صحيفة التغيير السودانية:
2025-02-08@22:19:20 GMT

السودان.. الحرب المنسية الأُخرى

تاريخ النشر: 10th, November 2023 GMT

السودان.. الحرب المنسية الأُخرى

 

السودان.. الحرب المنسية الأُخرى

علي حمادة

 

طغت حرب غزة بين إسرائيل وحركة حماس على حروب أخرى تستعر في العالم ولا تقل عنها عنفا وخطورة.

ففي حين أن حرب غزة حجبت الأضواء عن حرب أوكرانيا الدائرة منذ 24 فبراير 2022، التي أدت إلى سقوط مئات آلاف الضحايا من الجانبين الروسي والأوكراني، حجبت حرب غزة حربا دموية أخرى شديدة الخطورة على إقليم جيوسياسي واسع يتقاطع عند نقطة التقاء شمال شرق إفريقيا وجنوب غرب آسيا.

إنها حرب السودان التي بدأت في 15 أبريل الماضي بين الجيش السوداني بقيادة الفريق عبد الفتاح البرهان و “قوات الدعم السريع” بقيادة الفريق محمد حمدان دقلو المعروف بـ”حميدتي”.

ولم تنجح جميع الوساطات الخارجية في إيقاف الحرب، ولا حتى في التوصل إلى هدن حقيقية بين الطرفين المتصارعين.

فقد بطا أن كلا من البرهان وحميدتي كانا ولا يزالان يراهنان على إمكانية حسم الصراع بالانتصار العسكري.

ولذلك انهارت جميع المحاولات الدبلوماسية أمام تصميم الطرفين على مواصلة القتال الدامي في العاصمة الخرطوم، والعديد من الولايات الأخرى لاسيما ولاية دارفور الحساسة إن لجهة تاريخها الدموي، أو لجهة موقعها الجغرافي على تقاطع الحدود بين ليبيا الغارقة في أزمة عميقة، والتشاد التي تربط السودان بعمق منطقة الساحل الحبلى بالنزاعات والتدخلات الخارجية.

وبالرغم من استحالة إقناع طرفي الصراع بعد 7 أشهر من القتال بالتفكير جديا بانتهاج مسار التسوية، أولا لتعذر أي منهما حسم الصراع لصالحه، وثانيا لإنهاء معاناة المواطنين السودانيين الذين دفعوا ويدفعون ضريبة الحرب بأرواحهم وممتلكاتهم ومعيشتهم.

فالأضرار هائلة أكان على مستوى الخسائر البشرية التي تجاوزت عشرات الآلاف من القتلى ومئات الآلاف من المصابين، فضلا عن الخسائر المادية الفادحة على مستوى الاقتصاد، ومؤسسات الدولة وبناها التحتية.

ولكن يسجل لـ”منصة جدة” التي تضم الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية أن محاولاتها استمرت رغم كل العقبات والصعوبات في محاولتها جمع الطرفين إلى طاولة تفاوض واحدة، مع خفض مستوى التوقعات، واستبدال الطروحات الشاملة كوقف شمال ونهائي لإطلاق النار، بطروحات متدرجة أكثر واقعية وقابلية للتطبيق كالاتفاق على تسهيل إيصال المساعدات وتطبيق هدن متدرجة كمدخل للشروع بإجراءات لبناء الثقة.

وتتفق جميع الدول والجهات الأممية والإقليمية على مبدأ مفاده بأنه “لا يوجد حل عسكري مقبل للصراع” وبالتالي فإن استمرار القتال سيؤدي حكما إلى انهيار الدولة، وتفتت الكيان.

وقد فاقمت فكرة تشكيل حكومة غربا في بورتسودان تابعة للجيش، وأخرى شرقا في دارفور تابعة للدعم السريع المخاوف من حصول تقسيم واقعي في السودان، يمكن أن يتجاوز الطرفين الى تفتيت البلاد على قاعدة جهوية، إثنية، قبائلية على امتداد الجغرافيا السودانية.

إنها أزمة مهولة، بنتائجها وارتداداتها الداخلية والإقليمية، ومن شأنها أن تغذي نزاعات أخرى في دول الجوار التي تجد نفسها مستدرجة للتدخل في صراع متناسل على أكثر من صعيد.

ولعل غياب الضغوط الخارجية الصارمة، في مقابل تزايد التدخلات الخارجية سيطيل من عمر صراع قد يحول السودان إلى أفغانستان جديدة!

عاجلا أم آجلا ستنتهي حرب غزة وقد تطول الحرب في السودان بين طرفين لا يملكان حتى الآن استراتيجية خروج حقيقية.

لكن الخطر يكمن في أن الصراع الدائر اليوم قد لا يعود مجديا متى انهارت البلاد، ومؤسسات الدولة، والأسوأ وحدة البقية الباقية من البلاد.

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

إقرأ أيضاً:

الضحية الأولى لأوّل رصاصة في السودان

حمّور زيادة

اختلف المختلفون، من أطلق الرصاصة الأولى في حرب السودان؟... يؤكّد بعضهم أن قوات الدعم السريع هي من فعلت. ومن شواهد ذلك أنه قبل الحرب (13 مارس/ آذار 2021) تحرّكت في خطوة مفاجئة نحو قاعدة مروي الجوية لمحاصرتها. يعتبر بعضهم أن الحرب بدأت في ذلك اليوم، سيّما أن المتحدّث باسم الجيش أعلن أنها تحرّكات من دون الرجوع إلى القيادات العليا للجيش. بينما ردّ المتحدّث باسم "الدعم السريع" أنها عملية انتشار عادية، ونقل للقوات، ضمن اختصاصاتهم لتأمين البلاد. ومن الشواهد أيضاً أنه في يوم إطلاق الرصاصة الأولى (صباح 15 إبريل/ نيسان 2023)، اعتقلت قوات الدعم السريع عدداً من كبار ضبّاط الجيش. بعضهم اعتقلوا في منازلهم، وهم يستعدّون ليوم عمل عادي.
ويؤكّد بعضهم أن الجيش هو من هاجم معسكر "الدعم السريع" في بالمدينة الرياضية (التي انتقلت إليها "الدعم السريع" في خطوة مفاجئة أخرى قبل أيام). هذه الرواية لا يقدّم أصحابها علناً أدلّةً، ولا حتى شواهد متماسكة. يقولون فقط إن "الدعم السريع" كانت مستعدّة، وأنه ما أن هاجم الجيش مقرّها في المدينة الرياضية، حتى انطلقت قواتها كلّها لتنفذ خطّة موضوعة مسبقاً للدفاع عن النفس. هكذا كان قائد المليشيا يردّد بغضب في القنوات الفضائية، "لقد هاجمونا. نحن ندافع عن أنفسنا. ماذا نفعل مع من يهاجمنا؟ هل نردّ عليه بالبسكويت والتفّاح؟". جزء من هؤلاء يتّهمون الحركة الإسلامية داخل الجيش بأنها من أطلقت الرصاصة الأولى، ووضعت الطرفَين قبالة الأمر الواقع. لكن هذا الاختلاف يوحي أن الحرب ظهرت من العدم (!)، رغم أن الخرطوم كانت تنتظرها.
في 18 مارس 2023، قبل الرصاصة الأولى بحوالي شهر، قال كاتب هذه السطور في خاتمة مقال في "العربي الجديد"، "لا يمرّ أسبوع من دون خطاب جماهيري للفريق أوّل عبد الفتاح البرهان، ولا يمرّ يوم لا يتبادل فيه سكّان الخرطوم الشائعات عن تحرّكات عسكرية، وعن دخول مزيد من قوات الدعم السريع إلى الخرطوم. ولا يعلم أحد بدقّة ما الحقيقة وما الشائعة. لكن الناس يؤمنون بأن شيئاً ما سيحدُث. بشكل ما، الخرطوم في انتظار طلقة الرصاص الأولى، إلى درجة أن احتفالاً بالألعاب النارية، في مساء 27 الشهر الماضي (يناير/ كانون الثاني) جعل المدينة ترتجف، وظنّ الناس أن الساعة التي يعلمون أنها آتية قد وقعت".
قبل عام من الحرب، نشرت "العربي الجديد" في فبراير/ شباط 2022، أن الفريق أوّل عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة (وقتها) أبلغ القاهرة مخاوفه من أن نائبه الفريق أوّل محمّد حمدان دقلو يرتّب انقلاباً بمساعدة أطراف خارجية. كان المكون العسكري يتفكّك منذ وقت قبل إطلاق الرصاصة الأولى.
في 16 مارس 2023 (شهر قبل الحرب)، هدّد البرهان علناً من يحاولون القدح في الجيش أو النيل منه، وقال إن الجيش امتلك تكنولوجيا تسليح حديثة، وطائرات مسيَّرة تجعله قادراً على حسم أيّ تهديد داخلي أو خارجي.
جدل من أطلق الرصاصة الأولى يأخذ الناس بعيداً من الضحية الأولى. فالرصاصات التي انطلقت، سواء في مدينة مروي، أو في المدينة الرياضية، أو في القيادة العامة للجيش، أيّاً كان مطلقها، أصابت العمل السياسي في مقتل. منذ لحظة الحرب الأولى قُتِلت العملية السياسية. إنها الضحية الأولى، وأصبح الرصاص والمسلحون هم من يحدّدون مستقبل البلاد.
بعد حوالي عامَين من الحرب، يظهر أن أحلام "الدعم السريع" أبعد من أن تتحقّق، في عاصمة البلاد المدمَّرة ووسطها على الأقل، بينما يقترب الجيش من إعلان انتصاره في الخرطوم. واستباقاً لهذا الانتصار أعلن أكثر من قائد عسكري "موت السياسة". فقائد الجيش سيبقى في رأس الدولة عدّة سنوات حتى بعد الانتخابات (!)، كما كُلّف قائد عسكري بتأسيس "تجمّع شبابي، يتجاوز الأحزاب التقليدية، ويصبح بديلاً لها" (!).
أمّا "الدعم السريع"، التي انهارت أحلامها في إعلان حكومة موازية في العاصمة الخرطوم، فالأمور في أماكن سيطرتها لن تختلف. فالحكومة الموازية أينما أُعلِنت ستكون مُجرَّد سكرتارية مدنية لقائد "الدعم السريع"، ناهيك عن أن تجارب المليشيات في العالم كلّه لا تبشّر بنموذج مختلف.
أمّا الشعب، فمن المؤكّد أن أولوياته قد تغيّرت. فبعد النزوح والتهجير والقتل والمذابح، يصبح الأمان هو أولويته ولزمن طويل. وهو ما يعده به حملة البنادق.
هكذا قتلت الرصاصة الأولى (أيّاً كان مطلقها) كل أحلام تحوّل السودان من دولة الانقلابات العسكرية والحروب الأهلية، التي كانتها طوال تاريخها، إلى دولة ديمقراطية مدنية، فيها تداول للسلطة، وسلام وتنمية، وصديقة للعالم.

نقلا عن العربي الجديد  

مقالات مشابهة

  • كيكل: بعد انتهاء الحرب سنواجه أي شخص تطاول وتربص بالسودان
  • هل اقترب الجيش السوداني من حسم الصراع عسكريا؟
  • الصراع المسلح في السّودان أو سلة الغذاء العالمية.. أسبابه وتداعياته في كتاب
  • تصريحات ترامب تشعل الشرق الأوسط.. خبير: تناقض يحفز الحرب ويوسع الصراع
  • الضحية الأولى لأوّل رصاصة في السودان
  • حرب الجريمة والعقاب في السودان
  • السودان بعد الحرب.. هل تستمر لعبة العسكر؟
  • خطر الألغام في السودان.. الموت المختبئ تحت الأقدام
  • تشكيك روسي في مساعي ترامب لإنهاء الحرب الروسية الأوكرانية
  • ضياء الدين بلال يكتب: القوة الخفية التي هزمت حميدتي (2-2)