بالروح والريشة.. فنانون عالميون يوثقون مأساة الحرب على غزة
تاريخ النشر: 10th, November 2023 GMT
مراكشـ حين يأخذ الفنان المغربي عبد العالي بنشقرون ريشته، ويقف أمام بياض صفحة لوحة جديدة، يشعر أن الحبر الذي يرسم به قد تحجر كما الدموع في عينيه، وهو يتابع أخبار الشهداء الذين يرتقون يوميا في فلسطين.
ومع ذلك، يقاوم ذاك الشعور باليأس والإحباط، ليكمل لوحته التي بدأها منذ بدء العدوان على الشعب الفلسطيني، تمتزج فيها الألوان والرموز والحروف وصورة فيروز، كأنه يقرع أجراس العودة والتحرير بعد طول احتلال.
ويدعو بنشقرون في حديث لـ "الجزيرة نت" كل ضمير حي للتعبير عن تضامنه مع فلسطين بكل الأشكال الممكنة، وهو نداء أطلقه من مراكش الحمراء إلى جانب مواطنه الخطاط محمد البندوري، استجاب له فنانون تشكيليون عالميون اجتمعت كلمتهم في معرض فني افتراضي، أطلقوا من خلاله صرختهم لتخترق جدار الصمت وتصل إلى العالمين، وفق تعبيره.
تلاحم مع غزةلا يحتاج المرء التأكيد على أن الحرب على غزة مأساة إبادة لا توصف، كما جاء في ديباجة المعرض الذي يرقى بفكرة دعم الشعب الفلسطيني في نضاله من أجل التحرير واستعادة كافة حقوقه التاريخية.
ويشارك هؤلاء الفنانون من بلدان المغرب وفرنسا وروسيا والهند والعراق ولبنان وأذربيجان وإيران -بلوحاتهم- لتوثيق تضامنهم مع الشعب الفلسطيني في محنته.
لوحة للفنان المغربي عبد العالي بنشقرون تضم معالم تعبر عن القضية الفلسطينية (الجزيرة)ويؤكد رئيس جمعية حوار الفنون المعاصرة (بنشقرون) على أن الفنانين المساهمين يقدمون أنموذجا فاعلا يساهم في تلاحم الأفكار والتعبير عنها بالروح والريشة، لتشكل حلقة تواصلية عالمية هامة، على اعتبار أن الفنان له تأثير بارز في الدفاع عن القضايا العادلة.
ويشير إلى أن المعرض وجد تفاعلا كبيرا على مواقع التواصل الاجتماعي، وطلبات كثيرة للانضمام إلى المبادرة من المغرب وخارجه، وهو بمثابة تاج تفكير لما شعرت به أرواح الفنانين من مأساة بحجم الوضع وخطورته.
حلم وحقيقةفي لوحة بعنوان "بين الحلم والواقع" رسمت قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، يتوسطها منطاد وتمتزج فيها ألوان علم فلسطين، كأنها تستشرف عملية للمقاومة في فلسطين.
وتبرز الفنانة اللبنانية هناء عبد الخالق لـ "الجزيرة نت" أنها استعملت ذلك الجسم الطائر في تلك اللوحة كأنه حلم ترتقي به من الوضع المأساوي وتحمل معه آمالها.
لوحة الفنانة اللبنانية هناء عبد الخالق (الجزيرة)وبعد انطلاق عملية "طوفان الأقصى" -بإنزال مقاتلين تابعين لكتائب "عز الدين القسام" الجناح العسكري لحركة حماس، عبر المناطيد وراء الجدار الذي يحاصر غزة، تشعر هناء بذلك التناقض بين الحلم والواقع، حلم إنقاذ ما تبقى من جمال في لبنان، وواقع إنقاذ أرض فلسطين من المحتل، وهو تناقض بين الصعود والهبوط، بين الهواء الساخن والبارد، بين جاذبية الأرض والتحرر من القيود.
وتضيف أن الأرض تغلي بمأساة الشعب الفلسطيني، نساء ورجالا، أطفالا وشيوخا، بمشاهد موجعة يندى لها الجبين، وأن الفنان بطبيعة الحال يعبر على طريقته لإيصال رسالته إلى العالم وتضامنه وأن قلبه حاضر دائما ومع الجميع، مشيرة إلى أن لبنان نفسه غير بعيد عن هذه المأساة خاصة، الجنوب وشعبه الصامد.
فلسطين لم تمت"فلسطين لم تمت" هكذا يبدأ التشكيلي الفرنسي برتراند بولون حديثه لـ "الجزيرة نت" مشيراً إلى أن المعرض بمثابة منبع طاقة للجميع، وهو يظهر تضامن موضوعيا.
ويضيف "على الرغم من اختلافاتنا، من المهم أن نجتمع حول القيم الأساسية للحرية والاحترام المتبادل لمعتقدات بعضنا البعض وأعراقنا وأدياننا".
لوحة شاركت بها الروسية ليلى أولغا بالمعرض الافتراضي لدعم فلسطين (الجزيرة)ويؤكد بولون الأستاذ الجامعي أن السكان المدنيين هم من يدفعون ثمنا غير مقبول على جميع المستويات ويعاملون مثل الماشية، وأن الانتهاكات المتنوعة الناجمة عن الحرب ليست فقط سقوط القتلى، بل لها علاقة مباشرة مع التاريخ الماضي والمسؤوليات المتعددة التي يكشف عنها.
ويقول ذات المتحدث إن هناك الكثير من العمل للقيام به، وعلى الرغم من سياق الحرب، فإن المعرض فرصة حقيقية لتحريك الأمور إلى الأمام، خاتما بالقول "فلسطين تبقى في قلوبنا".
رفع الصوتبدورها، تشعر الفنانة الروسية ليلى أولغا أن دماء مغربية تجري في عروقها وأن هذا البلد الذي أمدها بالحب تبادله نفس الشعور، وهي لا تملك إلا أن تكون إلى جانب قضية عادلة.
تقول لـ "الجزيرة نت" إن التضامن مع قضية فلسطين "يحيي فينا ما تبقى من إنسانية في عالم يخضع لقانون الغاب يأكل فيه القوي الضعيف، وتقصف فيه المدارس والمستشفيات دون هوادة، في تعد سافر لكل مبدأ إنساني في الحرب والسلم".
لوحة شاركت بها الروسية ليلى أولغا بالمعرض الافتراضي لدعم فلسطين (الجزيرة)وترفع أولغا صوتها عاليا، وهي التي تستعمل رموزا حية في لوحاتها للتعبير عن الحياة اليومية بالمغرب، لرفض كل تهجير وإبادة للشعب الفلسطيني، والعدوان الممارس على الأطفال والنساء وكل المدنيين، مبرزة أن الجميع قلبا وقالبا متضامنون مع فلسطين المحتلة.
حصارفي المعرض تبرز لوحة تشكيلية، وأخرى خطيّة، مرسومة بروح أو منحوتة بعشق وشغف، يشعر فيه الزائر المتأمل أن الوجوه تصرخ في وجه العالم، تعلو فوق الألم كأنها تكسر اليأس الذي يدب في النفوس، وتحاصر المحتل ليحوله إلى فاقد للوعي والكرامة.
ويقف المرء مشدوها أمام فاجعة ما يقع في غزة يوميا، ويحرك فيه أحاسيس تدفعه، كما فعله هؤلاء الفنانون، إلى التضامن عبر ما يملكه من موهبة وقدرة على الإبداع يدعم به المقاومين، وقد يوازي إبداع أساليب المقاومة على الأرض.
الفنان التشكيلي والخطاط المغربي العربي تراك (الجزيرة)ويقول الخطاط المغربي العربي تراك لـ "الجزيرة نت" إنه يشعر بالغضب العارم أمام ما يقوم جيش الاحتلال من إبادة جماعية للشعب الفلسطيني الذي له الحق في الحياة والحرية والدفاع عن أرضه ومقدساته.
بينما تشير التشكيلية نجية المرابط في حديث لـ "الجزيرة نت" إلى أن الفنان بحسه الإنساني يعبر عبر ريشته، عما يخالجه من مشاعر إدانة العنف، مبرزة أن لوحتها "صمود" عنوان للمقاومة وسعي نحو التحرر والسلام في فلسطين والعالم.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: الشعب الفلسطینی الجزیرة نت أن الفنان إلى أن
إقرأ أيضاً:
موردو قطاع السيارات في أوروبا يعانون.. مأساة تاريخية لصانعي نجمة مرسيدس
صناعة السيارات، تلك الحركة العملاقة التي حركت الاقتصاد العالمي لعقود، تعيش اليوم أزمة وجودية. فبعد أن كانت محركا للنمو والابتكار، أصبحت ساحة معارك بين التكنولوجيا التقليدية والكهربائية. وفي خضم هذه المعركة، يدفع الموردون الصغار والكبار الثمن، وتتلاشى آلاف الوظائف، وتهدد سلاسل التوريد بالانهيار.
فشركة مثل غيرهاردي كونستوفتيكنيك التي تأسست في عام 1796، استطاعت أن تصمد أمام غزو نابليون، والكساد الكبير، وحربين عالميتين. لكن الأزمة الحالية التي تضرب قطاع السيارات الأوروبي جعلت هذا المصنع العريق، الذي كان رمزا للإبداع الصناعي الألماني، يعلن إفلاسه الشهر الماضي.
غيرهاردي، المعروفة بإتقانها لصنع مكونات البلاستيك مثل شارات النجمة المميزة لمرسيدس-بنز، كانت رمزا للشركات الصغيرة والمتوسطة التي تشكل العمود الفقري لسلسلة التوريد في صناعة السيارات الأوروبية.
ومع ذلك، فإن تزايد التكاليف وانخفاض الطلب أثقل كاهل الشركة، مما أدى إلى ضياع مستقبل 1500 موظف.
عاصفة تضرب الموردينووفقا لتقرير نشرته بلومبيرغ، فإن الأزمة الحالية تعصف بمئات الموردين الذين يعانون نتيجة انخفاض مبيعات السيارات وتباطؤ التحول نحو السيارات الكهربائية.
الموردون الأوروبيون أعلنوا عن شطب 53.300 وظيفة في عام 2024 معظمها في ألمانيا (الألمانية)وتذكر بلومبيرغ أن من الشركات المتضررة الأخرى شركة "فورفيا" الفرنسية، المزودة لشركات مثل فولكس فاغن وستيلانتيس، التي أعلنت عن تخفيض آلاف الوظائف بسبب تراجع الطلب على المنتجات التقليدية مثل أنظمة العادم وناقلات الحركة.
إعلانلكن الأزمة لم تقتصر على الشركات المصنعة للمكونات التقليدية، حتى الموردين الذين انغمسوا في إنتاج مكونات السيارات الكهربائية يعانون من تخفيضات في الدعم الحكومي وتراجع المبيعات، وفق ما ذكرته الوكالة.
على سبيل المثال، اضطرت شركة "نورثفولت" السويدية لإعلان إفلاسها في الولايات المتحدة، بينما تأخر أو أُلغي 11 من أصل 16 مصنعا أوروبيا مُخططا لإنتاج البطاريات، وفقا لتحليل أجرته بلومبيرغ.
تأثير مدمر على العمالة والاستثماروبحسب إحصائيات جمعية صناعة السيارات الأوروبية (CLEPA)، أعلن الموردون الأوروبيون عن شطب 53 ألفا و300 وظيفة في عام 2024، معظمها في ألمانيا.
تجاوزت هذه الخسائر ما حدث خلال جائحة كورونا بحسب مقارنة قامت بها بلومبيرغ، وأشار ماتياس زينك، رئيس الجمعية في حديث للوكالة، إلى أن "الشركات استثمرت بكثافة على أمل زيادة الطلب على السيارات الكهربائية، لكن هذه الزيادة لم تحدث بعد".
صناعة السيارات أصبحت واحدة من أكثر القطاعات اضطرابا على مستوى العالم (رويترز)وتذكر الوكالة أن الشركات الصغيرة ليست الوحيدة المتضررة، حيث امتدت التداعيات إلى الكيانات الكبيرة مثل روبرت بوش التي تواجه تحديات حادة، مع توقع أن 20% من موردي السيارات سيحققون خسائر في العام المقبل.
ويعتقد الخبراء، مثل أندرو بيرغباوم من شركة "أليكس بارتنرز"، أن صناعة السيارات أصبحت واحدة من أكثر القطاعات اضطرابا على مستوى العالم. وأكد أن "الشركات المصنعة تبطئ أو توقف خطوط الإنتاج، مما يسبب تأثيرا عميقا على سلسلة التوريد".
وعلى الرغم من هذه التحديات، فإن الحلول تكمن في دعم الموردين الصغار، وتحفيز الاستثمارات في التقنيات النظيفة، وإعادة التفكير في إستراتيجيات الإنتاج والتوريد، بحسب بيرغباوم.