في إسرائيل.. عندما يدعو الأطباء لقصف المستشفيات فوق رؤوس المرضى
تاريخ النشر: 10th, November 2023 GMT
طالب أطباء إسرائيليون جيشهم بقصف المستشفيات في قطاع الغزة، متذرعين بحجة محاربة الإرهاب.
ووقّع عشرات الأطباء في إسرائيل -الذين تأطروا تحت عنوان "أطباء من أجل الجنود"- على عريضة، زعموا فيها "أن من يخلط بين المستشفيات والإرهاب عليه أن يفهم أن المستشفيات ليست مكانا آمنا بالنسبة إليه، ويجب محاربة الإرهاب في كل مكان وبكل طريقة".
هذه المطالبة أثارت ردود فعل كبيرة ومستهجنة، فالمفروض أن الأطباء غايتهم هي حماية أرواح البشر، لا الدعوة لدكّ المستشفيات بالقنابل وقتل المرضى والكادر الطبي.
من جهتها قالت الدكتورة آية الأسمر -عضو مجلس نقابة أطباء الأسنان الأردنية والأستاذ المشارك في كلية طب الأسنان في الجامعة الأردنية- "كوني إنسانة أولا وطبيبة ثانيا وأكاديمية أربّي أجيالا من الأطباء مهنيا ثالثا، أؤكد أن كل قوانين وشرائع الكون السماوية منها والدنيوية الموضوعة، تتبرّأ من هذا الخطاب النازي المتغطرس والحاقد، ومن هذه المبادئ والقيم غير الإنسانية أولا، وغير الأخلاقية ثانيا، وغير المهنية ثالثا، وغير المقبولة على صعيد أخلاقيات المهنة رابعا".
الدكتورة آية الأسمر: "نحن أطباء نحتكم إلى الأخلاق والفضيلة والقيم والمبادئ التي تدعو إلى الرحمة والإنسانية وإنقاذ الأرواح ومساعدة المرضى" (الجزيرة)وتساءلت الدكتورة آية -في تصريحات خاصة للجزيرة– "أين قَسم أبقراط إذن؟ أين أخلاقيات المهنة؟ أين قانون المسؤولية الصحية والطبية؟"، مؤكدة أنه لا عرق ولا جنس ولا دين يحكم المهن الطبية الإنسانية.
وقسم أبقراط، هو مدونة أخلاقية منسوبة إلى الطبيب اليوناني القديم أبقراط، اعتُمدت دليلا لسلوك مهنة الطب على مر العصور، وما زالت تستخدم في احتفالات التخرج في العديد من كليات الطب. وقد انتقل هذا القسم، أو جزء منه، في إصدارات مختلفة عبر أجيال من الأطباء تحت اسم قسم أبقراط.
ويحدد القسم التزامات الطبيب تجاه طلاب الطب وواجبات التلميذ تجاه المعلم. وفي القسم يتعهد الطبيب بأن لا يصف إلا العلاجات النافعة، حسب قدراته وحكمه. والامتناع عن التسبب في الأذى أو الأذى؛ وأن يعيش حياة شخصية ومهنية مثالية.
وأضافت الدكتورة آية الأسمر -وهي عضو رابطة الكتاب الأردنيين- "نحن أطباء نحتكم إلى الأخلاق والفضيلة والقيم والمبادئ التي تدعو إلى الرحمة والإنسانية وإنقاذ الأرواح ومساعدة المرضى، وهذا خطاب دميم مشوّه مغرق في الحقد والكراهية والروح الانتقامية العنصرية، وهو خطاب منبوذ وشاذ وخارج الإطار المهني والأخلاقي والإنساني، ونحن منه براء".
صدمة وذهول
من جهته عبّر طبيب التقويم الأردني الدكتور مرتضى كريشان عن شعوره بالصدمة والذهول عند سماعه بمطالبة أطباء إسرائيليين بقصف المستشفيات في غزة، فالمفروض "أن الأطباء هم أكثر الناس تقديرا للحياة وقدسيتها، وهم يعرفون معاناة المرضى في المستشفيات، فكيف يطلبون إلقاء القذائف على رؤوسهم؟".
وأكد مرتضى أن دعوة هؤلاء الأطباء هو تسويغ للجيش الإسرائيلي في حربه الممنهجة على المستشفيات والقطاع الطبي في غزة، وإعطائه ذريعة لقتل الكادر الطبي والمرضى.
وشدد مرتضى على أن مزاعم الأطباء الإسرائيليين تحمل دعوة لقتل الفلسطينيين، مؤكدا أن ما تفعله غزة هو دفاع عن نفسها وصد للعدوان الإسرائيلي الذي لم يقتصر على الهجوم العسكري، بل سبقته سياسة الحصار والتجويع ومنع إدخال الدواء.
وأضاف الدكتور مرتضى أن قصف الاحتلال الاسرائيلي للمستشفيات في غزة هو عملية ممنهجة تهدف للقتل أولا، ثم لتدمير القطاع الطبي بحيث لا يجد الجرحى من يعتني بهم.
وشدد مرتضى أن هؤلاء الأطباء الإسرائيليين بدعوتهم لقصف المستشفيات قد خانوا قسم أبقراط، وخانوا إنسانيتهم، وتحولوا إلى محرضين على القتل وشركاء في الجرائم بحق الشعب الفلسطيني.
عقلية عدوانية
من جهته قال رئيس اللجنة الإعلامية في نقابة الأطباء الأردنية الدكتور حازم قرالة "أن هذه الدعوات العنصرية المقيتة لا تنم إلا عن العقلية العدوانية المتأصلة في مجتمعهم الإسرائيلي، وهي خروج صارخ على أهم مبادئ الطب وأخلاقه ورسالته السامية بين الشعوب".
وأضاف "أن قصف المستشفيات والمنشآت الصحية ومحاولة إخراج أكبر عدد منها من الخدمة هو رسالة واضحة للجميع أن هدف العدو هو الإبادة الجماعية، وقتل أكبر عدد ممكن من سكان قطاع غزة، وما ارتفاع عدد الشهداء من النساء والأطفال إلا دليل واضح على هذه النية".
وأكد حازم أنه "كوني طبيبا أحذر من كارثة إنسانية حقيقية في حال تركت مستشفيات قطاع غزة دون مساعدة فورية، فهناك نقص في كل شيء من وقود ومواد ومعدات طبية وكوادر بشرية مرهقة ومستنزفة حتى الرمق الأخير، ومفاضلة بين المرضى في تقديم العلاج وتقديم الخدمة الطبية، ومع الأسف النتيجة عدد وفيات أكبر وسط نقص الدواء والحصار واستهداف الكوادر الطبية".
جريمة حرب
من جهته قال المحامي والكاتب الأردني محمد العودات، إن هذه التصريحات -دعوة الأطباء الإسرائيليين الجيش لقصف مستشفيات غزة- تخالف اتفاقيات جنيف التي تنص على حماية الأعيان الطبية ومرافقها سواء كانت أعيان طبية ثابتة أو متحركة، وكل ما يتبع لها سواء كانت هذه المستشفيات مستشفيات تابعة للقوات العسكرية المحاربة أو مستشفيات مدنية.
وأضاف "قد جاءت تلك الحماية منصوص عليها في اتفاقية جنيف 1846 واتفاقيات جنيف 1949 والبرتوكول الملحق بها 1977".
وقال محمد العودات "نصت اتفاقية جنيف 1949 في المادة 6 و18 و19/1 على عدم جواز مهاجمة الوحدات الطبية ووجوب حمايتها والدفاع عنها، كما قرر البرتوكول الإضافي 1977 في المادة 12 و21 منه حماية الوحدات الطبية، وحرمت على أطراف النزاع بألا تكون الوحدات الطبية هدفا لأي هجوم وحماية المركبات الطبية".
وأكد محمد العودات أن ما دعى له الأطباء يعدّ جريمة من جرائم الحرب المنصوص عليها في المحكمة الجنائية الدولية يمكن ملاحقتهم بموجبها، وقد عرفت جرائم الحرب في المادة 8 " بالانتهاكات الجسيمة لاتفاقيات جنيف 1949 " وقد صدر في 2021 قرار بالأغلبية عن المحكمة الجنائية الدولية باختصاصها على الجرائم التي ترتكب في غزة والضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية
وشدد المحامي الأردني على أن فعله الأطباء يخالف إعلان جنيف "قسم الأطباء" الصادر في 1948 الذي جاء في جزء من نصه: أني سأحافظ على أكبر احترام للحياة البشرية، وأني لن أستخدم معرفتي الطبية لانتهاك حقوق الإنسان والحريات المدنية حتى تحت التهديد.
واتفاقيات جنيف وبروتوكولاتها الإضافية معاهدات دولية تضم أكثر القواعد أهمية للحد من همجية الحروب. وتوفر الاتفاقيات الحماية للأشخاص الذين لا يشاركون في الأعمال العدائية (المدنيون، وعمال الصحة، وعمال الإغاثة) والذين توقفوا عن المشاركة في الأعمال العدائية (الجرحى، والمرضى، وجنود السفن الغارقة، وأسرى الحرب)، وهذا وفقا لموقع اللجنة الدولية للصليب الأحمر.
د. عماد أبو ريان: ما نشهده اليوم من استهداف مستشفيات القطاع في ساعات الذروة واكتظاظ المرضى واستهداف سيارات وفرق الإسعاف هو استهداف ممنهج (الجزيرة) لا يمت إلى الطب بأي صلةمن جهته قال دكتور عماد أبو ريان -استشاري جراحة العظام الذي يحمل البورد الألماني- إن هذا الموقف يتعارض مع مبادئ وقيم الطب كونه مهنة انسانية. وهذا الموقف يتبنى موقفا سياسيا وعسكريا، وهذا ما لا يمت إلى الطب بأي صلة أو علاقة.
وأضاف د. عماد "كما أن هذا الموقف يتنافى مع أخلاقيات المهنة وقسمها، والمعاهدات والأعراف الدولية والمؤسسات الحقوقية التي تُعنى بحقوق الإنسان".
وأكد عماد أبو ريان أن ما نشهده اليوم من استهداف مستشفيات القطاع في ساعات الذروة واكتظاظ المرضى واستهداف سيارات وفرق الإسعاف هو استهداف ممنهج. ما نسمعه الآن عبر وسائل الإعلام الحرة من استهداف بيوت الأطباء ومديري المستشفيات وأساتذة كليات الطب لا يدع مجالا للشكل بأن القطاع الصحي في غزة مستهدف، وما يحدث الآن ما هو إلا ترجمة صريحة للإضرار الممنهج بالرعاية الصحة وبنيتها التحتية وعناصرها العاملة، رغم أنها محمية ومصانة بالقانون والعرف الدولي. لذلك لا بد من أن يكون هناك تحرك دولي لضمان أمن هذه المؤسسات الصحية والعاملين بها.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: فی غزة
إقرأ أيضاً:
5٥نوفمبر خلال 9 أعوام.. 63 شهيداً وجريحاً في جرائم حرب لقصف طيران العدوان على اليمن
يمانيون – متابعات
تعمَّد العدوانُ السعوديُّ الأمريكي، في مثل هذا اليوم 3 نوفمبر خلال الأعوام 2015م، و2016م، و2017م، 2018م، ارتكاب جرائم الحرب والإبادة الجماعية والتهجير والتشريد لعشرات الأسر، بغاراته الوحشية المكثّـفة، على المدنيين والأعيان المدنية في المنازل والمزارع، وعلى السيارات، بصنعاءَ وصعدة، والحديدة.
أسفرت عن 4 شهداء، و59 جريحاً بينهم نساء وأطفال، وتدمير عشرات المنازل والمزارع والممتلكات، ومنصة العروض، ومحطة وقود، ومحلات تجارية، وتشريد عشرات الأسر من منازلها، وخسائر بالملايين في الممتلكات، وتعزيز حالة الخوف في نفوس الأطفال والنساء، ومضاعفة المعاناة، ومشاهد مأساوية، تمثل وصمة عار في جبين المجتمع الدولي ومؤسّساته القانونية والحقوقية والإنسانية.
وفيما يلي أبرز تفاصيل جرائم العدوان بحق الشعب اليمني في مثل هذا اليوم:
5 نوفمبر 2015.. 12 جريحاً جلهم نساء وأطفال بغارات العدوان على مزرعة فراولة بصنعاء:
في مثل هذا اليوم 5 نوفمبر تشرين ثاني 2015م، استهدف طيران العدوان السعوديّ الأمريكي، مزرعة فراولة في منطقة الحدبة بمديرية السبعين أمانة العاصمة صنعاء، بغارات وحشية مباشرة، أسفرت عن جرح 12 مواطناً جلهم نساء وأطفال، وحالة من الرعب والخوف ودمار في الأشجار والثمار، وتضرر الممتلكات المجاورة، في جريمة حرب مكتملة الأركان استهدفت المدنيين والأعيان المدنية.
فراولة تسقى بدماء بريئة:
في هذا اليوم كان الهواء يهبُّ ناعماً حاملاً معه عبق الفراولة الناضجة في مزارع الحدبة بمنطقة السبعين بصنعاء، ومعه رائحة مشاقر على رؤوس نساء يرتدين العباءات السوداء، ويعملن في جني الثمار، ومعهن أطفال يلهون بين الشجيرات، ويأكلون ما قدرت أياديهم الصغيرة على قطافه من الحبات الناضجة جِـدًّا، ورجالٌ يعملون بأيديهم الخشنة، ويقلبون التربة، وكلّ في شغله، لا يدري أن مصيراً قاتماً ينتظرهم.
فجأة، حلَّق طيران العدوان السعوديّ الأمريكي في سماء المنطقة وبدأ يلقي حمم حقده قنابل وصواريخ على المزرعة المحمية، وارتفع دويها العنيف، وتهز الأرض من تحت أقدام آمنين يجنون الثمار، ويتبادلون الضحكات، وكان يتوقعون أن طائرات العدوان بعيدًا عن جبهات القتال، لن تختارهم هدفاً جديدًا، وتقضي على مزارع بسيطة، وحياة عادية، وأحلام صغيرة.
هنا جرحت الأجساد ونزفت الدماء وارتوت الأرض بالدماء وشربت الأشجار دماً يمنيًّا بريئًا، وامتزج لون الفراولة وطعمها بلون الدم ونكهته، وشوهت الأجساد البريئة، كانت ملقاة على الأرض تنزف وتصرخ، وأطفال وأُمهات كلّ يبحث عن الآخر وصوت البكاء يعلو في مشهد إنساني يدمي القلوب.
“كنتُ أقطف الفراولة مع بناتي” تقول إحدى الجريحات بصوتٍ يختنق بالبكاء، “فجأة، سمعنا صوت الانفجار، ورأيت الدماء تسيل من أجسادهم الصغير، لم أفهم ما حدث، كُـلّ ما أذكره هو أنني كنت أصرخ وأبكي، والغبار والانفجار من حولي والتراب ينهمل عليَّ مع الدمار، وأصوات من هنا وهناك تدوي بالصراخ”.
مشهدٌ مروع، لا يمكن وصفه بكلمات، نساءٌ يبكين على أطفالهن الجرحى، رجالٌ يحاولون إنقاذ ما يمكن إنقاذه، أطفال يبكون من الألم والخوف، الدماء تغطي الأرض، والشظايا تنتشر في كُـلّ مكان، والدم الأحمر يختلط بفاكهة حمراء، وينزف على أوراق أشجارها، ويروي أرضها وترابها.
في ذلك اليوم، لم تكن مزرعة الفراولة مُجَـرّد قطعة أرض، بل كانت رمزاً للحياة، للبراءة، للأمل، والآن، تحولت إلى شاهدٍ على جرائم الحرب، على وحشية الطغاة والمستكبرين، على غياب العدالة في هذا العالم.
تلك الغارة الغادرة التي سقطت على المزرعة، لم تدمّـر فقط الممتلكات، بل دمّـرت أَيْـضاً نفوساً بريئة، أطفال يعانون من الكوابيس، نساءٌ يعانين من الصدمة، مجتمعٌ يعاني من الخوف والقلق والفقر والقتل اليومي بغارات غادرة، وحصار شامل وتفاقم الأوضاع المعيشية.
هذه ليست مُجَـرّد قصة بل هي حقيقة تحاول تقريب صورة جريمة، وهي واحدة من آلاف القصص التي تروي في كلماتها وعباراتها نزراً بسيطاً من جريمة واحدة من جرائم العدوان بحق الشعب اليمني، وتعكس جزءاً من مأساة الشعب اليمني، وهي قصة عن ألم، عن فقدان، عن صمود، هي قصة يجب أن تروى للعالم أجمع، حتى لا تتكرّر مثل هذه الجرائم.
5 نوفمبر 2016.. العدوان يستهدف مزارع وممتلكات المواطنين بهمدان صنعاء بسلسلة من الغارات:
وفي 5 نوفمبر تشرين الثاني 2016م، استهدف طيران العدوان السعوديّ الأمريكي، مزارع وممتلكات المواطنين في منطقة الحمراء بمديرية همدان صنعاء، بسلسلة من الغارات المباشرة، أسفرت عن أضرار واسعة، وترويع للأهالي، وموجة من النزوح، ومضاعفة المعاناة، في جريمة حرب جديدة أضافت إلى سجل جرائم العدوان بحق الشعب اليمني.
منطقة الحمراء أرض كانت تزخر بالحياة والخصوبة، ونشاط المزارعين والرعاة، وعمال حراثة الأرض وقاطفي الثمار، لكن طيران العدوان قلب المشهد المعتاد إلى أجواء مليئة بالغبار والدخان والنيران والغارات التي تهز الأرض وتدمّـر الممتلكات، وتحول النهار إلى ليل حالك، تناثرت الأحجار والشظايا في كُـلّ مكان، وتحولت المزارع الخضراء إلى رماد وأنقاض، وهرب الأهالي مذعورين من منازلهم ومزارعهم، حاملين معهم ما استطاعوا حمله من متاع، تاركين وراءهم كُـلّ غالٍ وعزيز.
يصف أحد الأهالي تلك اللحظات المرعبة قائلاً: “سمعنا صوت طائرات العدوان تحلق فوق رؤوسنا، ثم بدأت الغارات تسقط على منازلنا ومزارعنا، فهربنا بأرواحنا، وكل يأخذ أسرته على سيارته، ويتفقد جيرانه ومن كانوا بالقرب من الأماكن المستهدفة، هذه شظية عدوان غاشم متخبط يتعمد استهداف المدنيين وقت الظهر، الناس قدهم مصبحين ضابحين والصواريخ من الطيران من الليل متواصلة على المزارع، وأطفالي يبكون ويخرجون ما في بطونهم من شدة الخوف، وهذه محاولة لإركاع الشعب اليمني الصامد في مواجهته وتقديم كُـلّ غالٍ ونفيس، ورفد الجبهات بالرجال والمال”.
كانت مزارع الحمراء تمثل مصدر رزق لأهالي المنطقة، فقد كانوا يزرعون فيها ما يؤمِّن لقمة عيشهم وعيش أسرهم، والآن، وبعد هذه الغارات الوحشية، فقدوا كُـلّ شيء، وتحولوا إلى نازحين في أرضهم.
هذه الجريمة البشعة التي ارتكبها العدوان السعوديّ الأمريكي في حق أهالي الحمراء، هي جزء من سلسلة طويلة من الجرائم التي ارتكبها بحق الشعب اليمني منذ بداية العدوان.
5 نوفمبر 2017.. 11 شهيداً وجريحاً في جريمتَي حرب لغارات العدوان على صنعاء:
وفي ذات اليوم 5 نوفمبر 2017م، ارتكب طيران العدوان السعوديّ الأمريكي جريمتي حرب متفرقتين، الأولى باستهداف وسيلة نقل “باص” يقل مواطنين، في منطقة الخميس الرحبة مديرية بني الحارث، والثانية باستهداف منصة السبعين بالعاصمة صنعاء والمحافظة، أسفرتا عن شهيد و10 جرحى بينهم أطفال ونساء، وترويع الأهالي والمارين ودمار في الممتلكات، ومضاعفة معاناة الضحايا.
جريمة إبادة: نساء وأطفال على باص
ففي مديرية بني الحارث، كان عدد من النساء والأطفال يستقلون باص أجرة لتوصيلهم إلى منزلهم، لكن طيران العدوان، قطع عنهم الوصول بغارة غاشمة لا ترحم، استباحت حياة 8 أرواح بريئة، وسفكت دماءَهم وحاولت إبادتهم بشكل جماعي، دون أي ذنب، وتحولت الرحلة من الطريق نحو المنزل إلى المستشفيات وغرف العناية، وأحدهم شهيد إلى مثواه الأخير بين تراب الأرض، فيما السائق من ضمن الجرحى، ووسيلة تحولت إلى كومة حديد محترق، في مشهد مأساوي أدمى القلوب، وأفزع الأهالي.
فيما كان طيران العدوان يتزود بالصواريخ والقنابل كان عدداً من النساء وأطفالهن -وسط سوق الخميس الذي يشهد حركة دؤوبة- يشترين الخضروات الطازجة، والاحتياجات الأَسَاسية، وأطفال يلعبون ويتخيرون الحلوى، ورجال يتبادلون أطراف الحديث، وما إن بدأ الإقلاع بدأت النسوة يبحثن عن وسيلة نقل تعيدهن إلى منازلهن، وكان لهن ذلك، وما إن بدأن بالتحَرّك خارج السوق حتى باشرهن الطيران بغارة وحشية، لم يكن أحد يتوقعها، وأن هذا اليوم سيتحول إلى ذكرى حزينة وأليمة، وأن هذا اليوم سيكتب فيه تاريخ جديد بالدماء اليمنية، البريئة، مدوناً في جبين الإنسانية جريمة حرب ووصمة عار في جبين الإنسانية ارتكبها طيران العدوان، بحق نساء وأطفالهن.
فجأة، الغارة تستهدف الباص بمن عليه، فتقلب عدة مرات، وانحرف عن مساره، وارتفعت سحابة من الغبار والدخان وبها فيها صرخات ودماء وأرواح، وكان الباص مكتظاً بالمدنيين، مُستمرّاً في الحركة لكن على غير المعتاد، وعليه ركاب معظمهم من النساء والأطفال، كانوا في طريقهم إلى بيوتهم بعد يوم شاق من التسوق.
تحول الباص الأبيض الذي كان يحمل أحلاماً وآمالاً، إلى قبر جماعي متحَرّك يحمل الشهداء والجرحى، سقط شهيد واحد، وسبعة آخرون أُصيبوا بجروح بالغة، معظمهم من النساء والأطفال، كانت المشاهد مروعة، أشلاء مبعثرة، صرخات تملأ الأجواء، ودماء تسيل على الأرض، ومئات الأهالي يتجمعون في مشهد تعاطفي؛ فهذا ينتشل الجريح وآخر يأخذ بيد جريحة، وذاك يتواصل بأهالي العوائل، وثان يسخر سيارته للإسعاف.
يقول أحد الشهود بصوت يختنق بالبكاء: “رأيت الناس يصرخون ويبكون، وكانت هناك امرأة تحمل طفلها الجريح بين ذراعيها، كانت تبكي بحرقة وتصرخ، والدماء على وجهها وتسيل من طفلها الرضيع”.
تحولت الحافلة التي كانت تحمل الأمل، إلى رمز للوحشية والعدوان، وتحول سوق الخميس الذي كان يعج بالحياة، إلى ساحة حرب، من جهة واحدة.
هذا الجريمة الأليمة، واحدة من آلاف جرائم الحرب والإبادة ضد الإنسانية التي ارتكبها طيران العدوان السعوديّ الأمريكي بحق الشعب اليمني، خلال 9 أعوام متواصلة، استهدفت المدنيين العزل، وانتهكت كُـلّ القوانين والأعراف الدولية.
منصة السبعين هدف متجدد لغارات العدوان:
وفي مديرية السبعين كانت منصة العروض التي تم قصفها بداية العدوان ولعدد من المرات تشكل رمزاً للصمود والبقاء رغم كُـلّ ذلك، لكن إفلاس العدوّ وتخبطه، وانعدام الأهداف العسكرية، ووهن معلوماته الاستخباراتية عن الشعب اليمني وجيشه وقيادته، أقحمه لتكرار ضرباته المباشرة على منصة من الحديد والخرسان والخشب، كانت تمر من جوارها سيارات المواطنين المسرعين نحو أعمالهم ومنازلهم، ومنهم 3 على باص نقل صغير أُصيب بشظية وجرح من عليه، وسفكت دماءهم البرية عنوة، لتكون وصمة عار في جبين الإنسانية وقوانينها وهيئاتها، والمجتمع الدولي المتفرج على مشهدية تستبيح الدماء وتهلك الحرث والنسل، والأعيان المدنية، وتدمّـر منصة عروض تستخدم في المناسبات والاحتفاليات الوطنية والدينية لشعبنا اليمني.
تجمع المواطنون فور الغارات ليسعفوا الجرحى ويطفئون النيران، ويقول أحدهم: “هذا عدو جبان حتى منصة العروض لم تسلم منه، هذه المنصة قبل أَيَّـام كانت تحيي ذكرى المولد النبوي الشريف، وكأن هذه الغارة رمزية لمحاولة النيل من رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- وقوة ارتباط الشعب اليمني به وتمسكهم بنهجه السليم”.
5 نوفمبر 2017.. 3 غارات عدوانية تستهدف محطة وقود بصعدة:
وفي 5 نوفمبر 2017م، استهدف طيران العدوان السعوديّ الأمريكي، محطة وقود في منطقة بني ربيعة بمديرية رازح بـ 3 غارات، وحشية، أسفرت عن تدميرها وأضرار كبيرة في محالات وممتلكات المواطنين المجاورة لها، وخسائر مالية بالملايين، ومضاعفة معاناة الأهالي، وترويع الأطفال والنساء إثر سماع الغارات ومشاهد النيران وحجم الدمار، في جريمة حرب تستهدف الأعيان المدنية، وتهدف لتشديد الحصار وتعكير الحياة.
في هذا اليوم تحولت سماء منطقة بني ربيعة بمديرية رازح في محافظة صعدة إلى لوحة قاتمة، حين حلقت طائرات العدوان السعوديّ الأمريكي لتلقي بظلالها السوداء على أرضٍ كانت تزخر بالحياة، وبدأت الغارات بارتكاب جريمة حرب جديدة، عبر استهدافها محطة وقود بثلاث غارات متتالية؛ ما أسفر عن دمارها بالكامل وإلحاق أضرار جسيمة بالممتلكات المجاورة.
هزّت الغارات الأرض، وارتفعت أعمدة الدخان والنيران لتشكل لوحة إجرامية معبرة، وتحولت المحطة التي كانت تزود المنطقة بالوقود إلى كومة من الأنقاض، وانتقلت النيران إلى المحلات التجارية المجاورة، مما تسبب في خسائر مادية فادحة، فرّ الأهالي مذعورين من منازلهم؛ خوفًا من امتداد النيران، ومعاودة الطيران المعادي لاستهداف ما بقي من المنازل، وطواقم الإسعاف والمنقذين.
يصف أحد الأهالي تلك اللحظات المرعبة قائلاً: “العدوان يتعمد استهداف كُـلّ شيء، لا يبقي لنا منازل ولا مزارع ولا محلات ولا محطات وقود، منازلنا لم تعد آمنة، واليوم نحن نترك وراءنا كُـلّ ما بنيناه طوال حياتنا، ونعيش في الجبال والكهوف، ونستمر في رفد الجبهات”.
لم تتوقف معاناة أهالي المنطقة عند هذا الحد، بل عانوا من نقص حاد في الوقود، ما شلّ الحركة في المنطقة وأثّر على حياتهم اليومية، كما تعرضوا لضغوط نفسية كبيرة؛ بسَببِ تكرار الغارات واستهداف المرافق المدنية.
إن استهداف محطات الوقود في ظل الحصار المفروض على اليمن هو جريمة حرب تستهدف المدنيين بشكل مباشر، فالحصول على الوقود ضروري لضمان سير الحياة اليومية، وتوفير الخدمات الأَسَاسية كالمياه والكهرباء، وتسويق المنتجات، وإسعاف المرضى والجرحى، وبالتالي، فَــإنَّ تدمير هذه المحطات يهدف إلى تعميق معاناة المدنيين وتشريد الأسر.
إن ما حدث في منطقة بني ربيعة هو جزء من مسلسل طويل من الجرائم التي يرتكبها العدوان بحق الشعب اليمني، على مرأى ومسمع من العالم والمجتمع الدولي ومنظماته وهيئاته الحقوقية والإنسانية والقانونية.
5 نوفمبر 2018.. 40 شهيدًا وجريحًا في يوم واحد لغارت العدوان ومدفعية مرتزِقته على مناطق متفرقة بالحديدة:
وفي 5 نوفمبر من العام 2018م، كثّـف طيران العدوان السعوديّ الإماراتي الأمريكي ومدفعية مرتزِقتهم من استهداف المدنيين وممتلكاتهم، في مناطق متفرقة بمحافظة الحديدة، أسفرت عن جريمة حرب جديدة راح ضحيتها 3 شهداء وجرح 37 آخرين بينهم نساء وأطفال، ودفع السكان إلى ترك مأويهم والتوجّـه نحو النزوح والتشرد، ومضاعفة المعاناة.
تحولت أحياء سكنية إلى أنقاض، ومنازل آمنة إلى مقابر، ومزارع خصبة إلى أراضٍ جرداء، كانت المشاهد مروعة، دماء تسيل، صرخات تملأ الأجواء، ودموع تنهمر على وجوه الأطفال والنساء، فرّ الأهالي مذعورين من منازلهم، حاملين معهم القليل من أغراضهم، تاركين وراءهم كُـلّ ما يملكون.
يصف أحد الناجين تلك اللحظات قائلاً: “كنا نجلس في منزلنا عندما سمعنا صوت الغارات القوية، هربنا بأرواحنا، وتركنا كُـلّ شيء، رأيت جيراننا وقد أُصيبوا بجروح بالغة، وأطفال يبكون من الخوف، إنها مأساة لا توصف”.
إن استهداف المدنيين والبنية التحتية في محافظة الحديدة جريمة حرب واضحة، وتكرار هذه الجرائم يؤكّـد أن العدوان وأدواته لا يلتزمون بأية قوانين دولية أَو إنسانية، فمنذ بداية العدوان على اليمن، استهدفت المستشفيات والمدارس والأسواق والمنازل، مما تسبب في استشهاد وجرح الآلاف من المدنيين وتشريد الملايين.
إن ما يحدث في محافظة الحديدة هو كارثة إنسانية حقيقية، فالشعب اليمني يعاني من حصار خانق، ونقص في المواد الغذائية والدواء، وانتشار الأمراض، بالإضافة إلى ذلك، يعيش اليمنيون في حالة من الخوف والرعب المُستمرّ؛ بسَببِ استمرار العدوان والحصار، وسماع عودة شبح الحرب مجدّدًا.
ويطالب الأهالي من المجتمع الدولي: بوقف العدوان فورًا، ورفع الحصار المفروض على البلاد، ومحاسبة الجناة، مجرمي الحرب وتقديمهم للعدالة وتقديم المساعدات الإنسانية وتوفير الاحتياجات الأَسَاسية للمدنيين المتضررين، وإعادة الإعمار.