يرى الباحثان جيمس نيكسي ونيكولاي كوزانوف، أنه منذ ستينيات القرن الماضي حاولت أمريكا التأكيد على أن بإمكان قواتها المسلحة خوض حربين كبيرين في منطقتين مختلفتين جغرافيا في وقت واحد.
ويقول نيكولاي كوزانوف أستاذ مساعد للبحوث في مركز دراسات الخليج بجامعة قطر، ومدير برنامج روسيا واوراسيا بالمعهد الملكي للشؤون الدولية (تشاتام هاوس) البريطاني جيمس نيكسي، في تقرير نشره المعهد إن "الحربين تختلفان إلى حد كبير بالنسبة لأصلهما ومحور تركيزهما.
وفي حالة أوكرانيا، سوف يؤدي هذا بكل تأكيد إلى هزيمتها في غضون شهور إن لم يكن أسابيع. وحاولت إدارة بايدن تأمين دعمها لأوكرانيا في المستقبل بتضمينها داخل حزمة مساعدات شاملة تبلغ 105 مليار دولار، تم تخصيص 61.4 مليار دولار منها لأوكرانيا. لكن ما تزال هناك حاجة لموافقة الكونغرس على ذلك، ومن المحتم أن الحرب الجديدة بين إسرائيل وحماس تجذب اهتمام السياسيين والإعلام والرأي العام في أمريكا بعيداً عن أوكرانيا.
A new war in the Middle East serves the Kremlin’s interests, weakening US support for Ukraine and obscuring its activities overseas, warns @jamesnixey and @KozhanovNikolay (@CHRussiaEurasia).https://t.co/YGrkkc3VXy
— Chatham House (@ChathamHouse) November 9, 2023وفي هذا الصدد تخدم الحرب الجديدة في الشرق الوسط مصالح الكرملين، إذ أنها تضعف تركيز الولايات المتحدة على روسيا وتخيم بظلالها على أنشطتها الماكرة.( فانسحاب روسيا من التصديق على معاهدة حظر التجارب النووية، وتخريب خط أنابيب الاتصال ببحر البلطيق، يحظيان بقدر من التدقيق أقل مما كان يمكن أن يكون عليه الحال خلال الشهر الماضي).
ويرى جيمس نيكسي ونيكولاي كوزانوف وهو زميل استشاري في برنامج روسيا وأوراسيا في تشاتام هاوس، أن الحرب أيضاً وضعت نهاية لسياسة موسكو القائمة منذ وقت طويل المتعلقة بموازنة علاقاتها في الشرق الأوسط بين إسرائيل والدول المجاورة لها. ونظراً لأن الحرب في أوكرانيا دفعت روسيا بدرجة أكبر نحو الحصول على الأسلحة الإيرانية، لذلك تعتبر تل أبيب الكرملين الآن وسيطاً مشكوك فيه في أحسن الأحوال وحليفاً لحماس في أسوأ الأحوال.
وتخدم الحرب بين حماس وإسرائيل تماماً الآن ما يردده الكرملين على نطاق واسع من أنه يعمل كحصن في مواجهة التوسع العدواني الأمريكي. ولا تتمتع روسيا بنفس الولاءات مثلما هو حال الولايات المتحدة مع إسرائيل، وهو ما يتيح لها فرصة التعبير عن التعاطف بالنسبة لإسرائيل وفلسطين على السواء بطرق تسعى كثير من الدول الغربية، وخاصة أمريكا، أن تتحقق لها.
ويقول الكرملين، وهناك قدر من التبرير لذلك، إن الولايات المتحدة قوضت باستمرار الجهود الدولية لحل القضية الفلسطينية. ولكن من المؤكد أن روسيا بالغت بزعمها أن الولايات المتحدة مسؤولة عن كل من هجوم حماس في 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ورد الفعل الإسرائيلي الذي استتبع ذلك. بل أنها حتى اتهمت أوكرانيا بأنها تبيع أسلحة لحماس، على أمل أن تخلق شقاقاً بين إسرائيل وأوكرانيا.
ويقول نيكسي وكوزانوف إن روسيا لم تحظ مطلقاً بالثقة من جانب الإسرائيليين أو الفلسطينيين، لكن روسيا استغلت التناقضات وأقامت علاقات عمل مع الجانبين عبر السنين ويرى البعض أنها يمكن أن تكون وسيطاً محتملاً بين إسرائيل والفلسطينيين.
وحتى وقت قريب، حاولت روسيا تطوير علاقات جيدة مع تل أبيب، واعتبرتها شريكاً صامتاً في المنطقة متجاهلة الهجمات الإسرائيلية ضد من يعملون بالوكالة لحساب إيران في سوريا.
ومن ناحية أخرى، تدعم موسكو على الدوام حل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية. وهي منذ عام 2022 عضو فيما يسمى بـ" الرباعية"، وهي مجموعة تضم الأمم المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا، والتي تهدف إلى دعم عملية التفاوض الإسرائيلية الفلسطينية.
حرب غزة "موقف أخلاقي" لروسيا والصين https://t.co/bXpV01AaQz pic.twitter.com/zFlBjFa1hR
— 24.ae (@20fourMedia) November 8, 2023وتعتبر روسيا أكثر اهتماماً بصيغة الرباعية باعتيارها وسيلة سهلة لإظهار قوتها. وأدى تمتع روسيا بمقعد في مجلس الأمن الدولي، وحجمها، وتاريخها، وقوتها الاقتصادية النسبية وأسلحتها النووية، إلى أن تكون لها أهمية دبلوماسية في المنطقة. وسوف يكون لأي وساطة تقودها روسيا، حتى لو فشلت، مكاسب أكبر للكرملين من " مجرد" التوسط لتحقيق السلام بين الطرفين المتحاربين في غزة. فسوف ينظر إليها بصورة إيجابية من جانب الكثيرين في الجنوب العالمي، مما يعزز خطاب الكرملين.
وعلى أي حال، فإن من المرجح أن تعني الحرب بين حماس وإسرائيل نهاية سياسة روسيا القائمة منذ عقود المتمثلة في تحقيق التوازن بين مختلف الأطراف في الشرق الأوسط. وفي ضوء ترحيب روسيا بوفد فلسطيني في موسكو الشهر الماضي، ورفضها إدانة هجوم حماس على إسرائيل، وتحالفها الوثيق مع إيران، لم تعد تل أبيب تعتبر روسيا حليفاً ومن المرجح أن ترفض أن تكون وسيطاً.
ويتحدث خبراء إسرائيليون صراحة عن احتمال أن تكون روسيا قد علمت مسبقاً بهجوم حماس وحتى احتمال مشاركتها غير المباشرة في الإعداد له. وهذا من شأنه كسب روسيا تدريجياً لقلوب وعقول العرب في الجزء العربي من الشرق الأوسط، حيث لم تكن علاقاتها القوية مع حماس غائبة عن الأنظار.
وفي المقابل يساعد الجنوب العالمي، وخاصة الشرق الأوسط روسيا على مواجهة التداعيات الاقتصادية الناجمة عن الصراع مع الغرب وجذب موسكو إلى الوقوف إلى جانب حماس أكثر من وقوفها إلى جانب إسرائيل. ويعني هذا أيضاً توافقاً مع الصين التي يعتبر موقفها على نطاق واسع موالياً للفلسطينيين وعامل توازن في مواجهة موقف الغرب.
وفي جميع الأحوال، يشعر الشارع العربي بالارتياح لاستغلال موسكو الموقف لصالحها، طالما أن ذلك يجعل الحياة أكثر صعوبة بالنسبة لأنصار إسرائيل ويوجد بدائل في المسرح الدولي. وبالنسبة لأوكرانيا، فإنه في ظل ميزة أن "الحق" في جانبها، أدارت اتصالاتها الاستراتيجية ببراعة خلال الـ15 شهراً الماضية. لكن الحرب بين حماس وإسرائيل مشكلة "سيئة" بالنسبة لها فيما يتعلق بموقف حلفائها.
والجدير بالذكر، أن دعم أمريكا لأوكرانيا بدأ فعلياً مع غزو روسيا واسع النطاق لأوكرانيا. ويمكن بسهولة القول أنه قبل ذلك كانت الولايات المتحدة تابعة لموسكو. لكن دعم الولايات المتحدة لإسرائيل بدأ منذ أكثر من 60 عاماً. و لا يربط الاتحاد الأوروبي أو غالبية دول الناتو علاقات قوية بإسرائيل، لكن دعمهم المادي لأوكرانيا ما زال أقل كثيراً من دعم الولايات المتحدة التي تقدم نحو 70% من إجمالي الدعم.
ولا تزال هناك حرب طويلة يتعين على أوكرانيا أن تخوضها. ولا شك أن إسرائيل عنصر جديد غير مرحب به بالنسبة لأوكرانيا، وسوف يحتاج الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إلى أن يكون حذراً في مساره.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: التغير المناخي محاكمة ترامب أحداث السودان سلطان النيادي مانشستر سيتي غزة وإسرائيل الحرب الأوكرانية عام الاستدامة غزة وإسرائيل روسيا أوكرانيا الولایات المتحدة الشرق الأوسط بین إسرائیل أن تکون
إقرأ أيضاً:
إسرائيل توقف دخول المساعدات الإنسانية لغزة وتهدد بعودة الحرب
قررت الحكومة الإسرائيلية، الأحد، وقف إدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، عقب ساعات من انتهاء المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى بين حركة حماس وتل أبيب، وعرقلة الأخيرة الدخول في مفاوضات المرحلة الثانية.
وقال مكتب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، في بيان على "إكس": "مع انتهاء المرحلة الأولى من صفقة المختطفين، وفي ضوء رفض حماس قبول مخطط (مبعوث الرئيس الأمريكي للشرق الأوسط ستيف) ويتكوف لمواصلة المحادثات ـ الذي وافقت عليه إسرائيل ـ قرر رئيس الوزراء أنه ابتداء من صباح اليوم (الأحد) سيتوقف دخول كل البضائع والإمدادات إلى قطاع غزة".
وأضاف المكتب: "لن تسمح إسرائيل بوقف إطلاق النار دون إطلاق سراح مختطفينا، وإذا استمرت حماس في رفضها فسيكون هناك عواقب أخرى"، دون ذكر مزيد من التفاصيل.
وفي تعليقها على البيان الإسرائيلي، قالت حماس إن قرار نتنياهو وقف المساعدات الإنسانية يعد "ابتزازا رخيصا وجريمة حرب وانقلاب سافر على الاتفاق".
ودعت الوسطاء والمجتمع الدولي إلى "التحرك للضغط على الاحتلال ووقف إجراءاته العقابية وغير الأخلاقية بحق أكثر من مليوني إنسان في قطاع غزة".
وفي السياق، قالت القناة 14 الخاصة: "في نقاش عقد الليلة الماضية بقيادة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، تم اتخاذ قرار بوقف دخول الشاحنات الإنسانية إلى قطاع غزة، حتى إشعار آخر".
وأضافت أن القرار اتُخذ بالتنسيق مع الوسيط الأمريكيين، دون ذكر تفاصيل أكثر.
ولم يصدر على الفور من الوسطاء المصري والقطري والأمريكي تعليقات بشأن تلك الأنباء.
وتعليقا على قرار وقف المساعدات إلى غزة، رحب وزير الأمن القومي الإسرائيلي المستقيل إيتمار بن غفير، بالقرار، داعيا إلى ما سماه "فتح أبواب الجحيم" على القطاع الفلسطيني.
وقال بن غفير على "إكس": "أرحب بقرار وقف المساعدات الإنسانية إذا تم تنفيذه. لقد تم اتخاذ القرار أخيرا – أن تأتي متأخرا أفضل من ألا تأتي أبدا".
وتابع: "ينبغي أن تظل هذه السياسة سارية حتى عودة آخر مختطف. الآن هو الوقت المناسب لفتح أبواب الجحيم، وقطع الكهرباء والمياه، والعودة إلى الحرب".
ومضى بن غفير الذي استقال من منصبه في يناير/كانون الثاني الماضي احتجاجا على التوقيع على صفقة وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى مع حماس: " الأهم من ذلك - عدم الاكتفاء بنصف المختطفين، بل العودة إلى مهلة الرئيس (الأمريكي دونالد) ترامب - (بإطلاق سراح) جميع المختطفين على الفور وإلا فإن الجحيم سيُفتح على غزة".
وعند منتصف ليل السبت/الأحد، انتهت المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار رسميا والتي استغرقت 42 يوما، دون موافقة إسرائيل على الدخول في المرحلة الثانية وإنهاء الحرب.
وعرقل نتنياهو ذلك، إذ كان يريد تمديد المرحلة الأولى من صفقة التبادل للإفراج عن أكبر عدد ممكن من الأسرى الإسرائيليين في غزة، دون تقديم أي مقابل لذلك أو استكمال الاستحقاقات العسكرية والإنسانية المفروضة في الاتفاق خلال الفترة الماضية.
فيما ترفض حركة حماس ذلك، وتطالب بإلزام إسرائيل بما نص عليه اتفاق وقف إطلاق النار، وتدعو الوسطاء للبدء فورا بمفاوضات المرحلة الثانية بما تشمله من انسحاب إسرائيلي من القطاع ووقف الحرب بشكل كامل.
وليلة الأحد، قال مكتب نتنياهو إن "إسرائيل وافقت على الخطوط العريضة لخطة اقترحها المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف لوقف مؤقت لإطلاق النار خلال شهر رمضان وعيد الفصح اليهودي (12-20 أبريل/ نيسان)"، فيما لم يصدر بعد عن ويتكوف أي إعلان رسمي عن هكذا خطة.
وبحسب البيان الإسرائيلي، سيتم بموجب الخطة، إطلاق سراح نصف المحتجزين الإسرائيليين في غزة، الأحياء والأموات، في اليوم الأول من الهدنة المقترحة.
وأضاف البيان: "وفي حال التوصل إلى اتفاق دائم لوقف إطلاق النار يجري الإفراج عن النصف الثاني من المحتجزين في غزة".
وتقدر تل أبيب وجود 62 أسيرا إسرائيليا بغزة (أحياء وأموات)، بحسب إعلام عبري، فيما لم تعلن الفصائل الفلسطينية عدد ما لديها من أسرى.
وادعى المكتب أن "إسرائيل وافقت على المقترح الأمريكي بهدف استعادة رهائنها، لكن حماس لم تقبل به حتى الآن"، وفق تعبيره.
وأضاف أنه في حال عدّلت الحركة موقفها، ووافقت على خطة ويتكوف، فإن إسرائيل ستدخل فورًا في مفاوضات بشأن تفاصيل الخطة.
وصباح الأحد، قالت حماس إن بيان مكتب نتنياهو بشأن اعتماده لمقترحات أمريكية لتمديد المرحلة الأولى من الاتفاق يعد "محاولة مفضوحة للتنصل من الاتفاق والتهرب من الدخول في مفاوضات المرحلة الثانية منه".
وأوضحت أن "مزاعم الاحتلال الإرهابي بشأن انتهاك الحركة لاتفاق وقف إطلاق النار هي ادعاءات مضللة لا أساس لها، ومحاولة فاشلة للتغطية على انتهاكاته اليومية والمنهجية للاتفاق".
وفي 19 يناير/ كانون الثاني الماضي، بدأ اتفاق لوقف إطلاق النار بقطاع غزة وتبادل أسرى بين حماس وإسرائيل، يتضمن 3 مراحل تستمر كل منها 42 يوما، بوساطة مصر وقطر ودعم الولايات المتحدة.
وبدعم أمريكي، ارتكبت إسرائيل بين 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 و19 يناير 2025، إبادة جماعية في غزة خلفت نحو 160 ألف قتيل وجريح من الفلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 14 ألف مفقود.