سلطت مجلة "إيكونوميست" الضوء على الصواريخ الباليستية التي انطلقت من اليمن إلى إسرائيل يوم 31 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وأشارت إلى أنها سجلت عدة أرقام قياسية، إذ قطعت مسافة أبعد من أي صاروخ باليستي آخر تم إطلاقه، حيث تجاوزت ما لا يقل عن 1600 كيلومتر، معتبرة ذلك مؤشرا على تسارع السباق الصاروخي في الشرق الأوسط.

 وذكرت المجلة البريطانية، في تقرير ترجمه "الخليج الجديد"، أن الصواريخ اعترضها نظام الدفاع الإسرائيلي "أرو" فوق صحراء النقب، وكانت المرة الأولى التي يتمكن فيها النظام، الذي تم نشره منذ 23 عاما، من تدمير صاروخ أرض-أرض، كما كان هذا أيضًا أول اعتراض قتالي على الإطلاق في الفضاء، وفقًا لمسؤولين إسرائيليين.

 وأضافت أن هذا الحادث يعد مثالا صغيرا على كيفية تأثير انتشار الصواريخ ذات المدى والدقة المتزايدين على المشهد العسكري في الشرق الأوسط، خاصة أن الصواريخ كانت جزءًا من تاريخ الحرب في المنطقة لأكثر من 50 عامًا.

فقد جرى إطلاق صاروخ سكود السوفييتي، وهو العمود الفقري لعالم الصواريخ، لأول مرة، في المراحل الأخيرة من حرب أكتوبر/تشرين الأول عام 1973 ضد إسرائيل، كما أطلقت إيران والعراق أعداداً كبيرة من صواريخ سكود فيما يسمى بحرب المدن في ثمانينيات القرن الماضي.

ووفقاً لأحد التقديرات، فإن 90% من 5000 صاروخ أطلقت في القتال بين عامي 1945 و2017 تم إطلاقها في الشرق الأوسط.

والآن ينتشر تهديد الصواريخ من جانبين: الأول هو أن المزيد من التنظيمات أصبح لديها إمكانية الوصول إليها، والثاني هو أن الصواريخ نفسها أصبحت أفضل من الناحية النوعية.

بداية مصرية

وفي الخمسينيات، بدأت مصر في تصنيع الصواريخ الباليستية بمساعدة العلماء النازيين، وتبعتها إسرائيل بمساعدة فرنسية. ومن الستينيات إلى الثمانينيات، تدفقت الصواريخ السوفييتية على مصر والعراق وليبيا وسوريا ودول أخرى، وزودت الصين والسعودية وتركيا، وساعدت كوريا الشمالية إيران واليمن والإمارات.

ولاحقاً أرسلت أمريكا وبريطانيا وفرنسا صواريخ متطورة خاصة بها، ما أسفر عن امتلاك 11 دولة في المنطقة لصواريخ باليستية أو صواريخ كروز يصل مداها إلى أكثر من 250 كيلومترًا، وفقًا لتقديرات، حسن البهتيمي، الباحث بكلية كينجز في لندن.

ولا يقل أهمية عن هذا الواقع أن الدول لم تعد تحتكر تكنولوجيا الصواريخ، فعلى مدى السنوات العشرين الماضية، زودت إيران حزب الله اللبناني وحركة حماس في قطاع غزة والحوثيين في اليمن بطائرات مسيرة وصواريخ وقذائف.

وفي عام 2007، كان لدى حماس عدة مئات من الصواريخ، وفقاً للتقديرات الإسرائيلية، وقفز ذلك إلى 10 آلاف صاروخ في عام 2014 ثم تضاعف 3 مرات إلى 30 ألف صاروخ في عام 2021.

وارتفعت ترسانة حزب الله الأكثر تطورا من حوالي 15 ألف صاروخ في عام 2006، وهو العام الذي خاض فيه حربا مع إسرائيل، إلى حوالي 150 ألف صاروخ اليوم، بينها 400 عبارة عن صواريخ طويلة المدى يمكنها ضرب أي مكان في إسرائيل.

اقرأ أيضاً

صافرات الإنذار تدوي في إيلات بعد إعلان الحوثيين استهدافها

وإزاء ذلك، فإن الجماعات المسلحة تشكل الآن مستوى من التهديد العسكري التقليدي لم يكن بوسع الدول وحدها أن تفعله قبل 20 عاما.

وفي السياق، يقول بروس هوفمان، الباحث بمجلس العلاقات الخارجية: "إن خطر الحرب على جبهتين بالنسبة لإسرائيل، يبدأ في اتخاذ أبعاد وجودية".

وتتيح المخزونات الأكبر حجمًا من الصواريخ إطلاق رشقات أكبر وأطول أمدًا، ففي حرب الخليج الأولى، أطلق العراق، في عهد صدام حسين، صاروخ سكود في المتوسط يومياً على إسرائيل لمدة تزيد قليلاً عن شهر.

ورغم أن تسلح حماس بالصواريخ أضعف، إلا أنها رفعت إطلاقها للصواريخ من 192 صاروخ يوميًا خلال حرب عام 2014 إلى 470 صاروخ في اليوم الأول من حرب عام 2021، وفي 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي وحده أطلقت ما لا يقل عن 2200 صاروخ.

غير أن هذه الصواريخ سجلت عدداً قليلاً من الضربات المباشرة على المناطق المبنية، ما يشير إلى أن القبة الحديدية لا تزال تعترض نحو 90% من أهدافها، كما فعلت في الحروب السابقة مع غزة.

ومن بين 1400 إسرائيلي قتلوا منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول، قُتل 4 فقط نتيجة للهجمات الصاروخية، وفقاً لما نقلته المجلة البريطانية عن ضابط كبير في الجيش الإسرائيلي.

ويؤكد تقرير "إيكونوميست" أن أنظمة الدفاع الصاروخي الإسرائيلية ذات مستوى عالمي، لكن المشكلة هي أن قدرات الصواريخ تتحسن، حسبما يقول، فابيان هينز، الباحث بالمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية.

صواريخ سكود

 ويشير هينز إلى أن صواريخ سكود التي طان يطلقها نظام صدام حسين كانت "معقدة للغاية في التشغيل، وغير دقيقة إلى حد كبير"، إذ أن هامش خطأها الدائري المحتمل يزيد على كيلومترين، ما يعني أن نصف الصواريخ التي يتم إطلاقها من المتوقع أن تهبط ضمن تلك المسافة من النقطة المستهدفة بالصاروخ، ما يجعل هذا النوع من الصواريخ صالحا لثلاثة أغراض فقط، التباهي في المسيرات، أو ترويع المدن، أو إطلاق الأسلحة النووية.

وفي بحث نُشر عام 2021، أظهر مايكل هورويتز، وهو الآن مسؤول كبير في البنتاجون، ولورين كان، من جامعة جورج تاون، أنه في عام 1990، كانت 9 دول فقط تمتلك قنابل "ذكية" دقيقة التوجيه، والتي تستخدم مزيجًا من الملاحة بالقصور الذاتي وإشارات الأقمار الاصطناعية.

وحتى القوى الكبرى، مثل الصين والهند، ومعظم دول حلف شمال الأطلسي، كانت تفتقر إلى القدرة على الحصول على تلك القنابل، ثم أصبحت هذه التكنولوجيا عالمية، فقد امتلكتها 22 دولة بحلول عام 2000، و56 دولة بحلول عام 2017.

وشمل ذلك إيران، التي طورت شهاب-1، وهو صاروخ سكود مطور، استخدمته لضرب المسلحين المتمركزين بالعراق في التسعينيات وأوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، واليوم، يُعتقد أن فاتح 110، وهي عائلة صواريخ مصممة إيرانيًا، يبلغ قطرها أقل من 35 مترًا، وربما تصل إلى 5 أمتار مع إشارة موثوقة عبر الأقمار الصناعية، وهي جيدة بما يكفي لضرب مركبة كبيرة.

وقد أظهرت تلك الصواريخ ذلك في يناير/كانون الثاني 2020 عندما ردت إيران على اغتيال قائد فيلق القدس بالحرس الثوري، قاسم سليماني، بمهاجمة القوات الأمريكية في العراق وسجلت 6 ضربات مباشرة.

كما نفذت إيران هجوما بطائرات مسيرة وصواريخ كروز، عام 2019، على منشآت النفط السعودية، وهي الضربة التي كان لها "تداعيات جيوسياسية ضخمة"، بحسب هينز، موضحا: "كانت معظم الدول التي تريد ضرب أعداء بعيدين عنها تحتاج إلى قوة جوية باهظة الثمن؛ فالصاروخ غير الموجه سيكون عديم الفائدة على مسافة تزيد عن 1000 كيلومتر. أما الآن فهناك جهات لا تمتلك قوة جوية لكنها قادرة على ضرب عمق الخصم. وهذا يغير الحسابات الاستراتيجية".

 وأضاف أن ضربات 2019 و2020 أظهرت أن إيران ووكلائها لديهم رادع تقليدي خطير ضد إسرائيل وأمريكا وغيرهما، ما يعني أن الدولة العبرية أصبحت مهددة من نطاق أوسع من البلدان.

فالحرس الثوري الإيراني يمكنه إلقاء اللوم في الهجمات على الحوثيين، وإذا قامت إسرائيل بالانتقام في اليمن، فإن خطر التصعيد والتداعيات السياسية ستون أقل من خطر الحرب على لبنان أو العراق.

اقرأ أيضاً

إسرائيل تنشر زوارق حربية بالبحر الأحمر وتهدد الحوثيين في اليمن

وهنا تشير "إيكونوميست" إلى أن "الدقة" تمثل أيضا تحديا عميقا للدفاعات الصاروخية، إذ تعمل منظومة القبة الحديدية، وغيرها من وسائل الدفاع الإسرائيلية، من خلال حساب الاتجاه الذي يتجه إليه الصاروخ ولا تعترضه إلا إذا سقط في مكان مهم، مثل منطقة مأهولة بالسكان أو قاعدة عسكرية. وفي عام 2006، كانت ترسانة حزب الله غير موجهة بالكامل تقريبًا، لذا كان من الممكن تجاهل العديد من الصواريخ بأمان، لكن على مدى العقد الماضي، نجحت إيران في إرسال مئات من مجموعات التوجيه، التي تحول الصواريخ العادية إلى صواريخ دقيقة، إلى لبنان، كما يقول مسؤولون إسرائيليون، وذلك رغم الغارات الجوية الإسرائيلية المتفرقة في سوريا لاعتراض تلك الإمدادات.

ويعني ذلك أنه في الحرب المستقبلية، التي يعتقد المسؤولون الإسرائيليون أنها حتمية، فإن نسبة أكبر بكثير من الصواريخ القادمة سيكون لها هدف مقصود ومحدد وفرصة جيدة للوصول إليه. وسيتعين على إسرائيل أن تنفق على المزيد من الصواريخ الاعتراضية نتيجة لذلك، وهي الصواريخ التي يبلغ سعر الواحد منها في منظومة القبة الحديدية نحو 100 ألف دولار.

أما نظام David’s Sling، الذي يتعامل مع الصواريخ الأكبر حجمًا، فيتكلف أضعاف ذلك المبلغ، ما قد يضطر إسرائيل إلى التركيز على المواقع الاستراتيجية، مثل المقرات والقواعد الجوية، بدلاً من المدن.

طرق الاعتراض

وإزاء ذلك، يلفت التقرير إلى 3 طرق للتكيف مع خطر الصواريخ البالستية، أولها يتمثل في الحفاظ على الصواريخ الاعتراضية من خلال تحسين الخوارزمية التي تتنبأ بالمكان الذي من المحتمل أن تهبط فيه الصواريخ الهجومية.

وتتمثل الطريقة الثانية في استخدام الحرب الإلكترونية للتشويش على إشارات توجيه الصواريخ، كما تفعل إسرائيل بالفعل، لكن ذلك يؤدي إلى إرباك السائقين الذين يعتمدون على تطبيقات الخرائط الإلكترونية للتنقل.

أما الطريقة الثالثة فتتمثل في التركيز على وسائل الاعتراض الرخيصة، وفي هذا الإطار أجرت إسرائيل عدة اختبارات لنظام يعتمد على الليزر يعرف باسم "الشعاع الحديدي".

ومع ذلك، فإن دمج هذا النظام العملياتي في بطاريات الدفاع الصاروخي الحالية لن يحدث خلال هذه الحرب، كما أن هذه المنظومة تعاني من عيوب، مثل الفعالية المحدودة في الظروف الملبدة بالغيوم.

وتلفت "إيكونوميست"، في هذا الصدد، إلى أن الولايات المتحدة رادارًا كبيرًا من نوع X-band في صحراء النقب بإسرائيل، وأن سفنها الحربية أسقطت وابلًا من الصواريخ من اليمن في 19 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، كما اعترضت السعودية صاروخًا واحدًا من هذا الوابل، وهي التي لا تقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل ولكنها تشترك في نفس الرادار.

وفي يونيو/حزيران من العام الماضي، أعلنت إسرائيل أنها انضمت إلى تحالف الدفاع الجوي في الشرق الأوسط (ميد)، وهو مخطط تقوده الولايات المتحدة ويضم دولًا عربية.

ويقول يائير راماتي، وهو مهندس إسرائيلي وأحد المطورين الأصليين لبرنامج "آرو"، والرئيس السابق لهيئة الدفاع الصاروخي: "إن نجاح هذه التكنولوجيا يكمن في قدرتها على التكيف على مر السنين مع مجموعة من التهديدات المختلفة القادمة من اتجاهات مختلفة".

ويخلص التقرير إلى أن سباق التسلح الصاروخي مستمر منذ أكثر من 30 عامًا، إذ كان أعداء إسرائيل يبنون ترساناتهم باستمرار، ولا ظهور لأي علامة على التباطؤ في هذا السباق حاليا.

اقرأ أيضاً

"أنصار الله" اليمنية: إطلاق دفعة طائرات مسيرة ثالثة على إسرائيل

المصدر | إيكونوميست/ترجمة وتحرير الخليج الجديد

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: إسرائيل اليمن الحوثيين غزة صحراء النقب مصر صدام حسين إيران أکتوبر تشرین الأول فی الشرق الأوسط من الصواریخ صاروخ فی إلى أن فی عام

إقرأ أيضاً:

الفوضى غير الخلاقة في الشرق الأوسط

لست متخصصًا في العلوم السياسية، ولكني باعتباري متخصصًا في الفلسفة يمكن أن يكون لي شأن بفلسفة السياسة، وباعتباري مثقفًا عامًّا لا بد أن يكون لي شأن بالأوضاع السياسية العامة التي تجري من حولنا؛ تمامًا مثلما أن المثقف العام لا بد أن يكون له شأن بوضع الدين في عالمنا بما هو دين، وإن لم يكن متخصصًا في علوم الدين التي تتعلق بتفاصيل الشرائع والأديان وما تنطوي عليه من دراسات مقارنة. الأوضاع السياسية التي تجري في الشرق الأوسط التي بلغت ذروة اشتعالها في عصرنا الراهن، تفرض علينا تأملها ومحاولة فهمها حتى نكون -على الأقل- على وعي بها، ومن ثم نكون قادرين على تحديد مواقفنا منها.

لعلنا نذكر جميعًا المقولة الشهيرة لكوندوليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية حتى الفترة السابقة مباشرةً على ثورات الربيع العربي؛ إذ كانت تصف المشروع الأمريكي في الشرق الأوسط بأنه يهدف إلى إحداث «الفوضى الخلاقة» في هذه المنطقة من العالم، وكانت تقصد بذلك ضرورة إحداث اضطرابات وخلخلة في النظم السياسية القائمة على نحو يسهم في خلق نظم جديدة. ولكن الهدف الحقيقي غير المعلن صراحةً يكمن في بقية العبارة، وهو: خلق نظم جديدة تابعة للسياسات أو المخططات الأمريكية وتخدم مصالحها في المنطقة، وعلى رأسها مصالح إسرائيل ومخططاتها، التي هي ذراع أمريكا والغرب في الشرق الأوسط. نجح المخطط في إحداث الفوضى في العراق وفي ليبيا وفي اليمن وفي السودان، نجح في إحداث الفوضى، ولكنه لم ينجح بأي حال في أن يجعلها خلاقة، سواء بالنسبة للشعوب العربية (على المستوى الظاهري المعلن) أو على مستوى المصالح الأمريكية والإسرائيلية نفسها (على المستوى الحقيقي غير المعلن)؛ إذ تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن: فقد نشأت حركات مقاومة تعادي المخططات الأمريكية في اليمن (الحوثي) وفي لبنان (حزب الله) وفي فلسطين (حماس والحركات الجهادية).

الآن نأتي إلى الوضع الراهن في سوريا، وهو وضع جديد مربك ومحير، وينفتح على سيناريوهات عديدة تستدعي تأملات محايدة للمشهد، أوجزها فيما يلي:

السرعة التي انهار بها نظام بشار الأسد، واستولى بها الثوار على المدن السورية واحدة تلو الأخرى في غضون أسبوع تقريبًا، هو أمر أثار دهشة الناس العاديين والمحللين السياسيين على السواء. وهو ما يدل دلالة قاطعة -كما تبيّن ذلك- على أن هذه الثورة كان مخططًا لها منذ وقت طويل، وكانت مدعومة بقوى خارجية أهمها: تركيا في العلن، وأمريكا وإسرائيل في الخفاء أو على الأقل من خلال الصمت على ما يجري، طالما أنه يجري على النحو المرسوم. ولا شك في أنه لولا هذا الدعم ما أمكن للثوار أن ينتصروا أو يقهروا النظام القائم إلا من خلال حروب دموية طويلة. وليس بخافٍ على أحد أن الدعم الخفي أو الرضا الضمني من جانب أمريكا وإسرائيل يهدف إلى تقليص النفوذ الروسي والقضاء على النفوذ الإيراني في سوريا. ولهذا رأينا روسيا تتخلى عن دعمها لبشار بعد أن أدركت أنها سوف تتكبد خسائر في مواجهة الثورة، بينما هي لديها مواجهات أكثر أهمية بكثير في أوكرانيا. كما أننا رأينا حزب الله يلملم كتائبه ويرحل أفراده مع عوائلهم فارين من سوريا؛ فقد أدركت إيران -مثل روسيا- أن بشار أصبح ورقة خاسرة لا تستحق المراهنة عليها.

كشفت الثورة السورية عن أهوال وفظاعة ووحشية ارتكبها نظام بشار بحق شعبه، من خلال الكشف عما كان يجري في السجون من تعذيب وحشي يفوق الخيال البشري، وإعدامات بالآلاف للأبرياء من المعارضين المدنيين. ولهذا كانت فرحة السوريين عارمة بإطلاق سراح السجناء، وتنفسهم لهواء الحرية لأول مرة منذ عقود عديدة ترجع إلى فترة الأب حافظ الأسد الذي لم يتورع عن إبادة المعارضين من شعبه، فقتل ما يقارب خمسين ألفا من المواطنين في مدينة حماة سنة 1982. ولذلك يحق للشعب السوري أن يفرح ويهنأ بثورته وأن يتطلع إلى مستقبل جديد ينعم فيه بالحرية والديمقراطية.

ومما يستدعي التأمل في مشهد الثورة السورية أن الثوار من حيث مظهرهم ولغة خطابهم يبدون ممثلين لفصيل ديني أو مجموعة من الفصائل الدينية، فلا نجد من بينهم تقريبًا من يمثل المجتمع المدني بسائر أطيافه، وهذا يتبدى حتى في تشكيل الحكومة المؤقتة. حقًا إن زعيم الثوار وقياداتهم يبدون معتدلين ومدافعين عن حقوق الشعب السوري، بل يبدون متحلين بالحصافة السياسية والقدرة على الإدارة. ومع ذلك فإن الحصافة السياسية لا بد أن تُلزِم هذه القيادات الاستعانة بأهل الخبرة من المجتمع المدني في إدارة شؤون البلاد في كل مجال في المرحلة القادمة، وإلا سيكون مصيرهم هو مصير الإخوان الذين أرادوا الانفراد بالسلطة مما عجل بإقصائهم من المشهد. نأمل أن تكتمل الثورة السورية في المسار الصحيح بتحقيق دولة مدنية ديمقراطية، لا دولة دينية؛ لأن النوايا الطيبة -حتى إن كانت خالصة لوجه الله تعالى- لا تكفي وحدها لتأسيس دولة من جديد. ولذلك فإن الثورة لا يزال أمامها طريق شاق وملغوم.

مقالات مشابهة

  • على حافة الهاوية!!
  • وسائل إعلام إسرائيلية تعلن موعد الحرب بين إسرائيل وتركيا
  • القصيبي وأزمات الشرق الأوسط
  • الفوضى غير الخلاقة في الشرق الأوسط
  • توسع إسرائيل وعقوبات سوريا وصفقة إيران| تحركات سريعة في خريطة الشرق الأوسط.. وخبير يكشفها
  • حمدان بن محمد يطلق نظام التوصيل بالطائرات بدون طيار الأول في الشرق الأوسط
  • تحديات شرق أوسطية
  • صاروخ يمني يشعل أجواء إسرائيل.. إغلاق مؤقت للمطار
  • هلع في إسرائيل.. صاروخ يمني يستهدف تل أبيب
  • تدشين تقنية جديدة لتشخيص الزهايمر لأول مرة في الشرق الأوسط