السفير د. عبدالله الأشعل السياسة الخارجية الفلسطينية تضعها السلطة الفلسطينية وهى الحكومة التي تتبع الدولة الفلسطينية وهى التي تشرف على التمثيل الدبلوماسي الفلسطيني في الخارج وتحدد السياسة الخارجية الفلسطينية وبأسم رئيس السلطة تصدر أوراق الاعتماد للسفراء الفلسطينيين في الدول الأجنبية. ومن الناحية القانونية كان يجب أن تتحول السلطة منذ عام 2012  إلى حكومة عادية منذ أن اعترفت الأمم المتحدة بدولة فلسطينية وهذا يرتب على المستوى القانوني مسألتين الأولى هي تحول السلطة إلى حكومة عادية يعينها الرئيس الفلسطيني وعلاقة ذلك باتفاق أوسلو ودلالاته بالنسبة لهذا الاتفاق وفى هذا المقام نبدد وهما لدى الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي بأن السلطة الفلسطينية ناجمة ومؤسسة على اتفاق أوسلو فإذا زال هذا الاتفاق زالت السلطة وهذا غير صحيح فاتفاق أوسلو مجرد اعلان مبادئ بتفاوض عليها الطرفان خلال خمس سنوات وحدد المسائل الاساسية الخمسة للمفاوضات النهائية ومعنى ذلك أن السلطة عبارة عن حكم ذاتي فلسطيني يماثل ما ورد في اتفاق الحكم الذاتي الذى وقع في كامب دايفيد ولا ينص اتفاق اوسلو على أن المفاوضات سوف تنشيء دولة فلسطينية لأن الدولة قررتها الأمم المتحدة بعد عقود من اتفاق اوسلو كما أن فكرة الدولة الناشئة أو في طور النشأة نظرية تنطبق على الحالة الفلسطينية ومعنى ذلك أن الدولة الفلسطينية قائمة بارادة الفلسطينيين والعرب واعترفت بها أكثر من مائة دولة وقامت  معها علاقات دبلوماسية كاملة على أساس أن منظمة التحرير تتمتع بالشخصية القانونية الدولية.

والمسألة الثانية هي علاقة الكيانات الثلاثة ببعضها وهى السلطة والدولة والمنظمة فالمنظمة هي التي تفاوضت مع إسرائيل نيابة عن الشعب الفلسطيني ثم قامت الدولة والدولة تتكون من عناصر ثلاثة الاقليم والشعب والسلطة السياسية فيفترض أن الدولة تحل محل السلطة والمنظمة معا ولذلك فإن مطالبة الفلسطينيين بإحياء منظمة التحرير الفلسطينية وادخال حركات المقاومة ضمن المنظمة أمر لا معنى له . فقد أشرنا إلى أن السلطة يجب أن تتحول إلى حكومة أو سلطة سياسية تجمع بين الاذرع التنفيذية والقضائية والتشريعية وتعتبر الدولة الفلسطينية دولة محتلة فتتصرف في المحيط الدولي على هذا الاساس ولكن المشكلة هي أن السلطة الفلسطينية إذا حلت ترمز عند إسرائيل إلى انهاء اتفاق أوسلو مع أن إسرائيل لم تحترم هذا الاتفاق يوما وعلى كل حال انقضي هذا الاتفاق بمرور الفترة الانتقالية ومدتها خمس سنوات لأن إسرائيل كشفت عن نيتها الحقيقية للحصول على كل فلسطين وليس اقتسامها. وتسمي هذه الحالة في القانونdesuetude ومن ناحية أخرى فإن السلطة والمقاومة على طرفي نقيض :المقاومة تدعى إنها تمثل الشعب الفلسطيني يقابلها ادعاء السلطة . والمقاومة تعتبر خصما سياسيا للسلطة ومنافسا عند الشعب الفلسطيني كلما تعنتت إسرائيل وتوحشت وأصبحت المقاومة ضرورة وفى هذه الحالة فإن الدبلوماسي الفلسطيني لا يعترف بالمقاومة ولا يروج لها ويلتزم بخط حكوماته في ادانتها بالارهاب على المستوى العربي وكنت قد وضعت اختبارا لنوايا قمة جدة العربية في منتصف مايو 2023وهو رفع القرار الخاص بوصف المقاومة بالارهاب وإلا فإن القمة تضع نفسها في موضع المتآمر على المقاومة وقد نشرت مقالا صريحا في هذا الموضوع بناءا على المعطيات الجيوبوليتيكية التي حكمت العلاقة بين معسكر المقاومة والمعسكر الآخر. ومعنى ذلك أن الدبلوماسي الفلسطيني ليس كالاسرائيلي الذى يتعلم أن يكون ايديولوجيا بمعنى أن يكون أداة مقتنعة بتحقيق المشروع الصهيوني وهو جلب اليهود من كل دول العالم إلى فلسطين ليحلوا محل الفلسطينيين في أرضهم ورغم الاشارات المتكررة في بعض الظروف للمسؤولين في السلطة عن دعمهم للمقاومة إلا أن السلطة قيدت نفسها بنفسها بالتعاون مع إسرائيل ضد المقاومة تحت ستار التنسيق الأمني حرصا علي بقاء السلطة على حساب القضية المركزية للشعب الفلسطيني وقد نصحت كثيرا جميع الفصائل الفلسطينية بأن إسرائيل تستهدف العرق الفلسطيني أىا كان موقعه وأنها تقوم بعملية ابادة منظمة لهذا العرق طمعا في دفعه إلى متحف التاريخ ضمن الأمم البائدة. ولذلك لابد من مراجعة مفهوم المصالحة واسس العلاقة بين السلطة والمقاومة واقترح أن ينضم بعض الشباب المقاوم إلى وزارة الخارجية الفلسطينية بعد أن تصبح السياسة الخارجية مرآة للعقيدة العامة للشعب الفلسطيني وهناك نقطة أخرى ملتبسة على الجميع وهى أن المقاومة تنتقد السلطة في استمرار التفاوض مع إسرائيل رغم وضوح الخط الإسرائيلي الذي يعتبر المفاوضات للمفاوضات. الواقع أن التناقض ليس بين المقاومة والمفاوضات ذلك أن المفاوضات هي الوسيلة الوحيدة في نهاية المطاف لتسوية القضية فالمفاوضات وسيلة وليست غاية كما اعتبرتها إسرائيل غاية في ذاتها ولذلك تبحث إسرائيل في استئناف المفاوضات مع الجانب الفلسطيني لتحقيق هذف واحد وهو توقيع الممثل الفلسطيني على وثيقة تسليم فلسطين لليهود وأظن أن المسألة تحتاج إلى وقت طويل خصوصا وأن المقاومة تستبعد هذا الاحتمال. هذا الموضوع يذكرنا بالنموذج الفيتنامي حيث كانت المقاومة هي التي تفاوض الأمريكيين ولم يكن هناك انقسام بين صفوف الفيتناميين ولذلك انتصرت المقاومة وجعلت هم المفاوض الأمريكي اخراج القوات الأمريكية من هذه الورطة ولذلك كوفيء كيسنجر لجهوده في المفاوضات السرية لخمس سنوات في باريس بجائزة نوبل للسلام كما حظى بتقدير الأمة الأمريكية وتفرغ بعدها لتوريط السادات عام 1973 لصالح إسرائيل حتى خلال الحرب حيث أشرف شخصيا على الثغرة وعلى مفاوضات فك الاشتباك المعروفة بمفاوضات الكيلو 101 التي خيرت مصر بين ابادة الجيش الثاني الميداني المحاصر وبين توقيع الاتفاق للانسحاب من المساحات التي تقدمت فيها القوات المصرية في ذلك الوقت. والخلاصة ان المطلوب هو وضع سياسة خارجية تعتمد المقاومة كورقة قوة في المفاوضات وتنشئة جيل من الدبلوماسيين علي ذلك. كاتب مصري

المصدر: رأي اليوم

كلمات دلالية: الخارجیة الفلسطینیة ذلک أن

إقرأ أيضاً:

هل أصبح المقاومون مرتزقة ودواعش؟!

هناك سؤالٌ كبير يطرح نفسه بقوّة منذ أن شرعت الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية في حملتها الشرسة ضدّ المقاومة في جنين إلى حدّ الساعة، وهو: ما الذي تجنيه السلطة من هذه الحملة المشبوهة التي لا تخدم إلا أجندة الاحتلال؟!

في العقود الثّلاثة الماضية، كانت السلطة الفلسطينية تمنع أيّ عمل مقاوِم في الضفة الغربية، بذريعة أنّها تُفاوض الاحتلال على دولة فلسطينية مستقلة على حدود 4 جوان 1967، أمّا الآن وقد توقّفت المفاوضات نهائيًّا، وانهار مسلسل “السّلام” الكاذب، وأكّد الاحتلال مرارا رفض قيام أيّ دولة فلسطينية ولو كانت منزوعة السلاح، فلماذا تصرّ السلطة الفلسطينية على محاربة المقاومة في الضّفة نيابة عن الاحتلال؟!

الاحتمالُ الأرجح هو أنّ السلطة تريد أن تُثبت للاحتلال وأمريكا أنّها لا تزال موجودة وتسيطر على الأوضاع في الضفة الغربية أملا في أن يمنحاها دورا في غزة بعد نهاية الحرب، لذلك قامت بهذا الهجوم الكاسح على مخيّم جنين وحاصرت عشرات المقاومين هناك، لتصفيتهم أو نزع سلاحهم واعتقالهم، وقد قتلت إلى حدّ الساعة ثلاثة منهم وفي مقدّمتهم قائد كتيبة جنين، يزيد جعايصة، الذي يطارده جيش الاحتلال منذ 4 سنوات كاملة ولم يستطع الوصول إليه، فوصلت إليه هذه الأجهزة واغتالته!

منذ 7 أكتوبر 2023 إلى اليوم، قتلت أجهزة السلطة 13 مقاوما بالضفة الغربية واعتقلت 150 آخر، أغلبهم مطارَدون ومطلوبون للكيان، كما قام الاحتلال باغتيال العديد من المقاومين الذين طاردتهم أجهزة السلطة وفشلت في اغتيالهم أو اعتقالهم ومنهم “أبو شجاع” في طولكرم، أليس هذا تكاملا بين الطرفين، يؤكّد أنّ أجهزة هذه السلطة أصبحت ذراعا أمنيّا للاحتلال وتؤدّي دورا لا يختلف عن “جيش لحد” المنهار في جنوب لبنان؟! ألا تدرك السلطة أنّها بهذا الدور المخزي تريد تأبيد احتلال فلسطين وتصفية قضيّتها؟!

والمُثير للاشمئزاز أكثر أن يظهر أحد قادة هذه الأجهزة في قناة عربية، ويقول إنّ هدف الحملة في جنين هو “محاربة المرتزقة والمأجورين والدواعش الذين يعملون لصالح أجندات إقليمية ويريدون تحويل الضّفة إلى غزّة ثانية؟!”.. أليس من العار أن يُهاجَم المقاومون بهذا الحقد والكراهية ويوصَفون بـ”المرتزقة” و”المأجورين” و”الدواعش” وهم الذين يبذلون دماءهم رخيصة في سبيل تحرير فلسطين والأقصى؟!
كأنّها تقول له: أنهِ ما بدأته في غزة، أمّا المقاومة في الضِّفة فسنريحك من عبئها
لو كانت هذه السُّلطة تعقل، لدفعتها المجازر الوحشية التي يرتكبها الاحتلال في غزة وتدمير بنيتها التحتية منذ أزيد من 14 شهرا، وحملات التجويع والتهجير والتطهير العرقي لسكّانها، فضلا عن انهيار مسلسل “السّلام” معه بعد 31 سنة كاملة من اتّفاق أوسلو، إلى التوبة والعودة إلى أحضان شعبها ودعم مقاومته الشريفة في الضِّفة، لكنّها للأسف فقدت كلّ قيم الوطنية والعروبة والشهامة والإحساس بالعزّة والكرامة، وانبطحت تماما للاحتلال وخنعت.

وبدل أن توجِّه سلاح 60 ألفًا من عناصرها الأمنية للدفاع عن الفلسطينيين بالضّفة ضدّ الانتهاكات اليومية للاحتلال وقطعان مستوطنيه، آثرت أن تتحوّل إلى ظهير له، تكمل ما عجز عنه في شتى معاقل المقاومة هناك، وكأنّها تقول له: أنهِ ما بدأته في غزة، أمّا المقاومة في الضِّفة فسنريحك من عبئها!

يكفي هذه السُّلطة خزيًا ما كشفه موقع “أكسيوس” الأمريكي من أنّ بعض مسؤوليها أطلعوا مسبقا إدارة الرئيس بايدن ومستشاري ترامب، على عملية جنين، وأنّ المنسّق الأمني الأمريكي، مايك فنزل، اجتمع بقادة أمن السُّلطة قبل العملية لـ”مراجعة خططهم”، وبعدها طلبت الولايات المتحدة من الكيان السَّماح لها بتزويدهم بالمُعدّات والذخائر، لإنجاز “مَهمّتهم” هناك.

وقد كشفت صحيفة “هآرتس” العبرية أنّ الاحتلال سيقدّم لهم مُعدّات عسكرية متطوّرة وفي مقدّمتها أجهزة إبطال العبوّات الناسفة، إضافة إلى زيادة التنسيق الأمني بين الطرفين، ومع ذلك تسمّي السلطة هذه المهمة القذرة “حماية الوطن!”، وتُشيطن المقاومة الشريفة وتجرّمها، أيّ عار هذا؟!

السُّخط الشعبي ضدّ السلطة الفلسطينية يتنامى في الضِّفة، والمظاهرات تملأ الشوارع في جنين ونابلس وطولكرم ومعاقل أخرى، وحتى بعض عناصر الشرطة وقياديين من “فتح” بدأوا يتململون ويعارضون هذه الحملة الأمنية التي تتساوق مع المخططات الصهيونية والأمريكية، وبمرور الأيام قد يتحوّل التململ إلى رفض لمواجهة الأشقاء في مخيّم جنين، وحينها يصبح انهيارُ السلطة تحصيل حاصل؛ فحينما رفض الجيشُ السوري القتال، لم تستطع روسيا، القوة العظمى الثانية في العالم، إنقاذ نظام الأسد وانهار في ظرف 12 يوما فقط، فعلى السلطة أن تعتبر وتعود إلى أحضان شعبها بدل الاستقواء الأجوف بأعداء الأمّة والبشرية: أمريكا والاحتلال.

الشروق الجزائرية

مقالات مشابهة

  • متى كانت الخصومة في عرفنا الفلسطيني مبنيّة على الغلظة والشدّة ضد المقاومين؟!
  • مقاومة مخيم جنين توجه رسالة للشعب الفلسطيني "نعم نحن خارجون عن القانون"
  • حماس تدين انتهاكات السلطة الفلسطينية وخطاب التحشيد المجتمعي ضد المقاومة
  • أمن السلطة الفلسطينية يداهم مناطق في جنين بحثا عن عناصر تابعة للمقاومة
  • هل أصبح المقاومون مرتزقة ودواعش؟!
  • السلطة الفلسطينية وخيار سموتريتش الثالث
  • المقاومة تحمل السلطة الفلسطينية المسؤولية عن محاصرة مخيم جنين
  • بلال الدوي: مصر الدولة الوحيدة التي أجبرت إسرائيل على السلام
  • مجلس الدولة يستنكر مطالبة الخارجية المغربية التنسيق مع حكومة الدبيبة لعقد الجلسات الحوارية مع البرلمان
  • معركة السلطة في جنين بين دعم أميركا ورضا إسرائيل