انس الشيخ مظهر في الحقيقة لم اكن ارغب في الكتابة عن حادثة حرق القران الكريم مؤخرا , ليست لانها لا ترقى الى الكتابة عنها وشجبها , بل لان التاريخ يؤكد لنا انه كلما زادت ردود افعال العالم الاسلامي حول هذه الانتهاكات , كلما زاد اهتمام الاعلام بمرتكبيها , وتحولوا الى شخصيات يشار اليها بالبنان , ومثال على ذلك ما حصل مع سلمان رشدي , وصحيفة شارلي ايبدو , ومع القس الامريكي دليل على ذلك…ويبدو ان هذا ما سيحصل مع الشخص المغمور الذي ارتكب عملية الاعتداء الاخير على القران في السويد , ويشجع غيرهم ايضا للقيام بنفس الاعتداءات مستقبلا.

 غير ان ما دفعني للكتابة عن هذا الموضوع هو ردود افعال بعض الاطراف العراقية حول هذه الحادثة , والتي يمكن وصفها بالمبالغ فيها , حول الامر من استنكار شعبي عقائدي الى مزايدات سياسية افقدتها دافعها الايماني الحقيقي . لذلك لن نخوض في عملية الحرق نفسها , بل سنحاول توضيح امور يمكن ان تكون قد غابت عمن اخذهم الحماس الديني لشجب هذه الفعلة القبيحة , واستغل حماسهم ذاك في تداعيات الحادثة سياسيا. ان اول موقف عراقي تجاه حادثة حرق القران كان لطرف غاب بارادته عن المشهد السياسي , ووجد ان استنكار الحادثة هي مناسبة جيدة لظهوره في  المشهد من جديد , وان كان من باب التحشيد الجماهيري , فكان ان نشر تغريدة ادان فيها هذا الانتهاك ” وسناتي لاحقا على فحوى هذه التغريدة” . وبمجرد تبني هذا الطرف للحملة الشعبية حول ذلك, انبرى الطرف المنافس له للمزايدة عليه واخذ زمام مبادرة التحشيد الشعبي , داعيا الشارع الى التحشد امام السفارة السويدية استنكارا لهذه الجريمة , مطالبا الحكومة العراقية بطرد السفير السويدي , رغم انه جزء اساسي من هذه الحكومة. ولذلك وان بدى المشهد العراقي للمراقب بانه الاكثر شجبا واختزالا لردود افعال العالم الاسلامي , فان سقف الشجب العراقي هذا ناتج عن منافسة سياسية بين الاطراف العراقية المتصارعة بعيدا عن اي موقف عقائدي او ديني . في الحقيقة ان حرق القران لا يمثل خبرا صادما لاغلب العراقين ولا يمكن تصوره بانه نزل عليهم كالصاعقة . فمن عاصر حقبة البعث , شهد حرق القرائين والاناجيل تحت انقاض المساجد والكنائس التي كانت تحرق وتهدم على رؤوس المدنيين , ويرحل سكان المناطق الموجودة فيها الى مناطق نائية بعيدة عن مناطقهم الاصلية . كذلك فان الجيل الحالي من الشيعة والسنة الذين عاشوا الحرب الطائفية التي عمت العراق في السنوات الماضية , شاهدوا كيف تنتهك مقدساتهم الشيعية منها والسنية على يد ابناء البلد الواحد من الطائفة الاخرى . وعليه فالمنطق يقول ان من يرى مقدساته تنتهك من قبل اخوانه في الدين والوطن , لن ينصدم بحرق القران من قبل شخص مغمور في دولة اوروبية , خاصة اذا عرفنا ان بعض الجهات التي شجبت حرق القران كانت هي نفسها متورطة في انتهاكات للمقدسات داخل العراق. وهناك تساؤول مشروع وهو …كيف ببلد كان فيه المواطن يقتل على الهوية وتسيل دماءه انهارا لسنوات عديدة , ان ينتفض سكانه اليوم على حرق القران في بلد غير مسلم , خاصة وان الاسلام الذي يدعي هؤلاء دفاعهم عنه يؤكد ان هدم الكعبة اهون عند الله من اراقة دم امريء مسلم … كيف يمكن فهم هذه الشزوفرينيا المجتمعية “السياسية و الدينية” في بلاد الفانوس السحري؟ ان اغرب ما رافق تداعيات حرق القران في العراق هو اقحام موضوع المثليين فيه “في التغريدة التي تحدثنا عنها اعلاه” … وفي الحقيقة ان ربط موضوع حقوق المثليين بموضوع حرق القران لم يكن موفقا على الاطلاق , حتى وان جاء من قبيل الحديث عن الازدواجية الغربية . فالقران كتاب سماوي مقدس لدى ما يقارب ملياري انسان, لا ينبغي ربطه بموضوع حقوق المثليين الذي عليه لغط كثير حتى في الغرب , ويعتبر عند الكثيرين احط ما وصل اليه المجتمع البشري . لذلك فان هذا الربط يحط من قدسية القران. بغض النظر عما سبق من ملاحظات… فان تركيز الاعلام على المواقف الشعبوية بكل ما فيها من سلبيات وعشوائية , قد طغى على الموقف الرسمي العراقي وافقده تاثيره . ذلك الموقف الذي عبرت عنه وزارة الخارجية العراقية والذي كان قمة في الرقي والدبلوماسية , في استدعاء السفير السويدي واستنكار الحادثة , ثم البيان الرسمي الذي صدر عنها , ودعوة الحكومة العراقية لاحتضان الاجتماع الطاريء للامانة العامة لمنظمة التعاون الاسلامي والذي سيبحث هذا الموضوع , كذلك موقف حكومة اقليم كوردستان والذي جاء على لسان رئاسة الوزراء والذي اكد فيه شجبه واستنكاره لما حصل. بين الموقف الشعبوي هذا والمواقف الرسمية العراقية برز موقف اخر نستطيع وصفه بالموقف الباهت الذي لا ملامح له , وهو صدر من وزارة من وزارات الحكومة العراقية والتي لا علاقة لها بهكذا موضوع , واعلان وزيرتها بان الحكومة العراقية ستطالب بتسليمها مرتكب هذه الجريمة “باعتباره مواطنا عراقيا” لتتم محاكمته في العراق … وهو ما يشير الى عدم المام الوزيرة بمهامها وصلاحياتها , وافتقارها الى معلومات بخصوص مرتكب هذه الجريمة …فصحيح ان الشخص الذي حرق القران هو من اصول عراقية , وكان منتميا لاحدى الفصائل المسلحة, الا انه حاصل الان على الجنسية السويدية , وليس من المنطق ان يطالب العراق دولة ما بتسليمها مواطن لها كي تتم محاكمته في العراق حسب القانون العراقي.  ان التظاهرات والتحشدات مهما طالت في مدن العراق فهي غير منتجة , ولن تؤثر ايجابيا على منع تكرار هذه الانتهاكات مستقبلا , فهي في الاصل ليست سوى عرض عضلات بين القوى المشرفة عليها , ومنافسة سياسية فيما بينها, لذلك فعلى القائمين عليها ان يرأفوا بحال شارعهم الذي يحشدونه في هذا الصيف القائض دون ان يجني من تحشده سوى ضربات الشمس والاعياء والتعب …وان يتركوا الحكومة العراقية تتصرف لوحدها بما يصب في صالح العراق, وتبلور موقفا اسلاميا موحدا لجميع الدول الاسلامية , فلا يمكن وضع الشعب العراقي دائما بوجه المدفع امام المجتمع الدولي , كما ان الفوضوية لا تحل كل الامور كما يتوهمون.  اقليم كوردستان – اربيل

المصدر: رأي اليوم

إقرأ أيضاً:

ضربة الفصائل العراقية للكيان الغاصب: مقاومة مشروعة أم تصعيد خطر في المنطقة؟

نوفمبر 7, 2024آخر تحديث: نوفمبر 7, 2024

المستلقة/- في خطوة تصعيدية لافتة، أعلنت الفصائل العراقية عن استهداف هدف عسكري داخل الأراضي المحتلة، باستخدام طائرات مسيرة، رداً على ما وصفته بـ”المجازر التي يرتكبها الكيان الغاصب بحق المدنيين من أطفال ونساء وشيوخ” في فلسطين ولبنان.

وأكدت الفصائل، في بيانها، على “استمرار المقاومة الإسلامية في العراق بعملياتها ضد معاقل الأعداء بوتيرة متصاعدة”، مما أثار ردود فعل متباينة حول هذه العملية.

مقاومة أم تصعيد إقليمي؟

تأتي هذه الضربة في وقت يشهد فيه الشرق الأوسط توتراً متصاعداً، وخصوصاً بعد تزايد الضغوطات على الاحتلال بسبب تصاعد الانتقادات الدولية لسلوكياته في المنطقة. بالنسبة لمؤيدي هذه الضربات، فإنها تعكس “الرد المشروع” للمقاومة ضد الاحتلال وممارساته، معتبرين أن الدعم العراقي للمقاومة الفلسطينية واللبنانية هو موقف أخلاقي وإنساني يعزز من صورة التضامن بين الشعوب العربية.

التداعيات الإقليمية والخطورة المحتملة

لكن، وعلى الجانب الآخر، يطرح بعض المحللين تساؤلات حول عواقب هذا التصعيد على العراق نفسه. فبينما ينظر البعض إلى هذه الضربات كجزء من سياسة دعم قوى المقاومة، يخشى آخرون أن تؤدي إلى تورط العراق بشكل أعمق في الصراعات الإقليمية، مما قد يجلب تداعيات أمنية وسياسية قد تؤثر على استقراره الداخلي وعلاقاته مع القوى الدولية.

العراق بين دعم المقاومة والتحذيرات الدولية

مع تصاعد وتيرة عمليات الفصائل العراقية، يتزايد الضغط على الحكومة العراقية التي تسعى إلى تجنب أي صدام دولي. إذ أن بعض القوى الدولية قد ترى في هذا الدعم المتزايد للمقاومة تهديداً مباشراً لمصالحها في المنطقة. ورغم أن الفصائل العراقية تعتبر أن عملياتها جزء من مقاومة مشروعة، يرى آخرون أن هذه العمليات قد تُعرّض العراق لضغوط دولية وربما عقوبات محتملة، خاصةً إذا تصاعدت وتيرة هذه العمليات وأثارت استجابات عسكرية مضادة من الجانب الآخر.

استجابة الشارع العراقي وتحدي الاستقلالية

في هذا السياق، يظل السؤال المطروح: هل ستتمكن الحكومة العراقية من المحافظة على استقلالية قرارها وسط هذا المشهد المعقد، أم أنها ستجد نفسها مجبرة على إعادة النظر في دعمها للفصائل؟ وبينما تتصاعد حدة النقاشات داخل العراق حول طبيعة هذه العمليات وأهدافها، يبقى الشارع العراقي منقسماً بين داعم للمقاومة ومدافع عن حقها في الرد، وبين محذّر من احتمالية الزج بالعراق في صراعات إقليمية قد تؤثر سلباً على أمنه واستقراره.

ختاماً، يتضح أن استهداف الفصائل العراقية للأراضي المحتلة فتح باباً واسعاً للنقاش حول مستقبل الدور العراقي في المنطقة، فهل هي بداية لتصعيد أكبر، أم أنها مجرد رد مؤقت سيتبعه ضبط للنفس؟

مقالات مشابهة

  • الحكومة العراقية تعلن عن فرض حظر تجوال التعداد السكاني في جميع أنحاء البلاد
  • شرح مفصّل لتداعيات فوز ترامب على السياسة النفطية العراقية
  • شرح مفصّل لتداعيات فوز ترامب على السياسة النفطية العراقية - عاجل
  • المقاومة العراقية تنفي وجود تحضيرات للمشاركة في رد إيراني على إسرائيل
  • «الرعاية الصحية» تستقبل وفدًا من وزارة الصحة العراقية
  • المقاومة العراقية تدك هدفاً عسكرياً في فلسطين المحتلة بالطيران المُسيّر
  • بقائي: معيارنا في التقييم هو الأداء الذي تبديه الحكومة الأمريكية
  • ضربة الفصائل العراقية للكيان الغاصب: مقاومة مشروعة أم تصعيد خطر في المنطقة؟
  • ما دلائل دعوة السيستاني إلى حصر السلاح بيد الدولة العراقية؟
  • الحكومة العراقية تصدر قرارات جديدة - عاجل