عربي21:
2024-07-03@04:23:53 GMT

حرب إسرائيل الاستعمارية من النهر إلى البحر

تاريخ النشر: 10th, November 2023 GMT

بعد مرور 140 عاما على بداية الاستعمار الصهيوني لفلسطين، وبعد مرور 75 عاما على إنشاء المستعمرة الاستيطانية "اليهودية"، لا تزال حرب إسرائيل التي تشنها لفرض التفوق العرق اليهودي على الشعب الفلسطيني تتطلب منها قتل عشرات الآلاف من الفلسطينيين. إن استمرار الفلسطينيين، بعد مرور ما يقرب من قرن ونصف من بداية الاستعمار، في مقاومة معذبيهم الصهاينة بكل ما يملكون من قوة، يجعلهم هدفا مشروعا في نظر إسرائيل وحلفائها الغربيين لآلة القتل الإسرائيلية التي تمارس الإبادة الجماعية.



لقد نفدت الصيغ العنصرية من جعبة الصهاينة لوصف الشعب الفلسطيني، وعادوا لتكرار الصيغ القديمة التي استخدمها الجيل السابق من الغزاة الصهاينة. فإن وصف بنيامين نتنياهو حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني بأنها "حرب بين قوى النور وقوى الظلام، بين الإنسانية والحيوانية". وكما هو الحال مع كل ألاعيبه العنصرية السابقة، هو وصف يفتقر إلى الأسبقية. فقد كان المؤسس النمساوي- المجري للحركة الصهيونية ثيودور هرتسل؛ هو الذي وصف المستعمرة الاستيطانية اليهودية المستقبلية في عام 1896 بأنها ستشكل "جزءا من متراس أوروبا ضد آسيا، وقاعدة أمامية للحضارة في مواجهة الهمجية". وبدوره، وصف رئيس المنظمة الصهيونية البيلاروسي حاييم وايزمن الفلسطينيين عام 1936 بـ"قوى الدمار، قوى الصحراء" والمستعمرين اليهود بـ"قوى الحضارة والبناء". في الواقع، كان وايزمان قد وصف الغزو الصهيوني لفلسطين بأنه "حرب الصحراء القديمة ضد الحضارة، لكننا لن نتوقف".

إن مثل هذه الأوصاف العنصرية والإبادية لا تقتصر على الصهيونية؛ بل هي نموذجية لجميع الشعوب المستعمِرة. فعندما غزا الفرنسيون كاليدونيا الجديدة ووضعوا سكانها الكاناك الأصليين الذين نجوا من عمليات القتل في محميات بعد سرقة أراضيهم، وصف الفرنسيون مقاومة الكاناك لإبادتهم بأنها حرب "الوحشية ضد الحضارة"، وعندما غزت بريطانيا مصر واحتلتها عام 1882، وصفت حربها بأنها "صراع بين الحضارة والهمجية". وأمثلة ذلك في الأرشيف الاستعماري وافرة.

أما نتنياهو، وهو من أصول بولندية، فليس فريدا في توصيفاته العنصرية، بل هو نموذج لجميع قادة إسرائيل، الذين -شأنهم شأن رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود باراك، وهو من أصول ليتوانية- يشيرون إلى إسرائيل على أنها "فيلا في الغابة"، أو وزير الدفاع الإسرائيلي الحالي يوآف غالانت، وهو من أصول بولندية، الذي وصف الفلسطينيين في اليوم الثالث من الحرب الفلسطينية الإسرائيلية الحالية بأنهم "حيوانات بشرية".

تشكل دعوات نتنياهو جزءا من الربط الصهيوني الأسطوري بين استعمار اليهود الأوروبيين والعبرانيين القدماء من أجل الزعم بأن أصول اليهود من فلسطين. لكن هذه الأساطير الصهيونية تتناقض مع النصوص التوراتية التي تعتمد عليها، والتي تخبرنا أنه حتى العبرانيون القدماء لم يكونوا من السكان الأصليين لفلسطين، بل كانوا غزاة لأرض كنعان
أما فيما يتعلق بالخطاب الديني الذي يستخدمه الصهاينة "العلمانيون" دائما لتبرير غزوهم لفلسطين، فهو ليس بعيدا أبدا عن الخطاب الرسمي الإسرائيلي. فقد أمر نتنياهو قواته الاستعمارية أثناء قيامها بمهمتها لإبادة الشعب الفلسطيني بأن "يتذكروا ما فعله العمالقة بكم، كما يقول كتابنا المقدس. فنحن نتذكر". وهذا الخطاب التوراتي ليس أكثر من أحدث استخدام للنصوص التوراتية في الحلبة السياسية. وكان الرب اليهودي قد أمر شعبه قائلا: "الآن اذهبوا وهاجموا العمالقة ودمروا كل ما لهم تدميرا كاملا. لا تدخروهم. اقتلوا الرجال والنساء والأطفال والرضع والبقر، والغنم، والجمال، والحمير". يبدو أن نتنياهو يقوم بتطبيق هذه الوصية على الشعب الفلسطيني بحذافيرها.

وتشكل دعوات نتنياهو جزءا من الربط الصهيوني الأسطوري بين استعمار اليهود الأوروبيين والعبرانيين القدماء من أجل الزعم بأن أصول اليهود من فلسطين. لكن هذه الأساطير الصهيونية تتناقض مع النصوص التوراتية التي تعتمد عليها، والتي تخبرنا أنه حتى العبرانيون القدماء لم يكونوا من السكان الأصليين لفلسطين، بل كانوا غزاة لأرض كنعان. وهذا ما دفع إدوارد سعيد ذات مرة إلى الرد على هذه الرواية الصهيونية الزائفة في مقالة عنوانها "قراءة كنعانية" لتلك الأساطير.

ولإخفاء طبيعة الغزو الصهيوني والتاريخ الدموي للمستعمرين اليهود في فلسطين، فقد أمطرتنا إسرائيل ووسائل الإعلام الغربية بالادعاء البغيض بأن هجوم السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الذي شنته حماس كان الهجوم الأكثر دموية على اليهود "منذ المحرقة". وتعود المحاولات الإسرائيلية والصهيونية النشطة لتصوير الفلسطينيين كمعادين للسامية وكنازيين إلى عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي على التوالي. إن الهدف من هذه الدعاية الحالية هو تحويل النضال الفلسطيني من نضال مناهض للاستعمار إلى نضال معاد للسامية، لكسب التعاطف العالمي مع إسرائيل.

إن تصوير الجنود والمدنيين الإسرائيليين الذين لقوا حتفهم في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر كضحايا لمعاداة السامية يهدف بوضوح إلى إخفاء حقيقة مفادها أنه عندما يهاجم الفلسطينيون إسرائيل واليهود الإسرائيليين، فإنهم يهاجمونهم كمستعمِرين، وليس كيهود. إن محاولة تبرئة إسرائيل ومواطنيها اليهود من جريمة الاستعمار الاستيطاني والتفوق العرقي من خلال مقارنتهم باليهود الأوروبيين الذين استهدفتهم معاداة السامية فقط لأنهم يهود، ليست بحد ذاتها معادية للسامية فحسب، ولكنها أيضا تقوم بتشويه الذاكرة عبر طرح اليهود الذين سقطوا خلال الحرب العالمية الثانية على أنهم كانوا مرتبطين بطريقة أو بأخرى بالمستعمرة الاستيطانية اليهودية في إسرائيل، والتي لم يزل يقاومها الفلسطينيون بسبب نظام التفوق العرقي والاستعمار الاستيطاني التي أسسته وليس بسبب يهوديتها. إن القول بأن الفلسطينيين ما كانوا ليقاوموا مستعمريهم لو كان الأخيرون مسيحيين أو مسلمين أو هندوسا وأنهم يقاومونهم فقط لأنهم يهود؛ هو من السخافة بمكان حيث لا يستحق أكثر من الازدراء.

محاولة تبرئة إسرائيل ومواطنيها اليهود من جريمة الاستعمار الاستيطاني والتفوق العرقي من خلال مقارنتهم باليهود الأوروبيين الذين استهدفتهم معاداة السامية فقط لأنهم يهود، ليست بحد ذاتها معادية للسامية فحسب، ولكنها أيضا تقوم بتشويه الذاكرة عبر طرح اليهود الذين سقطوا خلال الحرب العالمية الثانية على أنهم كانوا مرتبطين بطريقة أو بأخرى بالمستعمرة الاستيطانية اليهودية في إسرائيل، والتي لم يزل يقاومها الفلسطينيون بسبب نظام التفوق العرقي والاستعمار الاستيطاني التي أسسته وليس بسبب يهوديتها
أما قيام إسرائيل وأنصارها بإعادة تسمية المقاومة الفلسطينية على أنها معاداة للسامية إنما هي تعكس الرعب الإمبريالي والعنصري الأمريكي الأخير من استخدام هتاف "من النهر إلى البحر" في التظاهرات المؤيدة للفلسطينيين، والتي يسعى الصهاينة أيضا لتلطيخها بتهمة معاداة السامية. إن هتاف "من النهر إلى البحر، فلسطين ستتحرر" كما يستخدم بالإنجليزية، يعني أن فلسطين التاريخية بأكملها يجب أن تتحرر من نظام الامتيازات الاستعمارية والتفوق العرقي اليهودي، وأن جميع المؤسسات والقوانين العنصرية الإسرائيلية يجب أن تُلغى من "النهر إلى البحر" كي يتحرر الفلسطينيون.

أما نظام الفصل العنصري الأقل همجية بعض الشيء والذي يمارس داخل حدود 1948 على فلسطينيي الداخل من "مواطني إسرائيل"،فقد انتقل منذ الشهر الماضي إلى نظام مماثل تقريبا في إجراءاته القمعية الصارمة للنظام العنصري القائم في الضفة الغربية؛ حيث تستمر المذابح ضد الفلسطينيين على أيدي المستوطنين وجيش الاحتلال. لكن يبدو أن أمورا كهذه غير ذات صلة عند أولئك الذين يشوهون معنى هذا الهتاف.

يصر المعترضون على هذا الهتاف، لا سيما أولئك الذين يزعمون أنهم يدعمون حل الدولتين، على أنهم يدعمون إسقاط الاحتلال الإسرائيلي والتفوق العرقي اليهودي في الضفة الغربية وقطاع غزة، لكنهم يعترضون بشدة على إسقاطه داخل إسرائيل نفسها. فما تطرحه هذه الحجج الصهيونية في نهاية المطاف هو أن الهوية اليهودية اليوم تتضمن في جوهرها إقامة نظام تفوق عرقي يهودي على غير اليهود واستعمار أراضي الآخرين، وأن أي شخص يعارض أيا من هذين الأمرين، بحسب هذا التعريف الصهيوني، هو معاد للسامية. لكن ما هو معاد للسامية في حقيقة الأمر هو ليس إلا هذا الإسقاط الصهيوني والإسرائيلي لقيم الاستعمار الاستيطاني والتفوق العرقي اليهودي كجوهر الهوية اليهودية على اليهود واليهودية، بينما هي ليست إلا جوهر الهوية الصهيونية.

إن إجماع الحكومات ووسائل الإعلام الغربية على الدفاع عن إسرائيل اليوم، رغم ما يثيره من دهشة لدى البعض، لا يختلف عن الإجماع الغربي على دعم المستعمِرين الأوروبيين ضد السكان الأصليين المستعمَرين منذ بزوغ الاستعمار الأوروبي. فعلى سبيل المثال لا الحصر كان "الديمقراطي" الفرنسي المحبوب ألكسيس دو توكفيل في القرن التاسع عشر هو من برر الاستعمار الفرنسي في الجزائر قائلا: "لقد سمعت كثيرا رجالا أحترمهم، ولكني لا أتفق معهم، يجدون أنه من الخطأ أن نحرق المحاصيل، وأن نفرغ صوامع القمح، وحتى أن نعتقل الرجال والنساء والأطفال العزل. هذه في نظري ضرورات مؤسفة، لكن لا بد لأي شعب يريد شن حرب على العرب أن يلتزم بها". أما الأيقونة الليبرالية البريطاني جون ستيوارت ميل، فقد كان هو الآخر واضحا في أن "الاستبداد هو أسلوب شرعي للحكم في التعامل مع البرابرة".

وفي أثناء الإبادة الجماعية الألمانية لشعب الهيريرو في ناميبيا في أوائل القرن العشرين، كان الديمقراطيون الاشتراكيون الألمان عنصريين تماما شأنهم شأن المحافظين والليبراليين. ففي رده على الوصف العنصري لشعب الهيريرو من قبل البرلمانيين المحافظين والليبراليين على حد سواء، الذين اعتبروا الهيريرو "وحوشا" غير إنسانية، وافق أوغست بيبل، زعيم الديمقراطيين الاشتراكيين الألمان في البرلمان، على الرغم من تعاطفه مع نضال شعب الهيريرو، على أن شعب الهيريرو ليس متحضرا: "لقد أكدت مرارا وتكرارا أنهم شعب متوحش ومنخفض المستوى جدا في الثقافة". وقد شارك أعضاء كومونة باريس الفرنسيون، الذين تم نفيهم إلى كاليدونيا الجديدة بغية إصلاحهم بعد قمع انتفاضة كومونة باريس عام 1871، بنشاط في الإبادة الجماعية لشعب الكاناك الأصليين.

وقد تساءل بعض المعلقين على وسائل التواصل الاجتماعي مؤخرا كيف يمكن لبعض اليهود الإسرائيليين تنظيم مهرجان موسيقى على بعد خمس كيلومترات من معسكر الاعتقال والسجن الكبير الذي هو غزة، حيث قُتل العشرات منهم في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر. لكن آخرين قد وضحوا بأن "حفلات الطبيعة في الهواء الطلق، أو المهرجانات الموسيقية في وديان إسرائيل المشجرة والصحاري الجنوبية، هي هواية شعبية منتشرة بين الشباب الإسرائيلي".

وهذا ليس وضعا مقصورا على الإسرائيليين، فقد صرح المدعي العام الجنوب أفريقي في مستعمرة ناميبيا الاستيطانية التي كانت تحتلها جنوب أفريقيا في عام 1983، أن "المجتمع الأبيض ليس لديه أدنى فكرة عما يحدث في منطقة العمليات"، حيث كانت مقاومة السود على أشدها. وأضاف أن "البيض في جنوب البلاد يواصلون إقامة الحفلات". وقد أوضح مؤرخو النضال الناميبي أنه "لا غرابة في أن البيض نتيجة تعودهم على غض الطرف عن المقاومة المحتدة في ضواحي السود التي لا تبعد أكثر من خمسة أميال عن منازلهم، قد تجاهلوا الحرب القائمة بالقرب منهم".

جرائم حرب الإبادة الجماعية المستمرة التي ترتكبها إسرائيل في غزة ليست سوى الأحدث في تاريخ طويل من الفظائع الاستعمارية لحماية التفوق الأوروبي الأبيض في آخر مستعمرة استيطانية له في آسيا. لكن ما يرفض العنصريون البيض الاعتراف به هو أن الشعب الفلسطيني لن يتوقف عن مقاومة إسرائيل حتى تتم هزيمة نظام الفصل العنصري
ما يلفت النظر في الإجماع الغربي المناهض للفلسطينيين اليوم هو حقيقة أن الأكاديمية الغربية، التي كانت في السابق دعامة أساسية لنصرة إسرائيل، قد فضحت في الأعوام الأربعين الماضية جميع المزاعم الصهيونية المركزية لإسرائيل، بدءا من المزاعم التي تدعي حق اليهود في أرض الفلسطينيين وانتهاء بادعاءاتها بأن "ديمقراطية" العرق المتفوق الممأسسة فيها هي بالفعل "ديمقراطية" تنطبق على الجميع. لكن لم يكن لأي من هذا أي تأثير على الحكومات الغربية أو وسائل الإعلام في تصويرها لإسرائيل أو الفلسطينيين.

يكشف استمرار استخدام الاستشراق والمستشرقين، ناهيك عن الصهاينة المتعصبين المؤيدين لإسرائيل، كمستشارين ومخبرين للحكومات ووسائل الإعلام بعد 11 أيلول/ سبتمبر، بما في ذلك برنارد لويس وآخرون الذين فقدت أعمالهم مصداقيتها منذ السبعينيات، التزام القوى السياسية الغربية الصارم بتفوق العرق الأبيض وإصرارها على أن الصهيونية الاستشراقية والعنصرية المعادية للعرب والمسلمين فقط هي التي سيتم استدعاؤها للمساعدة في تنفيذ المشاريع الإمبريالية. وما يشير إليه هذا الالتزام بوضوح هو أن المعرفة والعلوم الأكاديمية الغربية التي تعزز سيطرة الإمبريالية وتفوق العرق الأبيض هي فقط التي يتم تجنيدها لدعم المشاريع الإمبريالية، في حين أن أي معرفة أو دراسات يمكن أن تصرف الانتباه عن الأهداف الإمبريالية فإنها تعتبر غير ذات صلة أو تفقد مصداقيتها وتخضع للرقابة.

لا يزال عالمنا منقسما أكثر من أي وقت مضى بين قوى تفوق العرق الأبيض بقيادة الولايات المتحدة وأوروبا الغربية، وضحاياها من غير البيض. إن جرائم حرب الإبادة الجماعية المستمرة التي ترتكبها إسرائيل في غزة ليست سوى الأحدث في تاريخ طويل من الفظائع الاستعمارية لحماية التفوق الأوروبي الأبيض في آخر مستعمرة استيطانية له في آسيا. لكن ما يرفض العنصريون البيض الاعتراف به هو أن الشعب الفلسطيني لن يتوقف عن مقاومة إسرائيل حتى تتم هزيمة نظام الفصل العنصري ونظام تفوق العرق اليهودي.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه اليهودية إسرائيل الفلسطيني الفصل العنصري إسرائيل فلسطين الفصل العنصري اليهود الإستعمار مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة صحافة صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الإبادة الجماعیة الشعب الفلسطینی النهر إلى البحر معاداة السامیة الیهود من أکثر من على أن

إقرأ أيضاً:

عن قرارات إسرائيل الأخيرة ودولة الاستيطان في الضفة الغربية.. من يتفاجأ؟!

اتخذت حكومة بنيامين نتنياهو في 28 حزيران/ يونيو المنصرم سلسلة قرارات في إطار تكريس الاستيطان وإعدام المجال الحيوي للفلسطينيين في الضفّة الغربية، وهي باختصار "شرعنة" خمس بؤر استيطانية في مناطق نابلس ورام الله والبيرة وبيت لحم والخليل، ومدّ الصلاحيات الإدارية لـ"الإدارة المدنية الإسرائيلية" إلى مناطق (ب)، وإلغاء صلاحيات السلطة الفلسطينية عن محمية طبيعية مصنفة (ب) تمتد شرقي بيت لحم وتبلغ مساحتها 166 ألف دونم بما يساوحي 3‎‎ في المئة من مساحة الضفة الغربية، وتوسيع البناء الاستيطاني في المستوطنات المقامة، وتقييد حركة بعض مسؤولي السلطة؛ وهذا القرار الأخير أقلّها أهمّية.

وأعلن وزير المالية (وصاحب الوزارة الثانية داخل وزارة الحرب الإسرائيلية) زعيم حزب "الصهيونية الدينية" بتسلئيل سموتريش؛ أنّ هذه القرارات جاءت ردّا على اعتراف خمس دول أوروبية بدولة فلسطين، وعلى ملاحقة الكيان الإسرائيلي في المحاكم الدولية، لكن المفاجئ لغير المتابعين، أنّ هذه القرارات بعينها ناقشتها لجنة الخارجية والأمن في "الكنيست" الإسرائيلي في 19 تموز/ يوليو 2023، أي قبل عام، وقبل حرب السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، وقبل اعتراف الدول الأوروبية تلك بدولة فلسطين، وقبل قرارات المحكمتين الدوليتين العدل والجنائية!

لفهم طبيعة القرارات وخطورتها، يحسن العودة إلى اتفاق أوسلو الثاني الموقع في طابا المصرية في 28 أيلول/ سبتمبر 1995؛ الذي قُسّمت فيه الضفة الغربية إلى ثلاث مناطق وهي (أ) وتمثّل 2‎‎ في المئة من مساحة الضفة الغربية في 6 مدن فلسطينية (لا تشمل الخليل التي صار لها وضع خاص وفق بروتوكول موقع في 15 كانون الثاني/ يناير 1997 قُسّمت بموجبه إلى منطقتين H1 تخضع للسلطة، وH2 تخضع للاحتلال)، هذه المدن المنفصلة عن بعضها تتولّى فيها السلطة الفلسطينية المسؤولية الأمنية والإدارية، كرّست "إسرائيل" واقعا استيطانيّا، وللمفارقة بالاستناد إلى اتفاقية أوسلو، التي كانت تتيح من الناحية الفعلية للاحتلال التمدّد الاستيطاني في مناطق (ج) التي تمثّل المساحة الأكبر من الضفة الغربية، وأفضى هذا الواقع الاستيطاني إلى بنية استيطانية ممتدة ومتضخمة ومترابطة ببنية تحتية وشبكة مواصلات وموارد طاقة ومياه وفيرة، وإلى تجمعات سكانية فلسطينية متفرقة ومنفصلة ويتحكم في عُقد التواصل بينها أكثر من 700 حاجز إسرائيلي، وتعتمد بالكامل في مواردها على التحكم الإسرائيليو(ب) وتمثّل 26‎‎ في المئة من مساحة الضفّة الغربية موزّعة بين 420 قرية فلسطينية؛ بحيث تتولّى السلطة الفلسطينية فيها المسؤولية الإدارية فقط، ومناطق (ج) وتمثّل 72‎ في المئة من مساحة الضفة الغربية وتبقى خاضعة بالكامل للسيطرة الإسرائيلية الأمنية والإدارية.

وكان يُفترض وفق اتفاقية "واي ريفر" الموقعة في 23 تشرين الأوّل/ أكتوبر 1998، أن يجري، على ثلاث مراحل، نقل مساحات أخرى من مناطق (ج) إلى (ب) و(أ) ومن (ب) إلى (أ)، مقابل التزامات أمنية من السلطة الفلسطينية، إلا أن ما حصل هو العكس تماما، فقد علقت "إسرائيل" تنفيذ بقية المراحل، وشرع مستوطنوها بعد توقيع "واي ريفر" مباشرة في بناء مواقع استيطانية وشقّ طرق التفافية جديدة.

كرّست "إسرائيل" واقعا استيطانيّا، وللمفارقة بالاستناد إلى اتفاقية أوسلو، التي كانت تتيح من الناحية الفعلية للاحتلال التمدّد الاستيطاني في مناطق (ج) التي تمثّل المساحة الأكبر من الضفة الغربية، وأفضى هذا الواقع الاستيطاني إلى بنية استيطانية ممتدة ومتضخمة ومترابطة ببنية تحتية وشبكة مواصلات وموارد طاقة ومياه وفيرة، وإلى تجمعات سكانية فلسطينية متفرقة ومنفصلة ويتحكم في عُقد التواصل بينها أكثر من 700 حاجز إسرائيلي، وتعتمد بالكامل في مواردها على التحكم الإسرائيلي، مما أنتج نظاما شديد الوضوح من الفصل العنصري. (يعاني فلسطينيو الضفة هذه الأيام من تعطيش مبرمج غير مسبوق في مستواه بسبب تقليص الاحتلال لحصص المياه المخصصة لهم).

في 23 شباط/ فبراير 2023 مُنِح سموتريتش وزارة ثانية في وزارة الحرب الإسرائيلية بموجب اتفاق بينه وبين وزير الحرب يؤاف غالانت، بهدف إيجاد مرجعية جديدة للحالة الاستيطانية في الضفة الغربية غير "الإدارة المدنية" (الإدارة المدنية هي هيئة عسكرية إسرائيلية تتبع جيش الاحتلال تحكم الضفة الغربية بات اسمها "وحدة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق").

الحكم العسكري في معناه الظاهر؛ هو أنّ الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية مؤقت، ولكن فصل المستوطنين في الضفّة الغربية عن إدارة الجيش من خلال دائرة مدنية خاصة بهم يعني من الناحية الفعلية ضمّ المستوطنات إلى الكيان الإسرائيلي، وفرض نمط من الاحتلال المدني الذي يلغي الطابع المؤقت لاحتلال الضفة الغربية، ويكرّس واقعا أكثر تحديدا من الفصل العنصري، حيث يبقى الفلسطينيون خاضعين للإدارة العسكرية الإسرائيلية.

الحكم العسكري في معناه الظاهر؛ هو أنّ الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية مؤقت، ولكن فصل المستوطنين في الضفّة الغربية عن إدارة الجيش من خلال دائرة مدنية خاصة بهم يعني من الناحية الفعلية ضمّ المستوطنات إلى الكيان الإسرائيلي، وفرض نمط من الاحتلال المدني الذي يلغي الطابع المؤقت لاحتلال الضفة الغربية، ويكرّس واقعا أكثر تحديدا من الفصل العنصري، حيث يبقى الفلسطينيون خاضعين للإدارة العسكرية الإسرائيلية
كانت هذه الخطوة، بالضمّ الناعم غير المعلن للمستوطنات، جزءا من خطة سموتريتش لحسم الصراع بالضفة الغربية التي أعلن عنها عام 2017، والتي تهدف إلى إلغاء أدنى إمكانية لقيام دولة فلسطينية بالضفة الغربية، وتكريس "إسرائيل" دولة يهودية واحدة من البحر إلى النهر.

ما جرى إذن يوم 28 حزيران/ يونيو 2024 من قرارات جديدة، هو تنفيذ لخطة معلنة، وقرارات جرت مناقشتها من قبل، بما في ذلك إلغاء النفوذ الإداري للسلطة عن مساحة واسعة من مناطق (ب)، ومدّ الصلاحيات الإدارية الإسرائيلية إلى مناطق (ب) بما يشمل قرارات الهدم وتراخيص البناء، وما يتصل بذلك بالضرورة من بنية تحتية وطاقة ومياه وترددات الاتصالات وشبكة المواصلات. وأكثر من ذلك؛ فإنّ لجنة الخارجية والأمن في الكنيست في تموز/ يوليو من العام الماضي، ناقشت كذلك مدّ الصلاحيات الإدارية الإسرائيلية إلى مناطق (أ).

وإذا كانت اتفاقية أوسلو قد أتاحت للاحتلال إعدام المجال الحيوي للفلسطينيين في مناطق (ج) التي أطبق عليها الاستيطان وطوّر فيها الاحتلال بنيته التحتية الاستعمارية؛ التي خنقت الفلسطينيين في محميات بشرية صغيرة منفصلة عن بعضها، وصادرت منهم إمكان التطوير الزراعي والصناعي، فإنّ مدّ الصلاحيات الإدارية الإسرائيلية إلى مناطق (ب) كما قُرّر أخيرا، و(أ) كما سيجري بالتأكيد لاحقا؛ يعني خنق التجمعات الفلسطينية من كلّ ناحية، وفرض القلق والخوف واللايقين على الفلسطيني الذي سيصبح منزله معرضا للهدم، ومصالحه في قبضة المجهول.

المفارقة أنّه ومنذ ذلك الاجتماع في تموز/ يوليو العام الماضي درس الإسرائيليون المسوغات القانونية لإجراءاتهم المزمعة بمدّ صلاحياتهم الإدارية إلى مناطق السلطة وإلغاء صلاحيات السلطة في بعض المناطق بنحو كامل، وكانت المفارقة في كونهم استندوا إلى اتفاقية أوسلو نفسها، فقد نصّت الفقرة (1) من البند (7) في الملحق رقم (1)  من اتفاقية أوسلو الثانية الموقعة عام 1995 أنّه: "ليس في هذه المادة ما ينتقص من صلاحيات إسرائيل ومسؤولياتها الأمنية وفقا لهذه الاتفاقية"، أي أن تقسيم الضفة إلى ثلاث فئات لا ينتقص من صلاحيات "إسرائيل" في أيّ من تلك الفئات.

وبالفعل منذ العام 2002 و"إسرائيل" تمارس الدور الأمني المباشر في مناطق (أ) التي تقتحمها باستمرار بغرض الاعتقالات والاغتيالات وهدم منازل منفّذي العمليات وتجريف البنية التحتية أثناء الاقتحامات، في حين يُفترض أن تقتصر الصلاحيات الأمنية في هذه المناطق على السلطة الفلسطينية، وكذلك المحمية البرية التي تقع شرقي بيت لحم والتي سحبت "إسرائيل" صلاحيات السلطة عنها تماما. درست "إسرائيل" منذ عام المسوّغ القانوني لذلك، وهو أنّه اشترط على السلطة في اتفاقية "واي ريفر" أن تخصص هذه المنطقة للمحميات الطبيعية والمناطق الخضراء وأن تمنع التمدد العمراني إليها، فالإخلال بهذا الشرط يمثّل غطاء قانونيّا للاحتلال لتكريس سيطرته على الضفة الغربية. (وقد أجرى نتنياهو مناقشات بشأن هذه المحمية في أيلول/ سيبتمبر 2023، وزارها في الشهر نفسه وزير الحرب غالانت وحذر من كون البناء الفلسطيني فيها مخالفا لاتفاقية أوسلو).

التمزيق المستمرّ للوجود الفلسطيني، وجعله بلا أمل في حياة أفضل يملك فيها الفلسطيني تصورا واضحا عن حياته؛ لا يقتصر على التمدد الاستيطاني الذي يعدم مجاله الحيوي ويشلّ قدرته على الحركة، ولكنه يستند كذلك إلى تنظيم الحالة الاستيطانية في مليشيات مسلحة لها مرجعياتها الحزبية ومنطلقاتها الأيديولوجية ومدارسها الدينية، ومواردها الاقتصادية ونفوذها في الأمن والجيش والحكومة
هذا التمزيق المستمرّ للوجود الفلسطيني، وجعله بلا أمل في حياة أفضل يملك فيها الفلسطيني تصورا واضحا عن حياته؛ لا يقتصر على التمدد الاستيطاني الذي يعدم مجاله الحيوي ويشلّ قدرته على الحركة، ولكنه يستند كذلك إلى تنظيم الحالة الاستيطانية في مليشيات مسلحة لها مرجعياتها الحزبية ومنطلقاتها الأيديولوجية ومدارسها الدينية، ومواردها الاقتصادية ونفوذها في الأمن والجيش والحكومة، هذه المليشيات من أمثال "فتية التلال" و"تمرد" و"تدفيع الثمن" تتحول باطراد إلى صورة أخرى من عصابات "الهاغاناة" و"أريغون: إيتسل" و"ليحي"، وهو ما يتضح بهجمات الاستباحة لبلدات الفلسطينيين بالحرق والإتلاف والنهب والقتل.

ما لا يقلّ عن ذلك مفارقة، هو أن موافقة نتنياهو في "الكابينت" أخيرا على "شرعنة" خمس بؤر استيطانية كان مقابل أن يفرج سموتريتش (بوصفه وزير المالية) عن أموال السلطة التي تحتجزها "إسرائيل" (طبعا بعد أن تقتطع منها حصة غزة في ميزانية السلطة ومخصصات الأسرى والشهداء وعوائلهم، وديونها التي تزعم أنّها مستحقّة على السلطة، وما تزعمه كذلك من تعويضات مستحقة على السلطة؛ مثلا تعويضات عوائل القتلى الإسرائيليين الذين سقطوا في عمليات فلسطينية).

وهكذا يصبح راتب الفلسطيني مقابل التمدّد الاستيطاني؛ في حالة من التشوّه والشذوذ لم تخطر في كوابيس أكثر الفلسطينيين تشاؤما في أيّ يوم من الأيام.. والحاصل هذه هي "إسرائيل" وهذه هي الضفة الغربية، وهذا هو مآل مشروع التسوية وطريق السلام!

x.com/sariorabi

مقالات مشابهة

  • وقفات في ذمار تنديداً باستمرار المجازر الصهيونية بحق الفلسطينيين
  • ذمار.. وقفات شعبية تنديداً باستمرار المجازر الصهيونية بحق الفلسطينيين
  • عن قرارات إسرائيل الأخيرة ودولة الاستيطان في الضفة الغربية.. من يتفاجأ؟!
  • NYT: المقاومة في الضفة الغربية تسعى إلى محاكاة حماس في غزة
  • رايتس ووتش تطالب بتعويض ضحايا الانتهاكات الفلسطينيين والإسرائيليين
  • إمبراطورية المستوطنات.. هل تنجح خطة إسرائيل لاستيطان غزة مجددا؟
  • حركة "المجاهدين" ترد على تصريحات بن غفير عن إعدام الأسرى الفلسطينيين بطلقة في الرأس
  • صحفي أمريكي ينشر قصصا مفزعة من الضفة الغربية.. مقبلون على أيام رهيبة
  • جيش الاحتلال: طائرة مسيرة نفذت هجومًا على منزل شرق طولكرم بالضفة الغربية
  • جيش الاحتلال يعتقل 20 فلسطينيا خلال يومين في الضفة الغربية