انس الشيخ مظهر: العراق: ما علاقة المثليين بحرق القران؟
تاريخ النشر: 5th, July 2023 GMT
انس الشيخ مظهر في الحقيقة لم اكن ارغب في الكتابة عن حادثة حرق القران الكريم مؤخرا , ليست لانها لا ترقى الى الكتابة عنها وشجبها , بل لان التاريخ يؤكد لنا انه كلما زادت ردود افعال العالم الاسلامي حول هذه الانتهاكات , كلما زاد اهتمام الاعلام بمرتكبيها , وتحولوا الى شخصيات يشار اليها بالبنان , ومثال على ذلك ما حصل مع سلمان رشدي , وصحيفة شارلي ايبدو , ومع القس الامريكي دليل على ذلك…ويبدو ان هذا ما سيحصل مع الشخص المغمور الذي ارتكب عملية الاعتداء الاخير على القران في السويد , ويشجع غيرهم ايضا للقيام بنفس الاعتداءات مستقبلا.
غير ان ما دفعني للكتابة عن هذا الموضوع هو ردود افعال بعض الاطراف العراقية حول هذه الحادثة , والتي يمكن وصفها بالمبالغ فيها , حول الامر من استنكار شعبي عقائدي الى مزايدات سياسية افقدتها دافعها الايماني الحقيقي . لذلك لن نخوض في عملية الحرق نفسها , بل سنحاول توضيح امور يمكن ان تكون قد غابت عمن اخذهم الحماس الديني لشجب هذه الفعلة القبيحة , واستغل حماسهم ذاك في تداعيات الحادثة سياسيا. ان اول موقف عراقي تجاه حادثة حرق القران كان لطرف غاب بارادته عن المشهد السياسي , ووجد ان استنكار الحادثة هي مناسبة جيدة لظهوره في المشهد من جديد , وان كان من باب التحشيد الجماهيري , فكان ان نشر تغريدة ادان فيها هذا الانتهاك ” وسناتي لاحقا على فحوى هذه التغريدة” . وبمجرد تبني هذا الطرف للحملة الشعبية حول ذلك, انبرى الطرف المنافس له للمزايدة عليه واخذ زمام مبادرة التحشيد الشعبي , داعيا الشارع الى التحشد امام السفارة السويدية استنكارا لهذه الجريمة , مطالبا الحكومة العراقية بطرد السفير السويدي , رغم انه جزء اساسي من هذه الحكومة. ولذلك وان بدى المشهد العراقي للمراقب بانه الاكثر شجبا واختزالا لردود افعال العالم الاسلامي , فان سقف الشجب العراقي هذا ناتج عن منافسة سياسية بين الاطراف العراقية المتصارعة بعيدا عن اي موقف عقائدي او ديني . في الحقيقة ان حرق القران لا يمثل خبرا صادما لاغلب العراقين ولا يمكن تصوره بانه نزل عليهم كالصاعقة . فمن عاصر حقبة البعث , شهد حرق القرائين والاناجيل تحت انقاض المساجد والكنائس التي كانت تحرق وتهدم على رؤوس المدنيين , ويرحل سكان المناطق الموجودة فيها الى مناطق نائية بعيدة عن مناطقهم الاصلية . كذلك فان الجيل الحالي من الشيعة والسنة الذين عاشوا الحرب الطائفية التي عمت العراق في السنوات الماضية , شاهدوا كيف تنتهك مقدساتهم الشيعية منها والسنية على يد ابناء البلد الواحد من الطائفة الاخرى . وعليه فالمنطق يقول ان من يرى مقدساته تنتهك من قبل اخوانه في الدين والوطن , لن ينصدم بحرق القران من قبل شخص مغمور في دولة اوروبية , خاصة اذا عرفنا ان بعض الجهات التي شجبت حرق القران كانت هي نفسها متورطة في انتهاكات للمقدسات داخل العراق. وهناك تساؤول مشروع وهو …كيف ببلد كان فيه المواطن يقتل على الهوية وتسيل دماءه انهارا لسنوات عديدة , ان ينتفض سكانه اليوم على حرق القران في بلد غير مسلم , خاصة وان الاسلام الذي يدعي هؤلاء دفاعهم عنه يؤكد ان هدم الكعبة اهون عند الله من اراقة دم امريء مسلم … كيف يمكن فهم هذه الشزوفرينيا المجتمعية “السياسية و الدينية” في بلاد الفانوس السحري؟ ان اغرب ما رافق تداعيات حرق القران في العراق هو اقحام موضوع المثليين فيه “في التغريدة التي تحدثنا عنها اعلاه” … وفي الحقيقة ان ربط موضوع حقوق المثليين بموضوع حرق القران لم يكن موفقا على الاطلاق , حتى وان جاء من قبيل الحديث عن الازدواجية الغربية . فالقران كتاب سماوي مقدس لدى ما يقارب ملياري انسان, لا ينبغي ربطه بموضوع حقوق المثليين الذي عليه لغط كثير حتى في الغرب , ويعتبر عند الكثيرين احط ما وصل اليه المجتمع البشري . لذلك فان هذا الربط يحط من قدسية القران. بغض النظر عما سبق من ملاحظات… فان تركيز الاعلام على المواقف الشعبوية بكل ما فيها من سلبيات وعشوائية , قد طغى على الموقف الرسمي العراقي وافقده تاثيره . ذلك الموقف الذي عبرت عنه وزارة الخارجية العراقية والذي كان قمة في الرقي والدبلوماسية , في استدعاء السفير السويدي واستنكار الحادثة , ثم البيان الرسمي الذي صدر عنها , ودعوة الحكومة العراقية لاحتضان الاجتماع الطاريء للامانة العامة لمنظمة التعاون الاسلامي والذي سيبحث هذا الموضوع , كذلك موقف حكومة اقليم كوردستان والذي جاء على لسان رئاسة الوزراء والذي اكد فيه شجبه واستنكاره لما حصل. بين الموقف الشعبوي هذا والمواقف الرسمية العراقية برز موقف اخر نستطيع وصفه بالموقف الباهت الذي لا ملامح له , وهو صدر من وزارة من وزارات الحكومة العراقية والتي لا علاقة لها بهكذا موضوع , واعلان وزيرتها بان الحكومة العراقية ستطالب بتسليمها مرتكب هذه الجريمة “باعتباره مواطنا عراقيا” لتتم محاكمته في العراق … وهو ما يشير الى عدم المام الوزيرة بمهامها وصلاحياتها , وافتقارها الى معلومات بخصوص مرتكب هذه الجريمة …فصحيح ان الشخص الذي حرق القران هو من اصول عراقية , وكان منتميا لاحدى الفصائل المسلحة, الا انه حاصل الان على الجنسية السويدية , وليس من المنطق ان يطالب العراق دولة ما بتسليمها مواطن لها كي تتم محاكمته في العراق حسب القانون العراقي. ان التظاهرات والتحشدات مهما طالت في مدن العراق فهي غير منتجة , ولن تؤثر ايجابيا على منع تكرار هذه الانتهاكات مستقبلا , فهي في الاصل ليست سوى عرض عضلات بين القوى المشرفة عليها , ومنافسة سياسية فيما بينها, لذلك فعلى القائمين عليها ان يرأفوا بحال شارعهم الذي يحشدونه في هذا الصيف القائض دون ان يجني من تحشده سوى ضربات الشمس والاعياء والتعب …وان يتركوا الحكومة العراقية تتصرف لوحدها بما يصب في صالح العراق, وتبلور موقفا اسلاميا موحدا لجميع الدول الاسلامية , فلا يمكن وضع الشعب العراقي دائما بوجه المدفع امام المجتمع الدولي , كما ان الفوضوية لا تحل كل الامور كما يتوهمون. اقليم كوردستان – اربيل
المصدر: رأي اليوم
إقرأ أيضاً:
حين يصبح التخابر السياسي مشروعا .. كيف تُدار المؤسسات العراقية بمصالح إقليمية؟
بغداد اليوم - بغداد
منذ عام 2003، والعراق يتحوّل إلى ساحة مفتوحة للنفوذ الإقليمي والدولي، حيث تشابكت مصالح القوى الخارجية مع المصالح الحزبية، فتداخل الأمني مع السياسي، وامتزجت الولاءات المحلية بالحسابات الدولية.
لم تكن هذه التحولات مجرد انعكاس لصراعات القوى الكبرى فحسب، بل أصبحت جزءًا من بنية النظام السياسي العراقي نفسه، حيث تحولت المناصب الحكومية والمواقع الأمنية الحساسة إلى أدوات بيد جهات لها ارتباطات خارجية، بشكل مباشر أو غير مباشر.
وفي خضم هذا المشهد، يبرز السؤال الكبير: لماذا لا يفتح جهاز المخابرات العراقي ملف الشخصيات والأحزاب ذات الولاءات الخارجية؟ هل يعود ذلك إلى غياب المعلومات، أم أن الجهاز نفسه مقيد بسلاسل المحاصصة السياسية والطائفية؟ وإن كان القانون العراقي يجرّم التخابر مع جهات أجنبية، فلماذا لا تُطبَّق هذه النصوص على شخصيات نافذة واضحة الارتباط بقوى إقليمية ودولية؟
قانون التجسس في العراق: نصوص معلقة
في كل الدول ذات السيادة، يُعدّ التخابر مع جهات أجنبية جريمة يعاقب عليها القانون، سواءً كان ذلك عبر تقديم معلومات استخبارية لدولة أخرى أو تنفيذ أجندات سياسية لمصلحة قوى خارجية. العراق ليس استثناءً، حيث يجرّم قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 أي تواصل غير مشروع مع جهات أجنبية يُعرّض الأمن القومي للخطر.
لكن المشكلة لا تكمن في غياب القوانين، بل في غياب الإرادة السياسية لتفعيلها. فمنذ عام 2003، أصبح المشهد العراقي غارقًا في التوازنات الحزبية والمحاصصة الطائفية، ما جعل تطبيق هذه القوانين شبه مستحيل، خاصة عندما يتعلق الأمر بشخصيات نافذة تمتلك حلفاء داخل الدولة وخارجها. هذا التعقيد دفع جهاز المخابرات العراقي إلى التغاضي عن هذه الملفات، إما بحكم الأمر الواقع أو بسبب تدخلات سياسية تمنعه من ملاحقة شخصيات محسوبة على جهات نافذة.
المخابرات العراقية والمحاصصة السياسية: جهاز مكبَّل بالإرادات الخارجية
حينما يُطرح الحديث عن قدرة جهاز المخابرات العراقي على ملاحقة الأحزاب والشخصيات السياسية المرتبطة بالخارج، يتبادر إلى الذهن السؤال الأهم: هل يمتلك الجهاز صلاحية فعلية لملاحقة هؤلاء؟ المحلل السياسي سيف الهاشمي يرى أن المشكلة ليست في نقص المعلومات أو العجز الاستخباري، بل في طبيعة المهام الموكلة للجهاز، والتي لم تشمل – وفق تعبيره – "ملاحقة الشخصيات ذات الولاءات الخارجية، رغم معرفة الجميع بوجودها".
يؤكد الهاشمي بحديثه لـ"بغداد اليوم"، أن "جهاز المخابرات العراقي نفسه خضع لنظام المحاصصة الطائفية، ما يعني أن أي محاولة لملاحقة شخصيات معينة قد تُفسَّر على أنها استهداف طائفي أو سياسي، خاصة أن الكثير من هذه الشخصيات تأتي إلى مناصبها بدعم من قوى سياسية تمثل طوائف أو مكونات معينة. وبالتالي، فإن أي تحرك في هذا الاتجاه قد يُفجّر أزمة سياسية داخلية قبل أن يكون خطوة لحماية السيادة العراقية".
ويضيف أن "العراق بعد 2003 شهد عملية ديمقراطية بتدخل مباشر من الدول الكبرى، وهو ما سمح بتقاسم النفوذ والمصالح، ما جعل بعض الوزارات والهيئات الأمنية تُدار بشكل غير مباشر من قبل جهات تمتلك ارتباطات خارجية. لذلك، من غير المستغرب أن يكون هناك مسؤولون عراقيون يعملون وفق أجندات دولية وليس فقط لمصلحة العراق".
حينما يتعلّق الأمر بالنفوذ الأجنبي داخل العراق، فإن الأمر لا يقتصر فقط على شخصيات سياسية تدين بالولاء لقوى خارجية، بل يمتد إلى بنية الدولة نفسها. فالعديد من الوزارات الحساسة أصبحت تُدار من قبل شخصيات محسوبة على جهات خارجية، سواء من خلال الدعم السياسي أو العسكري أو حتى المالي. هذه الديناميكية جعلت القرار السياسي العراقي رهينة توازنات إقليمية ودولية، ما يفسّر عدم قدرة الحكومة على اتخاذ قرارات جريئة في قضايا تمس الأمن القومي بشكل مباشر.
ويشير الهاشمي إلى أن "وجود سفارات وقنصليات أجنبية داخل العراق، بالإضافة إلى التحالفات العسكرية والدبلوماسية، يُعطي انطباعًا بأن القرار الأمني في العراق ليس مستقلاً تمامًا، بل يُدار بتنسيق مع قوى دولية وإقليمية لها مصلحة مباشرة في الحفاظ على نفوذها داخل البلاد".
على مدار العقدين الماضيين، ظل العراق مشغولًا بتحديات أمنية ضخمة، بدءًا من الإرهاب العابر للحدود، ومرورًا بالحروب الطائفية، وصولًا إلى صراعات النفوذ بين القوى السياسية المتنافسة. هذه الأوضاع جعلت الأجهزة الأمنية، بما فيها المخابرات، تركز على قضايا تتعلق بحفظ الأمن والاستقرار، متجاهلة ملفات حساسة مثل "التخابر السياسي" والارتباط بالخارج.
ويؤكد الهاشمي أن "الحكومة العراقية، خلال السنوات الماضية، كانت منشغلة بمعالجة الأزمات الأمنية المتلاحقة، وهذا جعل قضايا مثل ملاحقة الشخصيات المرتبطة بالخارج مسألة غير ذات أولوية، رغم خطورتها على المدى البعيد".
في ظل كل هذه التعقيدات، لا يبدو أن هناك إمكانية حقيقية لفتح ملف الشخصيات السياسية المتصلة بالخارج. فالمصالح المتداخلة، والعلاقات العميقة بين الأحزاب العراقية والقوى الإقليمية، جعلت من المستحيل تقريبًا محاسبة شخصيات نافذة على خلفية ارتباطاتها الدولية.
وبحسب الهاشمي، فإن "العراق لن يشهد قريبًا أي تحرك جاد في هذا الملف، لأن المحاصصة السياسية تمنع ذلك، إضافة إلى أن التحالفات الحزبية تخلق حماية غير مباشرة لأي شخصية يُتهم بولائها للخارج، ما يجعل أي محاولة لفتح هذا الملف محفوفة بالمخاطر السياسية".
حالة "اللاحسم"
لا يزال العراق يواجه تحديات كبيرة في تحقيق سيادته السياسية والأمنية، في ظل تغلغل النفوذ الأجنبي في مؤسسات الدولة. وبينما تستمر التساؤلات حول دور جهاز المخابرات في كشف الشخصيات والأحزاب التي ترتبط بالخارج، يبقى الواقع يؤكد أن أي تحرك في هذا الاتجاه قد يُعرّض المشهد السياسي العراقي لاهتزازات خطيرة.
وفي ظل غياب الإرادة السياسية لتفعيل القوانين التي تجرّم الولاءات الخارجية، ستبقى هذه القضية مجرد "حديث إعلامي" دون أي خطوات عملية، مما يعزز حالة "اللاحسم" التي طبعت السياسة العراقية منذ 2003 وحتى اليوم. لكن السؤال الأهم الذي يفرض نفسه: هل يمكن للعراق يومًا ما أن يستعيد سيادته الكاملة بعيدًا عن التأثيرات الخارجية، أم أن هذه التدخلات أصبحت جزءًا لا يتجزأ من واقعه السياسي؟
المصدر: بغداد اليوم+ وكالات