تجدد المعارك في أكثر من جبهة بعد تهدئة لعام ونصف: ما احتمالات انزلاق اليمن لجولة أخرى من الصراع؟
تاريخ النشر: 10th, November 2023 GMT
مع تواتر التقارير التي تؤكد تجدد القتال في نحو سبع جبهات في بعض مواقع التماس بين طرفي الصراع في اليمن خلال هذا الأسبوع، بعد عام ونصف من التهدئة، حذّرت الحكومة اليمنية المعترف بها مما اعتبرته “التصعيد الخطير” لجماعة الحوثيين خلال الأيام الماضية في محافظات مأرب/شرق، وتعز/جنوب غرب، والضالع/جنوبي اليمن. واتهمت الحكومة الجماعة بمواصلة “حشدها للمقاتلين والعربات والعتاد من مختلف أنواع الأسلحة والذخائر إلى مواقع تمركزها في مختلف الجبهات”.
ونقلت وكالة الأنباء الحكومية عن وزير الإعلام والثقافة والسياحة، معمر الأرياني، قوله: “إن المعلومات الميدانية تؤكد أن الحوثيين دفعوا بتعزيزات عسكرية خلال الفترة الماضية باتجاه مديرية نهم، ومحيط مناطق التماس” في جبهات عدة، و”قصفوا تجمعات للنازحين في محافظة مأرب وغرب محافظة تعز”، وفق وكالة الأنباء الحكومية”.
وأشار الأرياني إلى أن الحوثيين “استهدفوا خلال الثلاثاء والإثنين مواقع الجيش الوطني” في جبهات عدة.
وتداولت وسائل إعلام محلية خبر تشييع 11 جثماناً لمقاتلين من صفوف القوات الحكومية سقطوا في معارك مع الحوثيين خلال اليومين الماضيين في شمال غربي محافظة مأرب.
يأتي التصعيد في ظل ما تشهده المحادثات بين السعودية والحوثيين من جمود حاليًا. وتتحدث تقارير عن تصعيد للحوثيين شهدته الأيام القليلة الماضية على الحدود مع السعودية قتل خلالها الحوثيون خمسة جنود سعوديين.
وانتقل التصعيد وبصورة أكثر وضوحًا، خلال الأسبوع الجاري، إلى عدد من الجبهات، وظهرت بصورة أشد في محافظتي تعز ومأرب. وقالت مصادر حكومية إن الحوثيين شنوا هجمات مباغتة على مواقع للقوات الحكومية سقط فيها قتلى وجرحى من الجانبين. ووفق مراقبين، فإن التصعيد الأخير يأتي في سياق ضغط الحوثيين لتحقيق مزيد من المكاسب في المحادثات مع الرياض. السؤال الذي يطرح نفسه: في ظل هذا التصعيد، ما احتمالات انزلاق اليمن لجولة أخرى من الصراع؟
وفق مصادر إعلامية غربية، فإن السعودية حريصة على عدم تجدد القتال في اليمن، في سياق جهود تبذلها للوصول إلى حافة الاتفاق الذي يفضي على تسوية تعزز من ضمان أمنها وتفرغها لرؤية 2030، وهو ما دفع بها للدخول في محادثات مباشرة مع الحوثيين بتيسير عُماني. لكن مازالت سماء هذه المحادثات ملبدة بالغيوم، التي يصعب معها قراءة آفاقها في الوقت الراهن.
وقالت مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية، الأربعاء، إن الحوثيين يهددون بالعودة إلى ساحة المعركة مع استمرار المحادثات الحوثية السعودية، لكنها أشارت إلى أن ما اعتبرته “تهميش اللاعبين الغربيين” في هذه المحادثات، “يمكن أن يُشكّل تحديات مستقبلية للرياض والغرب”.
وأشارت إلى أن الرياض أنفقت على حملتها في اليمن ما يقدر بأكثر من 265 مليار دولار، لافتة إلى أن السعودية تريد الآن تحويل تركيزها إلى رؤية 2030. لكنها قالت “إن الحوثيين يمكنهم أن يفسدوا هذه الخطة بإطلاق الصواريخ عبر الحدود على المملكة العربية السعودية، كما فعلوا طوال الحرب، وتحتاج الرياض إلى انتهاء القتال في اليمن لضمان أمنها”.
وعلى صعيد المحادثات بين الجانبين، رجحت المجلة أن “الإطار العام للاتفاق الحوثي السعودي قد أصبح قائماً، على الرغم من أن بعض التفاصيل الصغيرة لا تزال بحاجة إلى حل”.
وقالت: “لم يتنازل الحوثيون عن شروطهم لإنهاء الحرب. وتشمل مطالبهم رفع جميع القيود المفروضة على الحركة في مطار صنعاء الدولي وميناء الحديدة الذي يسيطر عليه الحوثيون وضمان دفع رواتب جميع موظفي الدولة، ومنهم العسكريون والأمنيون، من عائدات النفط الحكومية”.
وأشارت إلى أن “الجماعة لن تفكر في الدخول في محادثات يمنية مع خصومها إلا بعد استيفاء هذه الشروط. وتشمل مطالبهم الإضافية انسحاب جميع القوات الأجنبية من اليمن وعلى المملكة العربية السعودية تغطية تكاليف إعادة الإعمار”.
وترى الكاتبة فينا علي خان، أن “الرياض مستعدة للاستجابة لمعظم مطالب الحوثيين إذا وافقت الجماعة على وقف دائم لإطلاق النار، إلا أنها تريد من الحوثيين الالتزام بالمشاركة في المحادثات المستقبلية التي تقودها الأمم المتحدة مع إيران”.
وتعتقد خان أن “دفع الرواتب” يمثل إحدى النقاط الشائكة الرئيسية أو بمعنى آخر الآلية التي سيتم من خلالها توزيع دفعات الرواتب. وقالت: “يصرّ الحوثيون على أن يحصل موظفو الدولة في المناطق التي يسيطرون عليها على رواتبهم من أرباح صادرات النفط الحكومية. ويشكّل هذا تحديًا كبيرًا للحكومة، حيث تشكل تلك الأرباح غالبية إجمالي إيراداتها”. وأضافت: “يريد الحوثيون مصدرًا مستدامًا للإيرادات لضمان استقلالهم الاقتصادي وضمان قدرتهم على الحكم بغض النظر عن نتيجة الصراع”.
وترى خان، أن “الجانبين قد وجدا حلاً بديلاً لمسألة دفع الرواتب. وافقت المملكة العربية السعودية على تغطية رواتب الحوثيين لمدة عام، على أن يتم دفعها على قسطين. خلال هذه الفترة، ستقوم كل من الحكومة اليمنية والحوثيين بتشكيل لجان اقتصادية للتفاوض وتحديد الجوانب الفنية لاتفاق دائم لتقاسم الإيرادات بين الجانبين”.
وأشارت إلى ما اعتبرته “عقبة أخرى تتمثل في أن الرياض تريد أن يعترف بها الحوثيون كوسيط وليس طرفاً في الصراع، في محاولة محتملة لتجنب تحمل تكاليف إعادة الإعمار”. كما أشارت إلى أن “الرياض تعمل على افتراض أنها إذا رضخت لمطالب الحوثيين، فسوف تشارك الجماعة في محادثات يمنية داخلية للتوصل إلى تسوية. لكن الحكومة اليمنية تخشى أنه إذا تنازلت الرياض بالكامل للحوثيين وبالتالي خرجت من الصراع، فقد يحاول الحوثيون الاستيلاء على البلاد بأكملها”.
وفيما يتعلق بإمكانية التدخل العسكري السعودي في اليمن في حال انزلق اليمن للصراع مرة أخرى، قالت إنه من غير المؤكد أن السعودية ستقدم الدعم العسكري، لكنها ترى أن الحكومة اليمنية سترد على هجمات الحوثيين، لكن نجاحها سيتوقف على ما إذا كانت الرياض ستقدم دعمًا جويًا حاسمًا أو تتخلى عنها في سيناريو على غرار أفغانستان، حد تعبيرها.
وأشارت إلى أن عودة الصراع المحلي الذي يمكن أن يغير الخطوط الأمامية لن يؤدي إلا إلى تفاقم الوضع الأمني الهش “وهو أمر لن تتجاهله السعودية، باعتبارها جارة اليمن”، حد قولها.
وكان وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، أكد خلال اتصال بنظيره العُماني بدر البوسعيدي، أهمية إطلاق حوار سياسي يمني- يمني برعاية الأمم المتحدة. وذكر المتحدث باسم الخارجية الأمريكية ماثيو ميلر، الأربعاء، أن بلينكن رحب “بالجهود التي تبذلها السلطنة للتوصل إلى اتفاق سلام دائم في اليمن من خلال إطلاق حوار سياسي يمني- يمني برعاية الأمم المتحدة، ولضمان مواصلة تركيز الجهات الفاعلة اليمنية على هذا الجهد”.
المصدر: الموقع بوست
كلمات دلالية: اليمن الحكومة اليمنية الحوثي الهدنة الحکومة الیمنیة وأشارت إلى فی الیمن إلى أن
إقرأ أيضاً:
مواجهةٌ جديدة: اليمن وحزبُ الله يُعيدان رسمَ خريطة الصراع الإقليمي
براق المنبهي
تشهد المنطقة العربية تحولات جذرية في المشهد العسكري والسياسي، حَيثُ أطلق حزب الله والقوات المسلحة اليمنية سلسلة من العمليات النوعية التي تُعيد رسم خريطة الصراع الإقليمي. فمن جهة، أعلن حزب الله عن بداية فصل جديد من المقاومة، بعد أن وجه ضربة موجعة لـ “إسرائيل” باستهداف مقر وزارة الحرب الإسرائيلية وهيئة أركانها في تل أبيب بصواريخ متطورة. ومن جهة أُخرى، أظهرت القوات المسلحة اليمنية قدرة استثنائية على إحباط أي عدوان على أراضيها، مستهدفة حاملة طائرات أمريكية ومدمّـرات حربية في البحر الأحمر.
عملية حزب الله غير المسبوقة في تل أبيب تُمثل تحولًا جذريًّا في موازين القوى في المنطقة؛ فرسائل حزب الله، التي عبر عنها الأمين العام الشيخ معين قاسم، تؤكّـد أن لا مكانَ آمنًا للكيان الإسرائيلي في فلسطين المحتلّة، مهما بلغت قدراته العسكرية من تطور.
هذه العمليات ليست ردود فعل عابرة، بل هي جزء من استراتيجية مدروسة تهدف إلى فرض واقع جديد على الصراع مع “إسرائيل”. فإطلاق الصواريخ من القرى التي ادعى نتنياهو سيطرته عليها يُظهر زيف ادِّعاءاته ومهزلة زعمه بالسيطرة على قرى جنوب لبنان.
تُعاني “إسرائيل” من حالة قلق وتصدعات في جبهتها الداخلية، حَيثُ تواجه الحكومة انتقادات لاذعة؛ بسَببِ فشلها في مواجهة التحديات المتصاعدة. يزداد قلق المواطنين الإسرائيليين من عجز حكومتهم عن حماية أراضيهم، مما يثير تساؤلات جدية حول قدرة المؤسّستين العسكرية والسياسية على مواجهة التحديات الراهنة.
أظهر حزب الله، من خلال استخدام صواريخ متطورة كـ “فادي 6” و”قادر 2″، تطورًا ملحوظًا في قدراته العسكرية؛ مما يُشكل تحديًا استراتيجيًّا لـ “إسرائيل”. ويؤكّـد الشيخ معين قاسم على استمرار الضربات وعدم وجود ملاذ آمن لجنود العدوّ، مما يعزز معنويات مقاتلي المقاومة في ظل تراجع معنويات جيش الاحتلال المُثقل بالخسائر.
فشل الحملة البرية الإسرائيلية في جنوب لبنان، ودخولها في مناورة برية ثانية، يُظهر ضعف قدراتها العسكرية ويُفضح أكاذيب نتنياهو حول احتلاله لقرى لبنانية. فقد أطلق حزب الله صواريخه من تلك المناطق، مُثبتًا زيف ادِّعاءاته أمام الرأي العام العالمي.
وليس فشل “إسرائيل” في لبنان وحدَه ما يُثير القلق، بل تُضاف إليه العملية النوعية التي نفذتها القوات المسلحة اليمنية في البحر الأحمر، والتي استمرت لثمان ساعات واستهدفت حاملة الطائرات الأمريكية “أبراهام لنكولن” ومدمّـرتين حربيتين، باستخدام مسيرات وصواريخ مجنحة وبالستية. تُظهر هذه العملية قدرة اليمن على إحباط أَيِّ عدوان على أراضيها، وتُؤكّـد على تصاعد قدرات المقاومة في المنطقة، مُرسلةً رسالةً قويةً حول قدرة المقاومة على مواجهة القوى العظمى.
تطرح هذه التطورات تساؤلات جوهرية حول مستقبل المنطقة: هل تُشير هذه العمليات إلى بداية مرحلة جديدة من المواجهة بين المقاومة وإسرائيل؟ وهل ستُؤدّي إلى تصعيدٍ أكبرَ في التوتر الإقليمي؟
من الواضح أن المقاومة في المنطقة، ممثلةً بحزب الله والقوات المسلحة اليمنية، تزداد قوةً وقدرةً على مواجهة أي عدوان، مُفضحةً في الوقت ذاته ادِّعاءات “إسرائيل” حول سيطرتها وفاعليتها العسكرية.