عليان عليان دخلت المواجهات بين فصائل المقاومة وبين قوات الاحتلال الصهيونية في مخيم جنين والمدينة يومها الثاني ، برهنت المقاومة خلالها عن قدرات هائلة في الصمود والتصدي والتحدي ، وكالت الصاع الصاعين بتكتيكاتها القتالية وببسالة مقاتليها ، معيدةً الاعتبار للمعركة الأسطورية في المخيم في نيسان 2002 ، التي أذهلت العدو جراء قتالها الأسطوري، ما أفشل استهدافات العدوان الذي حمل في حينه مسمى ” السور الواقي” وعلى رأسها ” وأد انتفاضة الأقصى” من بوابة معركة جنين.
المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية و وخاصةً في جنين ومخيمها ، وبعد مرور ( 21) عاماً على المعركة الأولى ، راكمت خبرات قتالية هائلة ، وباتت جنين تشكل مجدداً صداعاً مزمنا للاحتلال ، إلى جانب بقية المناطق في نابلس وطوباس وطولكرم وبقية أرجاء الضفة مستفيدة من المناخ الكفاحي الذي وفرته معركة سيف القدس التاريخية في مايو ( أيار) 2021 ، ومستفيدةً قبل ذلك من النهوض المقاوم في قطاع غزة الذي أجبر شارون على الانسحاب من قطاع غزة عام 2005 ، ما مكن المقاومة من خوض عدة حروب مع الاحتلال حققت خلالها انتصارات تكتيكية في الأعوام 2008-2009 ، 2012، 2014 ، 2021 ، 2023. لقد اشتقت المقاومة في عاصمة الثورة ” مخيم جنين ” آليات كفاحية جديدة جمعت بين الفعل المقاوم العسكري والمقاومة الجماهيرية المشتبكة ، ناهيك أنها حققت نقلة نوعية في التنظيم العسكري من خلال تشكيل الكتائب المسلحة في جنين ، لتنتقل التجربة بعدها إلى نابلس وطول كرم وطوباس وبقية أرجاء الضفة الغربية . ولم تقف الأمور عند هذا الحد ، بل انتقلت المقاومة إلى مرحلة تصنيع الأسلحة من العبوات الناسفة والألغام المتطورة ، وتمكنت من الحصول على الأسلحة الرشاشه من مخازن العدو نفسه ، ما مكنها من خوض معارك ناجحة ضد الاحتلال أثناء توغلاته في جنين ، والأهم من ذلك كله أن المقاومة في جنين وفي عموم الضفة الغربية باتت تعمل بشكل موحد في إطار غرفة عمليات مشتركة.. صورة المعركة وأبعادها والمتتبع لسير العمليات العسكرية في جنين ومخيمها يمكنه أن يسجل ما يلي :- 1-أن العدو الصهيوني حشد لهذه المعركة ما يزيد عن ألف جندي، من مختلف تشكيلاته العسكرية ومن قوات النخبة ، و(170) آلية عسكرية ومصفحة وناقلات جند وطائرات الأباتشي والطائرات المسيرة وطائرات التجسس المتطورة ، وما يزيد عن (16) جرافة بهدف تحقيق الهدف المعلن من عمليته العسكرية، ألا وهو تدمير البنية التحتية للمقاومة واعتقال أكبر عدد من رجال المقاومة. 2- أن المقاومة في مواجهة هذا الحشد العسكري الهائل ، وفي مواجهة الفرق الهائل جداً في ميزان القوى ، خاضت حرب الشوارع بنجاح ، على مدى يومين من المواجهات لإفشال التفوق العسكري للعدو ، وتمكنت باقتدار من نصب كمائن القتل الناجحة لقوات العدو وآلياته في مختلف المحاور المؤدية إلى المخيم ومحيطه ،سواء في منطقة الدمج أو الحواشين- الجبريات ، وقرب جامع الأنصار ، ودوار السينما ، وفي شارعي حيفا ونابلس وغيرها من المحاور ، وخاضوا معارك الكمائن من المسافة صفر ، وأوقعوا خسائر كبيرة في صفوف العدو على صعيد القتلى والجرحى وتدمير الآليات، وقد لعبت وحدة الهندسة في كتيبة جنين ، دوراً رئيسياً في هذه الكمائن ، حيث لا يجرؤ العدو على الاعتراف بحقيقة خسائره في هذه المرحلة ، لظروف تتصل بأزمة حكومته الفاشية التي يترأسها نتنياهو ، ولظروف تتصل بفشل العدو في ترميم حالة الردع المتآكلة التي باتت حديث وسائط الإعلام الصهيونية بشكل يومي ومتكرر. 3-أن العدو لم يحقق عامل المفاجأة في عدوانه ، فقد رصدت المقاومة حشود العدو واستعدت مبكراً للمنازلة مع قواته ، وفق خطط متفق عليها. 4- حققت المقاومة نقلة نوعية في مواجهة مسيرات العدو ، إذ تمكنت حتى مساء اليوم الثاني من إسقاط خمس طائرات مسيرة للعدو الصهيوني. 5- أن فصائل المقاومة خاضت المعركة بشكل موحد ، حيث خاض مقاتلو سرايا القدس ” كتيبة جنين ” كتفاً إلى كتف إلى جانب مقاتلي كتائب القسام وكتائب أبو علي مصطفى وكتائب شهداء الأقصى ، وكتائب عمر قاسم والمجاهدين وغيرها ، ما أقلق العدو وأفشل مخططه للانفراد بحركة الجهاد الإسلامي ، حيث تتشارك
السلطة مع الاحتلال في وصفها بأنه ذراع إيران في فلسطين. 6- استفادت المقاومة من بيوت المخيم المتلاصقة ، للانتقال من مكان إلى آخر مفشلة إمكانية رصدها من قبل طائرات الاستطلاع والتجسس ، كما أن أهالي المخيم شكلوا حاضنة شعبية لرجال المقاومة ، خاصةً وأن المقاتلين من أبنائهم ، حيث لعب الأهالي دوراً في عمليات رصد تحركات العدو وفي تزويد المقاتلين بالمؤن والذخائر . 7- أن رجال المقاومة أفشلوا عمليات القنص، من خلال تفجير النوافذ التي يتخفى من خلالها قناصو العدو ، وقاموا بعمليات قنص ناجحة لجنود العدو ، كما تمكنوا أكثر من مرة من محاصرة جنود العدو في بعض المنازل ، ما دفع العدو للتدخل بالطيران لفك الحصار عن جنوده . 8- تمكنت مجموعات من المقاومة في محافظات أخرى، من الوصول مبكراُ إلى المخيم لدعم صموده والمشاركة في القتال إلى جانب كتائب وسرايا المقاومة في جنين ومخيمها. العدو يفشل في تحقيق أهدافه ما يجب الإشارة إليه أن الحروب تقاس بنتائجها ، فالعدو الذي قد يوقف العملية في فترة قريبة ، لا يمكنه الاستمرار في المعركة ، ارتباطاً بقراءته لموقف الفصائل في قطاع غزة وموقف محور المقاومة ، فالعدو إذ يخوض حربه في جنين، فإن عينيه مصوبتان على قطاع غزة وعلى شمال فلسطين المحتلة ” حزب الله ” ، فالفصائل في إطار غرفة العمليات المشتركة في قطاع غزة ، أعلنت بصريح العبارة بأن تدخلها مرتبط بسير المعركة وبسلوك العدو ، ما يعني أن الكيان الصهيوني في حال استمراره في عمليته العسكرية سيفتح على نفسه أكثر من جبهة، ليس بوسعه مواجهتها في ضوء أزمته الداخلية المستفحلة ناهيك أنه يخشى أن يشكل عدوانه المستمر صاعقاً لتفجير انتفاضة جديدة في عموم الضفة الفلسطينية، بعد أن اشتعلت مدن وقرى ومخيمات الضفة بعشرات المواجهات والاشتباكات مع العدو ومع المستوطنين. العدو يتبجح بأنه حقق الأهداف المحددة من عمليته العسكرية ، وأنه نجح في استعادة قوة ردعه وفرض قواعد اشتباك جديدة لصالحه ، لكي يبرر انتهاء عمليته العسكرية العدوانية لاحقاً ، لكن واقع الأمور على الأرض يؤكد عكس ذلك ، فرغم حجم الدمار الذي حققه قصف العدو لمنازل المخيم ولبنيته التحتية وتجريفه للشوارع المحيطة بالمخيم وتدميره لشبكة الكهرباء والمياه ، ورغم ارتقاء (11)شهيداً وإصابة مائة مواطن بجروح ، إلا أن المقاومة برهنت مجدداً أنها عصية على الكسر والهزيمة ، وظلت متصاعدة ولم تدمر بنيتها التحتية ولم تهتز بنيتها التنظيمية ، ولم يتم اعتقال المقاومين على النحو وبالعدد الذي روج له العدو، بل اعتقل مواطنين غير مسلحين . وأما حديث العدو عن تبجحه بتدمير غرفة العمليات المشتركة في المخيم وعن استيلائه على مخزن من العبوات الناسفة ” 30 عبوة ” فهو مبعث سخرية وتهكم رجال المقاومة من مختلف الفصائل ، فغرفة العمليات المشتركة، ليست غرفة عمليات لجيش نظامي فهي متنقلة من من بيت من بيوت وكالة الغوث المعاد بنائها إلى بيت آخر . باختصار شديد لم يحقق العدو أهدافه من العملية العسكرية العدوانية الضخمة ، ولم تتمكن قوات الاحتلال من الدخول إلى داخل المخيم، حتى مساء اليوم الثاني( الثلاثاء) للمعركة حيث يحاول يائساً دخول المخيم من منطقة الجبريات، بعد فشله في اقتحام المخيم من محور ” الدمج” ،علماً أن مساحة المخيم لا تزيد عن نصف كيلو متر ، وحشد العدو من أجل اقتحامه، ما يزيد عن ألف جندي صهيوني ، وبحسبة بسيطة يصبح نصيب كل متر مربع من المخيم تمركز جنديين من قوات العدو في حال اقتحامه . وما يدلل على فشل أهداف العملية العسكرية، صدور تصريحات من وزيرة العدل” آيليت شكيد ” في حكومة العدو السابقة ، ومن محللين عسكريين في الصحف الصهيونية ، تؤكد أن تحقيق الأهداف المتوخاة، يحتاج إلى عدة عمليات عسكرية في جنين وبقية المدن الفلسطينية ، ما يعني الاعتراف بفشل العدوان الصهيوني على جنين ، في تحقيق أهدافه المعلن عنها ، فالمقاومة لا زالت تتصدى لمحاولات قوات العدو دخول المخيم حتى مساء اليوم التالي، وتحقق انتصارات ملموسة على الأرض ، ولا زالت على ذات الجهوزية والوحدة في مواصلة القتال ، ولا زالت معنويات المقاتلين تعانق سماء المخيم وفلسطين . لقد بنت المقاومة في جنين باقتدار على منجزات معركة نيسان ( أبريل) 2002 ، والأهم من ذلك اندفاع مئات الشبان للانضمام للكتائب المسلحة ، من مدن قرى ومخيمات جنين ونابلس وطولكرم وبيت لحم والخليل ورام الله والبيرة وقلقيلية وأريحا ، وباتت عيون المقاومة بعد معركة جنين، مفتوحة على نقل المعركة إلى داخل العمق الصهيوني في تل أبيب وبئر السبع وغيرهما ، وإلى تنفيذ عمليات عسكرية في مختلف أرجاء الضفة وشن هجمات مضادة على المستوطنات ، وقد أوفت المقاومة بوعدها عندما نفذ البطل الفلسطيني من كتائب القسام ” عبد الوهاب خلايلة” يوم أمس عملية مزدوجة بالدهس والسكاكين في قلب مدينة تل أبيب ، أدت إلى إصابة سبعة مستوطنين جراح ثلاثة منهم خطيرة جداً. السلطة مع الاحتلال في مواجهة المقاومة ما يلفت الانتباه أن قيادة السلطة ، رغم إدانتها للعدوان ، إلا إنها في السياق العملي شريكة في العدوان ، من خلال قيام أجهزتها الأمنية ،بوضع الحواجز على طرق البلدات المحيطة بجنين ، لمنع وصول النجدات للمخيم ، وقيامها باعتقال رجال المقاومة الذين كانوا في طريقهم لنجدة المخيم ، ولعل اعتقال قائد كتيبة سرايا القدس في بلدة جبع “مراد ملايشه” ومرافقه محمد براهمه، أثناء توجههما من طوباس إلى جنين، وإيداعهما في سجن أريحا في منطقة جنين لمثال صارخ على ذلك . ولا يغير من واقع الصورة تصريحات رئيس السلطة بوقف التنسيق الأمني ووقف التواصل مع حكومة العدو ، فمثل هذه التصريحات تستهدف امتصاص نقمة الجماهير على السلطة وأجهزتها الأمنية ، فالسلطة من واقع الممارسة لم تتخل يوما عن التنسيق الأمني ، وسبق أن ألقت بقرارات المجلسين الوطني والمركزي بشأن إلغاء التنسيق الأمني في سلة المهملات ، وسبق لها أن تراجعت بسرعة عن مقررات كونفرنس بيروت- رام الله في الثالث من سبتمبر ( أيلول ) 2020 ، بشأن وقف التنسيق الأمني وإقامة قيادة موحدة للمقاومة الشعبية ، ووقف العمل باتفاقات أوسلو ألخ لحظة فوز الرئيس جو بايدن في الانتخابات الرئاسية. فالتنسيق الأمني بحد ذاته عمل جرمي وخياني ، وتفاهمات العقبة وشرم الشيخ عمل جرمي ارتكبته قيادة السلطة ، كون هذه التفاهمات في محصلتها استهدفت ضرب المقاومة وتجريدها من السلاح ، والتخلي عنها من منظور السلطة هو اعتراف بالجريمة ، وهي في الممارسة العملية ملتزمة بها حتى قبل أن تصدر ، ومن ثم فإن تصريحات قيادة السلطة بالتخلي عنها ما هي إلا ذر للرماد في العيون . وعلى فصائل المقاومة أن لا تساهم في تبييض صفحة السلطة السوداء ، عبر الاستجابة لدعوة رئيسها بعقد اجتماع للأمناء العامين لوضع استراتيجية نضالية للمرحلة القادمة ، إلا إذا كانت مغرمة بأن تلدغ من جحر قيادة السلطة عشرات المرات ، فالسلطة منسجمة مع دورها كوكيل أمني للاحتلال ، ومن يريد أن يساهم في وضع استراتيجية كفاحية عليه أن يقدم أوراق اعتماده للشعب أولاً، بالمشاركة في المقاومة وفي الدفاع عن شعبنا في مختلف أرجاء الوطن ، قبل أن يتحدث عن الاستراتيجية الكفاحية للمرحلة القادمة. ولا بد من التنويه هنا بشأن ثلاثة تقارير لم تنفيها قيادة السلطة ، التقرير الأول صادر عن مكتب وزير الحرب الإسرائيلي ، مفاده أن ” حسين الشيخ” وزير الشؤون المدنية التقى قبل أسبوعين وزير الحرب الإسرائيلي “يو آف غولانت” لبحث الأوضاع في الضفة الغربية ، وفي هذا اللقاء أكد وزير الحرب الإسرائيلي على استمرار استهدافه للإرهاب الفلسطيني( المقاومة) وسط صمت الشيخ . والتقرير الثاني صادر من موقع ( ولا ) الصهيوني المقرب من الأوساط العسكرية الذي أكد وجود خط اتصال سري بين مكتب رئيس السلطة ومكتب رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو .
وأخيراً وبعد أن ينجلي غبار معركة جنين ، يتوجب على فصائل المقاومة التي شاركت في المعركة ، أن تجري تقييماً دقيقاً للمعركة من حيث الإنجازات والثغرات، وأن تبني على الإنجازات وتجنب الثغرات ، هذا ( أولاً) و (ثانياً) على فصائل المقاومة أن تجترح الآليات لإيصال قذائف الكورنيت و(البي 7 ) المضادة للدروع للمقاومة في جنين وبقية أرجاء الضفة الغربية و
(ثالثا) أن تعمل على تسليح أبناء شعبنا في القرى للتصدي لقطعان المستوطنين و(رابعاً) أن تعمل على تشكيل لجان للحراسة الليلية في المخيمات والقرى ( وخامسا) أن تعمل على إنشاء جبهة موحدة للمقاومة وفق استراتيجية محدده ،على رأس مهامها تفعيل المقاومة ووحدة الساحات ، وإفشال التنسيق الأمني للسلطة ميدانياً ، ورفع الغطاء الوطني بشكل نهائي عن نهج التنسيق الأمني وأصحابه.
انتهى
المصدر: رأي اليوم
كلمات دلالية:
الضفة الغربیة
المقاومة فی
قطاع غزة
فی جنین
إقرأ أيضاً:
اختبار حاسم للعودة لغزة.. السلطة الفلسطينية تكافح لطرد المسلحين من مخيم جنين
(CNN)-- على مدى أكثر من أسبوع، كان مخيم جنين للاجئين المترامي الأطراف في الضفة الغربية المحتلة يُسمع منه صدى إطلاق نار كثيف- حيث كان القناصة الملثمون يقفون على أسطح المنازل وسط انفجارات داخل أزقته الضيقة.
ولكن الجيش الإسرائيلي لم يشارك في القتال، بينما كان شن مداهمات لا حصر لها في السنوات الأخيرة ضد ما يسميه "الإرهابيين" في المخيم، معقل المقاومة للجيش الإسرائيلي.
هذه المعركة بين الفلسطينيين: قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية والجماعات المسلحة المتحالفة مع حماس التي تقول إن السلطة الفلسطينية تنفذ سياسة إسرائيل.
وشنت السلطة الفلسطينية، التي يدعمها الغرب، أكبر عملية أمنية لها منذ سنوات لإبعاد الجماعات المسلحة في محاولة لإظهار قدرتها على التعامل مع الوضع الأمني في الضفة الغربية، بينما تتطلع إلى السيطرة على غزة بعد الحرب.
ولكن يبدو أن العملية لم تؤد إلا إلى تقوية المقاومة وإبعاد العديد من الآلاف من المدنيين الذين يعيشون هناك. ولم تسيطر السلطة سوى على القليل من الأرض، فيما لا يزال المسلحون يسيطرون على معظم المخيم.
وحاولت قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية اعتقال العشرات من الرجال ووصفتهم بأنهم خارجون عن القانون يحاولون "اختطاف" المخيم، الذي أُقيم للفلسطينيين الذين طُردوا من ديارهم بعد قيام إسرائيل في عام 1948، وهو الآن منطقة مبنية يقطنه حوالي 25 ألف شخص.
وتصف حماس المقاتلين في المخيم بأنهم "مقاومة"- وهي تحالف من الجماعات المسلحة التي ترى أن السلطة وقواتها الأمنية تعمل بناء على أوامر إسرائيل.
وتشمل الفصائل المسلحة كلا من كتائب شهداء الأقصى، والجهاد الإسلامي الفلسطيني، وكتائب القسام، التي تقاتل تحت راية كتيبة جنين.
وتقول السلطة الفلسطينية إن قواتها "تقدمت على طرقات مهمة للغاية" في المخيم. لكنها لديها القليل من التكنولوجيا والأسلحة التي لدى الجيش الإسرائيلي، وقُتل أحد أفراد الحرس الرئاسي الفلسطيني بنيران مسلحين، الأحد.
كما قُتل أحد قادة المسلحين، وثلاثة مراهقين، أصغرهم 14 عاما. وألقى كل جانب باللوم على الآخر في وفاتهم.
ويختتم اندلاع العنف عاما مميتا في المخيم. حيث نفذت إسرائيل مداهمات استمرت لأيام في جنين وطولكرم وطوباس، بشمال الضفة الغربية، في سبتمبر/أيلول الماضي، مما أسفر عن مقتل 39 شخصا على الأقل، وخلفت دمارا واسعا، بحسب وزارة الصحة التابعة للسلطة الفلسطينية والأمم المتحدة. وكان من بين القتلى تسعة مسلحين على الأقل، وفقما لحماس والجهاد الإسلامي الفلسطيني.
اختبار حاسم لغزة
السلطة الفلسطينية مسؤولة اسميا عن الأمن في معظم أنحاء الضفة الغربية بموجب اتفاقيات أوسلو، التي تم توقيعها في تسعينيات القرن العشرين بهدف إقامة دولة فلسطينية. ولكن في السنوات التي تلت ذلك، وسعت إسرائيل سيطرتها على الأراضي المحتلة، ووسعت المستوطنات، ونفذت مداهمات متكررة ضد الجماعات الفلسطينية المسلحة.
وما يحدث في جنين يشكل اختبارا حقيقيا للسلطة الفلسطينية. فإذا كانت السلطة تريد القيام بدور أوسع في إدارة المناطق الفلسطينية، أو تسعى إلى العودة إلى غزة ـ وهو أمر أصرت الحكومة الإسرائيلية على استبعاده- فإن جنين اختبار حقيقي.
وقال قيس السعدي أحد قادة المسلحين، لشبكة CNN في مقابلة معه من داخل المخيم: "إسرائيل تمنح السلطة فرصة في جنين، وهي تقول في الأساس: إذا تمكنتم من إثبات قدرتكم على السيطرة على جنين، وهي مدينة صغيرة، فإننا سنفكر في تسليمكم غزة".
كما أن الأحداث في جنين تشكل أيضا مؤشرا على النفوذ الإيراني بين المسلحين. فقد اعترف السعدي بأن المساعدة تأتي من إيران، وهو ما يشكل مصدر قلق متزايد لأجهزة الأمن الإسرائيلية.
وأضاف: "نتلقى الدعم من إيران ومن أي جهة مستعدة لمساعدتنا، ولكننا لا ننتمي إلى إيران أو إلى أي كيان خارجي خارج المناطق الفلسطينية".
ومن الصعب تقييم مدى ونوع الدعم الإيراني للمسلحين. ولكن قوات الأمن الإسرائيلية قالت في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي إنها صادرت كميات كبيرة من الأسلحة التي زودتها بها إيران قرب جنين.
وقال وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في زيارة مؤخرا إلى الضفة الغربية، إن "إيران لن تنجح في إنشاء ذراع (أخطبوط) لإيران في مخيمات اللاجئين"، وإن السياج الجديد على الحدود مع الأردن من شأنه أن "يمنع الخطط الإيرانية لتهريب الأسلحة إلى إسرائيل عبر الأردن".
وقال المتحدث باسم قوات الأمن الفلسطينية، العميد أنور رجب، لشبكة CNN إنه من خلال تمويل المسلحين تسعى إيران إلى نشر "الفوضى والفساد" وإضعاف السلطة الفلسطينية، وهو ما يخدم مصالح مشاريعها في المنطقة.
وتتحصن كتيبة جنين في المخيم، المركز العصبي لموجة جديدة من المواجهات الفلسطينية المسلحة في الأراضي المحتلة.
وقد أدى الاستخدام المتزايد من جانب الجماعة المسلحة للعبوات الناسفة البدائية إلى إضافة طبقة من التعقيد لجهود إسرائيل والسلطة الفلسطينية لمكافحتها.
وقال قيس السعدي لشبكة CNN إن العبوات الناسفة ألحقت أضراراً بالغة بالمركبات العسكرية الإسرائيلية، وحذر قوات الأمن: "إذا دخلتم منطقتنا، فسوف تواجهون نفس المصير". وأضاف: "الحرب في المناطق الحضرية من تخصصنا، وهي تغير قواعد اللعبة". وتؤكد قوات الأمن أن المسلحين يعرضون حياة الأبرياء للخطر عبر زرع الألغام المتفجرة في الشوارع وفي المساكن.
وقد أسفرت المواجهة في جنين عن استقطاب بالرأي العام الفلسطيني. وقال أسعد عقل، وهو مقاتل يبلغ من العمر 27 عاما أُصيب بجروح خطيرة في هجوم بطائرة بدون طيار إسرائيلية العام الماضي، لشبكة CNN إن سكان المخيم بحاجة إلى حماية من الجيش الإسرائيلي- وهو ما لم تقدمه السلطة الفلسطينية.
وقال عقل وسكان آخرون في جنين إن العملية الأمنية التي نفذتها السلطة جعلت الحياة أكثر صعوبة - وخطورة في المخيم، حيث أشار بعضهم إلى أنها ترقى إلى مستوى العقاب الجماعي. وبنهاية الأسبوع الماضي، كان جزء كبير من المخيم بدون ماء وكهرباء. وتراكمت القمامة ولم يتمكن الأطفال من الذهاب لمدارسهم.
وقالت وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) الأسبوع الماضي إنها أوقفت خدماتها في المخيم، وتشمل التعليم والرعاية الصحية، وسط القتال. وأدانت الوكالة قيام "مسلحين فلسطينيين" باحتلال مركزها الصحي في مخيم جنين الأسبوع الماضي.
وألقى سكان المخيم الذين تحدثوا إلى شبكة CNN باللوم على قوات الأمن في أعمال العنف الأخيرة.
فيما حث إيهاب سعدي أحد السكان المحليين على حوار جديد بين السلطة الفلسطينية والمسلحين.
وقال رجب، المتحدث باسم قوات الأمن، إن السلطة الفلسطينية حاولت التفاوض مع الفصائل - لكن جهودها قوبلت بالتجاهل. وقال إن ما يقوم به المسلحون "ينشر الفوضى في الضفة الغربية ويساعد الاحتلال الإسرائيلي"، على حد قوله.
وفي خضم القتال وإغلاق مخارج المخيم، أصبح المزاج بين السكان أكثر يأسا.
وقال محمود الغول إن منزله لم يصله الماء لمدة ثلاثة أسابيع وكان واحدًا من العديد من السكان الذين زعموا أن قوات الأمن أطلقت النار على خزانات المياه. وقد تواصلت شبكة CNN مع السلطة الفلسطينية بشأن هذا الادعاء.
وقال: "نحن لا نشعر بالأمان هنا، لا يمكننا المشي في الشارع، ولا يمكننا الصعود إلى سطح المنزل. الحياة مشلولة تقريبًا".
وقال أحمد طوباسي لشبكة CNN إن أطفاله كانوا في حالة يرثى لها.