الجزيرة:
2025-01-25@01:11:07 GMT

جانب من مأزِق واشنطن في الحرب من صنع يدَيها

تاريخ النشر: 10th, November 2023 GMT

جانب من مأزِق واشنطن في الحرب من صنع يدَيها

مع أنَّ الدعم الكامل الذي تُبديه الولايات المتّحدة لإسرائيل – في الحرب الهمجيّة التي تشنّها منذ نحو شهر على قطاع غزّة- لا يُمكن تبريرُه من منظور أخلاقيّ أو حتّى من منظور سياسيّ واقعيّ للعلاقات الأميركية- الإسرائيلية، فإنّه لا يتناقض مع إحدى الحقائق التاريخيّة للصراع الفلسطينيّ- الإسرائيليّ، وهي أنَّ الدعم الحالي الذي تُقدمه إدارةُ الرئيس جو بايدن لإسرائيلَ مطبوعٌ في الحَمض النوويّ السياسيّ لبايدن على غرار أسلافه الأميركيّين السابقين.

مع ذلك، فإنّه على مرّ المنعطفات التاريخية في القضية الفلسطينية، نادرًا ما كانت الولايات المتحدة تجد نفسها عاجزةً إلى هذا الحدّ في ممارسة نفوذها وتأثيرها، كما هو الحال عليه في الحرب الراهنة. لقد مضت خمسة عقود على حرب أكتوبر التي بدت فيها واشنطن بمثل هذا العجز؛ عندما أدّى دعمها إسرائيلَ إلى فرض حظر نفطيّ عربيّ عليها. لا تواجه الولايات المتّحدة اليوم خطر التعرّض لحظر نفطي عربي آخر، لكنّها قد تواجه ما هو أسوأ من ذلك.

فمن جانب، وعلى الرغم من الإيحاءات التي يُرسلها المسؤولون الأميركيون بأنّهم يمارسون ما يكفي من الضغط على إسرائيل لحملها على تجنّب استهداف المدنيين في غزة، واحترام قواعد القانون الدوليّ والإنسانيّ في الحرب، فإنّه لا يوجد على أرض الواقع ما يُمكن أن يدفعنا لتصديق ذلك.

إنّ السياسة الأميركية في الحرب لا تؤدي فقط إلى زيادة عدوانية الحرب الإسرائيليّة تجاه الفلسطينيين، بل تعمل أيضًا على إضعاف فرص إنهاء هذه الحرب في أسرع وقت، وخلق آفاق جدية لتحويلها إلى فرصة لإعادة تنشيط عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين

إنَّ الطريقة الوحيدة التي تستطيع بها الولايات المتحدة إجبار إسرائيل على التوقّف عن ارتكاب المجازر اليومية بحقّ الفلسطينيين، الامتناعُ عن مواصلة تزويدها بالأسلحة، وليس إعطاء النصائح لها، وهذا ما لا يُمكن توقّعه بأي حال من أي إدارة أميركية.

مع ذلك، فإنَّ الموقف الأميركيّ، اليوم، يُجسّد سنوات طويلة من الفشل في إدارة الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي. لعقود، كانت الولايات المتحدة عاجزةً عن ممارسة نفوذها على إسرائيل من أجل دفعها إلى قَبول حلّ الدولتَين، وأيضًا ردعها عن مواصلة الاستيطان. رغم أنّ إدارة الرئيس السابق باراك أوباما يُسجل لها دفع مجلس الأمن الدوليّ في عام 2016 إلى إصدار قرار يحثّ على إنهاء المستوطنات الإسرائيليّة في الأراضي الفلسطينية، فإنَّ خلفه دونالد ترامب أوغل بعد ذلك في تشجيع العدوانيّة الإسرائيلية من خلال الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وبالسيادة الإسرائيلية على الجولان السوريّ المحتل، وتسويق مشروع صفقة القرن لتصفية القضية الفلسطينيّة تمامًا.

من جانب آخر، يُعمق الموقف الأميركيّ في الحرب من مأزِق علاقات الولايات المتحدة مع دول المنطقة ومصداقيّتها كقوّة عالمية قادرة على إحداث استقرار في الشرق الأوسط. لقد أمضى وزير الخارجية الأميركيّ أنتوني بلينكن في جولته الأخيرة للمنطقة ساعات طويلة من المحادثات مع نظرائه من بعض الدول العربية في العاصمة الأردنية عمّان من أجل الحصول على تأييدهم لمقترح فرض "هدنة إنسانية" في قطاع غزّة، وهو مقترح مُصمم لتخفيف الضغط العالمي على إسرائيل، مع عدم تكبيل آلتها العسكريّة في مواصلة القتل في غزّة.

كما سعى إلى تسويق مشروع أميركيّ لدفع الدول العربيّة إلى الانخراط في مشروع إدارة غزّة بعد القضاء المفترض على حركة حماس، وهو مُقترح مُصمّم أيضًا من منظور أميركي ـ إسرائيليّ لدفع دول المنطقة إلى الانخراط في مشروع إخراج غزّة من المعادلة العسكرية للصراع.

إنّ السياسة الأميركية في الحرب لا تؤدي فقط إلى زيادة عدوانية الحرب الإسرائيليّة تجاه الفلسطينيين، بل تعمل أيضًا على إضعاف فرص إنهاء هذه الحرب في أسرع وقت، وخلق آفاق جدية لتحويلها إلى فرصة لإعادة تنشيط عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، والنظر إلى الأسباب الجوهرية العميقة التي أدّت لهذا الانفجار، والتي تتمثل بالسياسات الإسرائيلية العدوانية التي قوّضت فرص السلام.

إنَّ المقترحات الأميركيَّة- على غرار "الهدن الإنسانيّة"، وإيجاد ترتيب لغزّة بعد حماس، علاوة على أنّها مُصممة لمساعدة إسرائيل في مواصلة حربها على غزة بضغط إقليميّ ودوليّ أقلّ- تُظهر كيف أنَّ الولايات المتّحدة عاجزة عن بلورة رؤية فعَّالة قادرة على التعامل مع الأسباب الجوهرية العميقة لهذا الانفجار.

رغم أن الولايات المتحدة تُحمّل حركة حماس مسؤولية الحرب، فإنّ الأخيرة طرحت الرؤية التي كان ينبغي على الأميركيين منذ فترة طويلة طرحها، وهي السلام على أساس حلّ الدولتين. وإذا كان هناك من فرصة يُمكن لواشنطن من خلالها إعادة تنشيط حل الدولتَين، فإنَّ الفضل في ذلك يعود للصدمة التي أحدثتها حركة حماس في عملية "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر. على مدى العقود الماضية، فشلت الولايات المتحدة في رعاية عملية سلام جدّية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وحرب أكتوبر الجديدة لم تكن سوى إحدى نتائج هذا الفشل.

هذه الحرب- بقدر ما تُشكل تحديات كبيرة إضافية على السياسة الأميركيّة في الصراع، وعلى المصالح الأميركية في الشرق الأوسط – تُشكل فرصة لواشنطن للتعويض عن عقود من فشلها والضغط على إسرائيل للدخول في عملية سلام حقيقية مع الفلسطينيين.

حتَّى قبل اندلاع الحرب، كانت الولايات المتحدة تواجه صعوبات في إظهار مكانتها القوية في الشرق الأوسط؛ بفعل تراجع علاقاتها مع حلفائها الأساسيين، مثل: السعودية، وتركيا وجزئيًا إسرائيل. وكانت تسعى إلى التوسّط في صفقة تاريخية بين إسرائيل والسعودية، وإيجاد بعض التفاهمات مع إيران للحدّ من البرنامج النووي الإيراني.

لم يعد بالإمكان الآن تصوّر أنَّ شرقًا أوسطَ أكثر استقرارًا سيواصل النمو. بالإضافة إلى ذلك، تجد روسيا والصين في مأزِق الولايات المتحدة- في الموازنة بين دعم إسرائيل، وعدم الإضرار بمكانتها في الشرق الأوسط – فرصةً لتعميق نفوذهما في المنطقة. مع ذلك، يُمكن لهذه الحرب أن تؤدي في نهاية المطاف إلى تعزيز الدور الحاسم الذي تلعبه الولايات المتحدة في المنطقة، إذا ما استطاعت النظر إلى ما هو أبعد من حسابات بنيامين نتنياهو في الحرب.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معناأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinerssجميع الحقوق محفوظة © 2023 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: الولایات المتحدة فی الشرق الأوسط على إسرائیل فی الحرب ة التی

إقرأ أيضاً:

غزة بعد الإبادة.. هل تشهد بداية من إعادة الأمل والبناء؟

بعد 15 شهرًا من الحرب التي دمرت غزة إنسانيًا ومدنيًا وبشريًا، تأتي الهدنة كبصيص أمل لبدء مرحلة جديدة من إعادة الإعمار. 

وهذه المرحلة لا تقتصر على البناء المدني فقط، بل تمتد لتشمل إعادة تأهيل البنية النفسية والاجتماعية لسكان القطاع، الذين عانوا من ويلات الحرب وآثارها المدمرة. 

ومع حجم الدمار الهائل في البنية التحتية والمنشآت الحيوية، فضلاً عن التداعيات النفسية العميقة على الأطفال والعائلات، تبدو عملية الإعمار بمثابة تحدٍ إنساني كبير يتطلب جهوداً متكاملة محلياً ودولياً لإعادة الحياة والأمل إلى غزة.

محمد جودةإعادة إعمار غزة.. تحديات وآفاق

من جانبه، قال الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني، محمد جودة، إن توقف الإبادة في قطاع غزة يمثل بداية لمرحلة جديدة، تهدف إلى إنهاء معاناة الشعب الفلسطيني والبدء في عملية إعادة البناء والتعافي. 

وأضاف في تصريحات لـ “صدى البلد”، أن الأولوية العاجلة تكمن في توفير الإغاثة الإنسانية، بما يشمل الغذاء، المياه النظيفة، والأدوية، إلى جانب إعادة تشغيل المستشفيات والمراكز الصحية. 

وأوضح أن توفير مساكن مؤقتة للنازحين يمثل تحدياً ملحاً، مع أهمية التأهيل النفسي للأطفال والنساء الذين عانوا من ويلات الحرب.

وأشار جودة إلى أن إعادة بناء البنية التحتية تعد من الأولويات الكبرى، بما في ذلك شبكات الكهرباء والمياه، والصرف الصحي، إضافة إلى إعادة تشغيل وتأهيل المدارس لضمان استئناف العملية التعليمية. 

وأكد أن نجاح هذه الجهود يتطلب تنسيقاً دولياً مشتركاً، بقيادة الأمم المتحدة ومنظماتها مثل برنامج الأغذية العالمي ووكالة الأونروا، إلى جانب دور حيوي للدول الداعمة كقطر ومصر، مع إشراف السلطة الفلسطينية على الجهود الدولية.

واختتم بتأكيد أهمية تشكيل لجنة دولية لضمان شفافية إدارة التمويل، مشدداً على دور مصر المحوري في تحقيق التوازن بين الأطراف المعنية وإعادة الأمل لسكان القطاع.

مقالات مشابهة

  • الأمم المتحدة تندّد باستخدام إسرائيل "أساليب الحرب" في الضفة الغربية المحتلة  
  • إعلام عبري: حالة انتظار عصيبة في إسرائيل لقوائم الأسرى التي ستعلنها “حماس”
  • إسرائيل تطلب من واشنطن تأجيل انسحابها من جنوب لبنان
  • بعد تهديد ترامب لروسيا.. الكرملين: مستعدون لحوار قائم على المساواة مع واشنطن
  • الرئاسة الروسية : موسكو مستعدة لحوار متكافئ مع الولايات المتحدة
  • محلل سياسي: الولايات المتحدة وروسيا تسعيان للوصول إلى تسوية نهائية للصراع الحالي
  • أرقام صادمة لعدد الحواجز والبوابات التي تحاصر الفلسطينيين في الضفة
  • وزير الأمن الإيراني: الولايات المتحدة ستمارس ضغوطا علينا للتصالح مع إسرائيل
  • بكين: لا فائز في الحروب التجارية بين الولايات المتحدة والصين
  • غزة بعد الإبادة.. هل تشهد بداية من إعادة الأمل والبناء؟