أثير- تاريخ عمان 

إعداد: د. محمد بن حمد العريمي

نظرًا لموقعها التجاري المهم؛ فقد كانت عمان خلال القرون الأخيرة بؤرة جذب للعديد من التجّار، ومحل تنافس بين الدول الكبرى وبالأخص بريطانيا وفرنسا للحصول على بعض الامتيازات التي يوفرها موقع عمان وأهميتها.

وتعد تجارة السلاح من النشاطات التجارية القديمة التي عرفتها الموانئ العمانية، والتي برزت بصورة واضحة منذ نهاية القرن التاسع عشر، وبالأخص بعد حظر تجارة الرقيق، ومؤتمر بروكسل 1890، وذروة الصراع البريطاني الفرنسي، لذا فقد عرفت مسقط عددًا من الوكالات والتجّار من مختلف الجنسيات.

“أثير” تقترب في هذا التقرير من نشاط تجارة السلاح في مسقط خلال مطلع القرن العشرين، وأبرز العوامل التي جعلت مسقط مركزًا مهمًا لتلك التجارة، وأبرز تجّار السلاح والوكالات العاملة بها، كما سيتم تسليط الضوء على أحد أبرز الشخصيات الأجنبية التي ارتبطت بهذه التجارة خلال فترة إقامته في عُمان. كما ستقترب من جوانب أخرى في شخصيته، ألا وهو التاجر الفرنسي المسيو أنطوان جوجير.

تجارة السلاح في مسقط:

نتيجة للحظر الذي أصدره شاه فارس على تجارة السلاح في بلاده عام 1881، وعلى إثر قرارات مؤتمر بروكسل التي حظرت تجارة السلاح على الساحل الشرقي لإفريقيا عام 1890، انتقلت تجارة السلاح من المنطقتين المذكورتين إلى مسقط التي أصبحت من أكبر أسواق السلاح في المنطقة، ففي عام 1891 شكَل دخل مسقط من الأسلحة أكثر من ربع قيمة مستورداتها البالغة حوالي أربعة ملايين روبية.

ويذكر الباحث الدكتور إسماعيل الزدجالي أن تجارة السلاح في مسقط نشطت خلال الربع الأخير من القرن التاسع عشر الميلادي والربع الأول من القرن العشرين، مما أسهم في إنعاش الاقتصاد العماني الذي عانى من الركود بعد تقسيم الدولة العمانية إثر وفاة السيد سعيد بن سلطان عام 1856م، وفقًا لتحكيم كاننج عام 1861م، وعدّ الاتجار بالسلاح مصدرًا رئيسًا لحصول البلاد على السيولة النقدية.

ويشير الباحث الدكتور محمد بن حمد الشعيلي إلى عدد من العوامل التي أسهمت في أن تصبح مسقط من أهم مراكز السلاح في الخليج العربي، من بينها: موقعها على مدخل الخليج، وقيام بعض سفن أهالي مسقط وصور برفع الأعلام الفرنسية على سفنهم، وبالتالي عدم تمكن الأسطول البريطاني من اعتراض تلك السفن أو تفتيشها، بالإضافة إلى انكماش وتقلص السوق الإفريقية بموجب قرارات بروكسل الصادرة في 2 يوليو 1890م، والحظر المفروض على تجارة الرقيق، وانكماش تجارة التمور، الأمر الذي جعل البعض يبحث عن تجارة جديدة لتعويض الخسائر التي لحقت بالسوق نتيجة الحظر والانكماش، لذا غدت مسقط أكبر سوق للسلاح في الشرق الأوسط، وبلغ دخلها عام 1891م حوالي أربعة ملايين روبية، ووصلت حصة السلطان من أرباح هذه التجارة إلى حوالي 30%.

وعلى الرغم من أن تجارة السلاح في مسقط بدأت متأخرة، إلا أنها ظلّت تتصاعد إلى حدٍ خطير، وقد استمر تدفّق الأسلحة من زنجبار إلى مسقط في تزايد، وخلال الفترة ما بين أبريل ويونيو من عام 1892م، قدّر عدد الأسلحة النارية التي أنزلت إلى ميناء مسقط بما لا يقل عن (11.500) قطعة.

وبحسب لوريمر، كانت الأسلحة البريطانية والفرنسية المنشأ تُشحن من مسقط إلى إمارات ساحل عمان والبحرين وقطر والكويت، أو تُهرّب إلى الأقاليم الإيرانية والتركية في الخليج مخبأة في صناديق البضائع والحلوى أو الليمون الجاف، في حين كان بعضها يُرسل إلى الموانئ الصغيرة على البحر الأحمر حيث لا يوجد دور للجمارك.

أبرز تجّار السلاح:

يشير الباحثان الشعيلي والزدجالي إلى عدد من أهم الشركات التي تعاملت بتجارة السلاح وافتتحت لها وكالات تجارية في مسقط؛ وهي شركة فرانسيس تايمز وهي شركة بريطانية فارسية أنشأت وكالة لها في بوشهر عام 1887م ثم توسعت أعمالها في أنحاء الخليج، فافتتحت وكالة لها في مسقط، وحققت أرباحًا كبيرة قدّرت في منتصف عام 1897 بحوالي 40000 جنيه إسترليني، وشركة أم أم بايجوت، وشركة كيفوركن، وشركة لويس ديو ووكيلها ميناشي، وشركة مالكوم، ومؤسسة أوديسا التابعة لشركة كيفركوف وشركاه، ومؤسسة جيبوتي التابعة لشركة بيجوت، وشركة فيلد رايفل.

أما عن أبرز تجار السلاح في مسقط فمنهم الفرنسيان جبرائيل، كاركالا، ومن التجار الهنود: رانتسي برشوتايم، جيولجي والجي، كيمجي رامداس، داموهاد درامسي، ومن التجار الفرس تاجر يدعى مشهدي، وهناك التاجر الأفغاني حجي عرب وكان يقيم في بندر عباس وفتح 3 محال لبيع السلاح في مسقط، أما التجار العرب فمنهم علي موسى خان، ويوسف الزواوي، وإبراهيم ومنصور الباز، وغالب بن نجف.

ويذكر نبيل الربيعي في كتابه (تاريخ يهود الخليج) أنه كان هناك تاجر سلاح يهودي يأتي من البصرة إلى مسقط منذ عام 1907م لمتابعة تجارته هناك، مما جعل السلطات البريطانية تراقبه وتتابع تحركاته، وكان هذا التاجر اليهودي الذي لم تذكر المصادر اسمه، يتعامل مع عدد من وكالات تجارة السلاح في مسقط وبخاصة وكالة يوسف الزواوي. كما عمل تاجر يهودي فرنسي لديه شركة في باريس في مجال تجارة السلاح في الخليج العربي يدعى منشي، كوكيل لشركة لويس ديو الفرنسية منذ عام 1912م.

ولعل الربيعي يقصد بهذه الشخصية العراقية؛ إبراهيم الباز أحد أفراد أسرة الباز التي ارتبط بها المسيو جوجيه وعمل بعضهم معه وبخاصة منصور بن إبراهيم الباز، وكان إبراهيم يمتلك أكثر من سفينة من بينها: مصفي، وفتح الخير التي اعترضتها السفن البريطانية في طريقها إلى الكويت، وإن كنّا لا نجزم بدقّة المعلومات عن أصل أسرة الباز، علمًا بأن الوثائق البريطانية تشير إلى أن هذه الأسرة من أصول جزائرية.

خريطة توضح مراكز تجارة الأسلحة في مسقط. مكتبة قطر الرقمية

ومن أبرز تجّار السلاح الأجانب الذين برزوا خلال تلك الفترة، وأثاروا الجدل بتصرفاتهم؛ التاجر الفرنسي المسيو أنطوان جوجير، الذي عاش خلال الفترة من 1846-1909م واستقر في مسقط لمدة عشر سنوات خلال الفترة من عام مارس 1899 حتى وفاته في أكتوبر عام 1909م، وكان بالإضافة إلى كونه تاجر سلاح؛ سياسيًا، وكاتبًا، ومستشرقًا، وصاحب مشروع اقتصادي.

المسيو أنطوان جوجير:

يعد التاجر الفرنسي أنطوان جوجير من أهم تجّار السلاح في مسقط، خصوصًا بعد أن تمكّن من إقامة مخزن يتعاطى فيه تجارة السلاح، ومن هناك كان يبعث بالسفن التابعة له والتي ترفع العلم الفرنسي.

ورد اسمه في المصادر الحديثة بأكثر من اسم مثل غوغيه، وغوغي، وجوجييه، وجوجير، وهو من مواليد منطقة دون لو بالستال بتاريخ 19 أبريل 1846م، وعمل جوجير كمترجم في المحاكم التونسية، وكاتبًا صحفيًا في عدد من الصحف العربية والفرنسية المعارضة للسياسة الفرنسية الاستعمارية، فاضطرت السلطات الفرنسية في تونس إلى إبعاده من تونس، فانتقل إلى الصومال ثم إثيوبيا، وكان يموّن سكّانها بالسلاح لمواجهة البريطانيّين، وقد أمر القنصل الفرنسي في الحبشة، مسيو لاجارد بحبسه، فسجن ثم رحّل من هذه البلاد، لينقل نشاطه بعد ذلك إلى البحرين التي جاء إليها بصفته وكيلًا لشركة مجوهرات فرنسيّة عرفت باسم “انتوجسن”، ومن خلالها كانت له صلات مع الوكلاء السعوديين الذين ناقش معهم إمكانات نجد للحصول على الحماية الفرنسية.

وفي عام ١٨٩٩م وصل أوتافي إلى درجة قنصل واتخذ من جوجير الذي كان يتاجر بالأسلحة بمنأى عن التدخل البريطاني لأنه يجلب الأسلحة على متن سفن ترفع العلم الفرنسي، مساعدا له، وكان جوجير يقيم في مسقط التي وصلها سنة 1899م، وأقام فيها مركزا لتجارة الأسلحة واستطاع أن يوثق صلته بالتجار الهنود وأن يقنعهم بأن يجلب لهم ما يحتاجونه من الأسلحة ويوفر لهم الحماية من تفتيش السفن الحربية البريطانية، وطلب منهم دفع ١% من قيمة البضاعة المراد شراؤها كمقدمة، وأن يتعهدوا بإعطائه ٢٥ % من الفوائد التي يحصلون عليها فيما بعد.

وفي الواقع، يعد جوجير من أنشط تجّار السلاح الفرنسيين وأكثرهم دهاء، فقد أعلن مرارًا في عُمان بأن بريطانيا لا تستطيع أن تتدخل في عملياته التجارية لأنه يأتي بالسلاح إلى عمان في سفن تحمل العلم الفرنسي، وقد شكا الماركيز البريطاني لانسدون منذ أكتوبر عام 1903م للحكومة الفرنسية من جوجير مطالبًا بإبعاده عن عُمان، إلا أن محاولاته باءت بالفشل بسبب علاقات جوجير الواسعة، حيث ذكرت السلطات الفرنسية بأن شخصية جوجير مزعجة حقًا إلا أن طرده من عمان ليس بالأمر الهيّن، وظل جوجير من أكبر الموردين للسلاح بسفنه التي تحمل العمل الفرنسي وبلغ عدد البنادق المستوردة من أوروبا إلى مسقط عام ١٩٠٨م حوالي ١٥٠٠٠٠ بندقية.

علاقته بالتجّار الأفغان

رغب الأفغان في الحصول على الأسلحة الأوروبية التي يستوردها التجار الفرس من ساحل عمان، وكان تجار السلاح الأفغان يقصدون مسقط بحرية للحصول على ما يرغبون به من الأسلحة الحديثة، وظل أكثر من ١٠٠ أفغاني في مسقط يتاجرون بالأسلحة وأن نصفهم يعيشون على حساب جوجير تاجر الأسلحة الفرنسي، وفي يناير عام ١٩٠٧م غادرت مسقط إلى مكران سفينة وعلى متنها ٣٠٠ بندقية اشتراها الأفغان من مسقط.

علاقته بالشيخ مبارك الصباح:

ارتبط مسيو جوجيه بعلاقة مع الشيخ مبارك الصباح حاكم الكويت، وفي الثامن من أغسطس 1900م كتب المقيم السياسي البريطاني في الخليج العربي يقول إن الشيخ مبارك الصباح، وولده قاموا بوضع ترتيبات منتظمة مع جوجير تاجر الأسلحة الفرنسي الذي كان يقيم في مسقط، للقيام باستيراد السلاح على ظهر الباخرة هنزادة التابعة لشركة الملاحة البخارية البريطانية.

كما أكد الكابتن كراي، الوكيل السياسي البريطاني في الكويت أن الباخرة الهندية (شندورة) أقلعت من ميناء مسقط وعلى متنها ٥٠٠ بندقية مرسلة إلى الكويت سرا وكان أحد أعوان جوجير مسافرا عليها.

وفي فبراير عام ١٩٠٢م وصلت معلومات أخرى إلى حكومة الهند مفادها أن الباخرة (كولستان) قد غادرت مسقط وهي تحمل على متنها ١٠٠٠ بندقية و٣٠٠ صندوق عتاد إلى الكويت لحساب جوجير أيضا.

وكانت أول زيارة لجوجيه إلى الكويت في أبريل ١٩٠٤م، عندما وصلها متنكرًا في هيئة رجل عربي أطلق على نفسه اسم عبد الله المغربي، حيث ذكر الوكيل الإخباري في رسالته المؤرخة في 6 من شهر مايو 1904 أنه في 13 أبريل 1904 وصل إلى الكويت الحاج علي ذهبه ومعه شخص فرنسي يدعى “كوكي” أو جوجيه الذي أهدى الشيخ مبارك الصباح بندقية من نوع الشوزن، وقد عيّن لهما الأخير بيتًا خاصًا ليسكنا فيه، وخلال فترة إقامة جوجيه في الكويت، حرص الشيخ مبارك على الاستماع إلى وجهة نظر جوجيه في توجهات الدول الكبرى وسياساتها في منطقة الخليج، وسرعان ما أدرك كل من الشيخ وجوجيه حجم ما يجمعهما من توجهات ومصالح.

وبعد ثلاثة أشهر من الإقامة، توجه جوجير إلى مسقط بعد أن عقد مع الشيخ صفقة أسلحة  تتكون من (2000) بندقية محمولة في ثلاث سفن كل سفينة كانت تحمل (7500) بندقية، والبقية تم توزيعها في سفن أخرى، ففي الأسبوع الأول من أغسطس ١٩٠٤، وصل ميناء الكويت ١٢ صندوقًا من الأسلحة، وفي الشهر نفسه، وصلت شحنة من ٢٩ صندوقًا وجدت طريقها إلى مخازن الشيخ، كما تم استيراد ٨٠٠ بندقية أخرى في نهاية أغسطس للبيع في إيران، وفي بداية ١٩٠٥م كان استيراد السلاح يتم بمعدل ألف بندقية شهريًا كانت غالبيتها تصل على متن السفن الكويتية، وقد استغل جوجيه عمله في القنصلية الفرنسية في تسليم أصحاب السفن وثيقة تسهّل لهم نقل الحمولة دون تفتيش.

علاقته بروسيا:

يذكر الباحث عبد الله الجوير نقلًا عن لوريمر، أن جوجير أصبح في عام 1901م الممثل الرسمي لشركة الملاحة الروسية ثم لحق به في عام 1902م اثنان من أبنائه، وقد كان خط الملاحة الروسية هو الخط الوحيد الذي يربط بين مسقط وجدّة بصفة منتظمة، ولهذا فعندما أراد السلطان فيصل بن تركي إرسال سبعة من الإبل العمانية إلى شريف مكّة، اتصل بوكيلهم المسيو جوجير كي ينظّم الأمر مع السفينة الروسية تراورار في رحلة العودة كي تأتي وتأخذ الإبل، وشحنت هذه الإبل دون أجر وذلك كبادرة طيّبة تجاه السلطان.

اهتماماته الفكرية:

يعد جوجير من المستشرقين الفرنسيين البارزين؛ وكان يتقن اللغة العربية كتابةً وتحدّثًا، وله اهتمامات أدبية، ونجد ضمن سجلّه أعمالًا أدبية ترجمها من العربية إلى الفرنسية مثل: ألفية ابن مالك، لأمية الأفعال، مسرد عربي فرنسي بالمصطلحات النحوية، ترجمة كتاب قطر الندى وبلّ الصدى، العبودية في الصحراء التونسية، وغيرها.

وشرع مسيو جوجير بحملة في الصحف الفرنسية على بريطانيا، وكانت الصحيفة المفضّلة لديه هي “ديباش كولونيال” التي كتب فيها مقالًا باسمه، ثم ظهرت حملات أخرى في الصحف الروسية، والصحف العربية في القاهرة، عزيت إليه، وقد كشفت كتابات جوجير عن عداء حاد تجاه البريطانيين بأسلوب ساخر يحمل روحًا فكاهيّة، وكانت مقالاته موجّهة بشكلٍ أساسي ضد السياسة البريطانية كما يمثلها الوكيل السياسي البريطاني في مسقط، كما كتب جوجير عن أحداث طلب الشيخ مبارك للحماية البريطانية وعن الخطوات التي مرّ فيها قبل طلب الحماية البريطانية.

ونعرض هنا مقتطفا من جريدة الأهرام، القاهرة، ١٦ سبتمبر ١٩٠٤. يتعلق ذلك بمقالة بعنوان “الجزيرة العربية: من مراسلنا الخاص في مسقط” الذي علّق على السياسة الإنجليزية تجاه الكويت والعراق، ويشير مسؤولون بريطانيون إلى اعتقادهم أن الكاتب رجل فرنسي يقيم في مسقط، هو السيد جوجير.

مقتطف من مقال منشور بجريدة الأهرام. مكتبة قطر الرقمية

مشروع استغلال المنطقة من السيب إلى خور فكان:

يعد تقرير غوغيير (جوجير) المدوّن بتاريخ 12 ديسمبر 1899م من بين الوثائق الأرشيفية المهمة المحفوظة اليوم بالأرشيف الدبلوماسي لوزارة الخارجية الفرنسية بباريس (لاكورناف) لما تتضمنه من معلومات تاريخية تخص منطقة الخليج عامة وعُمان خاصة، وقد قام الباحثان الجزائريان؛ بن عبد المومن محمد، مغنونيف شعيب بإعداد قراءة تحليلية في هذا التقرير تم نشره بمجلة (عصور)، نستعرضه تحت هذا العنوان:

 هذه الوثيقة عبارة عن ملف مقترح لمشروع شركة تستغل المنطقة الممتدة على طول 300 كيلومتر، من السيب إلى خور فكان، لما تتوفر عليه هذه المنطقة من مؤهلات طبيعية وبشرية، واقتصادية تسمح بتحقيق عدة مشاريع استثمارية تحقق من ورائها عوائد مالية تعود بالربح على الشركة، والحكومة الفرنسية، مثل إنجاز خط السكة الحديدية، والميناء، وتنظيم الحركة التجارية بالمنطقة.

 ويركز جوجير على ضرورة استغلال الظروف الداخلية والخارجية في ظل نفور السلطان فيصل بن تركي من بريطانيا لما تسببت فيه من مشاكل بعُمان، والصداقة التي تجمع السلطان مع نائب القنصل “أوتافي” من أجل كسب منطقة نفوذ بعُمان تنافس فيها بريطانيا.

بدأ جوجير تقريره بتحديد منطقة الاستغلال التي تقع بين السيب وخورفكّان على طول 300 كم، التي تضم منطقة سهل الباطنة المحاذي للساحل، وخلفه منطقة جبلية معروفة باسم الجبل الأخضر، ويذكر أن هذا السهل يصلح للزراعة وتنتشر فيه أشجار النخيل، ويوجد خلفه أراض مسقيّة تتخللها وديان، كما لم يغفل الإشادة بتنوع المناخ بمنطقة الاستغلال.

كما يشير في تقريره لوصف ميناء مسقط ونشاطه التجاري، ويفهم من الوثيقة أنه لا يعوّل على هذا الميناء لأنه صغير وأعماقه كبيره تعيق بناء رصيف لحمايته، ويقع في منطقة وعرة، وأنه بعيد عن طرق الملاحة العالمية، وعن الجزء الخصب من الأراضي السابق ذكرها. وهو هنا يلمّح لضرورة استغلال ميناء آخر في نطاق منطقة المشروع في منطقة خور فكان أو عند مدخل مضيق هرمز.

ولم ينس غوغير أن يعطي معلومات حول سكان عمان وطبيعتهم، حيث يذكر أنهم شعب محارب، وأن العمانيون استطاعوا استغلال أراضي مناطق الساحل الفارسي وسواحل أفريقيا الاستوائية لمدة طويلة. كما يشيد بخبرتهم في ركوب البحر واستغلاله في الصيد والتجارة البحرية، إلى جانب طبيعة اقتصادهم القائم على الزراعة.

وركّز جوجير على أهمية إنشاء خط السكة الحديدية لكي تصل بين المناطق الداخلة في نطاق المشروع، واستخدام اليد العاملة في زراعة المدرجات الزراعية في الجبال، ويقترح جلب اليد العاملة الهندية لإنجاز مشروع السكة الحديد بنفس أجرة الأوروبيين، ويقترح وضع رأس مال قدره 150 مليون فرنك فرنسي كتكلفة للمشروع بواقع 50 ألف فرنك لكل كيلو متر.

الورقة الأخيرة من تقرير جوجير

الوفاة

ضمن تقريرها الإخباري عن عمان خلال شهر أكتوبر من عام 1909م، ذكرت القنصلية البريطانية أن مسيو جوجير قد أصيب بمرض خطير بعد عودته يوم 14 أكتوبر، وأنه توفي في الساعة السادسة صباح يوم السادس عشر من أكتوبر، ودفن في الساعة الخامسة مساءً.

وترك جوجير ممتلكات قدرت بحوالي ٤٠٠٠٠ جنيه استرليني تكدست من أرباح الأسلحة، ووجد في مخزنه حوالي 1000 قطعة سلاح من مختلف الأنواع وحوالي ١٠٠٠٠ طلقة أغلبها فرنسية وألمانية الصنع. 

وفي العاشر من أغسطس 1913م قام القنصلان جانييه ونوكس بجرد الأسلحة التابعة لبيت جوجير ووضعت الأختام على المخازن، كما قام القنصلان بجرد الأسلحة بحضور وكيله الباز والذخائر المحفوظة الخاصة خارج مسقط، فقد أكد بيت ديو أنه لا يمتلك مخازن أخرى، في حين أعلن بيت جوجير أنه يملك مخازن أخرى في صور ومطرح، حيث تقرر القيام بجرد هذه الأسلحة والذخائر. 

المراجع:

بن عبد المومن محمد، مغنونيف شعيب. قراءة في مضمون وثيقة من الأرشيف الدبلوماسي الفرنسي(لاكورناف-la Courneuve) بباريس للسيد “antonin Goguyer – أنتونان غوغيير” 12سبتمبر 1899م، مجلة عصور، المجلد 20, العدد 2, الصفحة 129-148 الجوير، عبد الله. التاريخ السياسي لمسقط وعمان، رسالة دكتوراه، جامعة أم القرى، السعودية، 1992. جي. جي لوريمر. دليل الخليج القسم التاريخي، ج 1، مكتب أمير قطر. الحسيني، فاضل محمد. الصراع البريطاني الفرنسي حول تجارة الأسلحة في عمان، مجلة الوثيقة، مج 21 , ع 41، البحرين، يناير 2002، ص 138-139 الربيعي، إسماعيل. تجارة السلاح في الخليج العربي خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر، مجلة الوثيقة، مج 14 , ع 2، البحرين، 1995، ص 80 الربيعي، نبيل. تاريخ يهود الخليج، ط3، دار الرافدين، بغداد، 2021. الزدجالي، إسماعيل بن أحمد. تجارة عمان الخارجية في عهد السلطان فيصل بن تركي البوسعيدي، رسالة ماجستير، كلية الآداب والعلوم الاجتماعية، جامعة السلطان قابوس، مسقط، 2006 الشعيلي، محمد بن حمد. التنافس البريطاني الفرنسي في عمان، رسالة ماجستير، كلية الآداب والعلوم الاجتماعية، جامعة السلطان قابوس، مسقط، 2006. الصباح، سعاد. مبارك الصباح مؤسس دولة الكويت الحديثة، دار سعاد الصباح، الكويت، 2007. الغنيم، عبد الله يوسف. أخبار الكويت في رسائل علي بن غلوم رضا، مركز البحوث والدراسات الكويتية، الكويت 2007. المنصور، آلاء وليد. العلاقات الكويتية العمانية، منشورات دار السلاسل، الكويت. الهاشمي، رحيم كاظم. تجارة الأسلحة في الخليج العربي، الطبعة الأولى، دار علاء الدين، دمشق، 2000.

المصدر: صحيفة أثير

كلمات دلالية: الشیخ مبارک الصباح فی الخلیج العربی تجارة الأسلحة إلى الکویت من الأسلحة عبد الله إلى مسقط أخرى فی یقیم فی فی عام عدد من

إقرأ أيضاً:

الأسلحة الكيميائية.. سر نظام الأسد المظلم الذي يخشاه الغرب وإسرائيل

 

تُثير ترسانة الأسلحة الكيميائية لنظام بشار الأسد في سوريا قلقًا عالميًا مستمرًا، خاصة بعد انهياره المفاجئ الذي ترك تساؤلات مفتوحة حول مصير هذه الأسلحة، رغم الجهود الدولية لإجبار النظام السوري على تفكيك مخزونه الكيميائي عقب مجزرة الغوطة عام 2013، التي أودت بحياة 1400 شخص باستخدام غاز السارين، فإن الشكوك ما زالت تحوم حول نجاح النظام في إخفاء جزء من ترسانته وتجديدها لاحقًا.

تاريخ أسود لتطوير “الكيماوي”

بدأت سوريا مسيرتها في امتلاك الأسلحة الكيميائية عام 1971 بإنشاء مركز البحوث والدراسات العلمية بدعم من الاتحاد السوفيتي.

وفي السبعينيات، حصلت دمشق على مواد كيميائية من مصر عشية حرب أكتوبر 1973، لاحقًا، تزايد اهتمام النظام بتطوير هذا السلاح، خاصة بعد فقدانه الحليف المصري وتعرضه لضربات إسرائيلية قوية في لبنان عام 1982.

بحلول منتصف الثمانينيات، أكدت تقارير استخباراتية أميركية وجود منشآت سورية لإنتاج غاز السارين والخردل، ومع حلول التسعينيات، حوّلت دمشق مصانع كيماوية زراعية إلى مرافق لإنتاج الأسلحة الكيميائية، وكشفت تقارير لاحقة عن حصول النظام على مئات الأطنان من المواد الكيميائية من دول أوروبية، مما ساهم في تطوير عوامل أعصاب فتاكة.

الكيماوي في وجه الشعب

تحوّلت الأسلحة الكيميائية إلى أداة حرب ضد الشعب السوري بعد اندلاع الثورة عام 2011، ففي 2013، شهدت الغوطة الشرقية هجومًا بالسارين، دفع المجتمع الدولي إلى إجبار النظام على تفكيك ترسانته تحت إشراف منظمة حظر الأسلحة الكيميائية.

ومع ذلك، كشفت تقارير لاحقة عن هجمات جديدة للنظام باستخدام الكلور وغاز الأعصاب، أبرزها مجزرة خان شيخون عام 2017 وهجوم دوما 2018.

قلق إسرائيلي وغربي

تخشى إسرائيل والغرب وصول هذه الأسلحة إلى أيدي فصائل معارضة أو تنظيمات مسلحة، مما يهدد أمن المنطقة، هذا القلق دفع إسرائيل إلى شنّ غارات جوية مكثفة استهدفت مراكز أبحاث ومستودعات أسلحة كيميائية، أبرزها مركز البحوث العلمية بدمشق.


 أدوات حرب تُثير الرعب العالمي

تُعد الأسلحة الكيميائية واحدة من أخطر أدوات الحرب، إذ تُعرِّفها منظمة حظر الأسلحة الكيميائية بأنها مواد سامة مُصممة خصيصًا لإحداث الوفاة أو التسبب بأضرار جسيمة من خلال التفاعلات الكيميائية. تُستخدم هذه الأسلحة في أشكال متعددة، مثل السوائل، أو الغازات، أو البخار، أو الغبار، ما يجعلها سريعة التأثير وصعبة الاكتشاف في بعض الأحيان.

أنواع الأسلحة الكيميائية وتأثيراتها

تنقسم الأسلحة الكيميائية إلى عدة فئات رئيسية، لكل منها خصائصها وأعراضها المدمرة:

1. العوامل المنفّطة:
أبرزها غاز الخردل، الذي يُصنَّف ضمن المواد المُنفّطة التي تُسبب حروقًا شديدة في الجلد والأغشية المخاطية، يظهر هذا الغاز عادةً في شكل سائل أو بخار عديم اللون والرائحة، لكنه يُصبح بُني اللون وله رائحة الثوم عند خلطه بمواد أخرى، ويُؤدي التعرض له إلى التهابات جلدية حادة، ومشكلات في الجهاز التنفسي، ما يجعله سلاحًا مؤلمًا طويل الأثر.
2. العوامل الخانقة:
تشمل هذه الفئة الكلور، الذي يكون عادةً في حالة غازية. عند استنشاقه، يُهيج الكلور الجهاز التنفسي ويُسبب تراكم السوائل في الرئتين، مما يؤدي إلى الاختناق، رغم استخدام الكلور في التطبيقات المدنية مثل تنقية المياه، إلا أن استخدامه العسكري يُعد محظورًا بموجب اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية.
3. العوامل العصبية:
تُعتبر هذه الفئة الأخطر على الإطلاق، وتشمل غازات مثل السارين وفي إكس، تُهاجم هذه المواد الجهاز العصبي مباشرةً، وتُسبب تشنجات شديدة، وفقدان السيطرة على العضلات، مما يؤدي إلى شلل عضلات القلب والجهاز التنفسي، وبالتالي الوفاة، يُعد السارين، الذي طُوِّر خلال الحرب العالمية الثانية، الأخف وزنًا والأكثر تطايرًا، حيث يتحول إلى سائل عديم اللون والرائحة في درجة حرارة الغرفة.

استخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا

استخدم نظام الأسد الأسلحة الكيميائية مرارًا ضد المدنيين، حيث تُشير التقارير إلى أن الكلور كان المادة الأكثر استخدامًا بسبب سهولة إنتاجه وصعوبة إثبات استخدامه، إذ يتبخر سريعًا بعد الهجوم، ووفقًا لبيانات بي بي سي، يُشتبه في وقوع 79 هجومًا بالكلور نفّذه النظام السوري.

من ناحية أخرى، كشفت شهادات منشقين عن مركز الدراسات والبحوث العلمية السوري لصحيفة لوموند الفرنسية عام 2020 أن براميل الكلور تُصنع محليًا في ورشات خاصة، أبرزها في جمرايا ومصياف.

كما أظهرت التحقيقات أن سوريا استوردت بين عامي 2014-2018 مركبات كيميائية محظورة من 39 دولة، بينها 15 دولة أوروبية، أبرزها مادة أيزوبروبانول، التي تُستخدم في إنتاج غاز السارين.

أداة حرب محظورة

تُشكّل الأسلحة الكيميائية تهديدًا عالميًا بسبب سهولة إنتاجها وصعوبة اكتشافها، وهو ما يجعلها أداة مثالية للحروب غير التقليدية، ورغم حظر استخدامها دوليًا، إلا أن استمرار استخدامها في النزاعات المسلحة، كما حدث في سوريا، يُسلط الضوء على التحديات الكبيرة التي تواجه المجتمع الدولي في منع انتشار

تساؤلات بلا إجابات

رغم الجهود الدولية، لا تزال الأسئلة قائمة حول مصير الترسانة الكيميائية السورية، استمرار استخدام النظام لهذه الأسلحة بعد تفكيكها رسميًا يُشير إلى وجود مخزون مخفي، ما يجعل هذه القضية تهديدًا دائمًا لأمن المنطقة والعالم.

مقالات مشابهة

  • الرئيس الفرنسي يدعو إلى إلقاء السلاح ووقف إطلاق النار في السودان
  • هكذا نقلت إيران السلاح إلى لبنان.. تفاصيل مثيرة!
  • (عودة وحيد القرن) كانت من أنجح العمليات التي قام بها قوات الجيش السوداني
  • إندونيسيا تحيي الذكرى العشرين لكارثة تسونامي المأساوية التي أودت بحياة مئات الآلاف
  • ضبط 44 قضية سلاح ناري في أسيوط
  • ضبط 3 قطع سلاح ناري في حملة بدمياط
  • الرئيس الفرنسي: صدمت بشدة من الرعب الذي ضرب سوق عيد الميلاد في ألمانيا
  • الأسلحة الكيميائية.. سر نظام الأسد المظلم الذي يخشاه الغرب وإسرائيل
  • شقق وأراضي وعربيات.. القبض على تاجر سلاح غسل 29 مليون جنيها
  • القبض على متهم بغسـل 29 مليون جنيه حصيلة تجارة السلاح بالمنوفية