د. رشيد يحياوي لم تكن حادثة قتل الطفل نائل إلا القشة التي قسمت ظهر النظام الفرنسي و ستهشمه لاحقا إذا لم يتدارك الموقف و يصحح مساره المرتكز على التمييز الاجتماعي و المتجاهل لطبقات مركزية في توازن المجتمع و مركزة في أحياء هامشية. المشكلة الأساسية ليست في الشرطي القاتل لطفل بريء، بل و ليست في منظومة الشرطة المتعجرفة التي تبجحت بنشر بيان اعتبر إعلانا للحرب.

المشكلة الحقيقية حسب تقديرنا تكمن في بنية و طبيعة النظام الفرنسي ذاته. هذا النظام الموسوم تاريخيا باستعمارية متوحشة عانت منها شعوب كثيرة، لا سيما شعوب أفريقيا في قارة أفريقيا و في قلب فرنسا. و هذا ما دعانا لأن نتوقع إفلاس هذا النظام قريبا اعتبارا لعدة معطيات.  فلمحة سريعة ستذكرنا بالشهداء الذين ألقي بجثتهم في نهر السين في مدينة باريس عندما احتجوا ضد النظام الكولونياني في  الستينات من القرن الماضي مطالبيين باستقلال الجزائر. و نتذكر أيضا بحزن جحافل المغاربيين الذين هجروا بلادهم بعد أن نهبها المعمرون و أفقروها. أولائك العاملون الأبرياء الذين غرر بهم و أوتي بهم للعمل في فرنسا. لكن معظمهم لم يرجعوا إلى أوطانهم، بل قضوا نحبهم غبنا و اختناقا تحت ركام أعماق المناجم التي كانت تفتقر إلى أبسط شروط السلامة.   ثم ابتليت فرنسا كما العالم بجائحة كورونا التي عرت المستور  و كشفت عن منظومة صحية فرنسية مهترئة و عاجزة عن إنتاج دواء فعال أو لقاح واق، ففشلت حيث نجحت دول أخرى كانت فرنسا  بالأمس القريب تتبجح بتفوقها عليها اجتماعيا و اقتصاديا. إن ضعف الخدمات و السياسات المقدمة و الارتفاع الديموغرافي بالخصوص في صفوف الطبقات الفقيرة و كذلك الإهمال الممنهج، أدى إلى تهميش طبقات شعبية و إلى الحيلولة دون اندماجها في المنظومة الاجتماعية. و لقد تم فرض سياسات خاطئة و متعمدة و لم يتم السماع لصوت المعارضة من أحزاب و طبقات مجتمعية عريضة على حساب الاستثمار في حروب خارج البلاد. و ذلك أيضا من معجلات إفلاس النظام الفرنسي، و تحديدا مشاركته في الحرب الأكرانية و مكابرته على أنظمة وطنية شرقية غير تابعة للمعسكر الغربي. تم ذلك بنشاط ضمن منظومة الاتحاد الأوربي من خلال أنشطته و تقاريره المستفزة لدول محسوبة خارج إطاره. و باتت تنخر جسمه العليل سياساته الفاشلة داخليا و خارجيا، فهو اليوم خائف و أمام امتحان صعب مما يحصل في فرنسا و في أثينا و في جنوب إيطاليا غداة مواجهة المواطنين و المهاجرين لسياسات دعم أكرانيا عسكريا، حيث تصرف الملاييير على حساب الدعم الداخلي و الاستجابة لحاجات الشعب الآنية. لقد  سقط القناع عن قناع بعض الساسة الأوربيين . فالرئيس ماكرون الذي استمات في لعب دور الوسيط و المسالم، تورط بشكل فاضح في تدريب دوريات العسكر الأكراني و في الضغط على الشعب الروسي بعقوبات جائرة. و بالمقابل غرق في موجات الاحتجاجات المتتالية بسبب انكشاف لا سيادة قراراته، باعتبار توجه نظام بلده الاقتصادي و المالي الخاضع و التابع لأمريكا منذ زمن بعيد. و إذا علمنا أن الأمريكان هم المستفيدون الأكبر من هذه الأزمات التي تعصف بأوروبا، وجب علينا أن نحلل ما يحصل في فرنسا و خارجها بعمق استراتيجي. الواقع  أن أعمال العنف المندلعة منذ سنين في فرنسا و تحديدا اليوم لا ترتبط بتراكمات مشاكل الداخل الفرنسي فقط، بل هي صرخات و رسالات يطلقها الشعب الفرنسي في الداخل تناغما و ترابطا مع ما عبرت عنه شعوب إفريقيا في الخارج، و مفادها “كفى” ،لقد بلغ السيل الزبى” لقد طفح الكيل من جراء سياسات غير مستقلة و استغلالية.  هذه الشعوب تجمعها مشاعر مشتركة و هي تنتفض اليوم بسبب عدم احترام حقوق الإنسان، ازدواجية المعايير الوطنية و الدولية، انعدام العدالة، سيادة القرار الوطني…  لذلك خرجت تلك الشعوب في مظاهرات عفوية غير منظمة مما دفع أنظمتهإ لمحاولات إخماد نيران الوعي الشعبي. هذه الشعوب  تتقاسم أحاسيس الألم و الإحباط و الغضب، ولذلك فالشرارة ما تفتئ تبدأ في فرنسا حتى تجد لهيبها في سويسرا و تتبعها ألمانيا و هلم جرا، مما يولد مخاوف تهديد للاستقرار الأمني و الاقتصادي للأوربيين. إن التضخم أنهك قوى الشعوب الأوربية، و الوضع يتفاقم أمام الجميع. و ما ذلك إلا من  تداعيات الأزمة الاقتصادية و الاجتماعية المترتبة عن حرب أكرانيا. فأين دور أمريكا من الأزمة الفرنسية اليوم  و هي التي ورطتها مع الدول الأوربية في مستنقع أكرانيا؟ السؤال الملح هو هل تداعيات  الأزمة الدولية على الدول الأوربية خاصة في فرنسا و ألمانيا قابلة للاحتواء؟ سؤال أكدت عليه المعارضة من الأحزاب و من مكونات الشعبين الفرنسي و الألمانيي على أصحاب القرار السياسي،  لكن تم تجاهل أصوات السلام و العقلانية. و بعد كل هذا الفشل السياسي الذريع للسياسة الاوربية و خاصة الفرنسية ، هل ترضخ تلك الحكومات لمصالح شعوبها ؟

المصدر: رأي اليوم

كلمات دلالية: فی فرنسا

إقرأ أيضاً:

ملك البحرين يثمن جهود شيخ الأزهر في تحقيق التعاون بين الشعوب

استقبل العاهل البحريني حمد بن عيسى آل خليفة، اليوم الأربعا في قصر الصخير الملكي، فضيلة الإمام الأكبر أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف رئيس مجلس حكماء المسلمين، بمناسبة زيارة فضيلته للبلاد، للمشاركة في مؤتمر «الحوار الإسلامي ـ الإسلامي» تحت شعار «أمة واحدة ومصير مشترك».

ملك البحرين يرحب بالإمام الأكبر

رحب ملك البحرين بفضيلة الإمام الأكبر، ومشاركته في هذا المؤتمر الإسلامي المبارك، متمنيًا له التوفيق والسداد من أجل تحقيق الأهداف المرجوة، بما يخدم قضايا الأمة، ويعزز قيم التضامن والتلاحم والتكاتف في مواجهة التحديات الراهنة.

جهود شيخ الأزهر في ترسيخ مفاهيم التسامح

وأشاد ملك البحرين بالجهود والمساعي الخيرة لشيخ الأزهر في ترسيخ مفاهيم التسامح والتعايش والحوار، وتحقيق التعاون بين الشعوب من مختلف الديانات والثقافات، وبالمكانة الرفيعة التي تبوأها الأزهر الشريف في نشر سماحة الإسلام، وقيمه العظيمة في الاعتدال والتسامح والمحبة.

من جانبه، أعرب فضيلة الإمام الأكبر عن تقديره لاستضافة مملكة البحرين لمؤتمر «الحوار الإسلامي ـ الإسلامي»، ولجهود ملك البحرين في خدمة قضايا الأمة، وتعزيز قيم السلام، والتعايش، والمحبة، والتعاون بين الشعوب، والثقافات المختلفة.

مقالات مشابهة

  • الاسدي يكشف ابرز المبادرات التي نفذتها الوزارة بمناسبة اليوم العالمي للعدالة الاجتماعية
  • لحظات مؤثرة تجمع كيم وكانييه خلف كواليس عرض نورث
  • إلى روح هارون هاشم رشيد
  • الرئيس الفرنسي: نتمنى سلاما دائما ومتينا في أوكرانيا
  • العوامل التي أجبرت أمريكا والكيان على التراجع وتأجيل تهجير أبناء غزة
  • ملك البحرين يثمن جهود شيخ الأزهر في تحقيق التعاون بين الشعوب
  • النظام الغذائي و«صحة الأمعاء».. ما «الأطعمة» التي يجب تناولها وتجنبها؟
  • بدء إعلان نتائج الطلاب بالمدارس التي أنهت الاختبارات اليوم
  • التعليم: بدء إعلان نتائج الطلاب بالمدارس التي أنهت الاختبارات اليوم
  • فيديو جديد يوثق لحظات الذعر بعد انقلاب طائرة دلتا في مطار تورونتو .. شاهد