سيناء هى عنوان لتاريخ طويل من كفاح الشعب المصرى العظيم، فهى عبر التاريخ مطمع للغزاة، ومحط أنظار الطامحين والطامعين وهى كذلك المستهدف الأول بأشرس وأخطر موجة إرهاب مرت على مصر فى تاريخها كله، ولذلك كان تحرير سيناء من الاحتلال ومن الإرهاب ومن كل شر يصيبها أو يصيب أى جزء من أرض مصر هو عهد ووعد التزمت به القوات المسلحة المصرية الباسلة فى تحقيقه.
عن أهمية سيناء تحدث الدكتور جمال حمدان فى كتابه «شخصية مصر» بأنها ليست صندوقا من الرمال كما قد يتوهم البعض إنما هى صندوق من الذهب، كما يصف كيف كانت سيناء على مر التاريخ موقعاً للمعارك الضارية مع الغزاة، حيث كان ماء النيل هو الذى يروى الوادى كان الدم المصرى الذى يروى رمال سيناء، فسيناء كانت وما زالت مطمعاً للكثير من الدول على مر التاريخ حيث تدخل فى إطار الوطن التوراتى لإسرائيل، كما تعد سيناء ذات أهمية استراتيجية خطيرة، فهى حلقة الوصل بين مصر والمشرق العربى من ناحية وبين قارتى آسيا وأفريقيا.
ومن هذه الزاوية تعتبر مصر البوابة الجنوبية لدخول فلسطين ويعد خليج العقبة والسويس ضلعيه الأخيرين فضلاً عن أن سيناء هى الأرض التى نادى فيها سيدنا موسى ربه ودفعت هذه العوامل الكاتب النمساوى «هرتزل» مؤسس الصهيونية السياسية إلى التفكير فى اختيار سيناء لتكون وطناً لليهود ولقد زاد الاهتمام بشبه جزيرة سيناء بعد إنشاء خط سكك حديد السويس ومد خط التلغراف إليها، وعندما سافر «بالمر» إلى سيناء قبيل الاحتلال البريطانى لمصر عام 1882، قاصداً بلدة نخل، كان الهدف الحقيقى من وراء هذه الرحلة دراسة الأوضاع فى سيناء، وفضل اليهود فى إقناع الدولة العثمانية بالتفريط فى سيناء، ولذلك لجأوا إلى الإمبراطور البريطانية لكى تساعدهم فى ذلك، وكان الوزير البريطانى «جوليان أمرى» متحمساً لتوطين اليهود فى سيناء والعريش وفلسطين، حيث كان يرى أن هذا التوطين يخدم المصالح البريطانية فيخلص بريطانيا من تدفق اليهود ومن ناحية أخرى يمد نفوذ الإمبراطورية البريطانية نحو فلسطين التى تمتلك موقعاً استراتيجياً مهماً للمصالح البريطانية خاصة بعد الانهيار المتوقع للإمبراطورية العثمانية.
ويعد انعقاد المؤتمر الصهيونى بمدينة بازل فى أغسطس 1897، الذى نص على إنشاء وطن قومى لليهود، تطوع يهود مصر فى دعم هذه الدعوة وتحملها رجل يدعى «ماركيو روخ»، الذى جاء إلى مصر عام 1896، وأسس منظمة صهيونية عرفت باسم «جمعية ماركوخيا» الصهيونية، وبدأت تتواصل مع «هرتزل»، وبعد انعقاد مؤتمر «بازل» اتجهت أطماع «هرتزل» صوب سيناء وسعى لإقامة وطن قومى لليهود وكان يرى أنه لو تمكنت شركة يهودية من أن تضع أقدامها فى سيناء والعريش فإنه سيبدأ إنشاء مشروع الوطن القومى، وكان يخطط للانقضاض منها إلى فلسطين، والمعروف أنه نجح فى إقناع وزير المستعمرات البريطانى «جوزيف ترشيرلين» عام 1902، وأحال مقترح «هرتزل» للوزير البريطانى «لاندسوت» والذى أحاله بدوره إلى اللورد «كرومر» واقترح «هرتزل» مشروعاً أسماه مشروع العريش يمنح اليهود امتيازاً باستغلال الأراضى الواقعة فى شبه جزيرة سيناء التى تحيط بمنطقة العريش، وكان من المقترح أيضاً إنشاء أنفاق تحت مياه قناة السويس لتمرير 51 ألف متر مكعب من المياه كل ثانية، وظلت الأطماع الصهيونية فى سيناء واستخدمت كل الوسائل للسيطرة على سيناء والعريش، وفى عام 1910، وقبيل الحرب العالمية الأولى تعالت داخل فلسطين أصوات جماعة صهيونية كانت تدعو لاستعمار جزء من سيناء وأسسوا لذلك مصرفاً بالقدس لتمويل مشروعهم وأطلقوا عليه «المصرف الأنجلوفلسطينى» لكن هذه المحاولة باءت بالفشل أمام حرص الحكومة المصرية على عدم التفريط فى أى شبر من أرض سيناء.
سيناء أرض مصرية وستبقى مصرية بعزم الرجال من أبناء الشعب المصرى وقواته المسلحة، ويتأكد الرئيس عبدالفتاح السيسى «مش هنسيب سيناء لحد.. سيناء بتاعة المصريين» وكما حررناها من الاستعمار ومن الإرهاب فإننا قادرون على حمايتها من أى محاولات يخطط لها الطامعون.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: حكاية وطن الشعب المصرى شخصية مصر فى سیناء
إقرأ أيضاً:
إفطارهم فى الجنة.. محمد جبر شهيد الواجب الذى لم يرحل
في قلب كرداسة، هناك شوارع لا تزال تحمل صدى ذكريات الشهيد محمد جبر، مأمور القسم الذي دفع حياته ثمناً لأداء واجبه، لم يكن مجرد ضابط شرطة، بل كان رجلاً من لحم ودم، حمل على كاهله أمانة الوطن وراحته، هكذا يصفه كل من عايشه، هكذا تتذكره أسرته، وكأن روحه لا تزال تُرفرف في كل زاوية من هذا المكان الذي شهد آخر لحظاته.
محمد جبر، ذلك الرجل الذي رسم صورة للمثابرة، كان دائمًا ما يردد بين زملائه: "كلنا في خدمة الوطن، وإذا كان هناك من يتوقع أنني سأخاف، فهو لا يعرفني". كان شامخًا، رغم كل التحديات، يتحمل مسؤولياته بكل شجاعة وهدوء، لم يكن يهاب الصعاب، بل كان يقف دائمًا في الصف الأول ليحمي وطنه وأهله، تمامًا كما تعلم في كلية الشرطة، أن أسمى رسالة هي حماية المجتمع بكل ما يملك.
كان يومًا عاديًا، لم تتوقع أسرة الشهيد محمد جبر أنه سيكون آخر يوم في حياة ابنهم، لكن عندما جاء الصباح، جاء معه خبر الفاجعة، استشهد محمد جبر أثناء دفاعه عن مركز شرطة كرداسة، تلك المنطقة التي شهدت تطورات أمنية خطيرة. وعندما انتقل إلى جوار ربه، كانت الدموع في عيون الجميع، ولكن بقيت هناك ابتسامة حزينة على وجهه، ابتسامة تطمئنهم أنه كان قد أتم مهمته على أكمل وجه. "لم يكن يُخشى عليه، فقد كان البطل الذي يعرف كيف يحمي وطنه بروح عالية".
قالت أسرته في تصريحات سابقة لليوم السابع، بصوت يكاد يخبئه الحزن: "كان محمد هو الحلم الذي لم يكتمل، كان أبًا يُحيي الأمل في قلوب أولاده، وكان زوجًا يعكس أسمى معاني الوفاء. والآن، كلما نظرت إلى أبنائنا، أرى فيهما ملامحه وابتسامته التي لا تموت". لا تستطيع أن تمسك دموعها، لكن في قلبها تنبض مشاعر الفخر بما قدمه زوجها من تضحيات.
لا تكاد الذاكرة البصرية تخلو من صورة محمد جبر، التي تملأ غرفته في منزله ،صورة تعكس شجاعة وقوة رجل لا يعرف الخوف، فقد كانت الخدمة في شرطة كرداسة، في تلك الأيام العصيبة، رحلة محفوفة بالمخاطر. "هو في قلوبنا لا يموت"، هكذا يقول محبيه وهم يعانقون صوره، كانت الكلمات تتردد في حديثهم "محمد لم يكن مجرد اسم، بل كان عنوانًا للشجاعة والصدق، ومع كل فجر جديد، نقول له: أنت في القلب دائمًا".
وبينما يمر الوقت وتظل حكايات الأبطال تتوارث من جيل إلى جيل، يبقى الشهيد محمد جبر رمزًا للصمود والشجاعة. لم يكن مجرد ضابط شرطة، بل كان رمزًا للمسؤولية وحب الوطن. يبقى اسمه في قلب كل من يعرفه، وسيظل ضوءًا يضيء سماء كرداسة وكل مصر، يذكرنا بأن العطاء لا يُقاس بمدة، بل بنبل الهدف والشرف الذي خلفه.
في كل زقاق، وفي كل شارع، تحيا ذكرى محمد جبر، وتبقى قصته شاهدة على أن الشهداء لا يموتون، بل يتجددون في قلوبنا، ويتسابقون مع الزمن ليجعلونا نرفع رؤوسنا بكل فخر.
في قلب هذا الوطن الذي لا ينسى أبنائه، يظل شهداء الشرطة رمزًا للتضحية والفداء، ويختصرون في أرواحهم أسمى معاني البذل والإيثار، رغم غيابهم عن أحضان أسرهم في شهر رمضان، يبقى عطاؤهم حاضرًا في قلوب المصريين، فالوطن لا ينسى من بذل روحه في سبيل أمنه واستقراره.
هم الذين أفنوا حياتهم في حماية الشعب، وسطروا بدمائهم صفحات من الشجاعة والإصرار على مواجهة الإرهاب، هم الذين لم يترددوا لحظة في الوقوف أمام كل من يهدد وطنهم، وواجهوا الموت بابتسامة، مع العلم أن حياتهم ليست سوى جزء صغير من معركة أكبر ضد الظلام.
في رمضان، حين يلتف الجميع حول موائد الإفطار في دفء الأسرة، كان شهداء الشرطة يجلسون في مكان أسمى، مكان لا تدركه أعيننا، ولكنه مكان لا يعادل في قيمته كل الدنيا؛ فإفطارهم اليوم سيكون مع النبين والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقًا.
مع غيابهم عن المائدة الرمضانية في بيوتهم، يظل الشعب المصري يذكرهم في صلواته ودعواته، تظل أسماؤهم محفورة في ذاكرة الوطن، وتظل أرواحهم تسكن بيننا، تعطينا الأمل والقوة لنستمر في مواجهة التحديات.
إن الشهداء هم الذين حفظوا لنا الأمان في عز الشدائد، وهم الذين سيظلون نجومًا مضيئة في سماء وطننا، فلهم منا الدعاء في كل لحظة، وأن يظل الوطن في حفظ الله وأمانه.
مشاركة