الرعب يغذى غريزة خطيرة، وهى غريزة اللوم. وبما أن كل صوت من غزة يجب أن يسبقه أو يتبعه صوت من إسرائيل، فإن المشاهدين ينجذبون إلى جدالات تغذيها الحرارة وليس الضوء. لا يوجد تاريخ أو خلفية. يحصل الضحايا الذين يذرفون الدموع على وقت أطول من صناع القرار أو الخبراء. وبعد اللوم يأتى الشعور الساحق بالعجز. ماذا نستطيع ان نفعل؟ هل يجب أن نصرخ، نسير، نكتب، نصمت؟ فى الغالب نشعر بالحزن ونعود لحياتنا متظاهرين بأنه لم يتغير شيء.
إنها المرة الأولى فى حياتى البالغة التى لا أستطيع فيها مشاهدة الأخبار أو قراءتها. عرضها يجعلنى مستاء للغاية. منذ أكثر من أسبوع لم أقرأ أو أسمع أو أشاهد الأخبار الواردة من غزة.. لقد سألت من حولى والعديد من الأشخاص الآخرين يفعلون الشيء نفسه. هذا ما يقوله الكاتب البريطانى سيمون جنكينز؛ وهو تحول كبير فى الرؤية الغربية لما يحدث فى غزة ؛ خاصة أننا جميعا الأن مدينون للإنسانية جمعاء بعدم تجاهل الأعمال اللاإنسانية، أينما حدثت. ما يحدث من أهوال لا توصف فى مكان ما على الأرض طوال الوقت. قد يكون لوسائل الإعلام مساحة وخاصة ان كل حدث ينسينا الآخر !. متى سمعت آخر مرة عن السودان، أو جمهورية الكونغو الديمقراطية، أو حتى أوكرانيا؟.
الآن لدينا التغطية الأكثر كثافة على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع للعنف الشديد الذى يمكننى تذكره. تقول نشرة الأخبار المسائية بخجل إن المشاهد «فظيعة جدًا بحيث لا يمكن عرضها»، ثم «قد يجد المشاهدون بعض المشاهد مؤلمة»، كما لو كانت تجذبنا بعيدًا عن أى شيء آخر نفعله. هذا هو تليفزيون التابلويد، الذى يقدم لمحة خادعة حول ما ينبغى أن تكون عليه الأخبار، وهى الحقائق وتفسيرها المستنير. ومع ذلك، فمن المفترض أننا لا نستطيع التعامل مع هذا الأمر، وبدلاً من ذلك يتم إعطاؤنا أصواتًا لا نهاية لها مع الناس على الأرض. نحن بحاجة إلى شىء لتحريك المشاعر. وفى هذا الصدد، يعتبر التليفزيون فى فئة مختلفة عن الراديو والصحافة المطبوعة.
يخبرنا علماء النفس كيف نتعامل مع الأخبار السيئة عندما تؤثر علينا شخصيًا. وينصحوننا بتحليلها وتقييم المخاطر والبحث عن طريقة للمضى قدمًا واتخاذ الإجراءات اللازمة. ولكن هذا يحدث عندما يكون الأمر شخصيًا ويكون لدينا بعض السيطرة على الأحداث.
شرور العالم الخارجى تقع فى مجال عقلى مختلف. ولا يمكننا أن نفعل أى شيء بشكل مباشر تجاههم، ويجب أن نبقى متفرجين على معاناة الآخرين. كان الناس يراقبون بقلق شديد أخبار المرض كل ساعة. وأدى ذلك إلى مشاعر الخوف والحزن والغضب، وزيادة حالات الاكتئاب والصدمات. كما هو الحال مع الأخبار السيئة بشكل عام، قيل أن جاذبيتها هى استجابة تطورية لخطر محتمل، فالبشر يتوقون إلى التحذير.
يجب أن يكون هناك حد. إنه شيء يجب أن نتذكره من حين لآخر بمعاناة الآخرين، وبعجزنا عندما يتعلق الأمر بتغيير العالم من حولنا. لا أستطيع أن أرى أن تصوير الرعب فى الوقت الحقيقى بلا هوادة يغرس أى فضيلة. من المتوقع أن نشهد نحن وأطفالنا صراخًا ونزيفًا وغضبًا ليلة بعد ليلة. وهذا لا يمكن أن يزيد من فهم الجمهور لما يحدث، بل يزيد فقط من الغضب والخلاف والاضطراب العقلى. أريد مشاهدة الأخبار. ولكننى أريد أكثر حلولا لتلك المآسى!
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: مصطفى محمود الرعب إسرائيل المشاهدين یجب أن
إقرأ أيضاً:
3 حلول لحماية صحتك النفسية من الأثار التي تتركها الأخبار السيئة المتدفقة من وسائل الإعلام والسويشل ميديا
لا شك في أن المواقع الإلكترونية الإخبارية ووسائل التواصل الاجتماعي تجعل من المستحيل تقريبًا؛ تجنّب التدفق المستمر للأحداث السياسية الكبيرة والصور المروّعة للحروب.
وفي الحقيقة، تترك كل التوقعات الجيوسياسية المروعة وصور الأشخاص الذين يبكون أمام الجثث في مناطق الحروب آثارًا على صحة المرء النفسية.
وتوصي ناثالي كراه، عضو الرابطة المهنية لعلماء النفس الألمان قائلة “من وجهة نظر الصحة النفسية، يجب أن يبتعد المرء عن هذه الأمور لفترة، خاصة الصور”.
وتقول نورا فالتر الأستاذة في علم النفس بجامعة “إف أو إم” للعلوم التطبيقية للاقتصاد والإدارة، إنه من المرجّح أن ينجذب الأشخاص بصورة أكبر إلى الاطلاع على الأنباء السيئة.
وأضافت “نحن نقوم بالنقر على عناوين أخبار الكوارث للبحث عن معلومات تحمينا من تهديد محتمل، ولكن إذا قام المرء بإحاطة نفسه بصورة دائمة بالأنباء السيئة فقط، فسيظهر خطر أنه لن يتمكن بعد الآن من التفكير بصورة إيجابية”.
????العلاقة بين الأخبار والمشاكل الصحية
كما خلصت دراسة سابقة إلى أنه يمكن أن تكون هناك صلة بين الرغبة القهرية في الاطلاع على الأخبار والمشاكل الصحية.
وعلى سبيل المثال، فإن الذين يتأثرون بـ”استهلاك الأخبار المثيرة للمشاكل” أي يقومون بتفقّد الأخبار بصورة خارجة عن السيطرة، يجدون صعوبة في الانفصال عنها، ويستمرون في التفكير في الأحداث التي قرؤوا أخبارها بعد مرور فترة طويلة على وقوعها.
????حلول الحماية من تدفُّق الأخبار
ولكن كيف يمكن أن يتعامل المرء مع ما يقرؤه أو يسمعه أو يشاهده على مواقع التواصل الاجتماعي من أجل حماية صحته العقلية؟
????تقترح ناتالي كراه 3 حلول:
-الحل الأول هو الابتعاد عن مشاهدة الصور ومقاطع الفيديو. ومن أجل الصحة النفسية للمرء، يتعين أن لا يستمر في البحث عن الصور أو مقاطع الفيديو المزعجة على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث إنها تسبب ألمًا نفسيًّا أكثر من المعلومات المكتوبة.
-الحل الثاني هو التواصل مع المقرّبين. فهذا يتيح للمرء التخلّص من العبء الذي يشعر به وأن يشارك مشاعره ويتعلم كيف يتعامل الآخرون مع الأمور المروّعة في الأخبار.
-الحل الثالث هو التساؤل عن دوافع الأشخاص الذين يبثّون المحتوى. فإذا كان المرء يتبع مجموعات معينة على قنوات التواصل الاجتماعي، فعليه أن يسأل نفسه دائمًا لمصلحة مَن يتم تداول هذه الصور؟ وهل هي قضية يريد تأييدها؟ إذا كانت الإجابة “لا”، فلا يتعين أن يقوم بمشاركتها.
لكن ناتالي أكدت أيضًا أن هذه الحلول لا تعني أن يتوقف المرء تمامًا عن الاطلاع على الأخبار والمعلومات؛ فهي في نهاية المطاف مهمة للمساعدة على تشكيل الرأي.