سلطت الباحثة في شؤون اليمن والخليج العربي، المقيمة في نيويورك، فينا علي خان، الضوء على تأثير الحرب في قطاع غزة على الأوضاع في اليمن، مشيرة إلى أن امتداد أمد الحرب، مع إطلاق الحوثيين صواريخ وطائرات مسيرة تجاه إسرائيل، يثير القلق بشأن محادثات السلام المتعثرة في البلد الذي يشهد تجميدا للقتال بين أطرافه المحلية المتحاربة إلى حد كبير.

وذكرت فينا، في مقال نشرته في مجلة "فورين بوليسي" وترجمه "الخليج الجديد"، أن الهدنة الفعلية في اليمن لم تسفر عن تقدم سياسي يذكر منذ دخولها حيز التنفيذ في أبريل/نيسان 2022، ومنذ نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، سعت السعودية التي تدعم القوات الحكومية إلى تسريع وتيرة عملية السلام من خلال التوصل إلى اتفاق مباشر مع الحوثيين، المدعومين من إيران، متجاوزة شركائها اليمنيين على الأرض والأمم المتحدة.

ولكن في الأشهر الأخيرة، تبددت آمال السعودية في عملية سلام سريعة المسار، ويهدد الحوثيون بالعودة إلى ساحة المعركة.

ومع استمرار المحادثات الحوثية السعودية مع عدم وجود أدلة تذكر على إحراز تقدم، فإن تهميش اللاعبين الغربيين يمكن أن يشكل تحديات مستقبلية للرياض والغرب.

ولتجنب المزيد من القتال والتصعيد في المنطقة، ومع إطلاق الحوثيين صواريخ طويلة المدى، تستهدف إسرائيل، ترى فينا ضرورة إعادة السعودية الأمم المتحدة والأطراف اليمنية إلى عملية السلام الشاملة لتنشيطها.

وحتى لو بدا أن كلا الجانبين (السعودية والحوثيين) لديه حوافز لتجنب مشاركة الأمم المتحدة في الوقت الحالي، فإن المزيد من الصراع وعدم الاستقرار يشكل تهديدًا لمصالح السعودية والحوثيين على المدى الطويل، بحسب الباحثة في شؤون الخليج العربي.

ومنذ عام 2015، كان الحوثيون في حالة حرب مع الحكومة اليمنية وداعميها الإقليميين، خاصة السعودية والإمارات، ويتمتعون اليوم بالهيمنة العسكرية، ورغم رغبة الرياض في طرد الجماعة، إلا أنها تتمتع بقبضة قوية على العاصمة اليمنية، صنعاء، والمناطق الأكثر اكتظاظا بالسكان في البلاد، بما في ذلك المناطق المرتفعة حيث يقيم حوالي 80% من السكان.

هدف السعودية

وتريد الرياض إنهاء الصراع بسرعة، فمنذ عام 2015، أنفقت المملكة أكثر من 265 مليار دولار على حملتها العسكرية في اليمن دون نتيجة، وتريد الآن تحويل تركيزها إلى خطتها الاستراتيجية التنموية "رؤية 2030"، لإصلاح اقتصادها، والتي تشمل التركيز على جذب السياح.

ويمكن للحوثيين أن يفسدوا هذه الخطة بإطلاق الصواريخ عبر الحدود على المملكة، كما فعلوا طوال الحرب، ولذا تحتاج الرياض إلى انتهاء القتال في اليمن لضمان أمنها.

اقرأ أيضاً

الرياض.. مباحثات أممية سعودية لبحث السلام في اليمن

وفي أبريل/نيسان 2022، وافقت الأطراف المتحاربة في اليمن على هدنة بوساطة الأمم المتحدة، لكن بعد 5 أشهر لم يتم تجديدها بعد أن رفضت الحكومة الموافقة على مطالب الحوثيين في اللحظة الأخيرة بدفع رواتب موظفي حكومتهم، المدنية والعسكرية، من صادرات النفط والغاز.

ومنذ ذلك الحين، أصبحت القناة الخلفية التي تيسرها سلطنة عمان للسعودية والحوثيين هي المكان الرئيسي للمفاوضات.

واستبعدت الرياض الأمم المتحدة والجهات الفاعلة الغربية والحكومة اليمنية من المحادثات الجارية على أمل أن يؤدي ذلك إلى تسريع الطريق إلى السلام.

وفي 14 سبتمبر/أيلول، سافر وفد من الحوثيين إلى الرياض للقاء المفاوضين السعوديين. وجاءت هذه الزيارة غير المسبوقة بعد 6 أشهر من سفر السفير السعودي لدى اليمن، محمد الجابر، إلى صنعاء لإجراء مناقشات مع المسؤولين الحوثيين. وبينما قالت الرياض إن الاجتماع حقق "نتائج إيجابية"، لم تكن هناك مؤشرات تذكر على تحقيق انفراجة.

شروط الحوثيين

وتشير فينا إلى أن مناقشاتها مع الأطراف المتحاربة أوصلتها إلى قناعة بأن الإطار العام للاتفاق الحوثي السعودي أصبح قائماً، على الرغم من أن بعض التفاصيل الصغيرة لا تزال بحاجة إلى حل. وتستند الصفقة على اقتراح قدمته سلطنة عمان في البداية، ولم يتنازل الحوثيون فيها عن شروطهم لإنهاء الحرب، وهي: رفع جميع القيود المفروضة على الحركة في مطار صنعاء الدولي وميناء الحديدة، وضمان دفع رواتب جميع موظفي الدولة، بما في ذلك العسكريين والأمنيين، من عائدات النفط الحكومية، وانسحاب جميع القوات الأجنبية من اليمن.

 ولن يفكر الحوثيون في الدخول في محادثات يمنية مع خصومهم إلا بعد استيفاء هذه الشروط، بحسب فينا، مشيرة إلى أن مناقشاتها مع مسؤول سعودي، لم تسمه، ترجح استعداد الرياض للاستجابة لمعظم مطالب الحوثيين إذا وافقوا على وقف دائم لإطلاق النار.

كما تريد الرياض من الحوثيين الالتزام بالمشاركة في المحادثات المستقبلية التي تقودها الأمم المتحدة مع منافسيهم اليمنيين، ومع ذلك، فإن إحدى النقاط الشائكة الرئيسية هي مسألة دفع الرواتب، أي الآلية التي سيتم من خلالها توزيع دفعات الرواتب.

فالحوثيون يصرون على أن يحصل موظفو الدولة في المناطق التي يسيطرون عليها على رواتبهم من أرباح صادرات النفط الحكومية، ويشكل ذلك تحديًا كبيرًا للحكومة، حيث تشكل تلك الأرباح غالبية إجمالي إيراداتها.

ويريد الحوثيون مصدرًا مستدامًا للإيرادات لضمان استقلالهم الاقتصادي وضمان قدرتهم على الحكم، وقد حاولوا دون جدوى تأمين ذلك عسكريًا من خلال محاولة الاستيلاء على حقول النفط في مدينة مأرب في عام 2021 ويسعون الآن لتحقيق نفس الأهداف من خلال التفاوض.

ويبدو أن الجانبين وجدا حلاً بديلاً لمسألة دفع الرواتب، بحسب فينا، مشيرة إلى أن السعودية وافقت على تغطية رواتب الحوثيين لمدة عام، على أن يتم دفعها على قسطين.

وخلال هذه الفترة، ستقوم كل من الحكومة اليمنية والحوثيين بتشكيل لجان اقتصادية للتفاوض وتحديد الجوانب الفنية لاتفاق دائم لتقاسم الإيرادات بين الجانبين.

وهناك عقبة أخرى تتمثل في أن الرياض تريد أن يعترف بها الحوثيون كوسيط، وليس طرفا في الصراع، في محاولة محتملة لتجنب تحمل تكاليف إعادة الإعمار.

وتدرك السعودية أيضاً أن هكذا شروط قد تكون صعبة على شريكها الاسمي، الحكومة اليمنية، ممثلة في مجلس القيادة الرئاسي، المنزعج من أن يتم التفاوض على ثروته النفطية دون مشورته.

اقرأ أيضاً

مجلس الأمن يرحب بدعم السعودية وعمان لوساطة السلام في اليمن

وإضافة لذلك، تعمل الرياض على افتراض أنها إذا رضخت لمطالب الحوثيين، فسيشاركون في محادثات يمنية داخلية للتوصل إلى تسوية، لكن الحكومة اليمنية تخشى أن يفضي الاتفاق إلى تنازل كامل للحوثيين وبالتالي خروجها خالية الوفاض من الصراع، ومحاولة الحوثيين الاستيلاء على كامل اليمن لاحقا.

وتتفاقم مخاوف الحكومة اليمنية بسبب قيام السعودية باستبعادها مؤخراً من محادثاتها مع الحوثيين، وأثار ذلك الشكوك في أن الرياض قد تعطي الأولوية لمصالحها الخاصة وتتخلى عن حلفائها اليمنيين بمجرد التوصل إلى اتفاق.

وفي الواقع، لم تؤكد السعودية للحكومة اليمنية أنها ستقدم الدعم العسكري إذا انزلق اليمن مرة أخرى إلى صراع داخلي.

وإذا شن الحوثيون هجوماً عسكريا، وهو أمر غير مؤكد، فإن الحكومة اليمنية سترد، لكن نجاحها سيتوقف جزئياً على ما إذا كانت الرياض ستقدم دعماً جوياً حاسماً أو تتخلى عنه في سيناريو على غرار أفغانستان.

ومع ذلك، فإن جولة أخرى من القتال، واحتمال استيلاء الحوثيين على السلطة، هي نتيجة تريد السعودية تجنبها أيضًا، كما تريد منع عدم الاستقرار في المستقبل.

وحتى لو تمكن الحوثيون من السيطرة على كامل اليمن بعد التوصل إلى السلام مع الرياض، فإن قدرتهم على الحفاظ على السلطة ستكون موضع شك، إذ يواجهون معارضة كبيرة من منافسيهم، خاصة القوة العسكرية للجماعات المدعومة من الإمارات العربية المتحدة، مثل ألوية العمالقة، التي نجحت في صد الحوثيين في الجبهات الرئيسية بمحافظتي شبوة ومأرب.

وبشكل عام، فإن عودة الصراع المحلي في اليمن، الذي يمكن أن يغير الخطوط الأمامية، لن يؤدي إلا إلى تفاقم الوضع الأمني الهش، وهو أمر لن تتمكن السعودية من تجاهله، باعتبارها جارة اليمن.

تحدي الرياض

وهنا تشير فينا إلى أن التحدي الذي يواجه الرياض، والذي يمكن القول إنه سبب إطالة أمد المفاوضات، هو ضمان التزام الحوثيين بوقف إطلاق النار والعمل على التوصل إلى تسوية مع منافسيهم اليمنيين.

ومن خلال التواصل مع الحوثيين، مع الحفاظ أيضًا على قنوات مباشرة مع طهران، تختبر الرياض ما إذا كان بإمكان الحوثيين شن هجوم دون موافقة طهران.

وخلال الأشهر القليلة الماضية، لم ينفذ الحوثيون إلى حد كبير تهديداتهم بالعودة إلى الصراع، لذا فإن استراتيجية السعودية في العمل مع كل من القنوات الحوثية والإيرانية قد تكون ناجحة، حسبما ترى الباحثة في شؤون الخليج العربي.

ورغم حالة الجمود، كانت كل من السعودية والحوثيين مترددين في إشراك الأمم المتحدة، إذ تخشى الرياض أن يؤدي ذلك إلى إطالة أمد العملية، لأن الأمم المتحدة تشترط إشراك الأطراف اليمنية الأخرى في محادثات السلام.

وترى فينا أنه سيكون من الصعب للغاية إيجاد تسوية سياسية سريعة عبر قنوات الأمم المتحدة بسبب المواقف السياسية المتنوعة والمتعارضة في كثير من الأحيان داخل مجلس القيادة الرئاسي اليمني، كما يعتقد الحوثيون أن تجنب الأمم المتحدة مسألة استراتيجية، إذ يريدون مضاعفة مسار المفاوضات الذي سيجلب لهم أكبر الفوائد.

 وترى الباحثة أن الرياض مستعدة لتقديم تنازلات أكبر إذا تمكنت من تأمين خروج سريع من اليمن، بينما لا يبدو الحوثيون حريصون على التعامل مع الحكومة اليمنية، التي يعتبرونها بيدقًا في أيدي السعودية.

وتفضل السعودية أيضًا أن تنفذ الأمم المتحدة تعقيدات صفقة التسوية السياسية، خاصة ما يتعلق بتفاوض الأطراف اليمنية على الجوانب الفنية للتسوية، بدءًا من نزع السلاح إلى عائدات النفط.

وترى فينا أن هذه مهمة ضخمة للأمم المتحدة، وتنطوي على مخاطر محتملة، ويمكن للقوى المحلية الموجودة على الأرض أن تعرقل تنفيذها، خاصة المجلس الانتقالي الجنوبي، وهو مجموعة انفصالية ممثلة في الحكومة اليمنية، ويسيطر على مناطق كبيرة في الجنوب، ويعارض علناً أي اتفاق يقتطع من ثروته النفطية لدفع الرواتب.

وإضافة لذلك، فإن دولة الإمارات العربية المتحدة، الداعم الرئيسي للمجلس، غائبة عن المناقشات الحوثية السعودية، سبق لها استثمار موارد عسكرية واقتصادية كبيرة لدعم حلفاء محليين وتأمين السيطرة على الموانئ الجنوبية وحقول النفط والغاز.

وتخلص الباحثة في شؤون الخليج العربي إلى أن الاتفاق السعودي الحوثي، الذي يترك اليمن عرضة للصراع، يمكن أن يتعارض مع المصالح الأساسية للإمارات في اليمن، ما يشجع المجلس الانتقالي الجنوبي على تقويضه.

وإذا فشلت المحادثات التي تيسرها الأمم المتحدة في مناقشة الجوانب الفنية لاتفاق تقاسم الإيرادات مع الحوثيين، فقد تنهار عملية السلام، ما يزيد من خطر تجدد الصراع اليمني.

اقرأ أيضاً

الحوثيون يغادرون الرياض.. ووساطة أمريكية لتحقيق توافق سعودي-إماراتي حول السلام اليمني

المصدر | فينا علي خان/فورين بوليسي - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: إسرائيل غزة الضفة الغربية اليمن الحوثيون المجلس الانتقالي الجنوبي الإمارات مجلس القيادة الرئاسي الحکومة الیمنیة الأمم المتحدة الخلیج العربی مع الحوثیین التوصل إلى فی الیمن من خلال إلى أن

إقرأ أيضاً:

مجموعة الأزمات الدولية: أفكار جديدة بشأن عمليات حفظ السلام تناقش بالأمم المتحدة

تقول مجموعة الأزمات الدولية في تقرير بقلم خبيري المجموعة دانيال فوتي، وريتشارد غوان إنه في ظل تقليص الأمم المتحدة نشر قوات الخوذ الزرقاء التابعة لها، والصعوبات السياسية والمالية التي تواجهها، قد يبدو أن ذروة عمليات حفظ السلام المتعددة الأطراف قد ولّت.

غير أن المداولات حول هذا الموضوع داخل مقر الأمم المتحدة في نيويورك، ليست بتلك الدرجة من القتامة، إذ يتداول الدبلوماسيون والمسؤولون الدوليون في الأمم المتحدة، خلال العام الجديد، موضوعا قديما قِدم المنظمة الدولية نفسها تقريبا؛ حول الغرض من عمليات حفظ السلام الأممية.

فقد أحدث طلب دولة مالي في يونيو/حزيران 2023 من مجلس الأمن إغلاق بعثة الأمم المتحدة المتكاملة المتعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في مالي والبالغ قوامها 15 ألف فرد، صدمة في منظومة الأمم المتحدة، إذ أظهر مدى هشاشة عملية سلام بهذا الحجم من الناحية السياسية.

وفي أعقاب قرار مالي، صعّدت حكومة جمهورية الكونغو الديمقراطية شيئا فشيئا من دعواتها للأمم المتحدة لإنهاء مهمتها التي استمرت عقودا من الزمن في ذلك البلد. وبدأ المراقبون في حي "تيرتل باي" بنيويورك وخارجه في التكهن بأن بعثات الخوذ الزرقاء الأخرى -التي يعمل بها حوالي 70 ألفا من النظاميين والمدنيين في جميع أنحاء العالم- قد تنحسر عاجلا وليس آجلا.

إعلان

وكما جاء في عرض موجز نشرته مجلة الإيكونوميست في عددها الصادر في 2 يناير/كانون الثاني أنه يبدو للكثيرين أن "عصر حفظ السلام المتعدد الأطراف يقترب من نهاية غير سعيدة".

ولكن بمقر الأمم المتحدة في نيويورك، فإن المناقشات حول مستقبل عمليات السلام لا تبدو قاتمة تماما كما كانت قبل 18 شهرا، فقد أجبرت الفوضى في مالي الدول الأعضاء في الأمم المتحدة ليس فقط على الاعتراف بمكامن الضعف في هذه العمليات، بل وعلى التفكير أيضا في نقاط القوة المتبقية.

وقد أعرب دبلوماسيون من العديد من الدول عن عدم ارتياحهم لإلغاء مهام الأمم المتحدة في صنع السلام وحفظه، ففي سبتمبر/أيلول 2024، وقعت الدول الأعضاء على معاهدة تعرف باسم "ميثاق المستقبل"، وهو عبارة عن قائمة أفكار تغطي مجالات واسعة للتعاون المتعدد الأطراف.

وتضمنت طلبا للأمين العام أنطونيو غوتيريش "بإجراء مراجعة لكافة أشكال عمليات الأمم المتحدة للسلام" وذلك بهدف إعداد استجابات "سريعة ومصممة خصيصا" للتعامل مع التهديدات الحالية والمستقبلية.

وقد حظي هذا الاقتراح بموافقة الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بسهولة، على عكس لغة الميثاق المقترحة بشأن قضايا السلام والأمن مثل نزع السلاح النووي، والتي أثارت جدلا.

وثمة نقطة أخرى لمداولات بناءة تتمثل في قمة على المستوى الوزاري حول حفظ السلام ستستضيفها ألمانيا في برلين في مايو/أيار. وستكون هذه القمة هي الأحدث في سلسلة اجتماعات حول عمليات السلام التي أطلقتها إدارة أوباما منذ ما يقرب من عقد من الزمان، والتي ركزت على حشد قدرات جديدة لبعثات الخوذ الزرقاء الحالية.

وقد شدد المسؤولون الألمان على ضرورة أن تناقش قمة 2025 أيضا مسار عمليات السلام "على مستوى سياسي رفيع". وأمام الدول الأعضاء والمسؤولين في الأمم المتحدة الآن فرصة لضخ أفكار جديدة في المداولات التي طال أمدها حول عمليات حفظ السلام التابعة للمنظمة الدولية.

إعلان وقت للإصلاح وليس للإلغاء

ولا غرابة أنه حتى في الوقت الذي يبدو فيه أن بعثات الأمم المتحدة الميدانية في تراجع، فإن المناقشات المتعلقة بالرؤية المستقبلية لهذه البعثات آخذة في الازدياد. فالكثير من أفضل الأفكار حول عمليات السلام في تاريخ الأمم المتحدة نبع من رحم الأزمات.

ففي أعقاب فشل عمليات حفظ السلام في البلقان ورواندا في تسعينيات القرن الماضي، أصدر الأمين العام للأمم المتحدة آنذاك كوفي عنان تقرير الإبراهيمي (الذي سمي على اسم مؤلفه الرئيسي، الوسيط الجزائري الأخضر الإبراهيمي)، والذي وضع مخططا لموجة جديدة من البعثات في أفريقيا في أوائل العقد الأول من القرن الجاري.

وبعد اندلاع موجة من العنف في جنوب السودان عام 2013 في غفلة من إحدى تلك البعثات الأممية، نظم بان كي مون خليفة عنان دراسة أخرى، تمثل في تقرير الفريق المستقل رفيع المستوى المعني بعمليات السلام. وقد حثت هذه الورقة مخططي وقادة عمليات الأمم المتحدة على التركيز على إيجاد حلول سياسية للصراع. ولا تزال هذه الورقة تعد مرجعا في المناقشات الحالية.

وإذا كان تاريخ من الانتكاسات دافعا لطرح أفكار جديدة في نيويورك، فهناك سببان مباشران على الأقل يحفزان الدول الأعضاء في الأمم المتحدة على النظر في تحديث عمليات السلام كأداة بدلا من تجاهلها. والسبب الأول هو أنه على الرغم من أن بعثات الأمم المتحدة قد تكون معيبة، فإنها لا تزال قادرة على المساعدة في الحيلولة دون زعزعة استقرار البلدان التي قد تواجه عنفا متزايدا في غياب قوة لحفظ السلام.

وتكمن بعض الأدلة التي تثبت هذا الطرح فيما يحدث عندما تنسحب البعثات قبل الأوان. فخلال العقد الماضي، انسحبت قوات الخوذ الزرقاء المنتشرة على نطاق واسع من هاييتي والسودان دون أن يكون هذان البلدان قد حققا درجة من الاستقرار السياسي، ليشهدا كلاهما انتكاسة للصراع الدائر فيهما.

إعلان

وبالطبع يمكن القول أيضا إن هذا التاريخ يُظهر أن عمليات السلام نفسها لم تقم بعملها بشكل كافٍ قبل المغادرة، وهناك شكوك فيما إذا كان الإبقاء عليها في مكانها كان سيحول دون وقوع المزيد من الأزمات.

وشهدت مالي أيضا زيادة في هجمات المتمردين منذ مغادرة بعثة الأمم المتحدة. وفي جمهورية الكونغو الديمقراطية، حيث تنسحب قوة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار، المعروفة باسم (مونوسكو)، تدريجيا من الشرق، تصاعد العنف في مقاطعة كيفو الجنوبية منذ أن أوقفت قوات حفظ السلام عملياتها هناك في يونيو/حزيران 2024. وقد خففت الحكومة الكونغولية، التي دعت في السابق إلى إغلاق البعثة بحلول أواخر عام 2024، من مطالبها بجلاء أصحاب الخوذ الزرقاء من البلاد تماما.

والسبب الثاني لعدم التخلي عن بعثات الأمم المتحدة هو صعوبة الحفاظ على بدائل ذات مصداقية. وقد ذكّرت حالة واحدة بعينها -هاييتي- مجلس الأمن بهذا التحدي خلال العام الماضي. ففي عام 2023، فوَّض المجلس قوات شرطة بقيادة كينية، وليس بقيادة الأمم المتحدة، مساعدة السلطات الهاييتية على التعامل مع عنف العصابات المتزايد.

وقد صاغ دبلوماسيون ومحللون -من بينهم مجموعة الأزمات الدولية- هذا النهج لاستعادة الأمن والنظام باعتباره خطوة مبتكرة وأفضل من نشر هذا النوع من قوات الخوذ الزرقاء على نطاق واسع، والتي أرسلها مجلس الأمن إلى هاييتي بعد نوبات سابقة من عدم الاستقرار.

غير أن البعثة التي تقودها كينيا، والتي لم تصل إلا في منتصف عام 2024، أثبتت أنها أصغر من أن تحدث تأثيرا. كما أنها عانت من مشاكل لوجيستية وإدارية أساسية، وقبل كل شيء من نقص التمويل، والتي كان يمكن أن تديرها بعثة أممية باستخدام النماذج المعمول بها.

وبحلول نهاية عام 2024، كانت السلطات الهاييتية وإدارة بايدن، التي كانت في الأصل من المشجعين الرئيسيين للقوة غير التابعة للأمم المتحدة، تضغط على مجلس الأمن والأمانة العامة لتحويلها بسرعة إلى عملية خوذ زرقاء.

إعلان

وقد ثبت أن نشر عمليات السلام التي لا تقودها الأمم المتحدة في أماكن أخرى كان مثيرا للانقسام أيضا، وقد دعت الحكومة الكونغولية مجموعة متنوعة من القوات الأفريقية للتعامل مع المليشيات في شرق البلاد، عوضا عن بعثة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار، ولكن لم يكن أي منها فعالا بما يكفي.

وعلى مدار العام الماضي، سعى أعضاء الاتحاد الأفريقي جاهدين لكي توفر الأمم المتحدة التمويل اللازم للبعثات التي يقودها الاتحاد الأفريقي في القارة، بناءً على قرار مجلس الأمن الصادر في ديسمبر/كانون الأول 2023 (بدعم من إدارة بايدن أيضا) الذي وافق من حيث المبدأ على نهج تقاسم التكاليف الذي تمول فيه الأمم المتحدة ما يصل إلى 75% من البعثات التي يقودها الاتحاد الأفريقي على أساس كل حالة على حدة.

ولكن في الوقت الذي طرحت فيه العديد من الدول حالات اختبار محتملة للآلية الجديدة (بما في ذلك اقتراح واشنطن بإنشاء قوة حماية تابعة للاتحاد الأفريقي في السودان)، لم تستطع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي الاتفاق على نشر مثل هذه البعثات، ناهيك عن العمل على التفاصيل المالية المتعلقة بها.

وفي أواخر ديسمبر/كانون الأول، أصدر مجلس الأمن قرارا ينص على احتمال تمويل الأمم المتحدة لعملية الاتحاد الأفريقي الجديدة في الصومال -والتي يطلق عليها بعثة الاتحاد الأفريقي لدعم الاستقرار في الصومال- بدءا من منتصف عام 2025.

لكن أعضاء جمهوريين بارزين في الكونغرس الأميركي يرفضون استخدام هذا الترتيب في الصومال، وقد ترفض إدارة ترامب الجديدة التوقيع على قرار آخر للمجلس في الربيع من شأنه أن يعطي الضوء الأخضر لهذا النموذج التمويلي.

وبينما يدرس أعضاء الأمم المتحدة مستقبل عمليات السلام الدولية، ينبغي عليهم أن يضعوا في الاعتبار أنه -بالنظر إلى ما هو أبعد من الصومال- من شبه المؤكد أن إدارة ترامب الجديدة ستطرح أسئلة صعبة حول قيمة هذه العمليات. ففي ولايته الأولى، جعل ترامب ومندوبة الولايات المتحدة الدائمة لدى الأمم المتحدة، نيكي هيلي، من خفض ميزانية حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة أولوية.

إعلان

وقد تمكن الأمين العام غوتيريش من التعامل مع هذا التحدي ببراعة، حيث حقق زيادة في وفورات التكاليف المخطط لها مسبقا، وصوّرها على أنها تنازلات للولايات المتحدة، وتقلصت الميزانية من حوالي 7 مليارات دولار في عام 2017 إلى 6 مليارات دولار اليوم.

ومع ذلك، من المرجح أن يضغط الرئيس ومرشحته لمنصب المندوب الدائم الجديد للولايات المتحدة، إليز ستيفانيك، من أجل تقليص المزيد من النفقات. وبالتالي، سيكون لدى أعضاء الأمم المتحدة الآخرين حافز للتأكيد على فعالية البعثات الأممية ومن ثم البحث عن طرق للحد من ميزانياتها.

نافذة للابتكار

إن هذا المزيج من العوامل يشكل دافعا للمسؤولين الدوليين للحديث عن الابتكارات التي من شأنها أن تحقق وفورات أكبر ونتائج أفضل. وقد قامت إدارة عمليات السلام التابعة للأمم المتحدة بالفعل بتعميم ورقة تحدد نهجا "معياريا" للعمليات المستقبلية، مع التركيز على تصميم البعثات لتولي مهام محددة، تتراوح بين حماية المدن وتوفير الأمن في خضم أزمات الصحة العامة.

وتُعد وثيقة إدارة عمليات حفظ السلام محاولة للتأكيد على أن عمليات الأمم المتحدة يمكن أن تأتي بجميع الأشكال والأحجام، على عكس البعثات الكبيرة متعددة الجوانب ذات المهام المعقدة لبناء الدولة التي أرسلتها المنظمة إلى أفريقيا في العقدين الأول والثاني من هذا القرن.

وتوفر الورقة، التي تتضمن 30 نموذجا مختلفا للبعثات، نقطة انطلاق قوية للتفكير الخلاق حول عمليات الأمم المتحدة "المرنة والمصممة خصيصا" للتعامل مع التهديدات الحالية والمستقبلية. وستلهم الورقة، بشكل مثالي، أعضاء الأمم المتحدة ومخططي المنظمة على حد سواء لوضع مقاربات جديدة لحالات محددة مثل هاييتي أو السودان، بدلا من مجرد إعادة تدوير النماذج السابقة.

وسيتوسع النقاش أكثر. ومن المرجح أن تنضم إدارة الشؤون السياسية وبناء السلام، التي تدير البعثات السياسية الخاصة التابعة للأمم المتحدة والتي يغلب عليها الطابع المدني -مثل تلك الموجودة في أفغانستان واليمن- إلى النقاش الدائر حول نماذج البعثات.

إعلان

ففي السنوات الأخيرة، اضطلعت البعثات السياسية في السنوات الأخيرة بمهام، مثل مراقبة وقف إطلاق النار في كولومبيا، وهي مهام مرتبطة تقليديا أكثر بقوات حفظ السلام.

وإذا كانت الأمم المتحدة بصدد التحول فعليا نحو تبني مقاربات أكثر مرونة في إدارة الأزمات، فسيكون من الضروري تصميم عمليات تمزج بين سمات وقدرات كل من بعثات حفظ السلام والبعثات السياسية على حد سواء، ذلك على الرغم من أن العقبات المتعلقة بالميزانية والبيروقراطية غالبا ما تمثل عائقا.

ولن يكون مؤتمر حفظ السلام الذي سيعقد في مايو/أيار في برلين الفرصة الوحيدة لمناقشة مسار عمليات السلام؛ إذ ستجري الدول الأعضاء مراجعة لهيكل بناء السلام على مستوى الأمم المتحدة في عام 2025، والذي سيكون فرصة للحديث عن كيفية توافق عمليات الأمم المتحدة الميدانية مع بعض آليات المنظمة لمنع النزاعات والمساعدة الإنمائية.

وخلاصة القول، فإن الظروف مهيأة -وقد تم بالفعل إعداد الكثير من المواد- لإجراء مناقشة مفيدة لمعرفة إلى أين تتجه عمليات السلام. وليس هناك بالطبع ما يضمن أن الأمم المتحدة ستأذن بالعديد من العمليات الجديدة أو أي عمليات أخرى في المستقبل القريب.

وفي الوقت الذي يشهد فيه مجلس الأمن مزيدا من الانقسام لأسباب جيوسياسية بعيدة كل البعد عن الجوانب الفنية لعمليات السلام، سيكون من الصعب التوصل إلى اتفاق على عمليات نشر جديدة للأمم المتحدة.

وقد دعمت روسيا قرارا ماليا بإخراج قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، وذلك لكسب المزيد من النفوذ في منطقة الساحل. وقد اعترضت الصين على دعوة إدارة بايدن لإرسال بعثة الخوذ الزرقاء إلى هاييتي.

وفي حين أثارت بكين تساؤلات منطقية حول إذا ما كانت مثل هذه البعثة يمكن أن تنجح، فإن دبلوماسيين يشككون في أن موقفها نابع من حقيقة أن هاييتي اعترفت بتايوان.

إعلان

وكانت إدارة ترامب السابقة قد أبدت استعدادا للتلويح باستخدام حق النقض (الفيتو) لإجبار المنظمة على ترشيد الإنفاق على عمليات السلام. وقد تؤدي مناورات مماثلة من جانب القوى الكبرى إلى تعقيد مفاوضات المجلس في المستقبل.

ومع ذلك، يشير الدبلوماسيون المقيمون في نيويورك إلى أنه في حين يشهد العالم زيادة في النزاعات، فقد تبرز مجددا الحاجة لنشر بعثات جديدة للأمم المتحدة بشكل غير متوقع.

وثمة ما يدعو الأمانة العامة للأمم المتحدة والدول الأعضاء إلى توخي الحذر عند الحث على مناقشة نطاق الاستجابات المتاحة للمنظمة، حتى وإن كانت أفضل الخطط التي يضعها مسؤولو الأمم المتحدة قد يكون مآلها الإلغاء أو إعادة الصياغة عندما تستدعي أزمة حقيقية تحويل المفاهيم إلى أفعال.

مقالات مشابهة

  • مجموعة الأزمات الدولية: أفكار جديدة بشأن عمليات حفظ السلام تناقش بالأمم المتحدة
  • السيفيرة البريطانية تكشف عن مؤتمر دولي لحشد الدعم السياسي والاقتصادي للحكومة اليمنية وتنفي روايات الحوثيين
  • الأمم المتحدة: تجديد عضوية الجزائر في لجنة بناء السلام
  • الحوثيون يتهمون السعودية بالتلكؤ في إحلال السلام باليمن
  • السفيرة البريطانية: لا يوجد أي عدوان من جانبنا على اليمن وتهور الحوثيين يهدد جهود السلام بالمنطقة
  • الحوثيون لـ "غروندبرغ": مستعدون للتوقيع على خارطة الطريق ونرفض استنساخ تجربة سوريا في اليمن
  • المبعوث الأممي يزور صنعاء لإحياء محادثات السلام
  • المبعوث الأممي إلى اليمن: زيارتي لصنعاء تهدف إلى حث الحوثيين على دفع عملية السلام
  • المبعوث الأممي إلى اليمن يكشف هدف زيارته إلى صنعاء
  • بعثة الأمم المتحدة تواصل جهودها: لقاء مع وفد غريان حول مستقبل ليبيا