موقع النيلين:
2025-01-29@00:08:58 GMT

جفاف السبعينات … وحبابة البدوية في بيتنا

تاريخ النشر: 10th, November 2023 GMT

جفاف السبعينات … وحبابة البدوية في بيتنا


والخدمة المنزلية ليست عيبا ، ولكن لم يكن عمل البدويات العربيات في هذه المهنا مألوفا ، والحق يقال ، فما هي تلك الظروف الطاحنة التي ألجأتهم مضطرين لذلك ؟

إنه جفاف بداية السبعينات ثم الموجة الثانية بداية الثمانينات ، ذلك الجفاف الذي أجبر في من أجبر شعب الزغاوة على الهجرة الجماعية من موطنه في شمال غرب دارفور إلى جنوبها كما ذكرنا في منشورات سابقة.

إمتد ذلك الجفاف إلى شمال كردفان وفقدت مجموعات من الرحل ثروتها ونفقت دوابها وفقدت بالتالي سبل العيش وكانت أم درمان هي الملاذ الأقرب لهم فلجأوا إلى غربها وأقاموا رواكيبهم في منطقة غرب أم درمان.

أول من لفت الأنظار لتلك المأساة أئمة الجوامع فتحدثوا واستنفروا الناس في أم درمان لزيارتهم حتى يستشعروا عمق المأساة ، وحين ذهبت الوفود وشاهدت الأجسام التي هدها الجوع فصارت جلودا فوق هياكل عظمية صدموا وعادوا يحكون ما شاهدوه غير مصدقين ، وبعضهم قال أنه أجهش بالبكاء مما شاهد ، وتدفقت المساعدات من مجتمعات أم درمان ، مواد غذائية ، ملابس ، بطاطين ، إلخ.

وبدأنا في أم درمان نشاهد بل نعيش مشهد الأب البدوي العربي يدق باب الباب ومعاه فتاته الصغيرة وبعد أن يدخل ويسلم على الأسرة بكل الحزن والوقار ويطلب مقابلة رب الدار يقول أنه لا يطلب أجرا مقابل خدمة بنته ، بل كل ما يطمع فيه بيت كريم موثوق فيه يؤيها ويطعمها وهي لن تقصر في الخدمة.

في تلك الظروف القاهرة وبتلك المعادلة المحزنة دخلت الفتاة البدوية حبابة إلى حياتنا وضمتها والدتنا تحت جناحها ورعايتها وأخذت تتدرج بها رويدا رويدا في مهارات الحياة المدينية التي لم تكن تفهم فيها شيئا ولا شاهدت أدواتها ، وقررت لها الوالدة راتبا شهريا.

لم ينقطع والد حبابة عن زيارتها فكان يأتيها كل إسبوعين أو ثلاث ليتفقدها ويطمئن عليها وحين يأتي آخر الشهر يأتيها ليأخذها ومعها راتبها لإجازة يومين تقضيها مع الأسرة في رواكيب غرب أم درمان.

كبرت حبابة وقام والدها بتزويجها وأنقطعت عن الخدمة ولكنها لم تنقطع عن زيارة الوالدة ورافقتها في زيارتها الأخير قبل الحرب بشهرين بنتها الشابة التي أسمتها على إسم الوالدة وفاءا وعرفانا ، وظلت الوالدة تفرح وتسعد بهذا الوفاء ، وصارت حبابة تتلقى المصاريف من ولدها الذي إغترب في السعودية ، وهكذا تدور عجلة الحياة وتتغلب الناس على الصعاب.

ما أعلمه أن مجتمعات النازحين البدو في غرب أم درمان من تلك الحقبة كافحت وأندمجت تدريجيا في حياة أم درمان فليس في أم درمان حواكير تزعج وتقيد القادم المبتلى وليس في أم درمان سوى البشر والترحاب وقبول الآخر.

في هذه الأيام وفي هدأة الليل والسكون كثيرا ما أتذكر وأفكر في حال بشر رقيقي الحال مروا في حياتنا ، أين هم وكيف حالهم في خضم الأحداث والفوضى ؟!

كانت حبابة ووالدها من بدو كردفان الذين شاهدناهم كثيرا في طفولتنا وصبانا الباكر ينيخون إبلهم في سوق العرضة وحي العرب ويقضون أياما في التسوق قبل أن يشدوا الرحال إلى باديتهم التي التي يألفونها وتألفهم ويفهمونها ولا يرضون عنها بديلا لأن البدوي القح الأصيل لا يشعر بالنقص أمام أهل المدن ولا يحسدهم على بيوتهم وعمرانهم بل ربما نظر إليهم نظر الشفقة إذ لا يملكون ما يملك من الحرية والأنعام والنظرة المختلفة للحياة.

مات والد حبابة في أطراف أم درمان وهو مطمئن على بناته بعد أن شاهد أحفاده وحفيداته ، ولم تنقطع زيارته للبيت فكان هو وحبابة في ذاكرتي رمزا للوفاء والأصالة والصبر على الأقدار وتقلبات الأيام.

#كمال_حامد ????

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: فی أم درمان

إقرأ أيضاً:

االآن يدينون قصف الجنجويد للمستشفى السعودي في الفاشر … وكأن كل من (..)

االآن يدينون قصف الجنجويد للمستشفى السعودي في الفاشر … وكأن كل من ماتوا من قبل بقصف الجنجويد العشوائي على أمدرمان ليسو بشرا، وكأن مجزرة ود النورة لم تحدث، وكان قتلى السريحة كانوا في رواية خيالية، وكأن قصف حافلة الركاب في الثورة كان في بلي ستيشن، فجأة اكتشفت بعض الدول أن المليشيا تقصف المستشفيات.

بعد أن تقدم الجيش ودخل القيادة صارت لأرواح السودايين قيمة .. شكرا جيشنا العظيم وإلى الأمام .. حتى يقفوا جميعا في الجانب الصحيح من التاريخ.

مكي المغربي

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • «في بيتنا مسرح» على المركز الثقافي بطنطا ضمن عروض نوادي الطفل بالغربية
  • أحباء ولو اختلفا… عرض للأطفال من مسرح الدمى
  • تركيا…مقتل 15 مسلحاً كردياً في سوريا والعراق
  • السودان كله في انتظار خطاب تاريخى للرئيس عبد الفتاح برهان من داخل القصر الجمهوري بالخرطوم
  • االآن يدينون قصف الجنجويد للمستشفى السعودي في الفاشر … وكأن كل من (..)
  • المؤامرة لم تنته… حنينيين أوي !!
  • بابلو اسكوبار…. النسخة السودانية
  • “هيومن أبيل” البريطانية تنفذ مشروع ختان جماعي لـ 300 طفل بأم درمان
  • رئيس المحكمة الدستورية: الذكاء الاصطناعي موضوع حتمي لا يمكن استبعاده من حياتنا اليومية
  • محمد إمام لعمرو دياب: في حياتنا ناس هما الأساس