاحات المتحف المصري الكبير يرويها العالم
  • "بساطة" توسع استثماراتها بالأردن بزيادة حصتها فى "مدفوعاتكم"
  • مارك زوكربيرغ يحتفل بيوم ميلاد زوجته بطريقة استثنائية (شاهد)