الخليج الجديد:
2024-09-29@05:46:51 GMT

بين «غرب».. و«غرب» آخر!

تاريخ النشر: 10th, November 2023 GMT

بين «غرب».. و«غرب» آخر!

«غرب».. و«غرب» آخر!

ظل نيلسون مانديلا «إرهابيًا» فى القانون الأمريكى حتى 2006. ما المفاجئ بالضبط؟!

هل كنا نتوقع من دول الغرب مثلًا أن تأتى بأساطيلها لتدافع عن غزة وترفع عنها الحصار؟ هل توقعوا منها أن تطلب من إسرائيل إنهاء الاحتلال؟

الإفلاس الأدبى والأخلاقى لحكومات الغرب يضعنا إزاء «غَربَيْن» لا «غرب» واحد، وكشفت جرائم إسرائيل اتساع الهوة بين مواقف تلك الحكومات وشعوبها.

احتل ائتلاف من جماعات يهودية أمريكية باحة الكونغرس، مطالبين ليس فقط إدارة بايدن بل والكونغرس بالامتناع عن إرسال السلاح والعتاد الحربى لإسرائيل.

الأقليات، خصوصًا السود، يعرفون عبر تجربتهم المريرة، كيف يزوِّر الإعلام الحقيقة، بل ويخلق حقيقة بديلة مقطوعة الصلة بما يحدث على أرض الواقع.

* * *

فاجأنى حقًا أن البعض فوجئوا بالإفلاس الأدبى والأخلاقى للحكومات الغربية إزاء جريمة العقاب الجماعى التى تشنها إسرائيل على غزة. إذ رحت أسأل نفسى:

ما الذى كان يتوقعه يا ترى أولئك الذين فوجئوا بمواقف تلك الحكومات؟ هل كانوا يتوقعون منها مثلًا أن تأتى بأساطيلها لتدافع عن غزة وترفع عنها الحصار؟ هل توقعوا منها أن تطلب من إسرائيل إنهاء الاحتلال؟

وما الذى كانوا يتوقعونه بالضبط من دول كانت ضالعة فى جرائم مشابهة من الجزائر لإيرلندا، ومن الكونغو للمكسيك، بل مارس بعضها الآخر استعمارًا استيطانيًا فى أمريكا الشمالية حيث المذابح والتهجير القسرى للسكان الأصليين، وآخر يصاحبه فصل عنصرى فى جنوب إفريقيا، فظل نيلسون مانديلا «إرهابيًا» فى القانون الأمريكى حتى 2006. ما المفاجئ بالضبط؟!

غير أن ذلك الإفلاس الأدبى والأخلاقى للحكومات الغربية يضعنا إزاء «غربين» لا «غرب» واحد، إذا جاز التعبير. فقد كشفت جرائم إسرائيل عن اتساع الهوة بين مواقف تلك الحكومات وشعوبها.

فعشرات الآلاف من المواطنين «الغربيين» خرجوا للشوارع فى كبرى المدن الغربية احتجاجًا على مواقف حكوماتهم الداعمة لإسرائيل، واعتبروها شريكًا مباشرًا فى الجرائم التى تُرتكب فى حق الفلسطينيين. والكثيرون يدفعون ثمن تلك المواقف فى مجتمعاتهم، ومع ذلك هم على استعداد لدفع ذلك الثمن.

وبالتالى، فرغم أنه لا جديد فى مواقف الحكومات، فإن الجديد الذى ينبغى التركيز عليه هو اتساع الاحتجاجات المدنية فى الغرب، والتى مثلت التظاهرات أحد تجلياتها. وهى تظاهرات أكبر من أى وقت مضى، ولا ينظمها أو يقودها بالضرورة ذوو الأصول العربية أو المسلمة، حتى أن فرنسا وألمانيا قيدتا التظاهر من أجل فلسطين بدعوى مكافحة العداء للسامية.

وهى حجة لم تردع هؤلاء، بل نظم يهود تلك البلدان احتجاجات أكبر من أى وقت مضى يعلنون رفضهم ذبح الفلسطينيين باسمهم، ويعلنون صراحة أن دعم الحقوق الفلسطينية لا يمثل عداء للسامية.

أما فى الولايات المتحدة، التى كانت الأقوى فى دعمها لإسرائيل، فقد احتل ائتلاف من جماعات يهودية أمريكية باحة الكونغرس، مطالبين ليس فقط إدارة بايدن بل والكونغرس بالامتناع عن إرسال السلاح والعتاد الحربى لإسرائيل.

والحقيقة أن هذا التحول كنت قد أشرت لإرهاصاته الأولى فى أمريكا أكثر من مرة. وهو تحول مهم لأنه يجرى فى أوساط الأجيال الشابة تحديدًا، بمن فى ذلك اليهود منهم.

فالشباب الأمريكيون عمومًا صاروا أكثر وعيًا بقضايا العنصرية والتمييز ببلادهم وخارجها. والشباب من اليهود الأمريكيين صاروا، منذ عقد على الأقل، أكثر علنية فى انتقادهم لإسرائيل، إذ لم يعد يقنعهم خطاب «الضحية» الذى تستخدمه إسرائيل، بينما هى دولة نووية مدججة بالسلاح من كل نوع وصنف.

والكثيرون منهم ممن يسافرون لإسرائيل يرون بأعينهم سياسة الفصل العنصرى فى الشوارع والمعاناة اليومية التى يتعرض لها الفلسطينيون بل والجدر العازلة التى رفضوا مثيلها على حدود بلادهم مع المكسيك.

وهؤلاء الشباب الأمريكيون عمومًا، لا اليهود منهم فقط، أكثر حساسية إزاء الدور البائس لحكومتهم بالعالم بل ولا يستقون معلوماتهم من الإعلام التقليدى وإنما من مواقع بديلة على الإنترنت وعبر وسائل التواصل الاجتماعى.

أكثر من ذلك، فإن الأقليات، وخصوصًا السود، يعرفون أكثر من غيرهم، وعبر تجربتهم المريرة، كيف يزوِّر الإعلام الحقيقة، بل ويخلق حقيقة بديلة مقطوعة الصلة بما يحدث على أرض الواقع.

*د. منار الشوربجي أستاذ العلوم السياسية، باحثة في الشأن الأمريكي

المصدر | المصري اليوم

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: الغرب أمريكا إسرائيل الاحتلال الكونغرس اليهود الأمريكيين

إقرأ أيضاً:

الهوية الوطنية حائط الصد الأول فى مواجهة الحروب الفكرية

أصبح العالم ساحة للحروب ليست فقط الحروب العسكرية، ولكن أيضا الحروب الفكرية التى تستهدف تدمير الشعوب وتفكيك المجتمعات، وهو الخطر الذى فطنت إليه القيادة السياسية على مدار السنوات الماضية، فكان السعى المستمر نحو تنمية الوعى وتعزيز  الهوية الوطنية التى تُعد بمثابة حائط الصد الأول للأفكار الغريبة والشاذة التى تستهدف المجتمعات العربية والإسلامية، فالهوية الوطنية تضم مجموعة من السمات التى تُميز كل دولة عن غيرها، وتتضمن الموقع الجغرافى والتاريخ،  والثقافة والدين، لذلك فإن تعزيز هذه العناصر داخل أفراد المجتمع ضرورة لتعزيز الولاء والانتماء للوطن، فالهوية الوطنية تلعب دورا مهما فى رفع شأن الأمم وتقدمها وازدهارها، وبدونها تفقد الأمم كل معانى وجودها واستقرارها.

وتحرص الدولة المصرية على مدار تاريخها على حماية الهوية الوطنية المصرية الفريدة من أى محاولات لطمسها أو تشويهها، خاصة خلال العشر سنوات الأخيرة التى زادت فيها المخاطر والتحديات التى تواجه الهوية المصرية، لذلك كان تعزيز الهوية الوطنية جزءا رئيسيا من برنامج حكومة الدكتور مصطفى مدبولي، حيث أكدت أن أهمية الهوية الوطنية للمجتمع تكمن فى غرس القيم الإيجابية وروح الانتماء والولاء للوطن داخل أفراده، فى كونه عنصرًا جوهريا لتحقيق التماسك بين فئات المجتمع المتنوعة والمختلفة، وهو ما يتسق مع نص المادة ٤٨ من الدستور المصرى والتى تنص على التزام الدولة بإتاحة الثقافة لمختلف فئات الشعب دون تمييز بسبب القدرة المالية أو الموقع الجغرافي، لذلك فمن الضرورى عند وضع الرؤية الخاصة بتعزيز الهوية الوطنية مراعاة حصول أصحاب  الهوية على الحقوق ذاتها، كحق التعليم، وحق التعبير عن الرأي، وحق الحياة بكرامة، وحق العمل، وغير ذلك من الحقوق التى تجسد معانى الهويّة الوطنية، كذلك الواجبات وهو ما تحاول الدولة المصرية العمل عليه من خلال مبادرة بداية جديدة لبناء الإنسان المصرى التى تستهدف تعظيم استفادة كل مواطن من موارد الدولة.

وفى خطوة تعكس جدية الدولة فى التعامل مع قضية الهوية الوطنية، فإن  استراتيجية مصر 2030 لم تغفل عن وضع رؤية خاصة بحالة الثقافة والهوية الوطنية، حيث نصت على أنه بحلول عام 2030 يكون هناك منظومة قيم ثقافية إيجابية فى المجتمع المصري، تحترم التنوع والاختلاف وتمكين المواطن المصرى من الوصول إلى وسائل اكتساب المعرفة، وفتح الآفاق أمامه للتفاعل مع معطيات عالمه المعاصر، وإدراك تاريخه وتراثه الحضارى المصري، وإكسابه القدرة على الاختيار الحر وتأمين حقه فى ممارسة وإنتاج الثقافة، على أن تكون العناصر الإيجابية فى الثقافة مصدر قوة لتحقيق التنمية، وقيمة مضافة للاقتصاد القومي، وأساسًا لقوة مصر الناعمة إقليميًا وعالميًا.

وفى خطوة مهمة أعلنت الحكومة الاستجابة للمطالب الخاصة بإطلاق استراتيجية للحفاظ على الهوية الوطني، وتشكيل الوعى وفق خطط تنمية ثقافية عادلة، ومواصلة وزارة الثقافة خطتها لتفعيل وتنفيذ التوصيات الصادرة عن لجنة الثقافة والهوية الوطنية بالحوار الوطني، وهو ما يساهم بشكل جدى فى مواجهة الأفكار المتطرفة والشاذة ومحاولات سرقة الهوية وتزييف التراث، والعمل على الوعى الجمعى ووضع برامج للتوعية، وترسيخ القيم الإنسانية وتفعيل قيم المواطنة، والارتقاء بالذوق العام المصرى وتأصيل الحس الجمالي، فى ظل الانفتاح الذى تسببت فيه وسائل التواصل الاجتماعى والتى جعلت العالم قرية صغيرة من السهل نشر الأفكار من خلالها، الأمر الذى يتطلب دعم صناعة الوعى وتوثيق العلاقة بين الدولة والمواطن.

وأخيرا.. الدولة المصرية تدرك أهمية ترسيخ الهوية الوطنية، لذلك تعمل بجدية على خوض هذه المعركة الهامة على عدد من المحاور بداية من تطوير المناهج الدراسية لتشمل مزيدًا من التاريخ المصرى والثقافة الوطنية، بالإضافة إلى تدشين حملات توعية دينية وثقافية للشباب والمراهقين من خلال مراكز الشباب والأندية الاجتماعية، وتعزيز مشاركة الشباب سياسيا واجتماعيا وتمكينهم اقتصاديا، وتعزيز روح التوافق والتلاحم بين فئات الشعب المصري، وبناء الإنسان المصرى بما يجعله مؤهلا لخوض التحديات الراهنة، فضلا عن نشر الفكر الذى يتناسب مع قيم المجتمع الدينية والتراثية.

مقالات مشابهة

  • أشرف غريب يكتب: الإسكندرية تنتظر مهرجانها
  • «الأهلي»: مساهمات التنمية المجتمعية تجاوزت 13 مليار جنيه
  • شهادات وذكريات.. يرويها مصطفى بكري: تجربة مصر الفتاة والمعركة مع سمير رجب
  • العالم يعيش أفلام سينما الحروب المرعبة
  • السحر فى واقعنا المعاصر
  • تعرف على أكثر الأبراج تحررا ورفضا للروتين
  • الهوية الوطنية حائط الصد الأول فى مواجهة الحروب الفكرية
  • مجتمع النفايات الفكرية «٤»
  • برغم القانون حقوق المرأة على مائدة الدراما المصرية
  •  «الإجراءات الجنائية» دستور الحقوق والحريات