هل ينجح الردع العسكري الأمريكي في منع توسع نطاق الحرب بين إسرائيل وحماس؟
تاريخ النشر: 10th, November 2023 GMT
إعداد: سيباستيان سايبت | عمر التيس تابِع إعلان اقرأ المزيد
لم نعد نتحدث عن أمر استثنائي. فقد ضرب الجيش الأمريكي الأربعاء أهدافا "مرتبطة" بإيران في سوريا، وهذا ثاني تدخل للطائرات العسكرية الأمريكية بالمنطقة في غضون أسبوعين.
وتلقي هذه الهجمات الضوء على صعوبة دور "التوازن" الذي تسعى واشنطن لأدائه لحماية مصالحها في المنطقة مع التحرك بحذر، والسعي في نفس الوقت إلى عدم تأجيج الحرب بين إسرائيل وحماس، والتي تهدد بالتحول إلى نزاع إقليمي.
بعد الضربة الأمريكية الجديدة على سوريا، يبدو أن واشنطن تختار بعناية الألفاظ التي تستخدمها في محاولة للحد من توسع الاحتقان، وقال البيت الأبيض في معرض حديثه عن الضربة إن "القوات الأمريكية نفذت ضربة في إطار الدفاع الشرعي عن النفس ضد منشأة في شرق سوريا يستخدمها الحرس الثوري الإيراني والمجموعات المنضوية تحته".
البحث عن أخف الأضرارأدلى المسؤولون العسكريون الأمريكيون بتصريحات إعلامية هدفها التأكيد مرة أخرة على الطابع المحدود لهذه العملية العسكرية، إذ صرح أحدهم لقناة "سي أن أن" (من دون الكشف عن هويته): "نحن على يقين بأن هذه الضربة لم تتسبب في سقوط ضحايا مدنيين". وأضاف أن واشنطن استخدمت خلالها ما يسمى "خط تواصل لتفادي نزاع" (مع روسيا) - وهي عبارة تستخدم للإشارة إلى خط تواصل خاص بين موسكو وواشنطن لتفادي أي "مفاجأة" عسكرية في سوريا.
"من الواضح أن الهدف من الضربة هو الردع" وفق روبرت غيست بينفولد الأستاذ المتخصص في المسائل الأمنية والعسكرية بجامعة دورهام في إسرائيل، والدليل أنها خلفت "أقل أضرار ممكنة، فيما أنه -في زمن الحرب- يكون الهدف إحداث أكبر قدر من الدمار".
بعد بدء الحرب بين حماس وإسرائيل عقب هجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول، استهدفت ضربتان جويتان أمريكيتان في كل مرة مخزن ذخائر ومخابئ أسلحة لجماعات مرتبطة بإيران، كما أكدت المخابرات الأمريكية. وبالنسبة لفيرونيكا بونيشياكوفا الخبيرة في المسائل العسكرية في الشرق الأوسط في جامعة بورتسموث، "يمكن وصف هذه الأهداف بأنها محدودة الأثر"، إذ يبقى خطر الخسائر الجانبية ووقوع ضحايا مدنيين محدودا. فيما يعود بينفولد ليؤكد أن "الجيش الأمريكي كان حريصا على انتظار حلول المساء ليتأكد من أن الأشخاص العاملين في المكان قد غادروه".
اقرأ أيضاسيناريوهات الرد على حماس.. "القضاء على الحركة بالكامل يحتاج لوقت ولقرارات تتجاوز إسرائيل"
منذ إرسال حاملات طائرات على متنها أكثر من ألف جندي إلى المنطقة، يعلم الجيش الأمريكي أنه يتحرك فوق رمال متحركة. رسميا، يهدف استعراض القوة هذا بالأساس إلى "ردع حماس وإيران عن فتح جبهة جديدة ضد إسرائيل'' وفق بونيشياكوفا.
ولكن مجرد حضور حاملة طائرات أمريكية في عرض السواحل الإسرائيلية "يصعد من الاحتقان ويزيد من خطر وقوع حوادث" وفق بينفولد، حيث يُنظر إلى إرسال قوات عسكرية بهذا الحجم على أنه استعراض للدعم الأمريكي للمجهود الحربي الإسرائيلي ويزيد من "شرعية" الهجمات ضد المصالح الأمريكية في المنطقة، بالنسبة إلى المجموعات المقاتلة المقربة من إيران.
ما هي حدود قدرة الردع الأمريكي؟
عسكريا، تجد الولايات المتحدة نفسها مجبرة على إدارة "ردع مزدوج": منع الهجمات ضد مواقعها في الشرق الأوسط "والقيام بكل ما في وسعها حتى تبقى الحرب داخل قطاع غزة" وفق تقييم بينفولد.
لكن فيرونيكا بونيشياكوفا ترى أن المشكل يكمن في أن "الردع لا يكون مجديا إلا عندما نواجه فاعلين عقلانيين يمكن توقع ردود فعلهم، وهو ما لا ينطبق بالضرورة على جماعات وحركات موالية لإيران كحزب الله في لبنان وجماعة الحوثي في اليمن".
وكان زعيم حزب الله حسن نصر الله أكد في كلمته في 3 نوفمبر/تشرين الثاني أنه "لا يشعر بأنه مهدد بمجرد وجود البواخر الحربية الأمريكية" وأن جماعته "مستعدة لمواجهة" التهديد. وترى بونيشياكوفا أن الغاية من هذا التصريح هو القول بأن "حزب الله لن يتوانى عن استخدام صواريخه المضادة للسفن".
وفي مثال آخر عن حدود قدرة الردع الأمريكي، لم تتسبب الضربة الأمريكية على سوريا في 26 تشرين الأول/ أكتوبر في منع الهجمات ضد "مصالح" واشنطن، بل على العكس. فقد تم تنفيذ نحو 40 هجوما ضد قواعد أو مسيرات أمريكية منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول، "22 منها وقعت بعد الغارة الأمريكية الأولى" وفق صحيفة نيويورك تايمز. إلى ذلك، "ستستخدم المليشيات المقربة من إيران متفجرات أكثر قوة لاستهداف القواعد الأمريكية" وفق الصحيفة.
ويشري بينفولد "كان عادة نوع من التوازن في مجال الدرع، ما يعني وجود اتفاق ضمني بين الطرفين حول ما هو جائز عسكريا، دون تصعيد. وهنا، لدينا انطباع بأن نقطة التوازن هذه لم تتوفر بعد". بعبارة أخرى، كل طرف بصدد اختبار حدود الطرف المقابل.
خط أحمريلفت بينفولد إلى أنه يجب توقع استعراضات قوة أمريكية جديدة وهجمات ضد مصالح واشنطن ستؤدي إلى "تصعيد بطيء للاحتقان دون وقوع انفجار للوضع''.
الجميع يعمل على تجاوز الخط الأحمر. "بالنسبة إلى الولايات المتحدة، ذلك يعني عدم إنزال قواتها على الأرض" وفق رؤية بونيشياكوفا. في المقابل، طالما لم تسقط صواريخ على مدينة إسرائيلية، ولم يسقط ضحايا أمريكيون أو "لم يستهدف حزب الله البواخر الأمريكية، يمكن تفادي اشتعال المنطقة".
"إنها لعبة خطيرة جدا في ظل وجود عدة عوامل يستحيل السيطرة عليها 100 بالمئة في كل هجوم" وفق خلاصة روبرت جيست بينفولد. وبالتالي، فإن العمليات الأمريكية تبقى مرتبطة بجودة المعلومات الاستخباراتية التي تجمعها مصالحها -وهي قابلة للخطأ- لتفادي وقوع ضحايا خلال غاراتها. ويخلص بينفولد إلى القول: "عندما يطلق الحوثيون صواريخ على الأراضي الإسرائيلية، فإنهم يتوقعون أن يتم اعتراضها. ولكن ذلك ليس مضمونا بشكل تام وفي حال سقوط إحدى صواريخهم على مدينة إسرائيلية، يمكن أن يحدث تصعيد في النزاع".
أعده بالفرنسية سيباستيان سايبت ا نقله إلى العربية بتصرف عمر التيس
المصدر: فرانس24
كلمات دلالية: الحرب بين حماس وإسرائيل الحرب في أوكرانيا ريبورتاج الحرب بين حماس وإسرائيل للمزيد غزة سوريا الجيش الأمريكي إيران فلسطين إسرائيل
إقرأ أيضاً:
واشنطن بين رئيسين.. سياسة بايدن تترك الشرق الأوسط مشتعلًا.. ولا أمل في السلام الأمريكي
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
أثارت سياسة الرئيس جو بايدن في الشرق الأوسط مقارنات بالتحديات التي واجهها أسلافه مثل جيمي كارتر وجورج دبليو بوش، على الرغم من اختلاف الظروف بشكل كبير، كما تطرح سؤالًا عن تطورات الأوضاع بالمنطقة فى ظل إدارة الرئيس المنتخب دونالد ترامب.
ويقول الكاتب والمحلل السياسي خوان كول: "على عكس تورط كارتر في أزمة الرهائن الإيرانيين أو صراعات بوش مع حركات المقاومة في العراق، تنبع صعوبات بايدن من تصرفات حليف رئيسي للولايات المتحدة: إسرائيل. لقد أثار دعم إدارته للحملات العسكرية الإسرائيلية، بما في ذلك في غزة ولبنان وإيران، انتقادات واسعة النطاق، محليًا ودوليًا".
إرث معقدخلال السنوات الأولى لبايدن في منصبه، سعت إدارته إلى إعادة معايرة السياسة الأمريكية في المنطقة. وشملت الجهود البارزة رفع العقوبات المفروضة على حركة الحوثيين في اليمن من قبل الإدارة السابقة، وتسهيل المفاوضات بين الأطراف المتصارعة في اليمن، والحفاظ على الحد الأدنى من التدخل العسكري في العراق وسوريا لمحاربة بقايا تنظيم الدولة الإسلامية.
ولكن كانت هناك فرصة ضائعة كبيرة تمثلت في الفشل في استعادة خطة العمل الشاملة المشتركة لعام ٢٠١٥ مع إيران. فقد فككت إدارة ترامب هذا الاتفاق النووي، الذي كان يهدف في الأصل إلى منع طهران من تطوير الأسلحة النووية في مقابل تخفيف العقوبات. وعلى الرغم من الإشارات المبكرة للاهتمام بإحياء الاتفاق، احتفظ فريق بايدن بالعديد من عقوبات ترامب، مما أعاق التقدم الهادف. ونتيجة لذلك، سعت إيران إلى إقامة علاقات أوثق مع الصين وروسيا، مع عواقب جيوسياسية كبيرة. وقد أكدت عضوية طهران في منظمة شنغهاي للتعاون وشراكتها العسكرية مع موسكو على التحالفات المتغيرة استجابة للسياسات الأمريكية.
تصاعد التوتراتكانت الأحداث التي أعقبت هجمات حماس على إسرائيل في أكتوبر ٢٠٢٣ بمثابة نقطة تحول في سياسة بايدن في الشرق الأوسط. وقد أثار دعم الولايات المتحدة للرد العسكري الإسرائيلي في غزة، والذي اتسم بغارات جوية واسعة النطاق، إدانة من العديد من البلدان، وخاصة في الجنوب العالمي. لقد أدت الأنباء عن ارتكاب جرائم حرب وإصابات غير متناسبة بين المدنيين إلى تآكل الدعم الدولي للسياسات الأمريكية في المنطقة.
واتسع نطاق الصراع مع انخراط إسرائيل في أعمال عدائية مع حزب الله في لبنان وتنفيذ ضربات على أهداف إيرانية. وأثارت التوترات المتصاعدة مخاوف بشأن حرب إقليمية أوسع نطاقا، حيث تكافح إدارة بايدن للتعامل مع الأزمة. وقد اعتُبرت الجهود المبذولة للتوسط مع إيران والجهات الفاعلة الإقليمية الأخرى غير كافية، حيث سلط المنتقدون الضوء على الافتقار إلى المساءلة عن الأفعال الإسرائيلية.
تداعيات متعددةوكان لعدم الاستقرار المستمر في الشرق الأوسط تداعيات عالمية كبيرة. فقد أدت الاضطرابات في طرق الشحن في البحر الأحمر وقناة السويس، والتي تفاقمت بسبب الهجمات الصاروخية الحوثية، إلى إجهاد سلاسل التوريد العالمية وساهمت في ارتفاع التضخم.
كما تؤكد الأزمات الإنسانية في غزة واليمن ولبنان على التحديات التي تواجه المنطقة. ويرى المراقبون أن سياسات بايدن، في حين كانت تهدف إلى الحفاظ على النفوذ الأمريكي، أدت إلى تفاقم التوترات. لقد أصبح الاعتماد على المساعدات العسكرية والتحالفات الاستراتيجية محل تدقيق، مع دعوات إلى اتباع نهج أكثر توازنًا لمعالجة الأسباب الجذرية للصراع. مع استعداد بايدن لمغادرة منصبه، تظل سياسته في الشرق الأوسط موضوع نقاش مكثف. إن الإدارة المقبلة سوف ترث منطقة تتسم بالانقسامات العميقة والتحالفات المعقدة. وسوف يتطلب التصدي لهذه التحديات إيجاد التوازن الدقيق بين المصالح الأمنية، والمخاوف الإنسانية، والسعي إلى تحقيق الاستقرار في الأمد البعيد.. فهل يمكن أن يتحقق ذلك على يد إدارة ترامب؟.. مجرد سؤال تظل إجابته موضع تساؤل كبير أيضًا.