تناول الباحث يفغيني موزوروف الذكاء الاصطناعي والتهديد الحقيقي الذي يمثله للبشرية، قائلا إن القلق المتزايد بشأنه لا يعود لتقنياته المملة، بل إلى صعود ما يُسمى "الذكاء الاصطناعي العام" (Artificial General Intelligence- A. G. I)، فهو الذي يقلق الخبراء.

وأوضح موزوروف، وهو مفكر أميركي بارز في الآثار السياسية والاجتماعية للتكنولوجيا تعود أصوله إلى بيلاروسيا، في مقال مطول له بصحيفة "نيويورك تايمز" (The New York Times) أن الذكاء الاصطناعي العام لم يوجد بعد، لكن البعض يعتقد أن قدرات روبوت الدردشة "شات جي بي تي" (ChatGPT) التي تنمو بسرعة تشي بأن ظهوره قد اقترب.

أكثر ذكاء من البشر بشكل عام

ونسب الكاتب إلى سام آلتمان المؤسس المشارك لمعمل "أوبن إيه آي" (OpenAI) المالك لروبوت "شات جي بي تي" قوله إن الذكاء الاصطناعي العام هو "أنظمة أكثر ذكاء من البشر بشكل عام"، ولا يزال بناء مثل هذه الأنظمة مهمة شاقة -ويقول البعض إنها مستحيلة- لكن فوائدها تبدو محيرة حقا، إذ يمكنه أن يتعلم أي مهمة فكرية يمكن للبشر أو الحيوانات القيام بها.

ولتقريب فكرة الذكاء الاصطناعي العام، يقول الكاتب: "تخيلوا أن المكانس الكهربائية الآلية الذكية (رومباس) لم تعد محكومة بتنظيف الأرضيات فقط، بل تطورت إلى روبوتات متعددة الأغراض، مثل تحضير قهوة الصباح أو طي الملابس، من دون أن تتم برمجتها على الإطلاق للقيام بهذه الأشياء".

وعلق بأن الأمر يبدو جذابا، لكن إذا أصبحت مكانس الذكاء الاصطناعي العام هذه ذات قدرات عالية جدا، فإن مهمتها الخيالية وهي إنشاء مدينة فاضلة نظيفة، قد تتسبب في فوضى لأسيادها البشر الذين ينشرون الغبار في كل مكان.

انتشار الخوف من خطره الوجودي

ولإبراز الوعي الذي تنامى في أوساط عديدة حول الخطر الوجودي على البشر من قبل الذكاء الاصطناعي، ذكّر الكاتب بأن أكثر من 350 من المديرين التنفيذيين والباحثين والأكاديميين في مجال التكنولوجيا وقّعوا -مايو/أيار الماضي- على بيان حذروا فيه من المخاطر الوجودية للذكاء الاصطناعي، ودعوا إلى أن يكون التخفيف من خطر الانقراض بسببه أولوية عالمية تماما كالمخاطر المجتمعية الأخرى مثل الأوبئة والحرب النووية.

كما أضاف قضية الرسالة التي وقعها مالك شركة تسلا إيلون ماسك، وستيف وزنياك "أحد مؤسسي شركة آبل" وآخرون، والتي دعوا فيها إلى وقف تطوير أنظمة الذكاء الاصطناعي المتقدم لمدة 6 أشهر.


كذلك ذكر أن الإدارة الأميركية حثت القائمين على الذكاء الاصطناعي على الابتكار المسؤول، مشيرة إلى أنه "من أجل اغتنام الفرص" التي يوفرها، "يجب علينا أولا إدارة مخاطره".

أيديولوجيا الذكاء الاصطناعي

ومع ذلك، يقول موزوروف، هناك مجموعة ضغط جديدة من الأكاديميين والمستثمرين ورجال الأعمال ترد على تلك المخاوف بالقول إنه بمجرد أن يتم ضمان سلامة الذكاء الاصطناعي العام، فسيكون نعمة للحضارة، وقد يؤدي إلى تنشيط الاقتصاد، وتعزيز المعرفة العلمية و"رفع مستوى الإنسانية بتحقيق الوفرة".

وقال إن مؤيدي تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي العام المثيرة للجدل يتبنون ما يمكن تسميتها "أيديولوجيا الذكاء الاصطناعي"، وهي أيديولوجيا خاطئة، مضيفا أن المخاطر الحقيقية للذكاء الاصطناعي العام سياسية ولن يتم إصلاحها عن طريق ترويض روبوتاتها المتمردة، وأن أكثر أشكال الذكاء الاصطناعي أمانا لن تقدم العلاج التدريجي الذي وعد به مؤيدوها، وفي تقديمها على أنها حتمية القدوم، فإن مؤيديها يصرفون الانتباه عن إيجاد طرق أفضل لزيادة الذكاء البشري.

رديف لأيديولوجيا السوق

واستمر موزوروف يقول إن منظمة المؤيدين للذكاء الاصطناعي العام هي مجرد طفل غير شرعي لأيديولوجية أكبر بكثير، أيدولوجية السوق، موردا، في هذ السياق، ما قالته رئيسة الوزراء البريطانية الراحلة مارغريت تاتشر إنه "لا يوجد بديل للسوق".

وأوضح أن الذكاء الاصطناعي العام  بدلا من أن يكسر الرأسمالية، من المرجح أن يخلق حليفا قويا (وأكثر قوة) لعقيدة الرأسمالية الأكثر تدميرا: الليبرالية الجديدة، المفتونة بالخصخصة والمنافسة والتجارة الحرة، وحرية السوق وإلغاء الضوابط.

وقال إن الليبرالية الجديدة وجدت حليفا في الذكاء الاصطناعي العام بتعزيزه وتكرار تحيزاتها الرئيسية: أن تتفوق الجهات الخاصة على الجهات العامة (تحيز السوق)، وأن يتفوق التكيف مع الواقع على التغيير (تحيز التكيف)، وأن تتفوق الكفاءة على الاهتمامات الاجتماعية (تحيز الكفاءة).

فجر كاذب

هذه التحيزات تقلب الوعد الجذاب للذكاء الاصطناعي العام رأسا على عقب؛ فبدلا من إنقاذ العالم، إن السعي إلى بنائه سيجعل الأمور أسوأ.

الذكاء الاصطناعي العام يمكنه أن يتعلم أي مهمة فكرية يمكن للبشر أو الحيوانات القيام بها (الجزيرة)

وأضاف أن الذكاء الاصطناعي العام سيعيد صياغة المشاكل الاجتماعية في ضوء الحلول التكنولوجية الهادفة للربح. ونتيجة لذلك، ستتم إعادة تصور المخاوف التي تنتمي إلى المجال العام كفرص ريادية في السوق.

وقال إن الليبرالية الجديدة تتمتع بموهبة حشد التكنولوجيا لجعل بؤس المجتمع محتملا. وتندرج هذه الموهبة في السعي لتحقيق التكيف وهو الطموح الذي، باستخدام عصا تكنولوجية، يمكّننا من أن نصبح غير شاعرين بمحنتنا، إنه نتاج تشجيع الليبرالية الجديدة الدؤوب للناس على الاعتماد على الذات والمرونة.

واستمر موزوروف يقول إن المؤكد هو أن تطبيقات وادي السيليكون العديدة -لمراقبة الإنفاق والسعرات الحرارية وأنظمة التمارين الرياضية- مفيدة أحيانا، لكنها في الغالب تتجاهل الأسباب الكامنة وراء الفقر أو السمنة، مضيفا أنه من دون معالجة الأسباب، سيظل الناس عالقين في مجال التكيف وليس التغيير.

تسطيح الحياة السياسية

وتساءل: هل يجب على المؤسسات أن تتكيف فقط؟ ألا يمكنها تطوير أجنداتها لتحسين ذكاء البشرية؟ أم أن الناس سيستخدمون المؤسسات فقط للتخفيف من مخاطر التقنيات الخاصة بوادي السيليكون؟

وقال إن من الانتقادات الشائعة ضد الليبرالية الجديدة أنها عملت على تسطيح الحياة السياسية بإعادة ترتيبها حول الكفاءة، مشيرا إلى أن التركيز على الكفاءة هو الطريقة التي توصل بها السياسيون حاليا إلى "حل" تغير المناخ من خلال السماح لأسوأ المخالفين بالاستمرار كما كان من قبل.

وأضاف أن ثقافة الكفاءة، التي تقيس فيها الأسواق قيمة الأشياء وتحل محل العدالة، تؤدي حتما إلى تآكل الفضائل المدنية. والمشاكل التي تخلقها هذه الثقافة واضحة في كل مكان، وعلى سبيل المثال فإن الأكاديميين يخشون من أن البحث والتدريس، في ظل الليبرالية الجديدة، قد أصبحا سلعة، وإن الأطباء يتحسرون على أن المستشفيات أصبحت تعطي الأولوية للخدمات الأكثر ربحية مثل الجراحة الاختيارية بدلا من رعاية الطوارئ.

وأكد أنه إذا أطلقنا العنان للذكاء الاصطناعي العام في هذه المؤسسات، فإن مهماتها لن تكون مرئية للذكاء الاصطناعي.

المصدر: الجزيرة

إقرأ أيضاً:

الذكاء الاصطناعي.. هل سينافس البشر على الجوائز؟

يضع الذكاء الاصطناعي المتمثل في برامج توليد الصور وروبوتات المحادثة، الفنانين والكتاب على المحك، لكنّ العلماء يعتقدون أنّ بإمكانه إحداث ثورة في الأبحاث والظهور في جوائز عالمية مثل جوائز نوبل.
في العام 2021، أطلق العالم الياباني هيرواكي كيتانو ما سمّاه "نوبل تيرنينغ تشالنج"، الذي يتحدى الباحثين لإنشاء "عالِم قائم على الذكاء اصطناعي" قادر بشكل مستقل على إجراء أبحاث تستحق جائزة نوبل بحلول عام 2050.
يعمل بعض الباحثين، بلا كلل، لإنشاء مثل هؤلاء الزملاء القائمين على الذكاء الاصطناعي، وثمة نحو مئة "روبوت علمي" تعمل أصلا في مجال العلوم، على ما يوضح روس دي كينغ، وهو أستاذ متخصص في الذكاء الاصطناعي لدى جامعة "تشالمرز" في سويد.
في العام 2009، نشر المتخصص مقالة عرض فيها مع باحثين آخرين روبوتا علميا اسمه "آدم"، يشكل أول آلة تنتج اكتشافات علمية بشكل مستقل.
يقول كينغ "صنعنا روبوتا اكتشف أفكارا علمية جديدة واختبرها وأكّد صحتها".
وقد تمّت برمجة الروبوت لوضع فرضيات بشكل مستقل، وتصميم تجارب لاختبارها وحتى برمجة روبوتات مخبرية أخرى لتنفيذ هذه التجارب والتعلم في النهاية من هذه النتائج.
- اكتشافات "ليست تافهة"
تم تكليف "آدم" باستكشاف العمل الداخلي للخميرة وتوصّل إلى "وظائف جينات" لم تكن معروفة في السابق.
ويشير معدّو المقالة إلى أنّ هذه الاكتشافات "متواضعة" ولكنها "ليست تافهة".
وقد ابتُكر روبوت علمي ثانٍ أُطلق عليه تسمية "إيف" لدراسة الأدوية المرشحة لعلاج الملاريا وأمراض المناطق الاستوائية الأخرى.
مع روبوتات مماثلة، "تكلف الأبحاث مبالغ أقل، كما أن هذه الآلات تعمل على مدى الساعات الأربع والعشرين"، على ما يوضح روس د. كينغ، مضيفا أنها أكثر دقة في متابعة العمليات.
يقر الباحث بأنّ الذكاء الاصطناعي لا يزال بعيدا عن مستوى العالم الذي يستحق جائزة نوبل، إذ يتطلّب ذلك روبوتات "أكثر ذكاء" قادرة على "فهم الوضع ككل" للتنافس ونيل جوائز نوبل.
- "لن تحل محلها قريبا"
تقول إنغا سترومكي الأستاذة في الجامعة النرويجية للعلوم والتكنولوجيا، في حديث صحافي، إنّ "التقاليد العلمية لن تحل محلها الآلات قريبا".
وتضيف "هذا لا يعني أن ذلك مستحيل"، مشيرة إلى أنّ من الواضح "بالتأكيد" أن الذكاء الاصطناعي كان وسيكون له تأثير على طريقة العمل في العلوم.
ومن الأمثلة الجيدة على ذلك "ألفافولد" الذي ابتكرته "ديب مايند" التابعة لشركة غوغل، والذي يمكنه التنبؤ بالبنية الثلاثية الأبعاد للبروتينات بناء على حمضها الأميني.
تقول سترومكي "كنا نعلم أن هناك علاقة بين الأحماض الأمينية والشكل النهائي ثلاثي الأبعاد للبروتينات، وأنّ بإمكاننا استخدام التعلم الآلي للعثور عليها".
وتتابع "إلا أنّ هذه الحسابات معقدة جدا للبشر، وأنجزت الآلة شيئا لم يستطع أي إنسان فعله".
في الوقت نفسه، سلط "ألفافولد" الضوء على ضعف نماذج الذكاء الاصطناعي الحالية مثل الشبكات العصبية، على قول سترومكي.
هذه النماذج جيدة جدا في معالجة كميات هائلة من المعلومات والتوصل إلى إجابة، لكنّها غير قادرة على شرح سبب صحة الإجابات.
- مساعدة الذكاء الاصطناعي
ترى الباحثة أنّ العلم يسعى إلى فهم الكون ولا يقتصر دوره على "الفرضيات الصحيحة".
وقد دفعت الأبحاث الرائدة، التي أنجزتها "ألفافولد"، الخبراء إلى جعل مصمميها بين المرشحين المحتملين لجائزة نوبل.
وقد حصل مدير "ديب مايند" جون إم جامبر والرئيس التنفيذي والمشارك في تأسيس الشركة ديميس هاسابيس، على جائزة "لاسكر" المرموقة عام 2023.
ويظهر اسماهما في الأجهزة اللوحية الخاصة بشركة "كلاريفيت" للتحليل والتي تتوقع أسماء الفائزين بجوائز نوبل العلمية استنادا إلى تصاريح في المقالات البحثية.
وقد تم التطرّق إلى مقالة جامبر وهاسابيس المنشورة في العام 2021 آلاف المرات، لكن سيكون من الاستثنائي أن تكافئ لجنة جوائز نوبل العمل بهذه السرعة بعد نشره، وفق رئيس "كلاريفيت" ديفيد بندلبيري.
وعادة ما تكافئ جوائز نوبل الاكتشافات التي يعود تاريخها إلى عقود عدة.
لكن بندلبيري يرى أن الأبحاث المدعومة بالذكاء الاصطناعي سيكون لها قريبا مكانة بارزة في الأعمال الحائزة جوائز نوبل.
ويقول "أنا متأكد من أن العقد المقبل سيشهد فائزين بجوائز نوبل ساعدتهم الحوسبة بطريقة أو بأخرى، والحوسبة هذه الأيام تمثل الذكاء الاصطناعي بشكل متزايد".

أخبار ذات صلة "أوبن إيه آي" تطلق ميزة "كانفس" للتعزيز استخدام "تشات جي بي تي" في الكتابة والبرمجة أبل تطلق التحديث الأول لنظام iOS 18 المصدر: وام

مقالات مشابهة

  • الذكاء الاصطناعي يهدد الذكاء البشري
  • الذكاء الاصطناعي ينافس على نوبل!
  • ينتج صوتاً وصورة.. ميتا تكشف عن الذكاء الاصطناعي الجديد موفي جين
  • الذكاء الاصطناعي.. هل سينافس البشر على الجوائز؟
  • وزير الاتصالات: نعمل على إعداد المرحلة الثانية من الاستراتيجية الوطنية للذكاء الاصطناعي
  • ثاني الزيودي: الإمارات استشرفت مبكراً القدرات التحويلية للذكاء الاصطناعي
  • ثاني الزيودي: قيادة الإمارات استشرفت مبكراً القدرات التحويلية للذكاء الاصطناعي
  • الزيودي: قيادة الإمارات استشرفت مبكراً القدرات التحويلية للذكاء الاصطناعي
  • موبيليس توقع اتفاقية شراكة مع المدرسة العليا للذكاء الاصطناعي
  • تجربة المستقبل ..كشف النقاب عن رؤية  TECNO للذكاء الاصطناعي في IFA Berlin 2024!