وضع غزة تحت الوصاية الدولية في القانون الدولي
تاريخ النشر: 10th, November 2023 GMT
بعد أن أثبتت عملية طوفان الأقصى في السابع من شهر تشرين الأول/ أكتوبر هذا العام هشاشة الكيان الصهيوني المحتل، وتكبده من قبل أفراد المقاومة خسائر فادحة لم يتعود عليها هذا الكيان الهش منذ نشأته حتى الآن، سارعت الولايات المتحدة الأمريكية ومعها أوروبا العجوز بطرح مسألة حل الدولتين كما ورد في توصية التقسيم رقم (181) الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة.
والكيان الصهيوني الهش ومعه الولايات المتحدة قد ارتكبا كافة الجرائم المنصوص عليها بالمادة الخامسة من ميثاق روما والسادسة والسابعة والثامنة والثامنة مكرر، بل أضافا إليها جرائم لم ترتكب من قبل، وخالفا وانتهكا كافة القواعد والأحكام الواردة في القانون الإنساني الدولي ولا سيما اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949م، وخاصة الاتفاقية الرابعة الخاصة بحماية المدنيين في النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية والبروتوكولين الإضافيين لها لعام 1977م.
وارتكب الكيان الصهيوني -الذى ظهرت هشاشته بشكل واضح بعد عملية طوفان الأقصى في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر في هذا العام- والولايات المتحدة التي تعد فاعلا أصليا في كافة الجرائم المرتكبة ضد المدنيين والمستشفيات والأطقم الطبية والمدارس والمصالح الحكومية في غزة.
لم تترك القوى الكبرى في المجتمع الدولي وسيلة من الوسائل المشروعة وغير المشروعة إلا وتستخدمها لبسط هيمنها وسيطرتها على أشخاص وآليات المجتمع الدولي، فالصراع بين الخير والشر موجود على مر العصور وكل الدهور، بل إن المجتمع الدولي لم ينعم طيلة حياته بالأمن والسلام سوى سنوات معدودات، وهذا الصراع أخذ عدة أشكال ومراحل، وأشد هذه الصراعات فتكا وإجراما وخطورة تتمثل في الصراعات الدينية أو العقدية، فهي أشد أنواع الصراعات ضراوة. لم تترك هذه القوى الكبرى وسيلة من وسائل الحرب المشروعة وغير المشروعة وحتى غير الإنسانية إلا واستخدمتها بضراوة وإجرام غير مسبوقين وبلا قيود أو ضوابط أو رحمة أو إنسانية.
وهذه الوسائل والحروب تتلون في كل عصر بلونه وتستخدم آلياته السياسية والعسكرية والاقتصادية والثقافية، بل نستطيع القول وبدون مغالاة أن أشد الأسلحة فتكا وخطورة وآثار أنتجت لذلك.
ومن الوسائل المستحدثة التي تستخدمها القوى الكبرى في عصرنا الحالي، وسيلة تدويل الأزمات الداخلية الوطنية المفتعلة داخل الدول وخاصة في منطقتنا العربية والإسلامية. وقد بدأت هذه الحيلة في الأيام الأخيرة من الخلافة الإسلامية العثمانية، تحت مزاعم باطلة تتمثل في الدفاع عن الأقليات وخاصة الدينية في ولايات الخلافة العثمانية. وتحت هذا الزعم الباطل تم الحديث عن حقوق هذه الأقليات والتباكي المصطنع على إهدار حقوقها، وضرورة رفع الظلم عن هذه الأقليات والسماح لها بممارسة شعائرها وطقوسها الدينية بحرية، وحقها في أن يكون لها قضاء مستقل وقانون خاص ينظم مسائل تخص العقيدة وخاصة مسائل الزواج والطلاق، التي أطلق عليها زورا وبهتانا "الأحوال الشخصية".
وبعد الدفاع المزعوم عن الأقليات الدينية بات يطالب بحق هذه الأقليات في تقرير مصيرها، وهو المبدأ السياسي الذي دخل القانون الدولي لتحقيق أغراض سياسية والدفاع عن مصالح مزعومة غير مشروعه وليس عن حقوق ثابتة، وتقدمت المؤامرة خطوة أخرى بضرورة تقرير حق المصير لهذه الأقليات حتى تتمكن من ممارسة حريتها الدينية والوطنية. من أجل ذلك نشأت دويلات ودول دون أن تمتلك آليات وإمكانات الدولة سواء السياسية أو الاقتصادية وغيرها.
وفي عصرنا الحاضر يتم تدويل قضايا وطنية داخلية تخضع بالكامل لسلطة الدولة وسيادتها، وتعتبر من صميم الشئون الداخلية للدولة، ومنها تدويل قضية الحرب حاليا على غزة ومحاولة وضع غزة تحت الوصاية الدولية كما كانت فلسطين من قبل تحت الانتداب في عهد العصبة ثم الوصاية الدولية في ميثاق الأمم المتحدة، وأبرز ما جاء في توصية التقسيم ما يتعلق بمدينة القدس الشريف التي سلمتها الأمم المتحدة للصهاينة كمدخل لاقتطاع جزء مهم من فلسطين المحتلة.
1- تدويل غزة بداية لنزع سلاح المقاومة الفلسطينية عن طريق الهيئة الدولية والمجتمع الدولي، حتى يستريح الكيان الإسرائيلي في فلسطين المحتلة من السلاح الوحيد الذي استطاع أن يفاجئ كلا من الولايات المتحدة والكيان الإسرائيلي لأول مرة في تاريخ الصراع.
2- التخلص من سلاح المقاومة بنعته أمام العالم والمجتمع الدولي ونعته بالإرهاب وليس لتحرير الأرض من المحتل.
3- تشويه صورة المقاومة الفلسطينية وخاصة بأنها إسلامية مما يجعل منهج المقاومة يعود بقوة إلى الصراع العربي الغربي، وليس فقط الصراع العربي الصهيوني.
تدويل القضايا الوطنية يعتبر انتهاكا صريحا لمبدأ السيادة والمساواة فيها في القانون الدولي والمنصوص عليه في المادة الثانية الفقرة الأولى من ميثاق الأمم المتحدة التي نصت على: "تقوم الهيئة على مبدأ المساواة في السيادة بين جميع أعضائها"، وكذلك مبدأ تنفيذ الالتزامات الدولية بحسن نية الوارد في ميثاق الأمم المتحدة في المادة الثانية الفقرة الثانية التي نصت على: "لكي يكفل جميع أعضاء الهيئة لأنفسهم الحقوق والمزايا المترتبة على صفة العضوية يقومون بحسن نية بالالتزامات التي أخذوها على أنفسهم بهذا الميثاق".
تدويل غزة يتم بسوء نية من قبل الدول الكبرى وخاصة الولايات المتحدة، لتحقيق أهداف غير مشروعة ومخالفة تماما للقانون الدولي، وخاصة القواعد العامة الآمرة فيه، والتي لا يجوز حتى الاتفاق على مخالفتها من قبل الأطراف المعنية، وأي مخالفة لذلك باطلة بطلانا مطلقا، أي لا يرتب عليها القانون الدولي أي آثار قانونية، ولا يعتبرها القانون الدولي تصرفا قانونيا بل عملا ماديا يقف عند حده، وكذلك مبدأ حق تقرير المصير الذي نص عليه ميثاق الأمم المتحدة في المادة الأولى (الفقرة الثانية)، والمادة الخامسة الخمسين من الميثاق.
أيضا مبدأ عدم التدخل في الشئون الداخلية للدول الوارد في المادة الثانية الفقرة السابعة من ميثاق الأمم المتحدة التي نصت على: " تتدخل في الشؤون التي تكون من صميم السلطان الداخلي لدولة ما، وليس فيه ما يقتضي الأعضاء أن يعرضوا مثل هذه المسائل لأن تحل بحكم هذا الميثاق، على أن هذا المبدأ لا يخلّ بتطبيق تدابير القمع الواردة في الفصل السابع". وتطبيقا لهذه الفقرة يتبين عدم أحقية الأمم المتحدة في التدخل في الشئون الداخلية لأي دولة في المجتمع الدولي، كما حظرت هذه الفقرة على الدول عرض ما يُعتبر من صميم السلطان الداخلي للحل بناء على ميثاق الأمم المتحدة، أي أن الأمم المتحدة ليست مختصة بالنظر في المسائل الداخلية للدول الأعضاء.
ختاما: نقرر أن تدويل غزة مخالف للقواعد العامة/ الآمرة في القانون الدولي العام، مخالفة صريحة وكبيرة، مما يجعله عملا ماديا وليس تصرفا قانونيا، أي أن التدويل باطل بطلانا مطلقا في القانون الدولي العام، ولا يجوز الاتفاق على مخالفته من قبل الأطراف المعنية، ويقع كل اتفاق على مخالفته من قبل المجتمع الدولي، أشخاصا وآليات، باطلا بطلانا مطلقا ولا يجوز تصحيحه بقبوله أو الرضا به من قبل الأطراف.
لذلك ينبغي العمل على إحالة مرتكبي الجرائم الدولية ضد غزة للمحكمة الجنائية الدولية، أو تشكيل محكمة دولية خاصة مثل رواندا ويوغسلافيا، أو طلب فتوى من محكمة العدل الدولية حول التكييف القانوني لتلك الجرائم والتي منها جريمة الإبادة الجماعية طبقا لاتفاقية عدم تقادم جرائم الإبادة لعام 1968م، والعمل بجد على عدم وضع غزة تحت الوصاية الدولية حتى لا تضيع كما ضاعت مدينة القدس الشريف بشرقها وغربها.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه غزة القانون الدولي الجرائم غزة الاحتلال جرائم القانون الدولي مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة المقاومة الفلسطینیة میثاق الأمم المتحدة فی القانون الدولی الولایات المتحدة المجتمع الدولی فی المادة نصت على لا یجوز من قبل
إقرأ أيضاً:
تطور في محاكمة الأسد: الأمم المتحدة تتحرّك
دخلت الأمم المتحدة مؤخّرًا على خط قضيّة محاكمة الرئيس السوري السابق بشار الأسد، وطلبت المقرّرة الخاصّة للأمم المتحدة المعنية بالتعذيب والمعاملة اللاإنسانية والمهينة أليس جيل إدوارد، من الإدارة السورية الجديدة قبول النظام الأساسي للمحكمة الجنائيّة الدوليّة، لكي تتمّ محاكمة الأسد في المحكمة الجنائيّة الدوليّة على "استخدامه التعذيب سنوات طويلة وسيلة للسيطرة على شعبه وبث الخوف فيه وكبت أيّ معارضة، حان الوقت لكي يواجه الأسد العدالة، والمكان الأنسب لمحاكمته هو المحكمة الجنائية الدولية".بالتوازي برز تحرّك رئيس الآلية الدوليّة للتحقيق في الجرائم المرتكبة في سوريا روبرت بيتي، الذي زار دمشق قبل أيام، وذلك للمرة الأولى منذ إنشاء الآلية الدولية التابعة للأمم المتحدة قبل ثماني سنوات، وأجرى محادثات مع المسؤولين السوريين حول العدالة والمساءلة، داعيا إلى حفظ الأدلّة المتعلقة بالجرائم المرتكبة في سوريا.كما أكّد أنه زار منشأة تُحفظ فيها وثائق تتعلّق بالعديد من الجرائم المرتكبة في عهد الأسد، والتقى بضحايا سوريين ونقل مطالبهم إلى المجتمع الدولي. فهل تسير الأمور نحو محاكمة الأسد؟
في سوريا كذلك، تتوالى الدعوات من قبل جهات حقوقيّة لمحاكمة الأسد، منها الشبكة السوريّة لحقوق الإنسانالتي طالبت روسيا بتسليم الأسد لمحاكمته في سوريا بتهمة "ارتكاب جرائم ضدّ الإنسانيّة وجرائم حرب بحقّالشعب السوري". بدوره، أكّد رئيس إدارة العمليات العسكرية في سوريا أحمد الشرع أّنّهم بصدد جمع الأدلّة من أجل محاكمة الأسد والمتورطين في تعذيب السجناء.
محاكمة الأسد في سوريا تبطل محاكمته في لاهاي ولكن
"الشروع في محاكمته في سوريا يسقط من المحكمة الجنائيّة الدوليّة امكانيّة المحاكمة، إلّا إذا ثبُت أنّ المحاكمة الوطنيّة هي صوريّة أو أنّ النظام القضائي الوطني قد انهار بالكامل" استنادًا إلى مقاربة رئيس المركز الدولي للدراسات الاستراتيجية والإعلام الدكتور العميد السابق علي عواد في حديث لـ "لبنان 24" مشيرًا إلى أربعة مرتكزات وفق مبدأ التكامليّة: عدم جواز المعاقبة مرّتين، عدم الإفلات من العقاب، إعطاء الدولة فرصة المحاكمة الوطنيّة دون تدخّل جهة خارجيّة واحترام سيادة الدولة واختصاصها الشخصي على رعاياها".
يمكن للدولة السوريّة، حتّى في حالة عدم مصادقتها على النظام الأساسي لاتفاقيّة المحكمة الجنائيّة الدوليّة، إحالة محاكمة الأسد إلى هذه الهيئة الدوليّة، بشروط يفنّدها دكتور عواد تبدأ بتعاون سوريا مع المحكمة عبر إعلانٍ تودعه لدى قلم المحكمة "بشرط أن يكون السلوك قيد التحقيق وقع في سوريا. وأن يكون الشخص المتّهم أحد رعاياها، والشرطان متوفران". لكن هناك معضلة فرار الأسد إلى روسيا "بحيث يحقّ للسلطات في موسكو عدم تسليمه، كون روسيا ليست طرفاً في ميثاق المحكمة الجنائيّة الدوليّة".
ماذا عن دور مجلس الأمن الدولي هل يمكن له أنّ يبادر لصالح محاكمة الأسد دوليّا؟
مجلس الأمن الدولي لا يحاكم، بل يحقّ له تحويل القضيّة إلى المحكمة الجنائيّة الدوليّة يشرح عواد "بموجب الفصل التاسع من ميثاق الأمم المتحدة، يقوم مجلس الأمن الدولي بإحالة القضيّة إلى المدّعي العام، متصرّفًا بمقتضى صلاحياته. كما تتيح المواد 13 - 15 - 53 من نظام المحكمة للمدّعي العام القاضي كريم خان، بالتحقيق من تلقاء نفسه، بخصوص معلومات خاصّة بالجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة. لكن ذلك لن يحصل، بحيث يُرجّح أن تستخدم روسيا والصين حقّ النقض ضدّ أيّ قرار لمجلس الأمن لمنح المحكمة الاختصاص".
محاكمة الأسد: في دولة غير سوريا أو ضمن محكمة خاصّة
قدّمت محاميّة تركية شكوى جنائية إلى مكتب المدعي العام في اسطنبول، تطالب فيها بمحاكمة المسؤولين عن الجرائم التي ارتُكبت في سجن صيدنايا السوري، وذلك نيابة عن الضحايا.هل يمكن لبلد آخر غير سوريا أن يحاكم الأسد؟ يجيب الدكتور عواد "يمكن لجهات متضرّرة أن تكوّن ملفًا، وتدّعي على الرئيس السابق بشار الأسد، ولكن شرط تقديمه في دولة موقعّة على ميثاق روما. كما يمكن لمجلس الأمن إنشاء محكمة خاصّة لمحاكمته على غرار المحكمة الدوليّة الخاصّة بلبنان التي نظرت في قضيّة اغتيال الرئيس رفيق الحريري".
لا للتسييس
يلفت عواد إلى وجوب عدم الزّج بهذه القضيّة وبالقضايا المشابهة في زواريب التسييس والحسابات الضيقة، انطلاقًا من الهدف الأسمى الذي أرساه القانون الدولي الإنساني وتطبيقاته من قبل المحكمة الجنائية الدولية، لمنع الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان وردع ومحاسبة مرتكبيها "من خلال عملي السابق في قيادة الجيش اللبناني، كنت أول من بادر اعتبارًا من العام 1996 الى تبنّي أهمية القانون الدولي الإنساني، لاعتماده في لبنان وفي المملكة العربية السعودية، فوضعت برامج التعليم العسكري وتطبيقاته في الوحدات القتالية الكبرى وأمر العمليات، كما في برامج التعليم المدني والمعاهد التعليمية والتربوية المدنية وتنظيم الندوات العلمية في البلدين، وذلك من خلال كليّة القيادة والأركان في لبنان، ومن خلال جامعة نايف العربيّة للعلوم الأمنيّة في السعودية. كما بادرت الى اقتراح إنشاء اللجنة الوطنيّة لتطبيق القانون الدولي الإنساني، من خلال وزارة الدفاع الوطني في لبنان ومن خلال أمير منطقة الرياض في حينه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود. بالتالي يتوجّب على الخبراء والمحللين، الذين ضاقت الشاشات بظهورهم ومبالغاتهم الفاقعة التي تفتقر إلى التوصيف العلمي الموضوعي، عدم الإساءة إلى أهمّ عولمة في التاريخ، وهي عولمة القانون الدولي والإنساني، من أجل محاكمات جنائيّة عادلة".
احتمالُ أن لا يفلت الأسد من العقاب تبقى قائمة، خصوصًا أنّ التاريخ يخلّق ما لا تعلمه الجغرافيا، فإذا كانت روسيا اليوم راغبة بحمايته من المثول أمام المحكمة الجنائيّة الدوليّة وقادرة على ذلك، قد لا تكون سلطاتها غدًا أو بعده على نفس الرغبة أو القدرة.
المصدر: خاص لبنان24