موقع النيلين:
2024-12-27@07:56:36 GMT

جفاف السبعينات … وحبابة البدوية في بيتنا

تاريخ النشر: 10th, November 2023 GMT

جفاف السبعينات … وحبابة البدوية في بيتنا


والخدمة المنزلية ليست عيبا ، ولكن لم يكن عمل البدويات العربيات في هذه المهنا مألوفا ، والحق يقال ، فما هي تلك الظروف الطاحنة التي ألجأتهم مضطرين لذلك ؟

إنه جفاف بداية السبعينات ثم الموجة الثانية بداية الثمانينات ، ذلك الجفاف الذي أجبر في من أجبر شعب الزغاوة على الهجرة الجماعية من موطنه في شمال غرب دارفور إلى جنوبها كما ذكرنا في منشورات سابقة.

إمتد ذلك الجفاف إلى شمال كردفان وفقدت مجموعات من الرحل ثروتها ونفقت دوابها وفقدت بالتالي سبل العيش وكانت أم درمان هي الملاذ الأقرب لهم فلجأوا إلى غربها وأقاموا رواكيبهم في منطقة غرب أم درمان.

أول من لفت الأنظار لتلك المأساة أئمة الجوامع فتحدثوا واستنفروا الناس في أم درمان لزيارتهم حتى يستشعروا عمق المأساة ، وحين ذهبت الوفود وشاهدت الأجسام التي هدها الجوع فصارت جلودا فوق هياكل عظمية صدموا وعادوا يحكون ما شاهدوه غير مصدقين ، وبعضهم قال أنه أجهش بالبكاء مما شاهد ، وتدفقت المساعدات من مجتمعات أم درمان ، مواد غذائية ، ملابس ، بطاطين ، إلخ.

وبدأنا في أم درمان نشاهد بل نعيش مشهد الأب البدوي العربي يدق باب الباب ومعاه فتاته الصغيرة وبعد أن يدخل ويسلم على الأسرة بكل الحزن والوقار ويطلب مقابلة رب الدار يقول أنه لا يطلب أجرا مقابل خدمة بنته ، بل كل ما يطمع فيه بيت كريم موثوق فيه يؤيها ويطعمها وهي لن تقصر في الخدمة.

في تلك الظروف القاهرة وبتلك المعادلة المحزنة دخلت الفتاة البدوية حبابة إلى حياتنا وضمتها والدتنا تحت جناحها ورعايتها وأخذت تتدرج بها رويدا رويدا في مهارات الحياة المدينية التي لم تكن تفهم فيها شيئا ولا شاهدت أدواتها ، وقررت لها الوالدة راتبا شهريا.

لم ينقطع والد حبابة عن زيارتها فكان يأتيها كل إسبوعين أو ثلاث ليتفقدها ويطمئن عليها وحين يأتي آخر الشهر يأتيها ليأخذها ومعها راتبها لإجازة يومين تقضيها مع الأسرة في رواكيب غرب أم درمان.

كبرت حبابة وقام والدها بتزويجها وأنقطعت عن الخدمة ولكنها لم تنقطع عن زيارة الوالدة ورافقتها في زيارتها الأخير قبل الحرب بشهرين بنتها الشابة التي أسمتها على إسم الوالدة وفاءا وعرفانا ، وظلت الوالدة تفرح وتسعد بهذا الوفاء ، وصارت حبابة تتلقى المصاريف من ولدها الذي إغترب في السعودية ، وهكذا تدور عجلة الحياة وتتغلب الناس على الصعاب.

ما أعلمه أن مجتمعات النازحين البدو في غرب أم درمان من تلك الحقبة كافحت وأندمجت تدريجيا في حياة أم درمان فليس في أم درمان حواكير تزعج وتقيد القادم المبتلى وليس في أم درمان سوى البشر والترحاب وقبول الآخر.

في هذه الأيام وفي هدأة الليل والسكون كثيرا ما أتذكر وأفكر في حال بشر رقيقي الحال مروا في حياتنا ، أين هم وكيف حالهم في خضم الأحداث والفوضى ؟!

كانت حبابة ووالدها من بدو كردفان الذين شاهدناهم كثيرا في طفولتنا وصبانا الباكر ينيخون إبلهم في سوق العرضة وحي العرب ويقضون أياما في التسوق قبل أن يشدوا الرحال إلى باديتهم التي التي يألفونها وتألفهم ويفهمونها ولا يرضون عنها بديلا لأن البدوي القح الأصيل لا يشعر بالنقص أمام أهل المدن ولا يحسدهم على بيوتهم وعمرانهم بل ربما نظر إليهم نظر الشفقة إذ لا يملكون ما يملك من الحرية والأنعام والنظرة المختلفة للحياة.

مات والد حبابة في أطراف أم درمان وهو مطمئن على بناته بعد أن شاهد أحفاده وحفيداته ، ولم تنقطع زيارته للبيت فكان هو وحبابة في ذاكرتي رمزا للوفاء والأصالة والصبر على الأقدار وتقلبات الأيام.

#كمال_حامد ????

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: فی أم درمان

إقرأ أيضاً:

عثمان ميرغني ..مشكلتكم.. ليست الحرب !!…..

عثمان ميرغني ..مشكلتكم.. ليست الحرب !!…

صديق عربي قديم.. لم نلتق منذ سنوات.. شاءت الأقدار أن نتواصل هاتفياً قبل أسابيع ثم زار القاهرة الأيام الماضية واتصل بي وجلسنا لساعات نستدعي الذكريات المشتركة.
قبل سنوات طويلة فكر صديقي رجل الأعمال هذا في الاستثمار بالسودان.. البداية مشروع زراعي ضخم.. اتصل بي من موطنه وكنت أنا بالخرطوم وطلب مساعدتي في التواصل مع الجهات التي لها صلة بالاستثمار.. وفعلا لم أقصر.. رتبت له اجتماعات مع وزراء الاستثمار والزراعة ومسؤولين كبار في ولاية الخرطوم.

وصل صديقي الخرطوم.. و رافقته في سلسلة اللقاءات.. لكن مفاجأة كبيرة حدثت!
في اللقاء مع وزير الزراعة و بعد التعارف التقليدي و بدأ صديقي رجل الأعمال يسأل الوزير بعض الأسئلة المتعلقة بالاستثمار.. تحول الحديث فجأة للنقاش في قضايا لا علاقة لها مطلقا بالموضوع.. في الشأن الاجتماعي و أوجه الشبه بين البلدين ومثل ذلك من أحاديث الدردشة العامة.. شعرت بالغضب لأني بذلت مجهودا لترتيب اجتماع للاستثمار وليس الدردشة.. ولكني التزمت الصمت حتى خرجنا من الوزارة وسألت صديقي لماذا أضاع وقته ووقتي في نقاش لا علاقة له بالاستثمار.
رد علي ببساطة أنه صرف النظر كليا ونهائيا عن فكرة الاستثمار في السودان بعد خمس دقائق فقط من بداية الاجتماع.
لماذا؟ سألته..
قال لي أنه قرأ بالفندق قبل خروجه خبرا في صحيفة سودانية عن قرار أصدره والي الخرطوم بمصادرة أراضي يملكها مستثمر سوداني.. وكان رد وزير الزراعة أن هذا أمر عادي من سلطات الوالي مصادرة الأراضي ..
صديقي المستثمر قال لي أن الوالي هو مجرد موظف حكومي ليس من حقه مصادرة أراضي أو أصول المستثمرين.. الأمر يجب أن يترك للقضاء فقط لا السلطة التنفيذية.. وأنه لن يأتمن أمواله و مشروعاته في بلد يصادر فيه موظف ممتلكات المستثمرين..
بمجرد سماعه لرد وزير الزراعة اتخذ قراره بلا تردد.. وفي أول خمس دقائق من الاجتماع..
وقرر أن يتجه بمشروعه إلى جارتنا الشقيقة مصر.. فهو يرى أن بيئة الاستثمار فيها آمنة.
مرت سنوات طويلة التقينا فيها عدة مرات نسيت خلالها قصته..
قبل أيام قلائل في جلستنا الجميلة بالقاهرة نستعيد الذكريات.. سألته عن مشروعه الذي صرف النظر عنه بالسودان.. قال لي أنه فعلا جاء إلى مصر و حصل على مساحة شاسعة من الأرض و أكمل المشروع منذ سنوات وهو ينتج الآن و حصاده يملأ الأسواق المصرية ويصدر للخارج علاوة على ما وفره من فرص عمل للمئات.
قلت له.. تنتهي الحـ؛رب في بلادنا وتعود الأحوال أفضل مما كانت و تتاح لك فرصة أخرى لمشروعات استثمارية بالسودان.. رد عليّ بجملة ظلت ترن في ذهني.. قالها بكل عفوية.. و بمنتهى الحب لبلادنا التي يكن لها تقديرا كبيرا..
قال لي (مشكلتكم.. ليست الحـ؛رب)..
(مشكلتكم ادارة وطن من أغنى بلاد الله بالموارد ..)
(حتى ولو انتهت الحرب.. تظل مشكلتكم في ادارة وطنكم..)..
قدم مرافعة طويلة بها تفاصيل مهمة.. نحتاج أن نفكر فيها بعقولنا لا بـ(عواطفنا النبيلة) على رأي ثنائي العاصمة..
هل أنتم مستعدون لسماعها؟

التيار

عثمان ميرغنيمشكلتكم.. ليست الحرب

مقالات مشابهة

  • شاهد بالصورة.. أم درمان تستعيد عافيتها.. ناشط سوداني يلتقط صورة معبرة من أمام أشهر شوارع المدينة العريقة والجمهور يتفاعل: (أم در يا حبيبة يا منى يا قصيدة)
  • من أرشيف الكاتب أحمد حسن الزعبي … ونحن أيضا
  • الاسرائيليون يشتكون.. اليمنيون حولوا حياتنا الى زومبي
  • جفاف 36 بحيرة في تركيا خلال آخر 50 عامًا
  • شاهد الفيديو الذي حظي بأعلى نسبة مشاهدات وتداول.. المئات من المواطنين بمدينة أم درمان يخرجون في مسيرات لاستقبال “متحرك” للجيش على أنغام الموسيقى الصاخبة
  • حياتنا: رؤية إماراتية تُجسد الطموح والابتكار
  • التغيرات المناخية وتأثيرها على زراعة الطماطم في مأرب… تحديات وفرص
  • عثمان ميرغني ..مشكلتكم.. ليست الحرب !!…..
  • إيران …بدء محادثات لإعادة السفارة في سوريا
  • رئيس حزب إسرائيل بيتنا: الحكومة لا تهتم بإعادة المحتجزين