د. صالح الحاج: الجزائر بين الأمس واليوم الواقع والمأمول
تاريخ النشر: 5th, July 2023 GMT
د. صالح الحاج من تموز/ يوليو 1962 إلى شباط/ فبراير 1971 مرت العام الماضي الذكرى 60 عاما على استقلال الجزائر عن الاستعمار الفرنسي في 5 تموز/ يوليو 1962. استقلال ليس كأي استقلال، تحررت الجزائر من احتلال مارس فيه المحتل الفرنسي أبشع أنواع الظلم والقهر والاستعباد ضد أبناء الشعب الجزائري وحاول بشتى الطرق طمس الهوية الجزائرية.
انتزع الجزائريون الاستقلال بعد نحو 132 عاما من الكفاح ومليون شهيد ونصف مليون شهيد، وثورة دامت زهاء سبع سنوات ونصف. الجزائر “جمهورية ديمقراطية شعبية، ونظام الحكم فيها رئاسي ينص على اعتماد مبدأ فصل السلطات. صاغ أول رئيس للجزائر، الراحل أحمد بن بلة، بعد عام من نيل الجزائر استقلالها في الخامس من يوليو/ تموز 1962، أول دستور للبلاد، أقر تطبيق المبدأ الاشتراكي في الجزائر وأحقية حزب واحد فقط في حكم البلاد: حزب جبهة التحرير الوطني، ولكن الدستور المعمول به في الجزائر في الوقت الحالي صدر في 22 تشرين الثاني/ نوفمبر 1976، وجرت عليه تعديلات (بعد استفتاء في 3 تشرين الثاني/ نوفمبر 1988، وفي 23 شباط/ فبراير 1989)، أهمها تلك التي ألغت نظام الاشتراكية” والتي أقرت مبدأ التعددية؛ حيثُ كانت “جبهة التحرير الوطني” الحزب الحاكم الوحيد في البلاد. الإسلام والعروبة الأمازيغية” بالمكونات الأساسية الهوية دستور الجزائر يصف الشعب الجزائري“، والبلاد بأنها “أرض الإسلام، وجزء لا يتجزأ من المغرب العربي الكبير، وأرض عربية، وبلاد متوسطية وإفريقية”. ووفقا للمادة الثانية من دستور البلاد فإن الإسلام الدين الرسمي للدولة واللغة العربية هي اللغة الرسمية للدولة، واللغة الأمازيغية لغة رسمية ثانية. أصبحت الجزائر عضوًا في منظمة الأمم المتحدة، وعضوًا في جامعة الدول العربية. والجزائر عضو مؤسس في الاتحاد الإفريقي، وعضو مؤسس في اتحاد المغرب العربي. كما أنها عضو في منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) والعديد من المنظمات الإقليمية والدولية. تُعد الجزائر قوة إقليمية ومتوسطية تقع في أقصى شمال قارة إفريقيا. وبمساحة تبلغ 2,381,741 كيلو متر مربع، الجزائر هي عاشر أكبر بلد في العالم والأولى عربياً وإفريقياً ومتوسطياً، والثانية في العالم الإسلامي بعد جمهورية كازاخستان، والأكثر سكاناً في المغرب العربي. ينمو الناتج المحلي الإجمالي في المتوسط بنسبة 1.4٪ سنويًا، غير أن الاقتصاد يعتمد بشكل كبير على إنتاج وتصدير النفط والغاز. ويشكل هذا الأمر مخاطرة اقتصادية بسبب تذبذب الأسعار في الأسواق العالمية. لذلك ترغب الجزائر في تنويع اقتصادها. وجدت الجزائر نفسها عشية الاستقلال غارقة في صراعات سياسية حادة، كادت تصل إلى الاقتتال الأهلي. كان الوضع في الجزائر المستقلة فوضويا، وقد شكل قادة جيش التحرير الوطني حكومة مؤقتة محافظة (الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية)، بينما انتخب مؤتمر حزب جبهة التحرير في طرابلس حكومة ذات توجه اشتراكي في نهاية الحرب، وكانت تضم “المكتب السياسي” للجبهة الذي أدارها بن بلة الذي بات أول رئيس للحكومة في أيلول/ سبتمبر 1962. أقدمت الحكومة الجديدة على حل الحزب الشيوعي وحزب الثورة الجزائرية (بو ضياف)، وحزب “مصالي الحاج”، وأعقبت ذلك بإلغاء نظام الولايات. وفي نيسان/ أبريل 1963، تولى “بن بلة” منصب سكرتير جبهة التحرير، ثم انتخب في 13 أيلول/ سبتمبر رئيسًا للجمهورية لمدة 5 سنوات، بالإضافة إلى توليه رئاسة الحكومة ومنصب القائد الأعلى للقوات المسلحة. لعب بن بلة دورا سياسيا مهما في قيادة جبهة التحرير الوطني إبان حرب التحرير، وفي الوقت نفسه كان يقوم بتنظيم شحن الأسلحة إلى الجزائر أثناء فترة إقامته في مصر. قاد “بن بلة” البلاد نحو الاقتصاد الاشتراكي، وفي تشرين الأول/ أكتوبر 1963، أمم بن بلة ما تبقى من المؤسسات الفرنسية، كما عطل الصحف التي كان يشرف عليها الفرنسيون.وفي تشرين الأول/ أكتوبر 1963 تحولت خلافات الحدود مع المغرب إلى حرب بين البلدين الجارين؛ حيث طالب المغرب بمنطقتي “تندوف” و”بشار”، وهي المطالب التي رفضها الرئيس الجزائري “أحمد بن بلة”. توقفت الحرب بعد تدخل عدد من الدول الإفريقية. وفي 19 حزيران/ يونيو 1965، ووسط الاستعداد لاستضافة “المؤتمر الآسيوي- الإفريقي”، أطاحت حركة عسكرية تزعمها قائد جيش التحرير العقيد “هواري بومدين”، بالرئيس ” أحمد بن بلة”. وكان ذلك نتيجة صراعات سياسية وخلاف على النهج العام للسياسة الداخلية. تولى السلطة السياسية للبلاد مجلس للثورة ترأسه العقيد “هواري بومدين”, وتشكلت حكومة من 20 عضواً كان “بومدين” رئيسها ووزير دفاع فيها، في حين استمر “عبد العزيز بوتفليقة في منصبه وزيراً للخارجية. كان هدف النظام الجديد، كما حدده “بومدين” إعادة تأكيد مبادئ الثورة وتصحيح أخطاء السلطة التي نسبت ل”بن بلة”، وانهاء الانقسامات الداخلية، وتطوير مجتمع اشتراكي أصيل، يستند إلى اقتصاد سليم. وعلى صعيد السياسة الخارجية التي اتبعتها الجزائر في ظل الرئيس “هواري بومدين”، برزت قضية العلاقات مع فرنسا، والعلاقات مع كل من الاتحاد السوفيتي ولولايات المتحدة الأمريكية، إلى جانب القضايا العربية ومنها قضيتا فلسطين والصحراء الغربية. في سنة 1966 وقعت فرنسا والجزائر اتفاقية تنص على تقديم مساعدة تقنية وتعليمية فرنسية لمدة 20 سنة، واتفاقية ثانية نصت على إلغاء ديون فرنسا للجزائر قبل الاستقلال، وتحديد دين فرنسا للجزائر ب400 مليون دولار، غير أن العلاقات بين البلدين توترت؛ بسبب تراجع فرنسا عن تعهدها باستيراد النبيذ من الجزائر (تشبه إلى حد بعيد توتر العلاقات بين فرنسا وأستراليا بسبب تراجع الأخيرة عن صفقة غواصات من فرنسا أبرمتها سنة 2016 مع مجموعة “نافال غروب” الفرنسية للصناعات الدفاعية لشراء غواصات تقليدية). تعهد الاتحاد السوفيتي سنة 1968 باستيراد نصف إنتاج الجزائر من النبيذ. إلا أن النفوذ الثقافي الفرنسي في فرنسا ظل بالغ الأهمية؛ حيثُ كان هناك العديد من المعلمين الفرنسيين يعملون في الجزائر، فضلاً كثرة استيراد السلع الاستهلاكية الفرنسية، وما تقدمه فرنسا من مساعدات عسكرية في مجال التدريب والمعدات للقوات المسلحة الجزائرية. كما شكلت قضايا النفط والغاز جانبا مهما من العلاقات الفرنسية الجزائرية، توترت بسببه العلاقات بين البلدين وصلت إلى محاولة الحكومة الفرنسية تنظيم مقاطعة النفط الجزائري، احتجاجا على قرار الحكومة الجزائرية بتأميم جميع منشآت النفط والغاز في شباط/ فبراير 1971 والاستيلاء على 51% من الشركتين الفرنسيتين اللتان كانتا تشرفان على إنتاج ثلث النفط الجزائري. طالبت الحكومة الفرنسية بتعويض عادل، بسبب القرارات المجحفة التي اتخذتها الحكومة الجزائرية، كما تعرض بعض العمال الجزائريين في فرنسا للعنف وسوء المعاملة. لكن استأنفت المفاوضات بين شركة “سوناتراك” الحكومية الجزائرية والشركتين الفرنسيتين، أسفرت المفاوضات عن اتفاق تحولت بموجبه الشركتان إلى شركتين صغيرتين للدولة الجزائرية مقابل واردات نفط مضمونة. كاتب صحفي وباحث/ ليبيا إيميل: salhalhaj743@gmail.com
المصدر: رأي اليوم
إقرأ أيضاً:
لجوء فرنسا إلى الأسلحة الكيميائية في الجزائر: باحث فرنسي يحدد “450 عملية عسكرية” فرنسية
ندد المؤرخ الفرنسي كريستوف لافاي بلجوء فرنسا إلى الأسلحة الكيميائية خلال الثورة التحريرية, مؤكدا أنه تمكن من تحديد “450 عملية عسكرية” تم فيها اللجوء إلى هذه الأسلحة خلال الفترة الممتدة من 1957 إلى 1959.
وأوضح الموقع الالكتروني (actu.fr) الذي أجرى الحديث معه, أن “كريستوف لافاي قد تمكن خلال أبحاثه, من تحديد +450 عملية عسكرية تم اللجوء فيها إلى الأسلحة الكيميائية في الجزائر, والتي تركزت بشكل خاص في المناطق الجبلية بأعالي منطقة القبائل وفي الأوراس “.
وأضاف ذات الموقع, أنه إذا كان هذا الباحث قد استطاع اثبات وجود 450 عملية, فإن “القائمة لا زالت تحتاج إلى الاستكمال عبر فتح الأرشيف الذي لا يزال سريا حتى اليوم “.
كما أشار المؤرخ على ذات الموقع, إلى أن “عددا معينا من الوثائق يمكن الوصول إليها لكن ليس تقارير العمليات ومذكرات السير والعمليات, أي سجل الوحدة”, موضحا أن “الاطلاع على هذه الوثائق أمر هام لأنه يسمح بتقييم عدد الضحايا, وبالتالي تحديد الضحايا المفقودين, وهذا مهم بالنسبة للعائلات”.
وأضاف أن “هذه الوثائق تسمح أيضا بوضع خارطة شاملة حول المواقع التي استعملت فيها تلك الأسلحة والمواقع المعرضة لمخلفات استعمالها”.
وعلى الرغم من تلك الصعوبات, فإن عمل كريستوف لافاي يحدد بشكل دقيق تاريخ استعمال الجيش الفرنسي للأسلحة الكيميائية.
وقال في هذا الصدد : “استطعت رغم ذلك إيجاد بعض القرارات السياسية التي تظهر أن الوزير موريس بورجس مونوري هو الذي وقع على الترخيص باستعمال الأسلحة الكيميائية, ثم جاءت الجمهورية الرابعة وبعدها الجمهورية الخامسة لتتحمل وتأمر وتنظم الحرب الكيمائية” في الجزائر.
وأكد ذات المؤرخ أن “أحد أهم الشخصيات المحورية في ذلك هو الجنرال شارل ايوري”, موضحا أن “هذا الخريج من المدرسة المتعددة التقنيات اعتبر الأب العسكري للقنبلة الذرية الفرنسية, وعند مروره بقيادة الأسلحة الخاصة, قام بتعزيز استعمال الأسلحة الكيميائية في الجزائر, فقد ألف كتابا في سنة 1948 وصف فيه استعمال العلم في الحرب كونه عنصر تفوق في سير العمليات, وكانت لديه قناعة بدور العلم كسلاح من أجل احراز النصر في الميدان”.
وأكد المؤرخ في هذا الخصوص, أنه استطاع من خلال الأرشيف “تأكيد استعمال غاز يسمى CN2D وهو مكون من غازين : غاز CN المشتق من السيانيد وغاز DM وهو أرسين أي مشتق من الزرنيخ”. وأشار كريستوف لافاي إلى “وجود عنصر ثالث وهو تراب المشطورات”, موضحا أن “خلط هذه العناصر الثلاثة ينتج غازا قاتلا”.
وتابع يقول إن “هذه الغازات مجتمعة معا في ذخيرة واحدة وبكميات كبيرة تؤدي بسرعة إلى موت الأشخاص المتواجدين داخل المغارات”.
وأضاف كريستوف لافاي, الدكتور في التاريخ المعاصر بجامعة أكس-مرسيليا وباحث مشارك بجامعة برغونية, أن الجيش الفرنسي قرر ابتداء من 1956 تكوين فرق خاصة لاستعمال تلك الأسلحة الكيميائية, “كانت مكونة من المجندين وتسمى فرق +الأسلحة الخاصة+ حيث تم إنشاء الوحدة الأولى في الجزائر في الفاتح ديسمبر 1956”, مؤكدا “نشاط 119 وحدة من هذا النوع خلال الفترة الممتدة بين 1957 و1959 على التراب الجزائري”.
كما استطاع المؤرخ خلال أبحاثه تأكيد وجود عملية أدت إلى سقوط 116 شهيدا, حسب ذات الموقع الإعلامي, مؤكدا أن لجوء الجيش الفرنسي إلى الأسلحة الكيميائية في الجزائر “لم يأتي صدفة بل هو جزء من عقيدة عسكرية حقيقية”.