مقدمة الترجمة:

في خضم اشتعال الحرب بين فصائل المقاومة الفلسطينية وجيش الاحتلال في غزة، تتوجَّه الأنظار باستمرار إلى إيران وحلفائها في المنطقة. وبينما تكتفي إيران حتى الآن بالتصعيد الخطابي، ويكتفي حلفاؤها في لبنان بمناوشات محدودة، يبدو أن حرب غزة في العموم أتت في وقت مناسب للنظام الإيراني الذي يسعى لإعادة إنتاج شرعيته عبر الدور المركزي الذي يلعبه في القضية الفلسطينية، وربما يفكر أيضا في أخذ خطوات إضافية في برنامجه النووي.

بيد أن كل ذلك لا بد أن يأخذ في الحسبان احتمالية اندلاع حرب إقليمية تُعرِّض النظام لضربة عسكرية أميركية، كما يشرح "محمد آية الله طبار"، الباحث الأميركي ذو الأصول الإيرانية، والأستاذ المساعد بقسم الشؤون الدولية بجامعة تِكساس.

 

نص الترجمة:

منذ تأسيسها عام 1979، روَّجت جمهورية إيران الإسلامية لنفسها على أنها حليف قوي لحركة التحرر الفلسطينية. وقد استلهم الكثير من الثوريين الإسلاميين واليساريين الإيرانيين تجربة كُتاب ومقاتلي فلسطين في خضم ثورتهم على نظام الشاه، بل إن بعضهم قد تلقَّى تدريبات في مُخيَّمات الفصائل الفلسطينية أثناء الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي. وما إن نجحوا في السيطرة على الدولة الإيرانية، حتى بدأ هؤلاء الثوريون في رد الجميل لإخوانهم الفلسطينيين، واستهلُّوا ذلك بتسليم مبنى السفارة الإسرائيلية في طهران إلى منظمة التحرير الفلسطينية. وبعد أيام من نجاح الثورة، استُقبِل "ياسر عرفات"، زعيم المنظمة حينها، في العاصمة الإيرانية.

 

على مدار الثمانينيات، منح الحرس الثوري الإيراني المُشكَّل حديثا تدريبات للجماعات الشيعية اللبنانية التي حاربت إسرائيل (بعد اجتياح لبنان عام 1982)، رغم أن الحرس كان مشغولا حينها بالحرب الضروس مع العراق (1980-1988)، وبعد أن نبذت منظمة التحرير الفلسطينية العنف (المقاومة المسلحة)* واتجهت نحو الدبلوماسية في التسعينيات، ساعدت إيران في تشكيل شبكة من الجماعات الإسلامية المقاومة لإسرائيل. في البداية، عانى مقاتلو المقاومة الفلسطينيون واللبنانيون في مواجهة الجيش الإسرائيلي الأفضل من حيث العُدَّة والعتاد، لكن مع التدريب القادم من الحرس الثوري، تنامت كفاءة وقدرة المقاومة.

نَسَبت إيران الفضل لنفسها في انتصار حزب الله عام 2006، واعتبرته نقطة تحوُّل في صراعها مع إسرائيل. (رويترز)

على سبيل المثال، وبفضل التدريب الإيراني والاشتباكات المتكررة مع إسرائيل، تحوَّل حزب الله اللبناني إلى قوة عسكرية لا يُستهان بها، ونجح في طرد إسرائيل من جنوب لبنان عام 2000. ثم أتت حرب إسرائيل على لبنان عام 2006، ورغم الكُلفة البشرية والاقتصادية الهائلة التي تكبَّدها لبنان، فإن الحرب ألحقت أضرارا جسيمة بالجيش الإسرائيلي، وخلقت درجة من الردْع المُتبادل أرغمت إسرائيل على عدم تكرار تجربة غزو لبنان منذئذ. وبالتبعية، ساعدت حرب 2006 في ردْع إسرائيل عن أي عمل عسكري علني تجاه المنشآت النووية الإيرانية، خشية أن تواجه ردود فعل عسكرية من حزب الله وترسانته الصاروخية.

 

لقد نَسَبت إيران الفضل لنفسها في انتصار حزب الله عام 2006، واعتبرته نقطة تحوُّل في صراعها مع إسرائيل. ولكن قبل أن تمسك طهران بزمام المبادرة في الصراع العربي-الإسرائيلي، كانت هناك سلسلة من الهزائم مُنيت بها النظم القومية العربية في مواجهة الجيش الإسرائيلي، على رأسها هزيمة يونيو/حزيران 1967 (النكسة)*، علاوة على فشلها في تحقيق أي تقدُّم لصالح القضية الفلسطينية. في تلك الأثناء، استثمرت إيران في نجاحاتها مع حزب الله، وبدأت منذ مطلع التسعينيات تدعم حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، التي باتت تحكُم قطاع غزة منذ عام 2007.

 

يبدو تحالف إيران وحماس غريبا إلى حدٍّ ما. إن حماس التي تعود جذورها إلى أفكار الإخوان المسلمين، لم تتأسس إلا بعد الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987، وهي حركة سُنيَّة في نهاية المطاف انحازت في مُستهَل الثورات العربية للمعارضة السُّنيَّة ضد نظام بشار الأسد في سوريا، رغم أنه حليف مُقرَّب من طهران. بيد أن قادة إيران أبدوا قدرا من البراغماتية في بناء شبكة حلفائهم، وأتاحوا لهم درجة من الاستقلالية والاختلاف عنها في بعض المواقف الإقليمية. ونتيجة لذلك، تجاهلت إيران الفروقات بينها وبين حماس.

 

جَنَت إيران ثمار هذه البراغماتية، وسرعان ما بلوَرَت حماس قدرات أكبر مع الوقت بفضل الدعم الإيراني والمواجهات العسكرية المتكررة مع الجيش الإسرائيلي، تماما كما حدث مع حزب الله في وقت سابق. لقد ساهمت إيران في طفرات حماس الفنية والعسكرية، بما في ذلك ترسانة متعاظمة من الصواريخ، بفضل الدعم السياسي والعسكري والمالي الذي تقدمه لها. وفي يوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول، أفصحت تلك الإمكانيات والأسلحة عن نفسها بشكل أثار الذعر في إسرائيل.

 

ماذا تريد إيران من حرب غزة؟ مجرد تحذير إيران بفتح جبهات جديدة قد يُشتت انتباه إسرائيل ومواردها الأمنية بعيدا عن غزة، فاتحا مساحة لانتفاضة جديدة مُحتملة. (الصورة: الأناضول)

ثمَّة أهداف عديدة لإيران من الحرب الحالية في غزة، لكن الهدف المباشر هو أن تخرج حماس وحركة الجهاد الإسلامي بقوة وشعبية أكبر من ذي قبل. تريد إيران من حلفائها أن يُلحقوا دمارا لا يُحتمل بإسرائيل، وأن تَحوُل دون انتصار الجيش الإسرائيلي في غزة، وذلك كي تردْع تل أبيب عن التفكير في مهاجمة فلسطين دون رقيب أو حسيب مرة أخرى. وتعتقد إيران أيضا أن نتيجة كهذه ستحمي الفلسطينيين من المستوطنين إذا أُتيح صعود حماس أو أيٍّ من حلفائها إلى السلطة في الضفة الغربية، حيث يُمكن لمقاتلي المقاومة هناك أن يستخدموا المقاومة المُسلحة لردْع المستوطنين عن مهاجمة أهلهم.

 

وحتى إن لم تنجح حماس بعد انتصارها في حيازة السلطة داخل الأراضي الفلسطينية خارج غزة، فإن انتصارها قد يُتيح لها ولحركة الجهاد الإسلامي أن يمتلكا نفوذا يتجاوز غزة، وأن يزيدا شعبيتهما في صفوف سكان الضفة الغربية والقدس الشرقية. ورغم أن هذه بالضبط هي النتيجة التي تحاول إسرائيل الحيلولة دون حدوثها، فإنها قد تحدث بالفعل بالنظر للآثار المُحتمَلة للغزو البري الإسرائيلي واسع النطاق.

 

تمتلك إيران خطة لمواجهة سيناريو التصعيد الإسرائيلي. فكي تحمي شركاءها، هدَّدت طهران بأن محور الممانعة خاصتها سيُهاجِم إسرائيل والولايات المتحدة إذا مضت تل أبيب في خطة الحرب البرية الشاملة وواصلت القصف العشوائي للمدنيين الفلسطينيين. وقد صرَّح وزير الخارجية الإيراني "حسين أمير عبد اللهيان" قائلا إن "إصبعنا على الزناد" في إشارة إلى محور الممانعة كما يُسمَّى، مُضيفا أنهم جاهزون لفتح جبهات جديدة لمساعدة حماس في مقاومة الهجوم الإسرائيلي.

 

يُمكن بالطبع أن تكون تلك التصريحات مجرد تلويح لا أكثر. لعل إيران تتوقَّع أن تنفتح معركة جديدة في الضفة الغربية والقدس، ومن بعدهم إلى عرب الداخل الإسرائيلي، لكن دون أن تنتقل بالضرورة إلى دول أخرى في المنطقة. ويبدو أن هذا السيناريو منطقي، إذ إن الأعداد الهائلة للضحايا المدنيين في غزة، جنبا إلى جنب مع مقاومة حماس، يمكنها أن تفاقم غضب الفلسطينيين وتُفجِّر احتجاجهم في عموم الأراضي الفلسطينية. وقد تساعد تهديدات إيران من حدوث هذا السيناريو، فمجرد تحذيرها بفتح جبهات جديدة قد يُشتت انتباه إسرائيل ومواردها الأمنية بعيدا عن غزة، فاتحا مساحة لانتفاضة جديدة مُحتملة. وبوسع إيران أن تكسب ود الفلسطينيين والمتعاطفين معهم بتوفير الدعم في حال اندلعت أزمة كبرى.

إذا لم يتسع نطاق الحرب، فسيتزايد احتمال أن تتخذ طهران الخطوات الأخيرة الباقية من أجل التحوُّل إلى قوة نووية، لا سيَّما أنها تمتلك بالفعل القدرة على بناء رأس نووي. (الصورة: رويترز)

في الوقت نفسه، يبدو من تهديدات إيران بفتح جبهات خارج فلسطين بأنها تهديدات جادة. لقد جَرَت مناوشات حدودية دموية بالفعل بين حزب الله وإسرائيل في الشمال، كما أطلقت هجمات صاروخية غير ناجحة من مقاتلي الحوثي في اليمن قالت وزارة الدفاع الأميركية إنها كانت في طريقها إلى إسرائيل، بالإضافة إلى هجمات صاروخية بواسطة الميليشيات الشيعية العراقية تجاه القواعد التي تستضيف قوات أميركية هناك. وبوسع أيٍّ من تلك الجهات أن تطلق هجمات متزامنة على إسرائيل والقوات الأميركية في المنطقة، وأن تجلب بالتبعية ردودا انتقامية تُشعِل حربا إقليمية أوسع. لا يزال هذا السيناريو غير مُرجَّح، إذ إن إيران لا تريد أن تظهر بصورة البلد الذي يسعى لابتداء حرب تتجاوز الأراضي الفلسطينية. لكن هناك مسارات عديدة للتصعيد يمكن أن تخرج من البيئة المتوترة الموجودة الآن، وهي ليست مستحيلة بحال. فمثلا، إذا ما شعرت الولايات المتحدة بضغوط شديدة من حلفاء إيران في المنطقة، فيمكنها أن تضرب إيران في الأخير.

 

إذا لم يتسع نطاق الحرب، فسيتزايد احتمال أن تتخذ طهران الخطوات الأخيرة الباقية من أجل التحوُّل إلى قوة نووية، لا سيَّما أنها تمتلك بالفعل القدرة على بناء رأس نووي. لقد انسحبت واشنطن من الاتفاق النووي المُوقَّع عام 2015 مدفوعة بدعم قوي من إسرائيل، وردا على ذلك وسَّعت إيران من نشاطات تخصيب اليورانيوم إلى نقطة باتت تملك معها اليوم مادة انشطارية بكمية كافية لصنع قنبلة نووية في غضون أسبوعيْن، وفقا لمسؤولين أميركيين. إن اشتعال الحرب الآن يفتح الباب لإيران، ويمنحها مُسوِّغا قويا، لعبور هذا الحد والتحوُّل إلى قوة عسكرية نووية، وهو سيناريو وارد الحدوث في ظل انشغال القوى الدولية بالتقلُّبات العالمية المتزايدة عن متابعة قرارات إيران في الملف النووي، وعدم قدرتها على بذل الموارد الكافية لكبح طموحها النووي.

 

إذا ما اعتقد أيٌّ من واشنطن أو تل أبيب أن إيران باتت قاب قوسين أو أدنى من إنتاج القنبلة، فإنه قد يضرب منشآتها النووية بغض النظر عن التزاماته العسكرية الأخرى. بيد أن معظم منشآت إيران النووية موجودة تحت الأرض ويصعُب تدميرها، حتى باستخدام أقوى الأسلحة التقليدية المتاحة اليوم. إذا ما أردت واشنطن أن تمحو البرنامج النووي الإيراني، فيجب أن تشن غزوا شاملا، وهو خيار شديد الكُلفة والصعوبة بالنظر إلى الإمكانيات العسكرية التقليدية التي تملكها إيران، علاوة على شبكة حلفائها في المنطقة.

 

طهران واللحظة الفارقة يسعى المسؤولون الإيرانيون والمحللون المحسوبون على طهران إلى استغلال الغضب الشعبي المتعاطف مع فلسطين لصالحهم. (الصورة: رويترز)

بالنسبة إلى طهران، فإن مزايا تجدُّد الصراع تتجاوز مجرد إضعاف إسرائيل أو الحصول على سلاح نووي. لقد نجحت حرب غزة في خلق روح من التضامن بين عدد من الدول في العالم الثالث (أو الجنوب العالمي كما يُسمَّى)*، التي تنظر إلى الدعم الأميركي لإسرائيل على أنه ازدواجية ونِفاق. وحتى في داخل الدول الغربية، يشارك الكثير من المواطنين العاديين هذه المشاعر.

 

بتبوُّئها موقعا مركزيا في القضية الفلسطينية، تسعى إيران إلى امتلاك قدر من الريادة والتفوُّق الأخلاقي في النظام الدولي، رغم سُمعتها السيئة مؤخرا بسبب قمعها للاحتجاجات وتدخُّلها في دول الجوار. ولذا فإن حرب إسرائيل على غزة أتت في لحظة مواتية بالنسبة لطهران. فلطالما اعتمدت الجمهورية الإسلامية على القضية الفلسطينية من أجل تعويض عُزلتها في المنطقة، وهي الدولة الشيعية الفارسية على تخوم المنطقة العربية السُّنيَّة، لكن تلك الإستراتيجية لم تُفلح كثيرا حين لم تكُن فلسطين في بؤرة الضوء. فعلى مدار السنوات الماضية فقدت إيران شعبيتها بين جيرانها العرب، ونجحت إسرائيل من جهة أخرى في تطبيع العلاقات مع عدد من الدول العربية، ما اعتبره البعض نواة لتحالف يقف في وجه التمدُّد الإيراني.

 

تعتقد طهران أيضا أن الحرب في غزة يُمكن أن تساعدها في التعتيم على قمع الاحتجاجات الإيرانية. لقد عجَّت شوارع عواصم غربية عديدة العام الماضي بمتظاهرين ومُحتجين على عنف النظام الإيراني ضد النساء. والآن، تمتلئ تلك الشوارع نفسها بمواطنين يشجبون هجمات إسرائيل على غزة، ولذا يسعى المسؤولون الإيرانيون والمحللون المحسوبون على طهران إلى استغلال هذا الغضب الشعبي المتعاطف مع فلسطين لصالحهم.

الحرب الجارية في غزة ترتكز بالأساس على مظالم الشعب الفلسطيني وحاجته إلى حل سياسي لأزمته، وحتى يحدث ذلك، ستظل إيران صاحبة موقع فريد ومؤثر في القضية الفلسطينية. (الصورة: رويترز)

بطبيعة الحال، قد تكون طهران مُخطِئة بشأن الحرب وما يُمكن أن تمنحه إياها من قوة وشعبية، إذ إن قادة إيران يعلمون جيدا أن اتساع نطاق الحرب يزيد من احتمالات ضرب بلدهم مباشرة، وهي ضربة تُضعِف النظام لا شك أو قد تُدمِّره تماما. ولذلك يُقيِّم صُناع القرار في طهران التطوُّرات الجارية كي يتخذوا قرارا بشأن الخطوة التالية. في كل الأحوال، ترى طهران المعركة دليلا على أن العالم يمُر بتحوُّل تاريخي لا يتكرر كثيرا، وأن الولايات المتحدة تشهد تراجع نفوذها العالمي، وأن القوى الإقليمية والعالمية الجديدة تُعيد صياغة النظام الدولي الذي نعيش فيه منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.

 

في نهاية المطاف، لا توجد خيارات كثيرة متاحة أمام العالم لوقف الجهود الإيرانية. إن الحرب الجارية في غزة ترتكز بالأساس على مظالم الشعب الفلسطيني وحاجته إلى حل سياسي لأزمته، وحتى يحدث ذلك، ستظل إيران صاحبة موقع فريد ومؤثر في القضية الفلسطينية. ولكن على الدول الأخرى خارج الشرق الأوسط أن تُدرك أن زيادة التوتر بين إيران وإسرائيل خطر طويل المدى له تبعات دولية لا يُستهان بها، ويجب عليهم أن يبحثوا عن سُبُل لخفض التصعيد، بما في ذلك قنوات الدبلوماسية الخلفية، لمساعدة الطرفيْن على التواصل.

 

إن تواصلا من هذا النوع قد يمنع مواجهة كارثية بين إيران وإسرائيل، لكن حتى إذا لم يتفاقم الصراع، فإن هجمات حماس وردود الأفعال الإيرانية تشي لنا بأن المنطقة قد تغيَّرت بالفعل إلى غير رجعة. إن انهيار عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين وإلغاء الاتفاق النووي الإيراني أدَّيَا إلى صعود قوى أكثر عِنادا في إيران وفلسطين، ولا يبدو مُرجحا أن الحرب الحالية ستنجح في إزاحتهم من مواقعهم، بل إنها على الأرجح تجعلهم أقوى من أي وقت مضى.

————————————–

هذا المقال مترجم عن Foreign Affairs ولا يعبر بالضرورة عن موقع ميدان.

ترجمة: ماجدة معروف.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: فی القضیة الفلسطینیة الجیش الإسرائیلی إسرائیل على فی المنطقة ع إسرائیل حزب الله إیران من إیران فی حرب غزة ت إیران إلى قوة فی غزة

إقرأ أيضاً:

لماذا يسعى الرئيس الإيراني لنقل العاصمة قرب مياه الخليج؟

طهران- أثارت دعوة الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان لنقل العاصمة من طهران إلى قرب المياه الخليجية لغطا كبيرا بشأن إمكانية تنفيذ الخطوة ونفقاتها، وما إذا كانت كفيلة بوضع حد للأزمات المتراكمة في المدينة وخلق بيئة مناسبة للمنافسة الاقتصادية.

ولدى حديثه عن التحديات التنموية التي تواجه الجمهورية الإسلامية، كان الرئيس بزشكيان قد استنكر في كلمته بمقر "خاتم الأنبياء" (الذراع الاقتصادية للحرس الثوري) استمرار جلب الموارد الأولية من الشواطئ الجنوبية إلى طهران ثم إعادة المنتجات إلى هناك لتصديرها، مما يؤدي إلى استنزاف قدرات البلاد على المنافسة ويقللها، كاشفا عن عجز بلاده عن حل المشكلات المتراكمة في طهران.

ويبدو الفارق في إثارة بزشكيان لهذا الملف هذه المرة أنه يحذر من مغبة "الاحتفاظ بطهران عاصمة لعدد من الاعتبارات"، مؤكدا أنه "من المستحيل تطوير البلاد من خلال الاستمرار في الاتجاه الحالي"، وموضحا أن "طهران تواجه مشاكل ليس لها حل سوى نقل مركز العاصمة، وأي جهود تبذل لتطويرها ليست إلا مضيعة للوقت".

بزشكيان تطرق إلى عدد من المشاكل التي تجعل من تنفيذ خطة نقل العاصمة أمرا لابد منه (رويترز) معضلة تاريخية

يعود تاريخ مدينة طهران إلى أكثر من 1200 عام، حيث كانت قرية صغيرة تقع شمالي قضاء "الري" التاريخي، وقد تحولت قبل نحو 460 عاما إلى مدينة على يد الملك "طهماسب الصفوي"، في حين جعلها الملك "آغا محمد خان القاجاري" قبل 230 عاما عاصمة لبلاد فارس بعد أن نقل إليها العاصمة عام 1795 من مدينة شيراز.

ومنذ ذلك الحين، توسعت المدينة وتزايد عدد سكانها بسرعة حتى بلغ عددهم حتى الشتاء الماضي نحو 14 مليونا و500 ألف نسمة، لكن عدد نفوس العاصمة الإيرانية يبلغ خلال ساعات النهار 20 مليونا، إذ تقصدها صباح كل يوم أعداد هائلة من المواطنين من المدن والمحافظات المجاورة وتغادرها مساء.

وتبدو فكرة نقل العاصمة من طهران قديمةً، حيث تذكر المصادر الإيرانية أنها طرحت 8 مرات خلال 110 أعوام خلت، لكنها لم تجد طريقا للتنفيذ حتی الآن، ففي عهد الجمهورية الإسلامية كان الرئيس الراحل علي أكبر هاشمي رفسنجاني سبّاقا في إثارة الملف عام 1989، ثم بقيت الفكرة تراود الرؤساء الآخرين، لكن رياح الدراسات الإيرانية كانت تجري دائما بما لا يشتهون بشأن نقل المراكز السياسية والاقتصادية.

وفي يناير/كانون الثاني 2013 صادق البرلمان الإيراني بالأحرف الأولى على مشروع نقل العاصمة السياسية والإدارية من طهران إلى مكان آخر، لكن الرئيس الأسبق حسن روحاني عارض المشروع، مؤكدا أنه لن يصبح نافذا حتى يعلن المرشد الأعلى علي خامنئي رأيه النهائي فيه.

وبعد عامين، تحوّل مشروع "دراسة إمكانية نقل المراكز السياسية والإدارية للبلاد وتنظيم وتخفيف التركيز من طهران" إلى قانون بعد مصادقة البرلمان عليه بشكل نهائي.

ورغم أن المشروع لم يصطدم بمجلس صيانة الدستور باعتباره مخالفا للشريعة أو بالدستور الإيراني، فإن اجتماعات المجلس الموكل بدراسة إمكانية تنفيذ الخطة تجمدت مع تفشي جائحة كورونا، وكان آخر تقرير نشره المجلس عام 2020 قد خرج بنتيجة تعارض فكرة نقل العاصمة.

مشاكل مستعصية

لم يكتف بزشكيان بالحديث عن ضرورة تغيير المركزية السياسية والاقتصادية للبلاد، بل تطرق إلى عدد من المشاكل التي تجعل من تنفيذ الخطة أمرا لا بد منه، معتبرا أزمة المياه من أبرزها، قبل أن يتحدث عن تخسفات في التربة وتلوث الجو واكتظاظ العاصمة بالسكان.

وفضلا عن أن العاصمة طهران تقع على الخط الزلزالي، ويقطنها أضعاف إمكاناتها من البشر، وتعاني أزمات مرورية خانقة، فإنها تحتل المرتبة 745 من بين ألف مدينة في العالم وفق مؤشر "أكسفورد" لجودة الحياة الذي يتم إعداده عبر قياس معايير دخل الأسرة ونفقات السكن والمساواة الاجتماعية ومتوسط ​​العمر وسرعة الإنترنت.

لكن عمدة طهران الأسبق غلام حسين كرباسجي، الذي شارك في لجنة دراسة إمكانية نقل العاصمة من طهران إبان حقبة الرئيس رفسنجاني، يقول إن فكرة نقل العاصمة "مستحيلة"، مضيفا أن نتائج الدراسات السابقة تظهر أن إمكانية نقل 160 منظمة ومؤسسة حكومية كبيرة إلى خارج طهران ستؤدي إلى خفض ثلث عدد سكانها.

ويضيف كرباسجي، في مقابلة مع صحيفة "دنياي اقتصاد" الناطقة بالفارسية، أن نقل العاصمة من طهران لن يجد طريقا للتنفيذ لدى الحكومة الحالية، بل لا يرى حظوظا لتطبيقه خلال الحكومات الثلاث المقبلة، مشيرا إلى أن دول العالم الثالث تطرح فكرة نقل العاصمة للهروب من معالجة المشكلة، ومؤكدا أن مشكلات طهران قابلة للحل، لكنها بحاجة إلى إرادة واتخاذ قرار وإدارة موحدة.

وبرأي العمدة الأسبق، فإن حشد الإمكانات وتمركز الطاقات السياسية والاقتصادية والثقافية والعلمية والدينية في طهران تجعل المواطن يرغب في الانتقال إليها، ورأى في تخويل المحافظات صلاحية إدارة شؤونها -مثل الأنظمة الفدرالية- سبيلا لحل جانب من مشاكل طهران، علاوة على نقل المؤسسات الحكومية التي لا حاجة لحضورها في العاصمة.

تعاني طهران من تلوث الجو في أغلب أيام السنة (الجزيرة) خطوة مجربة

من ناحيته، يطالب بيروز حناجي عمدة طهران السابق والمساعد الأسبق لوزارة الطرق والإسكان بالاعتبار من تجارب الدول التي أقدمت على تغيير عاصمتها أو نقل المراكز السياسية إلى خارج العاصمة السابقة، مؤكدا أن التجربة تظهر أن نقل المراكز السياسية أو الاقتصادية إلى خارج العاصمة لن يخفف كثيرا من مشكلاتها، لأن المسؤولين يتنقلون بين العاصمة السابقة ومحل العمل الجديد دون الانتقال نهائيا إلى هناك.

وفي تصريحات للإعلام الفارسي، رأى حناجي أن نقل المراكز السياسية إلى مكان بعيد من طهران بحاجة إلى ميزانية ضخمة قد تثقل كاهل الاقتصاد، موضحا أن التقديرات السابقة لنقل العاصمة من طهران تشير إلى ضرورة رصد موازنة بحدود 30 مليار دولار، وأكد أن الموازنة اللازمة لتنفيذ الخطة في الوقت الراهن قد تبلغ 78 مليار دولار.

في غضون ذلك، نشرت صحيفة "رسالت" تقريرا تحت عنوان "سراب نقل العاصمة" تطرقت فيه إلى تجارب نقل العاصمة في عدد من الدول الأخرى، واصفة النتيجة بأنها "غير ناجحة" في الأغلب ولم تتمكن من حل المشكلة الرئيسية، علاوة على أنها تتسبب في مشكلات جديدة قد تستمر إلى فترات طويلة.

واستشهدت الصحيفة بالتجربة الألمانية في نقل العاصمة من "بن" إلى برلين، والتجربة الباكستانية في نقل العاصمة من كراجي إلى إسلام آباد، وأضافت أن عدد نفوس إسطنبول -التي كانت العاصمة التركية السابقة- كان قد بلغ 4 ملايين نسمة، بيد أن عدد سكانها ارتفع إلى 11 مليونا بعد نقل العاصمة إلى أنقرة، مؤكدة أن نقل العاصمة لن يؤدي بالضرورة إلى تراجع عدد سكانها.

وافق البرلمان الإيراني ومجلس صيانة الدستور في 2015 على نقل العاصمة الإدراية والسياسية من طهران (مواقع التواصل) توقيت غير مناسب

وانطلاقا من التقديرات الإيرانية بشأن جدوى خطة نقل العاصمة إلى مدينة أخرى، يعارض الباحث السياسي رضا بردستاني نقل العاصمة من طهران إلى جنوبي البلاد، معتقدا أن اختيار طهران عاصمة للبلاد لم يأت اعتباطا، بل بناء على دراسات وأبحاث رجحتها على نظيراتها وفقا لموقعها ومناخها ومركزيتها.

وفي حديث للجزيرة نت، يرى بردستاني أن فكرة نقل العاصمة -رغم صوابها- جاءت في توقيت غير مناسب نظرا إلى عدم استعداد الاقتصاد الوطني لدفع ضريبة هذا القرار، لأنه لم يتصدر قائمة أولويات البلاد، مؤكدا أن إثارة الموضوع باستمرار سيقلص من جاذبية طهران للمواطن الراغب في الانتقال إليها أو الاستثمار فيها.

في المقابل، يشاطر أستاذ الجغرافيا السياسية عطا تقوي أصل رؤية الرئيس بزشكيان بشأن ضرورة نقل العاصمة إلى جنوبي البلاد، مستدركا أن الخطة تبدو غير قابلة للتنفيذ في الوقت الراهن، مقترحا إعداد خريطة طريق جديدة للعاصمة طهران تحظر عمليات البناء خارج حدودها الراهنة حتى شعاع 150 كيلومترا.

وفي حديثه للجزيرة نت، يعتقد تقوي أصل أن شريحة لا بأس بها من سكان طهران هاجروا إليها بغية العثور على فرصة عمل، وأنه في حال توفرت لديهم ظروف مماثلة في مسقط رأسهم لعادوا إليها، موضحا أن الاهتمام بالمحافظات الأخرى واختيار مدينة جديدة لتصبح عاصمة اقتصادية سيقلل من جاذبية طهران للاستثمار والهجرة الداخلية.

وخلص إلى أن نقل المصانع التي تستهلك كميات كبيرة من المياه، مثل الصلب، إلى الشواطئ الجنوبية وتوزيع بعض المؤسسات الحكومية في ربوع البلاد وإخراج جزء آخر من طهران سيقلل من أزماتها، مؤكدا أن بعض مشكلات طهران قابلة للحل ومنها تلوث الجو والأزمات المرورية والاكتظاظ السكاني، ومن ثم ربما لا نجد حاجة لنقل العاصمة في حال تمت معالجة هذه الأزمات منفردة.

مقالات مشابهة

  • آخرها قضية ميمان.. كيف جندت إيران جواسيس لها في إسرائيل؟
  • كيف جندت إيران جواسيس لها في إسرائيل؟
  • لماذا يسعى الرئيس الإيراني لنقل العاصمة قرب مياه الخليج؟
  • أول رد من حماس على المقترح الإسرائيلي الذي يتضمّن "إبعاد السنوار"
  • حماس: نتنياهو يضع شروطًا تعجيزية عمدًا لتخريب أية فرصة للتوصل إلى اتفاق
  • إسرائيل تتهم مواطنًا بالتعاون مع إيران لاغتيال كبار المسؤولين
  • ‏الجيش الإيراني: إسرائيل ستدفع ثمن أخطائها "الغبية" باغتيال إسماعيل هنية
  • إيران تنفي وجود أهداف سرية لبرنامجها النووي
  • إيران تعيد مشهدية حرب الظل بينها وبين إسرائيل إلى الواجهة
  • الدويري .. القائد الإسرائيلي السابق لفرقة غزة يعترف بصدق السنوار