الخليج الجديد:
2024-12-24@16:41:00 GMT

ماذا بعد الحرب على غزة؟

تاريخ النشر: 10th, November 2023 GMT

ماذا بعد الحرب على غزة؟

ماذا بعد الحرب على غزة؟

مع الإصرار الفلسطيني البطولي للصمود على أرض فلسطين، لن تستطيع إسرائيل إدامة نظام الأبرتهايد إلى الأبد.

إن كان حل الدولتين لا يزال ممكنا لدى المجتمع الدولي نظريا، فإن إعادة احيائه من قبل المجتمع الدولي بحاجة لشروط تبدو تعجيزية.

عدم تعامل المجتمع الدولي الجدي لإنهاء الصراع معناه استمرار دوامة العنف، وواقع جديد فرضه 7 أكتوبر، وتحويل الصراع من شكل الحل إلى التعامل مع دولة نظام الفصل العنصري.

* * *

قد يبدو هذا السؤال سابقا لأوانه، بينما تشهد غزة حربا مسعورة نتج عنها حتى الآن مقتل أكثر من عشرة آلاف من المدنيين الفلسطينيين أغلبهم من الأطفال والنساء. ولكن التفكير بمستقبل القضية الفلسطينية بعد الحرب مطلوب، لأن هناك دولا وجهات دولية بدأت بذلك، وبدأنا نشهد طروحات، إما غير واقعية، أو تمثل إعادة إنتاج أفكار قديمة، وكأن عملية 7 أكتوبر/تشرين الأول لم تكن.

من الأهمية بمكان أن تبدأ الدول العربية وعلى رأسها الأردن ومصر، إضافة للفلسطينيين طرح تصورهم حتى لا تفرض عليهم طروحات دولية لا تعالج أصل المشكلة، أي الاحتلال الإسرائيلي.

سأتجاوز في هذا الطرح قضية من سيحكم غزة بعد الحرب، ذلك أنه ليس هناك من طروحات واضحة، أو مقبولة من الأطراف كافة، فلا السلطة الوطنية الفلسطينية بشكلها الحالي قادرة على فعل ذلك، كما لها مصداقية كافية لدى الفلسطينيين، ولا الدول العربية راغبة في استلام غزة بشكلها المنكوب بعد الحرب. تعارض الولايات المتحدة إعادة احتلال إسرائيل لغزة بشكل مطلق، كما أنه ليس من الواضح طبيعة أي نظام دولي لضمان الأمن والفصل بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، لا يبدو أن هناك تصورا واضحا أو حلا مقبولا لوضع غزة بعد الحرب حتى الآن.

لكن وضع غزة بعد الحرب لن يشكل التحدي الأكبر، فالقضية الفلسطينية أكبر من مجرد وضع غزة، ولا بد لأي طرح جدي لأي مسار سياسي قد يتبلور بعد الحل أن يعالج المسألة الكبرى المتعلقة بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي لكل الأراضي الفلسطينية المحتلة. أما العودة للتفكير بحلول ما قبل 7 أكتوبر فلن يقتنع بها أحد، ولن تقود إلى حلول دائمة وسلام يعم المنطقة. بدأت من الآن أخبار ترشح بأن الولايات المتحدة تفكر بمسار سياسي بعد الحرب، يأخذ بعين الاعتبار وضع الفلسطينيين تحت الاحتلال.. وما زالت الإدارة الأمريكية تردد أن الحل الوحيد للصراع هو حل الدولتين. حسنا، فلننظر إلى العوامل الواجب توافرها من أجل الوصول إلى هذا الحل النظري على الأقل، بغير ذلك، سنعود لاسطوانة حل الدولتين، من دون إقرانها بخطة محكمة لترجمة هذا الشعار إلى واقع، وبما يخدم الأهداف الإسرائيلية فقط.

العامل الأول هو توافر إرادة دولية راسخة، وبقيادة الولايات المتحدة (ليس هناك من مرشح واقعي آخر لهذه القيادة) لإطلاق مسار سياسي يقوم بتعريف الهدف النهائي للمسار منذ البداية، وهو إنهاء الاحتلال الإسرائيلي وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على كامل الأراضي التي احتلتها إسرائيل عام 1967، بما فيها القدس الشرقية مع السماح بتبادل طفيف ومتساو للحدود. فإن تم تعريف هذا الهدف، يمكن العودة للوراء للاتفاق على الخطوات المطلوبة لتحقيق هذا الهدف، ضمن فترة زمنية قصيرة ومحددة. من أهم أخطاء عملية أوسلو والعمليات السياسية كافة بعدها أنها لم تقم بتحديد الهدف النهائي، ما جعل إسرائيل تناور في عملية سياسية مفتوحة الأمد بينما تبتلع المزيد من الأرض. كما على الولايات المتحدة أن تبدي الرغبة والقدرة على الضغط الجدي على إسرائيل، وهي التي لم تبد رغبة في إطلاق مسار سياسي منذ تسع سنوات، كما لم تبد لا الرغبة ولا القدرة على الضغط الجاد على إسرائيل. وعليها أن تفعل كل ذلك في خضم انتخابات رئاسية أمريكية يتنافس فيها الحزبان الديمقراطي والجمهوري على إظهار الدعم لإسرائيل. اترك للقارئ الحكم على فرصة أن تقوم الولايات المتحدة بكل ذلك.

العامل الثاني المطلوب توافره هو حكومة إسرائيلية جديدة، تتوافر لديها الرغبة في انهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية. صحيح أن كل استطلاعات الرأي الإسرائيلية تشير إلى أن الحكومة الإسرائيلية الحالية تشهد نهاية أيامها، حيث تضع الغالبية العظمى من الإسرائيليين اللوم عليها، لعدم استعدادها لما حدث، ولكن هذا لا يعني أن الحكومة الاسرائيلية المقبلة ستكون أكثر مرونة من هذه الحكومة في ما يتعلق بالعملية السلمية. لقد انتهى معسكر السلام في إسرائيل منذ زمن، وموقف المعارضة الإسرائيلية اليوم لا يختلف كثيرا عن موقف نتنياهو في القضية الفلسطينية، فما بالك القبول بإنهاء الاحتلال.

أما العامل الثالث فهو سلطة فلسطينية نابعة من انتخابات جديدة، وقادرة على التحدث باسم الفلسطينيين، فقد بات من الواضح أن السلطة بشكلها الحالي لا تستطيع أن تدعي ذلك. ولكن أحدا من الفرقاء لا يريد مثل هذه الانتخابات، فالولايات المتحدة تخشى صعود حماس إلى الواجهة، وإسرائيل كذلك، إضافة إلى عدم رغبتها الدخول في مفاوضات جادة لإنهاء الاحتلال، بينما تدرك السلطة الفلسطينية، أن أي انتخابات جديدة ستنحيها عن الحكم.

أورد هذه العوامل لأظهر صعوبة بدء أي مسار جدي، لمعالجة الصراع جذريا، فإن كان حل الدولتين لا يزال ممكنا لدى المجتمع الدولي نظريا، فإن إعادة احيائه من قبل المجتمع الدولي بحاجة لشروط تبدو تعجيزية. ومع ذلك، لا بد للمجتمع الدولي أن يدرك أن عدم تعامله الجدي لإنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي معناه الوحيد استمرار دوامة العنف، وواقع جديد فرضه 7 أكتوبر، وتحويل الصراع من شكل الحل إلى التعامل مع دولة إسرائيلية على رأس نظام الفصل العنصري. هذه هي النتيجة المباشرة لتجاهل المجتمع الدولي للاحتلال الإسرائيلي. في النهاية، خاصة مع هذا الاصرار الفلسطيني البطولي للصمود على الأرض الفلسطينية، لن تستطيع اسرائيل إدامة نظام الأبرتهايد إلى الأبد.

*د. مروان المعشر وزير خارجية الأردن الأسبق

المصدر | القدس العربي

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: غزة فلسطين إسرائيل 7 أكتوبر حل الدولتين ما بعد الحرب نظام الفصل العنصري الولایات المتحدة المجتمع الدولی حل الدولتین مسار سیاسی بعد الحرب

إقرأ أيضاً:

فلسطين من المتن إلى الهامش.. ماذا فعلوا لتقزيم القضية الفلسطينية؟!

ما دمنا في شهر كانون الأول/ ديسمبر فالفرصة قائمة للتذكير ببدء المأساة الفلسطينية في العام 1917، حينما دخل الجنرال البريطاني إدموند ألنبي القدس في 11 كانون الأول/ ديسمبر 1917، وذلك بعد 39 يوما على وعد بلفور الذي كشف سعي بريطانيا إلى إقامة وطن قوميّ لليهود في فلسطين، إذ لا يمكن، والحالة هذه، فصل الانتداب البريطاني على فلسطين، والسياسات الانتدابية الخاصّة التي انتهجتها بريطانيا في فلسطين والمختلفة عن سياسات الانتدابين البريطاني والفرنسي في العراق وشرقي الأردن وسوريا ولبنان، عن المشروع الصهيوني، الذي استكمل نفسه، وأعلن عن دولته على أنقاض الفلسطينيين المشرّدين، على أساس تلك السياسات البريطانية، كما لا يمكن القفز عن المعاناة الفلسطينية الهائلة في ظلّ الانتداب البريطاني الذي انتهج سياسات غاية في الوحشية في قمع الفلسطينيين والتمكين للصهاينة، لا سيما وأنّ سياسات القمع هذه، كما في الثورة الفلسطينية الكبرى (1936-1939)، أفضت إلى إنهاك الفلسطينيين، وتسهيل مهمة العصابات الصهيونية في حرب العام 1948.

في السنوات الأخيرة، وفي إطار خطابات تجاوز القضية الفلسطينية، ووضعها في مقارنات تهدف إلى التحقير من معاناة أهلها، لجعل جانب المعاناة وحده المعيار في تقييم القضايا من حيث الثقل والأولوية، لم تَكن تُؤخذ هذه السنوات الطويلة الممتدة من الاستعمار والمعاناة بوصفها معاناة كمّية، إذ كان يوضع البطش الصهيوني وما ينجم عنه من معاناة يمكن قياسها كمّيّا (مثلا: أعداد الشهداء والجرحى والمشرّدين وأوضاع المعتقلين في السجون) في مقارنة مع البطش الذي تقترفه أنظمة سياسية عربية، كالنظام الأسدي في سوريا،أكثر من قرن من الزمان من الاستعمار المتصل ببعضه هو في حدّ ذاته معاناة كيفية، علاوة على كونه معاناة كمّية تتحوّل إلى إضافة كيفية للكيف الموجود أصلا، فطوال هذا القرن والعقد تقريبا، الذي ولدت فيه أجيال وماتت والمعاناة قائمة، لم تنقطع الاعتقالات ولا القتل ولا هدم البيوت ولا الحصار في الأرزاق ولا تقييد الحركة، علاوة على أوجه من المعاناة الكمّية التي لا يقدر على تصوّرها من لم يعانها مباشرة كمصادرة الأراضي وتحويل البلاد إلى سجن كبير وشلّ حركة الناس وتقطيع البلاد عن بعضها والخلوص بذلك للقول إنّ القضية الفلسطينية لا تستحق تلك الأهمية بالنظر إلى الحساب الكمّي للمعاناة، وذلك لأنّ الكمّ المتراكم والمتفاحش من البطش بالضرورة يتحوّل إلى كيف، فالقضية ليست حسابا كمّيّا يُصادر الانفعال بالمعاناة والتي هي نسبيّة، ولكنه كمّ يتحوّل إلى كيف بحيث يجعل المعاناة متمايزة بالضرورة.

لكن وبقطع النظر عن دقّة التصوّر للمعاناة الكمّية الناجمة عن الاستعمار الصهيوني، طالما لا يأخذها في الإطار الزمني الممتد وبالقياس إلى عدد الفلسطينيين، كتشريد 51 في المئة من الفلسطينيين الذين سكنوا عموم فلسطين حتى عام 1948، و82 في المئة من سكان الأراضي التي احتلت عام 1948، وهو تشريد مدفوع بأنماط متوحشة من المجازر، فإنّ احتساب العقود الطويلة المتلاحقة واجب حين إرادة النظر إلى المعاناة من الجهة الكمية أو المادية القابلة للقياس. فأكثر من قرن من الزمان من الاستعمار المتصل ببعضه هو في حدّ ذاته معاناة كيفية، علاوة على كونه معاناة كمّية تتحوّل إلى إضافة كيفية للكيف الموجود أصلا، فطوال هذا القرن والعقد تقريبا، الذي ولدت فيه أجيال وماتت والمعاناة قائمة، لم تنقطع الاعتقالات ولا القتل ولا هدم البيوت ولا الحصار في الأرزاق ولا تقييد الحركة، علاوة على أوجه من المعاناة الكمّية التي لا يقدر على تصوّرها من لم يعانها مباشرة كمصادرة الأراضي وتحويل البلاد إلى سجن كبير وشلّ حركة الناس وتقطيع البلاد عن بعضها.. الخ.

ذلك كلّه بقطع النظر عن كون المعاناة نسبية، من حيث إنّه لا يمكن لأحد تقدير انفعال غيره بما يصيبه وأثر مصابه على حياته، حتى لو اتفقنا على كون الكمّ بالضرورة يتحوّل إلى كيف، وبقطع النظر عن كون مصادرة معاناة الآخرين أمرا معيبا أخلاقيّا ومبدئيّا مهما كانت دوافعه، وبقطع النظر عن المضامين الجوهرية الأخرى التي تمنح القضية الفلسطينية أهمّيتها الخاصّة، وبقطع النظر عن القصور الأخلاقي الذي كان ينتظر إبادة الفلسطينيين لاستكشاف أهمّية قضيتهم، ولكن الذي أردت قوله هنا، جرى بالفعل توظيف المعاناة الكمّية لتحقير القضية الفلسطينية، وإذا كان البعض قد تورّط في ذلك في غمرة المأساة الذاتية والانفعال الغريزي بذلك، فقد تحوّلت هذه الخطابات إلى ظاهرة ثقافية وإعلامية، تصبّ في طاحونة التطبيع العربي التحالفي مع "إسرائيل"، يتورّط فيها مثقفون وإعلاميون لا يمكن عدّهم من الذباب الإلكتروني الذي أهمّ وظائفه تسويغ التخلّي عن القضية الفلسطينية وشيطنة أهلها، ومن ثمّ لا يختلف هؤلاء في النتيجة عن ذلك الذباب!كيف أنّه جرى بالفعل توظيف المعاناة الكمّية لتحقير القضية الفلسطينية، وإذا كان البعض قد تورّط في ذلك في غمرة المأساة الذاتية والانفعال الغريزي بذلك، فقد تحوّلت هذه الخطابات إلى ظاهرة ثقافية وإعلامية، تصبّ في طاحونة التطبيع العربي التحالفي مع "إسرائيل"، يتورّط فيها مثقفون وإعلاميون لا يمكن عدّهم من الذباب الإلكتروني الذي أهمّ وظائفه تسويغ التخلّي عن القضية الفلسطينية وشيطنة أهلها، ومن ثمّ لا يختلف هؤلاء في النتيجة عن ذلك الذباب!

والحاصل أنّ كمّ تلك الخطابات تحوّل بدوره إلى كيفية في التعامل مع القضية الفلسطينية، باتت تجد لها مساغا في التداول العام وفي الطرح السياسي، وهذا الكيف يتبلور في صيغ متعددة، منها الحساب الكمّي المضلّل للمعاناة الذي جرت الإشارة إلى بعضه، أو تحويل القضية الفلسطينية إلى فاعل ضارّ بالأمن العربي لا من جهة الاستعمار الصهيوني بل من جهة الاستغلال الإيراني لها، فتصير الأولوية هي مكافحة الاستغلال الإيراني لا تحرير فلسطين ولا إسناد أهلها، بل يتولّد موقف نفسي يمكن ملاحظته في أوساط معينة من فلسطين وأهلها، سببه "استغلال" إيران للقضية الفلسطينية أو التذكير المستمرّ بالقمع الذي مارسته أنظمة عربية بحقّ شعوبها متغطية بفلسطين، وفي الإطار نفسه جعل قضية التحرر من الاستبداد متعارضة مع قضية التحرر من الاستعمار الأجنبيّ وتهميش الثانية لصالح الأولى، ودون أن يطرح هؤلاء الأسئلة الصحيحة عن السبب الذي يفسح المجال لإيران لـ"استغلال القضية الفلسطينية" في حين أنّ الدول العربية أولى بذلك، على الأقل إن لم يكن إدراكا منها لخطر المشروع الصهيوني عليها، فلقطع الطريق على إيران، ومن ثمّ وبعدما صارت فلسطين عند البعض على هامش هموم عربية أخرى؛ فلن يكون مستغربا ضيق ذلك البعض من مخاوفنا من التمدّد الإسرائيلي، وعدم تبلور طرف معادٍ له حتّى اللحظة بعد مُصاب قوى المقاومة واختلال التوازن الإقليمي لصالح "إسرائيل".

x.com/sariorabi

مقالات مشابهة

  • فلسطين من المتن إلى الهامش.. ماذا فعلوا لتقزيم القضية الفلسطينية؟!
  • أول اعتراف رسمي من إسرائيل باغتيال إسماعيل هنية.. ماذا قال وزير دفاع الاحتلال؟
  • ماذا قال وزير الحرب الاسرائيلي بشأن صنعاء..!
  • مجـ.زرة جديدة في جنوب غزة.. والأونروا تؤكد انتهاك إسرائيل لقواعد الحرب
  • باحثة سياسية: إسرائيل تركز على المناطق تحت السيطرة المدنية الفلسطينية
  • حصاد 2024| لبنان يزداد أوجاعه مع اتساع الحرب بين إسرائيل وحزب الله.. الاحتلال يضرب بقوة الضاحية الجنوبية لبيروت.. وتفجيرات أجهزة بيجر واغتيال حسن نصر الله أبرز الأحداث المؤلمة
  • مجزرة جديدة جنوب غزة والأونروا تتهم إسرائيل بانتهاك قواعد الحرب
  • من «الزاوية العمياء».. الفصائل الفلسطينية تنفذ عمليات موجعة ضد إسرائيل (فيديو)
  • ردّا على حصارهم البحري للاحتلال.. هكذا تحرّض إسرائيل على استهداف الحوثيين
  • المقاومة بالسكاكين.. الفصائل الفلسطينية تفاجئ الاحتلال بعمليات نوعية مؤلمة