خسائر مروعة لاقتصاد السودان.. وتساؤلات: أين وزير المالية؟!
تاريخ النشر: 5th, July 2023 GMT
دون اكتراث لأحد أو إعطاء أدنى اهتمام لنبش أكوام القمامة داخل مستشفى مدني العام، وقفت سيدة في رابعة النهار تنقب بدأب شديد عمّا يسد رمقها وسط ركام القمامة، رغم أن بعضها مخلفات طبية شديدة الخطورة.
المشهد المذل والمروع لتلك السيدة الخمسينية، الغائصة بكلتا قدميها لنبش القمامة وغيرها من المشاهد المماثلة هنا وهناك، بدت كافية لتخليص المشهد برمته للحال الذي وصل إليه بعض السودانيين من المسغبة والعوز وشظف العيش، وإذا كانت تلك حالة مواطنة واحدة فقط، فكيف تبدو حال ملايين المواطنين، وحال البلاد بعد مضي ثلاثة أشهر- تقريبًا- على احتدام المعارك بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع بالخرطوم ودارفور؟
مادة اعلانيةالخسائر 100 مليار دولارليبقى السؤال المؤرق: ماذا حلّ بالاقتصاد السوداني بعد اندلاع الحرب الطاحنة؟ وكم بلغت خسائر المؤسسات الاقتصادية العامة والخاصة؟ وسط تساؤلات عن اختفاء وزير المالية جبريل إبراهيم من المشهد تماما.
"العربية.نت" استفسرت الخبير الاقتصادي المرموق البروفيسور عصام عبد الوهاب بوب فقال: "حساب الخسائر الاقتصادية لا ينحصر فقط في عمليات النهب الواسعة لممتلكات الدولة والمواطنين والمصانع والسيارات والبنية التحتية، لكنها أيضا تأتي في تكاليف النزوح عن البلاد أو داخلها، وتكلفة الفرصة الاقتصادية البديلة، ونهب البنوك بصورة بشعة وكاملة، هذا بالإضافة إلى التكلفة العسكرية، وخراب المنشآت العامة، وانقطاع سبل التجارة، والتبادل الاقتصادي الداخلي والخارجي، كل هذا لم يتوقف منذ اليوم الأول لاندلاع الحرب، وما زال مستمرا إلى يومنا هذا".
وعن خسائر الاقتصاد السوداني أوضح الخبير الاقتصادي بوب لـ"العربية.نت" (في الحقيقة أنا اجتهدت في عمل مصفوفة تقديرية لهذا، واستنتجت أن الخسارة الاقتصادية في الفترة الماضية تجاوزت 100 مليار دولار أميركي، ومازال عداد الخسائر في الارتفاع".
في المقابل، أظهر وزير المالية جبريل إبراهيم قلة حيلة تجاه الأزمات الممسكة بتلاليب الاقتصاد السوداني، وعجزت وزارته حتى عن توفير رواتب عشرات الآلاف من موظفي الدولة. وتساءل البروفيسور عصام عبد الوهاب بوب: أين هو وزير المالية؟ ثم أضاف: "لا أعتقد أن هناك وزارة بالمعنى العملي الآن، فمنذ أول طلقة أطلقت في الخرطوم كان معظمهم خارج البلاد، ومعهم معظم السياسيين".
ومضى ليقول: "كان ينبغي على رئيس مجلس السيادة باعتباره رئيس الدولة تشكيل وزارة حرب منذ اليوم الأول لكي تستطيع تولي كل سلطة تنفيذية متوفرة لإنقاذ البلاد".
والوزير في هذه الوزارة كان لا بد من وجوده داخل القيادة، وعلى اتصال دائم بإداراته، هذا هو الأسلوب الناجع للإدارة، وليس الإدارة عن بعد (remote control) هذه ألف باء الإدارة، وتنطبق على الإدارة الاقتصادية.
نفق مظلمفي سياق متصل، أكدت الباحثة الاقتصادية صفاء النعيم لـ"العربية.نت" أن الاقتصاد السوداني ظل قابعا داخل نفق مظلم طوال العقود الماضية، وبالتحديد منذ مطلع ثمانينيات القرن الماضي ثم شهد انتعاشا نسبيا بعد استخراج البترول، إلا أنه سرعان ما تدحرج إلى ذات النفق بعد انفصال جنوب السودان بالعام 2011؛ فبعد الانفصال تراجعت عجلة الاقتصاد تراجعا ملاحظا خاصة القطاعات الرئيسة، المتمثلة في الزراعة والصناعة؛ حيث تدهور الإنتاج الزراعي، بالتالي انخفضت إنتاجية القطاع الزراعي، باعتبار السودان يعتمد اقتصاديا على الزراعة.
وذكرت صفاء النعيم لـ"العربية.نت" أن الحرب الدائرة حاليا تسببت في تدمير القطاع العام والقطاع الخاص، وتوقف التحصيل الضريبي والجمركي بنسبه كبيرة تصل إلى 80% من حجم الإيرادات المعتادة، وتسببت في تدمير القطاع الخاص كالمصانع والشركات الكبرى والصغرى، الأمر الذي أدى إلى عجز الحكومة عن صرف الرواتب لموظفي الدولة منذ أبريل الماضي، كما أعلنت كبريات الشركات الاستغناء عن موظفيها وتصفية أعمالها التجارية، فيما منحت شركات أخريات موظفيها إجازة دون مرتب، وبعضها منح موظفيه إجازة سنوية.
وتضيف صفاء النعيم لـ"العربية.نت" كل تلك التحولات المفصلية أسهمت في ارتفاع معدلات التضخم والبطالة بصورة كارثية، وسط ارتفاع جنوني لأسعار الخدمات، والمواد الغذائية، وانهيار قيمة العملة الوطنية مقابل العملات الصعبة، ووقوع الغالبية العظمى من السودانيين فريسة لتوحش السوق والفقر المسغبة.
مادة إعلانية تابعوا آخر أخبار العربية عبر Google News الاقتصاد_السوداني الخرطوم العربية_نت السودانالمصدر: العربية
إقرأ أيضاً:
ما لا تعرفه عن أسواق المنهوبات في حرب السودان المنسية
أفاد تقرير نشرته صحيفة "اندبندنت عربية" حول "الأموال المنهوبة" بسبب الحرب، بأن شرطة ولاية الخرطوم نفذّت حملات استهدفت أسواق بيع المنهوبات، خاصة سوق صابرين شمال أم درمان.
اقرأ ايضاًوأضافت أن الحملة الأمنية شملت أسواقاً أخرى نشطت خصيصاً لبيع المسروقات وأسفرت عن ضبط كميات وافرة من الأواني المنزلية والأجهزة الكهربائية والأثاث والحديد الخردة، إضافة إلى ملابس النساء والأطفال، بحسب بيان الشرطة.
ونقلت الصحيفة، معاناة جديدة يعايشها السكان المدنيون في المناطق التي نشبت فيها الحرب التي دخلت عامها الثالث، إذ مزقت الحرب أوصال الأسر السودانية وحولتهم إلى نازحين ولاجئين حاملين هموماً لا تحصى، وهم في حال صراع بين اليأس وأمل العودة لبناء ما دمرته الحرب.
وكشفت الصحيفة أن غالب "العائدين" يتفاجؤون أن منازلهم أصبحت جدراناً بلا أبواب، حيث نهبت بواسطة عصابات مدججة بالسلاح مع المقتنيات والمنقولات والأصول، في ظل عدم توافر التدابير الأمنية اللازمة أثناء الحرب.
اقرأ ايضاًالنوافذ والأسطح المعدنية لم تسلم أيضاً، سرقت لتباع بأثمان زهيدة مع جهل تلك العصابات للقيمة المعنوية لما بداخل المنازل من مقتنيات.
في غضون ذلك، أشار البيان الذي أصدرته شرطة ولاية الخرطوم، إلى توقيف متهمين يحملون السلاح يروعون السكان وينهبون المنازل والمحال التجارية نهاراً جهاراً.
يشار إلى أنه "حتى بعد تحرير الخرطوم واستعادتها من قبضة "الدعم السريع"، لا تزال عمليات النهب مستمرة".
© 2000 - 2025 البوابة (www.albawaba.com)
محرر أخبار، كاتب وصانع محتوى عربي ومنتج فيديوهات ومواد إعلامية، انضممت للعمل في موقع أخبار "بوابة الشرق الأوسط" بعد خبرة 7 أعوام في فنونالكتابة الصحفية نشرت مقالاتي في العديد من المواقع الأردنية والعربية والقنوات الفضائية ومنصات التواصل الاجتماعي.
الأحدثترنداشترك في النشرة الإخبارية لدينا للحصول على تحديثات حصرية والمحتوى المحسن
اشترك الآن