الأردن وحرب إسرائيل على غزة: تحولات في الخطاب السياسي
تاريخ النشر: 10th, November 2023 GMT
الأردن وحرب إسرائيل على غزة: تحولات في الخطاب السياسي
نجد خطابًا جديدًا غير مسبوق بالنسبة للأردن الذي أدخل مفردة "الحرب" إلى خطابه المتعلق بقضية فلسطين.
بعد عملية طوفان الأقصى، اكتسبت حماس شعبية جديدة بين الأردنيين، في حين اتخذت الحكومة نبرة جديدة في علاقاتها مع إسرائيل.
تنسيق وتقاسم أدوار بين الأردن ومصر، بحيث تكون غزة شأنًا مصريًا، وتكون الضفة كذلك للأردن إذ يخشى "الترانسفير" ويعتبره تعديًا على الأمن القومي ونهاية فكرة فلسطين.
انعكست حالة النشوة الأردنية في شكل احتفالات عفوية وتوزيع الحلوى في الشوارع العامة، وترديد هتافات النصر لفلسطين وقيادة كتائب عز الدين القسام في حركة حماس.
* * *
انتاب الشارع الأردني نشوة سعادة كبيرة بعد وصول أخبار عملية "طوفان الأقصى" العسكرية لكتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، التي رافقها تداول مقاطع فيديو وتعليقات ساخرة عن هروب وأسر أعداد كبيرة من الإسرائيليين الفارين من المستوطنات، وتسجيل ارتفاع غير مسبوق في أعداد القتلى والأسرى الإسرائيليين، لم تشهده إسرائيل طيلة تاريخ حروبها مع حركات المقاومة الفلسطينية.
انعكست حالة النشوة الأردنية في شكل احتفالات عفوية وتوزيع الحلوى في الشوارع العامة، وترديد هتافات النصر لفلسطين وقيادة كتائب عز الدين القسام في حركة حماس.
من الاحتفال إلى الاحتجاج
بعد استيعاب الصدمة، خرج رئيس الحكومة الإسرائيلي نتنياهو معلنًا أن "إسرائيل الآن في حالة حرب"، وقام بتشكيل حكومة طوارئ ضمت المعارضة، أعلنت نيتها الانتقام والرد العنيف على حماس في غزة، عبر عملية عسكرية أطلقت عليها اسم "السيوف الحديدية"، راح ضحيتها آلاف المدنيين.
الأمر الذي أثار مشاعر الشارع الأردني الذي بدأ ينظم وقفات احتجاجية في المدن، تحولت لاحقا إلى مظاهرات، شارك فيها آلاف الأردنيين، توجهت نحو السفارة الإسرائيلية في عمّان، في محاولة لدخولها وإضرام النار بداخلها لولا تصدي رجال الأمن الأردني.
تحولات في الموقف الشعبي
لدى حماس تاريخ في الأردن، فقد كانت مكاتبها في عمّان، ومن أجلها كاد الملك الحسين بن طلال أن يلغي معاهدة السلام بين الأردن وإسرائيل بعد محاولة الأخيرة اغتيال خالد مشعل خلال تواجده في الأردن. يعتبر مشعل أحد مؤسسي الحركة وقد شغل في وقت سابق منصب رئيس المكتب السياسي للحركة، والآن يرأس مكتبها السياسي في الخارج.
وكان لديه حضور وتأثير في الشارع الأردني، إلا أن مشعل والحركة بشكل عام، تراجع تأثيرها بشكل كبير بسبب انشغالها بالشأن السياسي الإقليمي على حساب دورها الأول المتمثل في المقاومة، وزادت الفجوة بين الحركة والشارع الأردني بعد التقارب الصريح مع نظام بشار الأسد قبل سنوات. إلا أن الحركة أعادت تجديد نفسها بشكل كبير في الأردن بعد هجمات 7 أكتوبر /تشرين الأول.
نادت الاحتجاجات الأخيرة في عَمّان بقيادات الذراع العسكري لحركة حماس، تحديدًا محمد الضيف القائد العام لكتائب الشهيد عز الدين القسام، والناطق الرسمي باسم الحركة أبو عبيدة، ويحيى السنوار رئيس حركة حماس في غزة، في حين غابت عن الاحتجاجات أسماء شهيرة مثل إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي للحركة، وخالد مشعل رئيس مكتبها الخارجي أو الدولي.
وفي ذلك مساران من التحول: الأول أن الجماهير الأردنية المناصرة للقضية الفلسطينية تفضل المواجهة العسكرية المسلحة على المواجهة السياسية، والثاني أن ضعف السلطة الفلسطينية والفراغ السياسي الذي أحدثته جعل جماهير حركة فتح والحركات اليسارية والحزبية تنتقل إلى صفوف حركة حماس، التي لم تعد مجرد حركة، بل تكرست في الذهنية الأردنية والعربية كأيديولوجية.
النزعة العشائرية الأردنية وهوية المقاومة
تمثل العشائر في الأردن إحدى ركائز النظام الاجتماعي والسياسي والأمني في البلاد، ولدى العشائر موقف تاريخي يساند الفلسطينيين منذ نكبة 1948، وخلال فترة وحدة الضفتين شارك أبناء العشائر في الحروب ضد الجيش الإسرائيلي. الجديد في الخطاب العشائري مؤخرًا في أحداث غزة كان الموقف المساند لحماس بشكل عام، ولكن مع تخصيص وتأييد واضح لشخصية محمد الضيف الذي تردد اسمه كثيرًا في الخطاب الاحتجاجي ، منذ بدء الحرب بين غزة وإسرائيل.
الموقف الرسمي الأردني ولهجة الحرب
بقي الموقف الأردني تجاه الحرب في غزة في مرحلة رد الفعل الديبلوماسي على الأحداث الجارية، خصوصًا مع زيارة وزير الخارجية الأمريكي والرئيس بايدن الذي لم يتمكن من زيارة الأردن. من بين التحولات الأخرى المتعلقة بالموقف الأردني الرسمي، دخول ولي العهد الأمير الحسين في خط الخطاب السياسي، والذي اتخذ موقفًا حادًا من الممارسات الإسرائيلية بحق المدنيين في غزة. كما قام بالإشراف على قوافل المساعدات التي قدمها الأردن إلى غزة عبر معبر رفح المصري.
بينما بذل وزير الخارجية أيمن الصفدي جهود كبيرة في الأمم المتحدة، انتهت إلى تبني قرار أردني صوتت له 120 دولة لوقف يدعو إلى "هدنة إنسانية فورية ودائمة ومستدامة تؤدي إلى وقف الأعمال العدائية"، وإلى قف إطلاق النار بين إسرائيل و حركة حماس، إلا أنه يبقى قرار غير ملزم ، إلا أن هجمات الجيش الإسرائيلي على المدنيين في غزة تزداد دون توقف. ومؤخرا، اتخذ الأردن خطوة مهمة باستدعاء سفير الأردن في إسرائيل.
وعلى ما يبدو، تتعامل السياسة الخارجية الأردنية مع ملف الحرب على أنه مرحلة استباقية لمرحلة توسع في رقعة الحرب من غزة إلى الضفة الغربية، وقد يحدث ذلك في أي لحظة.
وقد عملت الحرب الدائرة في غزة على استشعار الأردن بخطورة التغيير في المعركة، خصوصًا وأن إسرائيل التي تمتلك الضوء الأخضر والدعم الأمريكي لوجستيًا وسياسيًا، تقوم بممارسة رد الفعل المتسرع الذي قد يعمل على تدويل الأزمة ويضع الشرق الأوسط في حالة توتر مفتوح لا يمكن السيطرة عليها بسبب تعدد أطرافها وخصوصية جغرافيتها السياسية.
وهذا هو الهاجس الأهم بالنسبة للأردن، ويبدو أن هناك تنسيقًا وتقاسمًا للأدوار بين الأردن ومصر، بحيث تكون غزة شأنًا مصريًا بالدرجة الأولى، وتكون الضفة كذلك بالنسبة للأردن الذي يخشى من سيناريو "ترانسفير" الذي يعتبره تعديًا على الأمن القومي ونهاية فكرة فلسطين. وهنا نجد خطابًا جديدًا غير مسبوق بالنسبة للأردن الذي أدخل مفردة "الحرب" إلى خطابه المتعلق بقضية فلسطين.
تغيرت اللهجة السياسية الأردنية بشكل حاد تجاه إسرائيل، التي تعيش واحدة من أسوأ علاقاتها مع الأردن. ومن الواضح أن الممارسات والانتهاكات الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين تساهم بشكل متسارع في تكريس "أيديولوجية حماس" في ذهنية الفلسطيني أولاً، ثم في ذهنية الأردني والعربي.
وهذا ما يضع مستقبل الأمن والاستقرار المدني في إسرائيل على المحك، خصوصًا مع التغيرات الجديدة في الخريطة السياسية للمنطقة العربية والشرق الأوسط، وما يرافقها من تحالفات جديدة، بداية بن تكتل "بريكس"، وقرب تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل، ومن جهة أخرى تزايد الحضور الإيراني في المنطقة العربية.
*عبدالله الجبور باحث في العلاقات الدولية والدراسات الاستراتيجية بمعهد السياسة والمجتمع، عمان، الأردن.
المصدر | كارنيغيالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: ترانسفير مصر غزة الأردن الضفة فلسطين إسرائيل الخطاب السياسي الحرب عز الدین القسام بالنسبة للأردن بین الأردن فی الخطاب حرکة حماس فی الأردن فی غزة إلا أن
إقرأ أيضاً:
وول ستريت جورنال: إسرائيل لم تحقق هدف تدمير حماس
قالت صحيفة وول ستريت جورنال إن وقف إطلاق النار الهش في غزة بدأ دون أن تحقق إسرائيل هدفها الرئيسي في الحرب بتدمير حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، ولكن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يعد أنصاره اليمينيين المحبطين بأنه سيحقق النصر الكامل الموعود لاحقا.
وذكّرت الصحيفة -في تقرير بقلم ماركوس ووكر- بأن حماس تدعي الفوز رغم خسائرها الفادحة، وتستعرض مقاتليها في شوارع غزة، لأنها حققت هدفها المتمثل في البقاء على قيد الحياة بعد الهجوم، ولكن المكاسب الإستراتيجية كلها من 15 شهرا من الحرب في الشرق الأوسط تقريبا لصالح إسرائيل.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2نيويورك تايمز: هذه سيناريوهات ما ستؤول إليه هدنة غزةlist 2 of 2كاتب روسي: هذه دلالات الاتفاق الإستراتيجي بين روسيا وإيرانend of listورأت الصحيفة أن إسرائيل خرجت من الحرب وهي أقوى، بعد أن نجحت في تقليص حجم العديد من خصومها رغم أنهم ما زالوا يشكلون تهديدا، وأوضحت أن توجيه ضربات ثقيلة لخصوم إسرائيل يعد إنجازا بالنسبة للإسرائيليين وتعويضا لعزلتهم الدبلوماسية، في عالم مروع من حجم الدمار في غزة.
الحرب لم تنتهولكن الحرب لم تنته بعد -حسب الصحيفة- لأن نتنياهو، الذي يتعرض لانتقادات من شركاء الائتلاف اليمينيين المتطرفين، ما زال يؤكد أن إسرائيل يمكنها استئناف القتال بعد المرحلة الأولى من وقف إطلاق النار، ولأن تبادل الاتهامات بين إسرائيل وحماس بشأن التراجع عن تفاصيل الاتفاق بدأ حتى قبل عودة أول المحتجزين إلى ديارهم من غزة.
إعلانوقد كانت الحكومة الإسرائيلية والجيش يتبادلان اللوم منذ أشهر على الفشل في القضاء على حماس، إذ يشكو كبار قادة الجيش من عدم وجود خطة لجلب سلطة بديلة لإدارة غزة والضغط على حماس، مما يضيع جهود إسرائيل في ساحة المعركة، وفي كل مرة يأمر نتنياهو الجيش بإنهاء مهمة تدمير حماس، زاعما أن الخطط السياسية مسألة وقت لاحق.
غير أن الكثير يتوقف على الرئيس المنتخب دونالد ترامب، الذي تشمل أولوياته في الشرق الأوسط تطبيع العلاقات بين إسرائيل والسعودية، وهل سيواصل الضغط لإنهاء القتال، ولكن الهدنة في غزة مثل وقف إطلاق النار الهش في لبنان، قد تؤدي إلى سنوات من الصراع على مستوى أدنى، ولكن ليس إلى السلام.
وقالت وول ستريت جورنال إن حماس خسرت الآلاف من المقاتلين ومعظم كبار قادتها، ولكنها وجدت الكثير من المجندين الجدد بين الشباب في غزة، واستطاعت قتل العشرات من الجنود الإسرائيليين، قال يولي إدلشتاين، وهو عضو بارز في حزب الليكود الذي يتزعمه نتنياهو "تعرضت حماس في غزة لضربة شديدة ولكنها لم تنكسر".
ولم تأت الهزيمة الحقيقية لحماس وسط أنقاض قطاع غزة، ولكن على جبهات إسرائيل الأخرى، حيث عانى حلفاؤها في محور المقاومة الإيراني من سلسلة من النكسات، حيث تضرر حزب الله بشدة عندما دمرت إسرائيل، مستفيدة من سنوات من العمل الاستخباراتي، الكثير من قياداته وترسانته من الصواريخ، كما دمرت الطائرات الإسرائيلية الكثير من الدفاعات الجوية الإيرانية.
الضفة الغربية جبهة قادمةومع ذلك تظل حماس -حسب الصحيفة- حركة ذات جذور عميقة ودعم مستمر في مجتمع غزة، وسيعزز اتفاق وقف إطلاق النار والإفراج عن مئات النشطاء الفلسطينيين من السجون الإسرائيلية مكانتها، حتى لو تم استبعادها رسميا من أي حكومة محلية في المستقبل.
غير أن حركة فتح العلمانية المنافس الرئيسي لحماس، ملطخة بسنوات من الفساد والاستبداد والتعاون مع قوات الاحتلال الإسرائيلي، ولذلك "يبدو الفلسطينيون في وضع متأرجح بين قيادة تمثل الشلل من جهة وقيادة تمثل الدمار من جهة أخرى"، كما يقول حسين إبيش، من معهد دول الخليج العربية، وهو مركز أبحاث في واشنطن.
إعلانوفي الأسابيع الأخيرة، شنت السلطة الفلسطينية، من أجل إقناع الولايات المتحدة وإسرائيل أنها يجب أن تشارك في حكم غزة، معركة ضد المسلحين في مخيم جنين للاجئين، ولم تحقق قوات قواتها التي فقدت شعبيتها على نحو متزايد، سوى ترسيخ صورتها كمساعد لقوات أمن إسرائيل.
وخلصت الصحيفة إلى أن الضفة الغربية هي المكان الذي قد يغلي فيه الصراع الإسرائيلي الفلسطيني مستقبلا، خاصة أن العنف المتزايد من قبل المستوطنين الإسرائيليين المتطرفين يزعزع استقرار هناك، قال مايكل ميلشتاين، رئيس الشؤون الفلسطينية السابق في الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية إنه "من المؤسف أن الضفة الغربية ستكون الجبهة الجديدة".