رعب داخل الخط الأخضر.. هكذا تلاحق إسرائيل المتعاطفين مع غزة
تاريخ النشر: 10th, November 2023 GMT
منذ اليوم الأول لعملية "طوفان الأقصى" بدأت سلطات الاحتلال الإسرائيلي انتهاج سياسة تصعيدية تجاه الفلسطينيين داخل الخط الأخضر، شملت ملاحقة أي مظهر من مظاهر التأييد لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) أو التعاطف مع الفلسطينيين في قطاع غزة.
وشنت سلطات الاحتلال حملة اعتقالات استهدفت فيها المئات من النشطاء ورواد مواقع التواصل الاجتماعي، وكل من ينشر أي محتوى متعاطف مع المأساة الإنسانية في غزة أو مطالبا بوقف الحرب.
ووصل الحال لاعتقال من يضغط على زر الإعجاب لمنشور معين له علاقة بالحرب، أو من ينشر آية قرآنية تفسرها الشرطة على أن لها دلائل متعلقة بالحرب.
ومنذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول، فحصت الشرطة الإسرائيلية ما يزيد على 430 منشورا واعتقلت وحققت مع أكثر من 192 شخصا من الفلسطينيين داخل الخط الأخضر وشرقي القدس على خلفية منشورات فُسرت أنها داعمة لحركة حماس، أو على خلفية المشاركة بمظاهرات سلمية تدعو لوقف العدوان على غزة.
اتهام وتحريضوقدمت النيابة العامة الإسرائيلية أكثر من 60 لائحة اتهام (يشمل مناطق 48 وشرقي القدس) على خلفية منشورات تحريضية؛ على حد تعبيرها.
وطردت المئات من الشبان والشابات وحتى الأطفال من جامعاتهم ومدارسهم وأعمالهم لأسباب عديدة منها إظهار التضامن مع أهل غزة على مواقع التواصل الاجتماعي، أو بسبب العنصرية المتزايدة في فترة الحرب والطرد على خلفية قومية.
وفي حادثة تظهر مدى شدة التصعيد، فقد فصلت مدرسة لذوي الاحتياجات الخاصة في مدينة اللد طفلا يعاني من طيف التوحد بحجة دعم حركة حماس.
وفي حديثه للجزيرة نت، قال فادي الجمل والد الطفل "تبين بعد التحقق أن ابني هو الطفل العربي الوحيد في الصف وأن أهالي الطلاب اليهود طلبوا فصله لدوافع عنصرية، ولا علاقة له بأي رسومات داعمة لحماس".
صائدوا النازيين
ومع تصاعد التوتر، بدأت آلاف الحسابات بنشر الرواية والدعاية الإسرائيلية، وهذا ضمن جهود ما يسمى إسرائيليا بهيئة الـ"هاسبارا" وتعني الكلمة "الشرح/التوضيح"، وهي هيئة حكومية تعنى بخلق وترويج الدعاية الإسرائيلية بتنسيق تام مع الإعلام الإسرائيلي والمؤثرين الإسرائيليين على مواقع التواصل الاجتماعي وبميزانية تفوق الـ24 مليون شيكل سنويا.
ويفوق محتوى هذه الهيئة الترويج للرواية الإسرائيلية ليصل درجة التحريض وتعقب وتقديم شكاوى في الشرطة ضد ما ينشره الفلسطينيون وتحديدا في مناطق الـ48.
وقامت هذه الهيئة بإنشاء قنوات تحريضية على تطبيق "تليغرام" تنشر خلاله صورا وعناوين وتفاصيل شخصية لنشطاء فلسطينيين وشخصيات قيادية والتحريض على اعتقالهم وحتى قتلهم.
وتعتبر قناة "صيادو النازيين" -التي طالما حرضت على الناشط عيسى فايد من بلدة يافة الناصرة الذي اعتقلته الشرطة الإسرائيلية مؤخرا وأطلقت سراحه لاحقا بشروط مقيدة- مثالا على هذه الحملة.
وفي حديثه للجزيرة نت، روى الناشط عيسى فايد تفاصيل اعتقاله والتحقيق معه، وقال إن العشرات من عناصر الشرطة الإسرائيلية اقتحموا منزله ومنزل والده في بلدة يافة الناصرة مساء الجمعة 13 أكتوبر/ تشرين الأول، بعد أن أثاروا حالة من الفزع عند الجيران.
وتابع "اعتدوا على عائلتي بشكل همجي وغير مُبرر، واقتادوني لمركز الشرطة في الناصرة"، ودار التحقيق حول المحتوى الذي نشره، ومع نهاية التحقيق قال له المحقق: لا شيء عليك ولكن نريد تأديبك.
خطاب كراهية
وفي ذات السياق، أكدت الحقوقية والمحامية الناشطة بمجال حقوق الإنسان عبير بكر في حديثها للجزيرة نت إن "الاعتقالات جارية على قدم وساق ضد أي مواطن ينشر أي مادة يظهر فيها موقفا شرعيا إزاء الحرب على غزة يتعارض مع الموقف الإسرائيلي السائد بضرورة استمرار الحرب ومحو غزة".
وتابعت أنه بمجرد أن "تقوم عناصر يمينية بالتحريض على أي شخص لموقفه المعارض للحرب تتأهب الشرطة لاعتقاله بشكل مهين مع قوات معززة وكأن الحديث عن مجرم حرب".
وبناء على معطيات نشرها مرصد انتهاكات الحقوق الرقمية (حُر) التابع لمركز "حملة" لتطوير الإعلام الاجتماعي، فقد تم رصد 827 ألفا و648 حالة عنف أو خطاب كراهية ضد العرب الفلسطينيين على مواقع التواصل الاجتماعي، منذ بداية الحرب.
ويتركز 90% منها على منصة إكس، والباقي على منصة "تليغرام" و"فيسبوك"، وتعود 68% من الحالات على خلفية خطاب الكراهية لأسس سياسية، و29% لأسس عرقية، ونسب بسيطة متوزعة بين الأسس الدينية والجندرية.
ورصد مركز "عدالة" الحقوقي إجراءات تأديبية لـ104 طلاب من فلسطينيي 48 على خلفية منشورات تبدي التعاطف مع مأساة غزة حتى لو بضغط زر الإعجاب لإحدى هذه المنشورات.
وأشار بيان للمركز إلى تعامله مع 89 طالبا مسجلين في 27 جامعة وكلية إسرائيلية ضد الإجراءات التأديبية المتخذة ضدهم، ومن بين هذه الحالات، تلقى 58 طالبا فلسطينيا إخطارات بالإيقاف، وتم استدعاء 75 لحضور جلسات تأديبية.
وفي حالة فيها نوع من الطرافة، لوحقت إحدى الطالبات لأنها نشرت صورة على تطبيق "إنستغرام" لطبق أكلة "الشكشوكة" وكتبت عليها "لتنتصر الشكشوكة"، مما دفع الجامعة إلى توقيفها واعتقالها لاحقا.
كما فصلت كلية بمدينة طبريا طالبة من فلسطينيي 48 بعد أن ضغطت على زر الإعجاب لمنشور على صفحة "عين على فلسطين" العالمية، وفصلت شبكة ملابس الإسرائيلية إحدى العاملات فيها بعد نشرها العلم الفلسطيني في تطبيق "إنستغرام" واعتقلتها الشرطة لاحقا.
فصل تعسفي
ولم تطل التقييدات في إطار المؤسسات الأكاديمية فقط الطلبة، بل طالت أيضا المحاضرين، حيث عممت كلية "كي" الإسرائيلية بيانا أوضحت من خلاله فصل المُحاضرة العربية من النقب الدكتورة وردة سعدة وتحويل محاضرة أخرى وعدد من الطلاب إلى لجنة تأديبية، بالإضافة لإبعاد طالبة عن الكلية بشكل تام.
وأشار الطالب في الجامعة العبرية بالقدس باسل عباهرة في حديثه للجزيرة نت، إلى أن الاعتقالات باتت تستهدف حتى من ينشر عن الوضع الإنساني في غزة، وهذا ما حصل معه؛ حيث تم اعتقاله بتاريخ 23 أكتوبر/تشرين الأول بعد أن اقتحمت قوات كبيرة من الشرطة الخاصة منزله في ساعات منتصف الليل، على خلفية منشورات توضّح الوضع الإنساني في غزة.
وكان المفوض العام للشرطة الإسرائيلية كوبي شبتاي قد ظهر في عدة فيديوهات منذ بداية الحرب، أكد خلالها عدم تهاون الشرطة في فترة الحرب مع كل من يؤيد حماس ويحاول الإضرار بإسرائيل.
ويفسر هذا التعامل الحازم من قِبل الشرطة ما قاله الصحفي شيلا فريد في موقع "ماكور ريشون" الإسرائيلي، حيث رأى أن "هناك تخوّفا من تكرار أحداث حارس الأسوار (ما يُعرف فلسطينيا بأحداث هبة الكرامة 2021) في ظل حالة الحرب الحالية".
توزيع السلاحوربما يكون هذا التخوف سببا لإعلان وزير الأمن القومي الإسرائيلي، إيتمار بن غفير، إطلاق حملة لتسريع إجراءات منح رخص حمل وحيازة السلاح للإسرائيليين.
ومنعت الشرطة تنظيم مظاهرات أو وقفات ضد العدوان على غزة، حيث أفشلت وقفة كان قد دعا لها حراك حيفا بتاريخ 18 أكتوبر/تشرين الأول قبل أن تبدأ، واعتقلت أكثر من 7 نشطاء مع بدء توافد المشاركين، كما فضت مظاهرة في مدينة أم الفحم بعد أن ألقت قنابل دخانية تجاه المتظاهرين واعتدت واعتقلت 12 متظاهرا.
ورغم محاولة إسرائيل السيطرة التامة وكبت فلسطينيي 48 حتى من مشاركة أبناء شعبهم في غزة حزنهم ومأساتهم، إلا أن هناك العديد من الأصوات التي ما زالت تطلق عنان رأيها وشعورها ودعمها لغزة وأهلها، غير آبهين بالعواقب والتقييدات الإسرائيلية التي اشتدت وطأتها مؤخرا والتي قد تؤذن بانفجار شعبي بالمستقبل القريب.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: مواقع التواصل الاجتماعی تشرین الأول للجزیرة نت فی غزة بعد أن
إقرأ أيضاً:
كيف تفضح طموحات نتنياهو نقاط ضعف الاحتلال الإسرائيلي؟
نشر موقع "فلسطين كرونيكل" تقريرًا يسلط الضوء على الأساليب التي يعتمدها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، للتغطية على نقاط ضعف "إسرائيل" وفشلها في تحقيق أهدافها، وذلك بالأساس من خلال استراتيجية "الهروب إلى الأمام" وإثارة المزيد من التوترات على أكثر من صعيد.
وقال الموقع في هذا التقرير الذي ترجمته "عربي21"، إن حملة نتنياهو ضد مصر مثال آخر على عجز إسرائيل عن حسم الحرب في غزة وتغيير الواقع السياسي في القطاع، بعد مرور 17 شهرًا على انطلاق الحرب المدمرة.
وحسب الموقع، فإن نتنياهو كان قبل 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 في حالة من النشوة السياسية؛ حيث بدا أن دبلوماسيته في الجنوب العالمي قد كسرت عقودًا من العزلة الإسرائيلية، كما أن نجاحه في الحصول على الاعتراف الدولي دون تنازلات كبيرة أكسبه شعبية هائلة في الداخل، وكان المتطرفون المحيطون به يتطلعون لإعادة تشكيل المنطقة وتعزيز مكانة إسرائيل عالميا بدعم غير مشروط من الولايات المتحدة.
فشل إسرائيلي ذريع
لكن هجوم السابع من تشرين الأول/ أكتوبر وما رافقه من فشل إسرائيلي ذريع على جميع الجبهات، كشف -وفقا للموقع- عن فشل نتنياهو في تحقيق تطلعاته، وسرعان ما تجلت الأزمة في غضب عالمي عارم ضد حرب الإبادة الجماعية التي شنتها إسرائيل على الفلسطينيين، وأصبح رئيس الوزراء الإسرائيلي مجرمًا مطلوبًا للمحكمة الجنائية الدولية.
وأوضح الموقع أن نتنياهو اختار التصعيد في مواجهة هذه الإخفاقات، فقد أصر على مواصلة الحرب في غزة، والإبقاء على حضوره العسكري في لبنان، وتنفيذ حملات قصف متكررة وواسعة النطاق في سوريا، لكنه فشل حتى الآن في تحقيق أي من أهدافه المعلنة من الحرب المدمرة على غزة، والتي كلفت إسرائيل خسائر غير مسبوقة.
وفي الوقت نفسه، تتعمق الانقسامات بين النخب السياسية والعسكرية، وآخر مظاهر الانقسام إقالة العديد من كبار الضباط وإعادة ترتيب الأوراق في الجيش بما يتماشى مع طموحات نتنياهو السياسية.
وتزامنا مع تكثيف التهديدات تجاه غزة ولبنان وسوريا، صعدت إسرائيل لهجتها تجاه مصر رغم أنها ليست طرفا في النزاع الحالي وكانت أحد الوسطاء الثلاثة في محادثات وقف إطلاق النار.
وأكد الموقع أن السبب الأساسي لهذا التصعيد هو أن نجاح الاستراتيجية الإسرائيلية في ترحيل سكان غزة إلى صحراء سيناء يتطلب موافقة مصر، وقد بدأ كبار المسؤولين الإسرائيليين بتوجيه أصابع الاتهام إلى القاهرة في غياب أي بوادر على إمكانية تحقيق "نصر كامل" في حرب غزة.
التصعيد الإسرائيلي تجاه مصر
وأخذ التصعيد الإسرائيلي تجاه مصر منحى أكثر حدة -وفقا للموقع-، حيث اتهمت بعض الأطراف القاهرة بتسليح حماس، أو بعدم القيام بما يكفي لوقف تدفق الأسلحة إلى المقاومة الفلسطينية.
وعندما رفضت مصر الاتهامات الإسرائيلية وعارضت خطة التطهير العرقي وتهجير سكان غزة، بدأ القادة الإسرائيليون يتحدثون عن تهديد عسكري مصري، زاعمين أن القاهرة تحشد قواتها على الحدود مع إسرائيل.
واعتبر الموقع أن الهدف من توريط مصر في النزاع هو صرف الانتباه عن الفشل الإسرائيلي في ساحة المعركة، لكن هذا التكتيك تحول إلى عملية تضليل، أي إلقاء اللوم على مصر بسبب عدم قدرة إسرائيل على الانتصار في الحرب أو تحقيق هدفها بتهجير سكان غزة.
يضيف الموقع أن نتنياهو شعر أنه حصل على التزام أمريكي واضح بتصدير مشاكل إسرائيل إلى أماكن أخرى بعد أن طرح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خطته لتهجير سكان غزة نحو الأردن ومصر. كما لعب زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لبيد ورقة مصر لصرف الانتباه عن فشله في منافسة نتنياهو سياسيا، حيث اقترح في مؤتمر له بواشنطن أن تشرف القاهرة على القطاع لعدة سنوات.
لكن ما لم ينتبه إليه كثيرون -وفقا للموقع- هو إسرائيل لم تأخذ تاريخيا الإذن من أحد لتهجير الفلسطينيين واحتلال أرضهم عندما كانت قادرة على القيام بذلك، ما يعني أن الضغوط التي تمارسها حاليا على الدول العربية للرضوخ لمخططات التطهير العرقي هو علامة على أنها تمر بأكثر اللحظات ضعفا في تاريخها.