صدر حديثا عن منشورات المتوسط - إيطاليا، ترجمة عربية لرواية "نار الله" وهى الرواية الوحيدة لصاحب نوبل للآداب إلياس كانيتي، والتي يعتبرها النقاد رائعته الخالدة وواحدة من الروائع الأدبية النادرة في عصرنا. ونقل الرواية من اللغة الألمانية إلى العربية المترجم كاميران حوج.

كتب كانيتي روايته "نار الله" هذه بين عامي 1929 و 1931.

لكنّه لم ينشرها اقتداءً برأي معلّمه كارل كراوس (1874 – 1936) الذي يرى أن على العمل الفني أن ينضج بعد الانتهاء من كتابته حتى يُنشر.

ويقول كانيتي في كتابه (ضمير الكلام، منشورات المتوسط): "كانت مخطوطة الرواية التي ركّزتُ عليها جهدي وانهيتها خلال عام واحد تحمل عنوان "كانط يحترق".

ظلت المخطوطة عندي أربعة أعوام تحت هذا العنوان، وعندما تقرّر نشرها عام 1935 أعطيتها العنوان الذي تحمله مذّاك". كان كانيتي قد خطّط لكتابة ثمانية أعمال ضمن (الكوميديا الإنسانية عن المجانين).  يقول: "فما يفترض به أن يكون كتابي الأول كان واحداً من ثمانية كتب خطّطت لكتابتها معاً خلال عام واحد بين خريف 1929 لغاية خريف 1930. ... قلت سأبني ثمانية كشّافات أسلّط بها الضوء على العالم من الخارج" لكنه تخلّى عن فكرة الثمانية كتب هذه عام 1930 لأن شخصية دودة الكتب (في رواية نار الله) بهرته جدّاً، فركّز عليها متخلّياً عن كلّ المسوّدات الأخرى.

لم تلفت الرواية الأنظار حين نشرها، ولم تلقَ ما كان كانيتي يتوقعه لها. كان قد أرسلها إلى توماس مان عام 1935 فأعادها له هذا حتى دون أن يقرأها، ما ترك جرحاً عميقاً في نفسه. ورغم إعادة طبعها عدة مرات بعد 1936 إلا أن النقاد لم يحفلوا بها حتى طبعتها الثالثة 1963 لكن بتردّد مع أنها كانت قد ترجمت إلى الإنكليزية والفرنسية. لكن بعد أن حصلت على جائزة نوبل عام 1981 لقيت إقبالاً شديداً وأُلّفت عنها مئات الدراسات. وقد تعدّدت قراءاتها على مستويات مختلفة بين الشكل والمضمون.

وتتمحور هذه الرواية، حول الشخصية الغريبة لمَهوُوس القراءة البروفيسور كين، "أعظم علماء الصينيات"، الذي يحتقر الأساتذة الأكاديميِّيْن، ويعتبر أن التواصل مع العالم لا لزوم له ما دام أنه توجد الكُتُب، لذا يعيش منعزلاً في بيته مع آلاف الكُتُب ولأجلها؛ لكن التفاهة البشرية تتمكَّن من التسلُّل إلى بيته، وإحكام قبضتها عليه، وتقليص وجوده، وحَشْره في غرفة صغيرة مع كُتُبه، ودَفْعه للتواصل مع العالم، والذي سرعان ما سينهشه ويُنكِّل به، وكأن الحياة تنتقم منه انتقاماً شرساً، وهو يحاول أن يُراوغَها بالدقَّة والعناية أنفسهما التي يُفسِّر فيها نصَّاً قديماً.

بُنيت الرواية على ثلاثة أجزاء "رأس بلا عالَم"، "عالَم بلا رأس" و"عالَم في الرأس". وقُسم كل جزء منها إلى فصول فرعية. يبدأ الجزء الأول بحديث بين مثقف متغطرس وصبيّ في التاسعة من العمر، وينتهي الجزء الثالث باحتراق المثقف. تبدأ بسؤال وتنتهي بجواب يجده المثقف حلّاً نهائياً لكل الأسئلة.

في الجزء الأول يعرّفنا المؤلف على شخصية "أعظم علماء الصينيات" في حياته اليومية المحددة بصرامة تضعه في عزلة قاتلة، وتجعله كارهاً للبشر والواقع. في الجزء الثاني تبلغ "الفوضى" ذروتها، حين يختلط المثقف المنعزل ببشر حقيقيين في مدينة حقيقية خارج أسوار رأسه.

في الجزء الثالث تصوير حدّي للفشل في محاولة استعادة ذلك العالم في الرأس، بعد أن تبيّن أن الجنون سيطر على البشرية. قبل وصول هتلر إلى السلطة كان السرياليون قد دعوا علماء النفس والأطباء إلى إخلاء سبيل مرضاهم، لأنه لا يستطيع إلا الاعتباط وضع حدّ بين "الذُهان والواقع". يحاول كانيتي عرض ذلك العالم البارانوي في صياغة روايته. يضع "نظُماً" جنونية بعضها جانب البعض الآخر، تتصادم لتؤدي من ثم إلى تلك السريالية، إلى جنون العالم. في دراسة متأخرة فسّر أحد النقاد نهاية الشخصية الرئيسية بأنها تحرير للمثقف من عزلته.

ثقافة بورسعيد تقدم ورشة للتعريف بفنون التحرير الصحفي لطالبات المدارس كيف اكتشف الفيزيائي رونتجن الأشعة السينية؟.. تفاصيل مدهشة

إلياس كانيتي: وُلد في مدينة روسه البلغارية عام 1905. هو كاتب وناقد ومُفكِّر بلغاري، مُجنَّس بريطاني، ويكتب باللغة الألمانية، وفيها حصل على جائزة نوبل للآداب عام 1981، والتي جاء في بيانها: “لكتابة تتميَّز بنظرة واسعة، وثروة من الأفكار، ولقوَّتها الفنِّيَّة”.

درس في فيينا قبل الحرب العالمية الثانية، ثمَّ انتقل مع زوجته فيزا إلى إنجلترا، ومكث هناك لفترة طويلة. توزَّعت حياته بين لندن وزيورخ منذ أواخر الستِّينيات وحتَّى أواخر الثمانينيات، حيث أصبحت زيورخ بعدها مدينة إقامته الأساسية، وتُوفِّي فيها عام 1994.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: نار الله العمل الفني جائزة نوبل صاحب نوبل نار الله

إقرأ أيضاً:

أفراح ناصر: اليمن ضحية التعامل الانتقائي للمجتمع الدولي واعتباره وسائل الإعلام المحلية غير موثوقة (ترجمة خاصة)

قالت الباحثة اليمنية غير المقيمة، أفراح ناصر، إن اليمن الذي يشهد صراعا منذ عشر سنوات، ضحية للمجتمع الدولي الذي يتعامل مع الأزمة في البلاد بانتقائية.

 

وأضافت ناصر في تحليل لها  نشرته مجلة  DAWN  وترجمه للعربية "الموقع بوست" إنها طيلة عملها قبل سبعة عشر عامًا، بدأت رحلتها كصحافية، مدفوعة برغبة في الكشف عن تعقيدات اليمن، للجمهور دولي. وشهدت مد وجزر التاريخ المضطرب لليمن - الانتفاضات والحروب والأزمات الإنسانية - ومع كل حدث، وجدت نفسي أتصارع ليس فقط مع تحديات الإبلاغ عن البلاد، ولكن أيضًا مع التناقضات الصارخة في كيفية تصور العالم لليمن.

 

وتابعت ناصر في التحليل المعنون "الاستماع إلى أصوات اليمن المنسية": "لقد رأيت مرارا وتكرارا كيف تحاول السرديات الدولية تقليص بلدي إلى مجرد رقعة شطرنج للقوى العالمية، مما يؤدي إلى تهميش تعقيدات الصراعات الداخلية في اليمن وأصوات شعبه".

 

وأكدت أن الافتقار إلى التقارير الشاملة والسياقية، وتهميش الأصوات اليمنية لصالح الأصوات الخارجية، والتركيز غير المتوازن على الجهات الفاعلة الخارجية دون الاهتمام المتساوي بالديناميكيات الداخلية والمساءلة، كل ذلك يساهم في سوء الفهم والمعلومات المضللة.

 

وقالت ناصر "في نهاية المطاف، تشكل هذه السرديات السياسات، وتؤثر على الرأي العام، وتحدد في نهاية المطاف معاناة من يعتبر جديرًا بالاهتمام".

 

وأردفت "على مدار كل هذه المراحل، كانت نظرة العالم إلى اليمن تمليها روايات انتقائية ــ روايات تعلي من شأن المصالح الخارجية، أو الشخصيات البارزة أو الصراعات الجيوسياسية، في حين تتجاهل تعقيدات الحياة داخل البلد نفسه، وديناميكياته الاجتماعية والسياسية الأوسع، والأصوات اليمنية المحلية التي قد تفسرها.

 

واستدركت "ولفترة طويلة، كنت أشاهد اليمنيين يكافحون ليس فقط من أجل البقاء على قيد الحياة في ظل واقعهم، بل وأيضاً من أجل فهمه بشكل صحيح خارج اليمن ــ وسماع أصواتهم".

 

وترى الباحثة ناصر أن "مثل هذه النظرة الضيقة إلى اليمن تعمل على إدامة الظلم من خلال خلق تسلسل هرمي من المعاناة. ويبدو أن أكبر قدر من الاهتمام يُعطى لأولئك الذين تضرروا من قِبَل الجهات الفاعلة الخارجية، مثل التحالف الذي تقوده السعودية، في حين تحظى الانتهاكات التي ترتكبها القوات اليمنية نفسها، سواء الحوثيون أو منافسوهم المختلفون، بتغطية أقل".

 

ويعني هذا التركيز الانتقائي -حسب ناصر-أن حياة اليمنيين لا تكون ذات أهمية إلا عندما تخدم ضحاياهم رواية خارجية، الأمر الذي يترك أعداداً لا حصر لها من المدنيين الذين يعانون على أيدي القمعيين المحليين غير مرئيين.

 

 "إن التغطية الإعلامية الدولية، من خلال تجاهل الانتهاكات الداخلية أو التقليل من شأنها، تفشل في محاسبة الجماعات المسلحة في اليمن، كما تعمل على تمكينها بشكل غير مباشر، مما يسمح باستمرار انتهاكاتها المستمرة دون تحدي أو تقليص في التقارير، وفق ناصر.

 

وأشارت إلى أن الطريقة التي يتم بها تحليل اليمن دوليًا غالبًا ما تفشل في التقاط واقعها الكامل، مما يقلل من الديناميكيات المعقدة إلى روايات مبسطة تسبب ضررًا أكثر من نفعها.

 

وتساءلت: كم مرة يتعامل الخبراء الدوليون في اليمن مع العلماء اليمنيين - يستشهدون بعملهم، أو يضخمون أصواتهم أو يتعاونون معهم؟ اليمنيون أنفسهم يدركون ويقدرون بشدة القليلين الذين يفعلون ذلك؛ ومع ذلك فإن هذا الإقصاء الشامل يزيد من تهميش وجهات النظر المحلية ويعزز الفهم المشوه الذي يقوده الغرباء لليمن.

 

وذكرت ناصر أنها عملت مع وسائل الإعلام المحلية في اليمن، ووسائل الإعلام الدولية، ومنظمات حقوق الإنسان المحلية والدولية، ومراكز البحوث داخل وخارج البلاد. في كل موقف، كانت هناك عقبات قائمة أمام الأصوات اليمنية.

 

وقالت "بعيداً عن الحواجز اللغوية ــ بما أنني لست متحدثاً أصلياً للغة الإنجليزية، فقد عملت بجد مضاعفاً للكتابة والنشر باللغة الإنجليزية ــ كانت أكبر مشكلة واجهتها هي تصور أنني لست "موضوعياً". وكثيراً ما قيل لي إنني لا أستطيع الاستشهاد بتقارير وسائل الإعلام العربية، ولا أستطيع الاستشهاد إلا بمصادر باللغة الإنجليزية لأن الجمهور الناطق باللغة الإنجليزية قد "يرتبك"، على الرغم من أن اللغة الرسمية في اليمن هي اللغة العربية بالطبع. وهذا يفسر لماذا تعمل المنافذ الدولية غالباً على تعزيز سردياتها الخاصة من خلال الاستشهاد بمصادر غربية في الغالب، بدلاً من دمج وجهات النظر اليمنية".

 

ولفتت إلى أن هناك أيضاً ميل إلى رفض وسائل الإعلام المحلية اليمنية باعتبارها غير موثوقة إلى حد ما. وفي حين أنه من الصحيح أن كل بلد لديه منافذ إعلامية ذات مصداقية وغير موثوقة، فمن المحبط أن نرى وسائل الإعلام اليمنية تُهمَل تماماً.

 

وقالت "يبدو أن هناك القليل من الجهود المبذولة لاستكشاف وسائل الإعلام المحلية الناطقة باللغة العربية أو التعاون معها (ربما بسبب الحواجز اللغوية والافتقار إلى المهارات العربية بين الصحفيين والمحررين الغربيين). ولا يؤدي هذا الإقصاء إلى تشويه قصة اليمن فحسب، بل يؤدي أيضاً إلى تهميش الأشخاص الذين يفهمونها على أفضل وجه".

 

وأوضحت أن حياة اليمنيين العاديين تمر دون أن يلاحظها أحد إلى حد كبير، وكأن قصصهم لا تستحق الاهتمام ما لم تتناسب مع ملامح السرد العالمي.

 

ونوهت إلى أن ملايين النازحين داخليا، الذين أجبروا على ترك منازلهم بحثا عن الأمان، يواجهون ظروفا مزرية لا يستطيع معظم الناس تخيلها. لكن معاناتهم تمر دون أن يلاحظها أحد إلى حد كبير، وهي فصل منسي في قصة أكبر وأكثر تعقيدا.

 

وخلصت الباحث ناصر إلى القول إن أطفال اليمن يتحملون وطأة وحشية خاصة لحرب لم يختاروها. فهم مجبرون على القتال، ويصبحون جنوداً قبل أن يبلغوا السن الكافية للحلم بمستقبلهم. وبعد أن سُرِقَت براءتهم، أُرسِلوا للقتال في حرب لا تعدهم بشيء سوى الألم. وكثيراً ما تُدفن قصصهم تحت وطأة الأجندات السياسية. ومع استمرار الحرب، أصبح التعليم ضحية. فقد دُمِّرَت المدارس، وتكافح المدارس التي بقيت لتوفير حتى التعليم الأساسي. وترتفع معدلات التسرب من المدارس، حيث يُنتزع الأطفال من فصولهم الدراسية لمساعدة أسرهم على البقاء. وتتلاشى أحلام جيل كامل، لكن العالم لا ينتبه إلى ذلك.

.

 


مقالات مشابهة

  • المترجمة التشيكية رادكا دِنماركوفا: سأجعل النيل بطلا لرواية قادمة
  • الجميل التقى وفداً من الطشناق: ترجمة خطاب القسم في الحكومية
  • المقاومة تحطِّمُ أوهامَ التهجير
  • أفراح ناصر: اليمن ضحية التعامل الانتقائي للمجتمع الدولي واعتباره وسائل الإعلام المحلية غير موثوقة (ترجمة خاصة)
  • ترامب: أستحق جائزة نوبل للسلام
  • الرئيس الأمريكي: أنا أستحق جائزة نوبل للسلام
  • أثناء استقباله لـ«نتنياهو» .. «ترامب»: أنا أستحق جائزة نوبل للسلام
  • بعد إطلاق اسمها على كويكب.. ياسمين مصطفى: اختبرني 7 علماء حاصلين على نوبل
  • تلاميذ مدرسة بلكيم تجري حديثاً صحفياً مع وكيل تعليم الغربية
  • غرف الطوارئ في السودان تتصدر قائمة جائزة نوبل للسلام للعام 2025