في خضم حرب أكتوبر1973 بين إسرائيل وتحالف من الدول العربية بقيادة مصر وسوريا، مدَّ وزير الخارجية هنري كيسنجر آنذاك يد العون من أجل التفاوض لإنهاء الصراع، ثم أبرمَ صفقة دبلوماسية تاريخية بين مصر وإسرائيل بشَّرت بحقبة من الاستقرار النسبي وما تلا ذلك من سلام أمريكي في الشرق الأوسط.

قد تكون الولايات المتحدة في وضع يشبه إلى حدٍ كبير حرب عام 1973







وعوَّل النجاح الدبلوماسيّ لكيسنجر على إيمانه بنهج تدريجي أصبح الفكرة المهيمنة في حياته المهنية.

وكان هدفه الإستراتيجي إخراج مصر من ساحة الصراع مع إسرائيل بدمجها في نظام شرق أوسطي جديد بقيادة الولايات المتحدة، وبذلك يمكنه عزل الدول العربية المتطرفة المدعومة من الاتحاد السوفيتي.
وسعيّاً لتحقيق هذه الأهداف الإستراتيجية، استطاع كيسنجر تقديم إمدادات طارئة من الأسلحة إلى إسرائيل في لحظة فارقة في الحرب، فساعد على قلب موازين الحرب لصالح إسرائيل. لكنه حرص على الحيلولة دون انتصار عسكري إسرائيلي كاسح، إذ تأكد من صمود الجيش المصري.
فلو كان النصر حليفاً لإسرائيل، لما كانت إسرائيل ولا مصر "لتتقبل الأدوار التي أراد كيسنجر أن تؤديها"، بحسب رأي السفير الأمريكي السابق لإسرائيل مارتن إنديك الذي أعرب عنه في كتابه "سيد اللعبة: هنري كيسنجر وفن دبلوماسية الشرق الأوسط".

 


ويواجه الرئيس الأمريكي جو بايدن بطريقةٍ ما واقعاً إستراتيجيّاً مماثلاً في الشرق الأوسط حاليّاً. في عام 1973، ذُهِلَ الإسرائيليون من الهجوم المفاجئ الذي شنه العرب ومثَّل لهم تهديداً وجوديّاً آنذاك من مصر وسوريا واليوم من حركة حماس التي حكمت قطاع غزة منذ عام 2007.
وأمدَّ الرئيس الأمريكي آنذاك ريتشارد نيكسون إسرائيل بالأسلحة التي تحتاج إليها للدفاع عن نفسها ضد أي تهديد، بل وجهَّز الأسلحة النووية الأمريكية بعد أن هدد الاتحاد السوفيتي بالتدخل في الحرب لإنقاذ مصر من هزيمة إسرائيلية.
وبالمثل أكَّدَ الرئيس بايدن مجدداً على الالتزام الأمريكي بالدفاع عن إسرائيل وأرسلَ مجموعتين من حاملات الطائرات إلى الشرق الأوسط لردع إيران ووكلائها عن التدخل في حرب غزة.
 
دعم مشروط


ولكن، كما في حرب 1973، فإن دعم أمريكا لإسرائيل ليس غير مشروط. فقد مارست إدارة بايدن ضغوطاً على إسرائيل لإدخال مساعدات إنسانية لقطاع غزة، وصرَّحت بأنها رغم دعمها لهدف إسرائيل المتمثل في هزيمة حماس، فهي تعارض أي خطة إسرائيلية لإعادة احتلال قطاع غزة.
فضلاً عن ذلك، واصل الأمريكيون أيضاً دعم فكرة إقامة دولة فلسطينية مُستقلة في الضفة الغربية وقطاع غزة تتعايش مع الدولة اليهودية فيما يُعرف بـ "حل الدولتين". ورغم دعم 35% من الإسرائيليين لهذه الفكرة، فإن الحكومة الإسرائيلية الحالية بقيادة حزب الليكود ترفضها.
ومن هذا المنطلق، قال د. ليون هدار محرر مساهم في مجلة "ناشونال إنترست"، وباحث أول في معهد أبحاث السياسة الخارجية في فيلادلفيا، في مقاله بموقع المجلة الأمريكية، قد تكون الولايات المتحدة في وضع يشبه إلى حدٍ كبير حرب عام 1973 يدعوها لتعزيز منهجية دبلوماسية خلّاقة في الشرق الأوسط. وقد يعتمد ذلك على القوة العسكرية الإسرائيلية واحتواء إيران، وفي الوقت عينه مساعدة الفلسطينيين على تحقيق استقلالهم السياسي وانتعاشهم الاقتصادي.


نحو إستراتيجية عربية إسرائيلية شاملة


ويمكن أن تكون هذه الخطة جزءاً من استراتيجية عربية إسرائيلية شاملة تتماشى إلى حدٍ كبير مع تلك التي اتبعتها واشنطن قبل 7 أكتوبر (تشرين الأول)، مما يمهد الطريق لتطبيع العلاقات بين العالم العربي والدولة اليهودية كجزءٍ من جهود احتواء تهديد إيران ووكلائها. وفي أعقاب حرب غزة، يمكن لواشنطن أن تروج لفكرة دمج كيان فلسطيني في الاستراتيجية العربية الإسرائيلية المتطورة.

 

Can U.S. Diplomacy Promote Peace in the Israel-Palestine War? https://t.co/myMuntY9RM

— Tarık Oğuzlu (@TarikOguzlu) November 10, 2023


وفي هذا السياق، يضيف الكاتب: "يمكن للسلطة الفلسطينية أن تحل محل حماس وتحكم غزة. والواقع أن قوة عسكرية متعددة الجنسيات بقيادة مصر والأردن قادرة على السيطرة على قطاع غزة، ربما بدعمٍ من قوات حفظ السلام التابعة للاتحاد الأوروبي بقيادة فرنسا وألمانيا".
وأشار إلى أن هذه العملية قد تستغرق عدة سنوات. ويمكن للقوى المعنيَّة أن تحدد موعداً لإجراء انتخابات حرة في الضفة الغربية وغزة بعد ثلاث سنوات من الآن مثلاً بعد إعادة الإعمار الاقتصادي لقطاع غزة التي يمكن أن تخلق الظروف المواتية لتحويل هذه المنطقة إلى منتجع سياحي ومركز تجاري.
على كل حال، تم التوقيع على الاتفاقية المصرية الإسرائيلية النهائية في عام 1977. وهذه المرة سيكون الاتفاق مستنداً إلى أجندة ورؤية للسلام تقدمهما الولايات المتحدة لدولة إسرائيلية وأخرى فلسطينية، وسيُدمَج في شراكة عربية إسرائيلية تدعمها الولايات المتحدة.
واختتم الكاتب مقاله بالتساؤل: هل من الممكن بعد عقود من القتال وسفك الدماء أن يصيب الإنهاك الفلسطينيين والإسرائيليين، ويمسوا مستعدين لأن يسلكوا درب السلام؟ من الممكن أن تُخضع واشنطن هذه الفكرة إلى التجربة على الأقل.
 
 

 

المصدر: موقع 24

كلمات دلالية: التغير المناخي محاكمة ترامب أحداث السودان سلطان النيادي مانشستر سيتي غزة وإسرائيل الحرب الأوكرانية عام الاستدامة غزة وإسرائيل الولایات المتحدة الشرق الأوسط

إقرأ أيضاً:

حلم يسعى التوحيديون لتحقيقه.. هل يمكن أن تكون بورتوريكو جزءا من إسبانيا؟

يتأرجح النقاش السائد حول الوضع السياسي لبورتوريكو بين الضم إلى الولايات المتحدة والاستقلال، هناك أقلية صغيرة تريد عودة الجزيرة الكاريبية إلى الحكم الإسباني

اعلان

يقول حزب أديلانتي ريونيفيكاسيونيستاس (Adelante Reunificacionistas) أو "التوحيديون" أن 16.3% من سكان بورتوريكو يؤيدون فكرة أن يصبحوا مجتمعاً إسبانياً مستقلاً.

و Adelante Reunificacacionistas هو اسم أول حزب سياسي في بورتوريكو يريد الابتعاد عن الولايات المتحدة والسعي إلى إعادة التوحيد مع إسبانيا.

في 20 يونيو، وأمام لجنة إنهاء الاستعمار التابعة للأمم المتحدة، عرضت السياسية أنيت فالكون حجج حزبها، مؤكدةً "نريد العودة إلى إسبانيا للحفاظ على ثقافتنا ولغتنا وعاداتنا".

Publicación de Adelante Reunificaciones en X.

وأضاف فالكون: "نحن نؤمن بقوة بحل إعادة توحيد متفق عليه بين الولايات المتحدة وإسبانيا وبورتوريكو".

استفتاء على الولايات المتحدة في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل

يوم الاثنين، دعا حاكم بورتوريكو، بيدرو بيرلويسي، إلى إجراء استفتاء في 5 نوفمبر/تشرين الثاني، وهو نفس يوم الانتخابات العامة، حيث سيصوتون على وضعهم السياسي حيال الولايات المتحدة.

وعلى الرغم من عدم وجود أرقام رسمية عن الدعم للحركة الجديدة، إلا أن حزب "أديلانتي ريونيفيكاسيونستاس" يقول إن 16.3% من سكان بورتوريكو يؤيدون فكرة أن يصبحوا مجتمعاً إسبانياً مستقلاً.

وقد أعلن الحاكم بيدرو بيرلويزي يوم الاثنين أن الوضع السياسي لبورتوريكو سيكون مطروحاً على بطاقة الاقتراع في الانتخابات العامة في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، وللمرة الأولى لن يكون الوضع الحالي للجزيرة كإقليم تابع للولايات المتحدة خياراً في الاستفتاء غير الملزم.

وسيختار الناخبون في الجزيرة التي يبلغ تعداد سكانها 3.2 مليون نسمة بين إقامة الدولة أو الاستقلال أو الاستقلال مع الارتباط الحر، وسيتم التفاوض على شروطه فيما يتعلق بالشؤون الخارجية والجنسية الأمريكية واستخدام الدولار الأمريكي.

وقال بيرلويزي: "بهذه الطريقة، نؤكد حقوقنا كمواطنين أمريكيين في المطالبة بتقرير مصيرنا من خلال التصويت المباشر دون وسطاء ومطالبة الحكومة الفيدرالية بمعالجة المظلمة التي يمثلها وضعنا الاستعماري".

شارك هذا المقالمحادثة مواضيع إضافية من المجر إلى هولندا.. هل يؤدي توسع نفوذ اليمين الراديكالي في أوروبا إلى التأثير على قرارات الاتحاد؟ مصر: حكومة جديدة تؤدي اليمين الدستورية وتغيير في حقائب وزارية سيادية بينها الدفاع والخارجية شاهد: الإعصار فيونا يزحف صوب بويرتوريكو الأمريكية ويقطع الكهرباء عن ثلث الجزيرة استفتاء بورتوريكو إسبانيا الولايات المتحدة الأمريكية الكاريبي اعلاناخترنا لك يعرض الآن Next مباشر. حرب غزة: قصف جوي على وسط القطاع واشتباكات في رفح والشجاعية ومقتل جندي بعملية طعن في الجليل يعرض الآن Next توقعات بعودة حزب العمال إلى السلطة في بريطانيا بعد غياب 14 عاما يعرض الآن Next أيها المشتاق صبرا! أفضل مطعم في العالم لديه قائمة انتظار لمدة عام يعرض الآن Next مصر: حكومة جديدة تؤدي اليمين الدستورية وتغيير في حقائب وزارية سيادية بينها الدفاع والخارجية يعرض الآن Next الاتحاد الأوروبي لكرة القدم يحقق مع لاعب تركيا مريح ديميرال بسبب "إشارة قومية" بعد هدف بمرمى النمسا اعلانالاكثر قراءة من السجن إلى ساحة المعركة.. أوكرانيا تجنّد السجناء وسط نقص المقاتلين حكومة جديدة في هولندا رئيسها رجل الاستخبارات الأول ووزراؤها من اليمين المتطرف ومهمتها تقييد الهجرة شاهد: عاصفة قوية من البرد والريح العاتية تقتل شحصين وتدمر منازل وبنى تحتية في كرواتيا تجربة فريدة من نوعها.. تعرّف على القطار الألماني المعلّق في الهواء ماكرون.. جاء باسم الوسطية فغيّر المشهد السياسي الفرنسي برمّته اعلان

LoaderSearchابحث مفاتيح اليوم الانتخابات الأوروبية 2024 غزة الشرق الأوسط إسبانيا هولندا إسرائيل حركة حماس الانتخابات التشريعية الفرنسية 2024 الهندوسية بنيامين نتنياهو سعر الفائدة لاهاي Themes My Europeالعالمأعمالالسياسة الأوروبيةGreenNextالصحةسفرثقافةفيديوبرامج Services مباشرنشرة الأخبارالطقسجدول زمنيتابعوناAppsMessaging appsWidgets & ServicesAfricanews Job offers from Amply عرض المزيد About EuronewsCommercial Servicesتقارير أوروبيةTerms and ConditionsCookie Policyتعديل خيارات ملفات الارتباطسياسة الخصوصيةContactPress OfficeWork at Euronewsتابعوناالنشرة الإخباريةCopyright © euronews 2024 - العربية EnglishFrançaisDeutschItalianoEspañolPortuguêsРусскийTürkçeΕλληνικάMagyarفارسیالعربيةShqipRomânăქართულიбългарскиSrpski

مقالات مشابهة

  • السيرة الذاتية للدكتور محمد عبد اللطيف وزير التربية والتعليم
  • حلم يسعى التوحيديون لتحقيقه.. هل يمكن أن تكون بورتوريكو جزءا من إسبانيا؟
  • العثور على 22 نوعا من الميكروبات في ثلث أحبار الوشم الشائعة في الولايات المتحدة
  • هاريس تتهرب من الإجابة على سؤال حول استعدادها لقيادة الولايات المتحدة بدلا من بايدن
  • تحجيم الصين: المقاربة الأمريكية “الجديدة” لإدارة العلاقة مع الحلفاء الأفارقة
  • نيجيريا: الولايات المتحدة والأمم المتحدة تدينان "الهجمات المروعة" في بورنو
  • من الحروب التجارية إلى الذكاء الاصطناعي: المنافسة الأمريكية- الصينية
  • أمريكا وإسرائيل.. حكاية حبّ يجب أن تُروى.. في السياسة لا بدّ من الإيضاح
  • حرب ضروس قد تلتهم الشرق الأوسط
  • تقرير أمريكي يكشف عجز قدرات واشنطن البحرية