وثائق بريطانية .. خطة إسرائيل لترحيل آلاف الفلسطينيين من غزة للعريش عام 1971
تاريخ النشر: 10th, November 2023 GMT
هل المصريون محقون فعلا في التعبير عن كل هذا الخوف على سيناء في ظل وضع الفلسطينيين المأساوي بسبب الهجمات الإسرائيلية في قطاع غزة المجاور؟، تجيب الوثائق البريطانية: بالتأكيد لهذه المخاوف ما يبررها.
وتكشف الوثائق، أن إسرائيل وضعت خطة سرية قبل 52 عاما؛ لترحيل الآلاف من فلسطينيي غزة إلى شمال سيناء، فبعد احتلال الجيش الإسرائيلي غزة، إلى جانب الضفة الغربية والقدس الشرقية ومرتفعات الجولان السورية، في حرب يونيو عام 1967، أصبح القطاع مصدر إزعاج أمني لإسرائيل.
وباتت مخيمات اللاجئين المكتظة بؤر مقاومة للاحتلال. فمنها انطلقت عمليات مقاومة ضد القوات المحتلة والمتعاونين معها.
وحسب تقديرات البريطانيين، فإنه عندما احتلت إسرائيل غزة، كان في القطاع 200 ألف لاجىء، من مناطق فلسطين الأخرى، ترعاهم وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" و150 ألفا آخرين هم سكان القطاع الأصليون الفلسطينيون.
وقالت تقاريرهم إن غزة لم تكن "قابلة للحياة اقتصاديا بسبب مشكلات أمنية واجتماعية خلقتها حياة المخيمات وأنشطة الفدائيين التي تسببت في أعداد متزايدة من الضحايا".
وحسب تقديرات البريطانيين، فإنه خلال الفترة بين عامي 1968 و1971، قُتل 240 فدائيا عربيا (فلسطينيا) وأصيب 878 آخرون، بينما قتل 43 وأصيب 336 جنديا من قوات الاحتلال الإسرائيلية في غزة.
وأعلنت الجامعة العربية حينها إصرارها على وقف الأنشطة الإسرائيلية ضد اللاجئين الفلسطينيين في غزة، وقررت "تبني إجراءات عربية مشتركة لدعم المقاومة في القطاع".
وكانت بريطانيا مهتمة بالوضع في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وخاصة غزة. وردا على استجوابات برلمانية، أبلغت الحكومة البريطانية مجلس العموم بأنها "تتابع بدقة التطورات في القطاع".
وقالت: "نرقب التحركات الإسرائيلية الأخيرة باهتمام خاص، ومن الطبيعي أن ننظر بقلق إلى أي عمل من جانب السلطات الإسرائيلية من شأنه الإضرار برفاهية ومعنويات السكان اللاجئين العرب (الفلسطينيين) في المنطقة".
في تلك الأثناء، رصدت السفارة البريطانية في تل أبيب تحركات إسرائيلية لتهجير آلاف الفلسطينيين إلى العريش التي تقع شمالي شبه جزيرة سيناء المصرية، وتبعد قرابة 54 كليومترا عن حدود غزة مع مصر.
وحسب تقارير السفارة، فإن الخطة شملت "النقل القسري" للفلسطينيين إلى مصر أو أراض إسرائيلية أخرى، في محاولة لتخفيف حدة العمليات الفدائية ضد الاحتلال والمشكلات الأمنية التي تواجه سلطة الاحتلال في القطاع.
6 خطوط حمراء.. مصر تتمسك بهذه الشروط لحل الأزمة في غزة وتحذر السفير محمد حجازي: الرئيس السيسي وقف بشكل صارم لفكرة تهجير الفلسطينيينوفي أوائل سبتمبر عام 1971، أسرّت الحكومة الإسرائيلية للبريطانيين بوجود خطة سرية لترحيل الفلسطينيين من غزة إلى مناطق أخرى على رأسها العريش المصرية.
وأبلغ وزير النقل والاتصالات الإسرائيلي آنذاك شمعون بيريس (زعيم حزب العمل ووزير الدفاع والخارجية ورئيس الحكومة ورئيس الدولة في إسرائيل لاحقا) المستشار السياسي للسفارة البريطانية في تل أبيب بأنه "حان الوقت لإسرائيل كي تفعل أكثر في قطاع غزة وأقل في الضفة الغربية".
وفي تقرير عن اللقاء، قالت السفارة، إن بيريس، الذي كان مسؤولا عن التعامل مع الأراضي المحتلة، أكد "أنه رغم أن الحكومة (الإسرائيلية) لن تعلن رسميا السياسة الجديدة، ولن تنشر توصيات اللجنة الوزارية التي تراجع الموقف، فإن هناك الآن اتفاقا في مجلس الوزراء على متابعة تدابير بعيدة المدى للتعامل بشكل أكثر فعالية مع مشكلات غزة".
وأضاف التقرير، أن بيريس "يعتقد بأن هذه التدابير سوف تؤدي إلى تحول في الوضع خلال عام أو نحو ذلك".
وبرر التكتم على السياسية الجديدة بأن إعلانها "لن يؤدي إلا إلى تغذية الذخيرة لدى أعداء إسرائيل".
وردا على سؤال عما إذا كان "سيتم (وفق السياسة الجديدة) نقل الكثير من الناس (من القطاع) لاستعادة السلم وقابلية الحياة إلى قطاع غزة"، قال بيريس إنه "سيتم إعادة توطين حوالي ثلث سكان المخيمات في أماكن أخرى في القطاع أو خارجه".
وأكد اعتقاد إسرائيل بأن "هناك حاجة ربما إلى خفض إجمالي عدد السكان بحوالى 100 ألف شخص".
وعبر بيريس عن "الأمل في نقل حوالى 10 آلاف أسرة إلى الضفة الغربية، وعدد أصغر إلى إسرائيل"، غير أنه أبلغ البريطانيين بأن التهجير إلى الضفة وأراضي إسرائيل "ينطوي على مشكلات عملية مثل التكلفة العالية".
وأبلغ الوزير الدبلوماسي البريطاني بأن "معظم المتأثرين، هم في الواقع، راضون بأن يجدوا لأنفسهم سكنا بديلا أفضل مع تعويض عندما تُزال أكواخهم، أو يقبلون شققا عالية الجودة بناها المصريون في العريش، حيث يمكن أن يكون لديهم إقامة شبه دائمة".
وسأل الدبلوماسي البريطاني بيريس: هل العريش تعتبر الآن امتدادا لقطاع غزة؟
فرد بأن "استخدام المساكن الخالية هناك قرار عملي تماما".
وفي تقييم منفصل لما أسر به بيريس، أشار إيرنست جون وورد بارنز، السفير البريطاني في إسرائيل إلى أن الإسرائيليين يرون أن أي حل دائم لمشكلات قطاع غزة "يجب أن يتضمن إعادة تأهيل جزء من السكان خارج حدوده الحالية".
وأكد لحكومته أن السياسة الجديدة تشمل توطين الفلسطينيين في شمال شبه جزيرة سيناء المصرية، غير أنه قال إن "الحكومة الإسرائيلية تخاطر بمواجهة انتقادات، لكن النتائج العملية أهم"، بالنسبة لإسرائيل.
وفي تقرير عن الموضوع، قال أم إي بايك، رئيس إدارة الشرق الأدني في الخارجية البريطانية إنه "يجري الآن اتخاذ تدابير صارمة لتقليص حجم مخيمات اللاجئين وفتحها.
وقُصد بهذا النقل القسري للاجئين من منازلهم الحالية، أو بالأحرى أكواخهم، كي أكون أكثر دقة، وإجلاؤهم إلى العريش في الأراضي المصرية"، مضيفا: "يجري الآن فيما يبدو متابعة برنامج أكثر طموحا لإعادة التوطين".
بعد شهر، أبلغ الجيش الإسرائيلي، في لقاء رسمي، عددا من الملحقين العسكريين الأجانب بتفاصيل إضافية عن خطة ترحيل الفلسطينيين من غزة.
وخلال اللقاء، قال العميد شلومو غازيت، منسق الأنشطة في الأراضي المحتلة، إن جيشه "لا يدمر (مساكن الفلسطينيين في غزة) ما لم يكن هناك سكن بديل، هذا هو القيد الوحيد الذي سوف تقبله الحكومة العسكرية، والعملية مرهونة بحجم السكن البديل المتاح بما في ذلك (السكن في) العريش".
وحسب تقرير لملحق السلاح الجوي البريطاني عن اللقاء، سئل العميد غازيت عن سبب اختيار شمال سيناء، قال "السكن في العريش قد اختير لأنها المكان الوحيد الذي تتوفر فيه منازل خالية وفي حالة جيدة بعد إصلاحها".
وأضاف "لن يكون هناك بناء جديد في العريش، فالمنازل المتاحة كانت تخص ضباطا مصريين في السابق".
وبدأ هذا الوضع مغايرا، من وجهة نظر البريطانيين، لثلاثة مبادىء كان قد أعلنها الجنرال موشيه ديان، وزير الدفاع الإسرائيلي تضمن السيطرة على الأراضي المحتلة بعد حرب 67.
وهذه المبادىء هي: حد أدنى من الوجود العسكري، وحد أدنى من التدخل في الحياة المدنية الطبيعية، وأقصى اتصال أو جسور مفتوحة مع إسرائيل وبقية العالم العربي.
وفي تقرير عن وضع غزة، قالت إدارة الشرق الأدنى في الخارجية البريطانية "السؤال الأكثر إثارة للاهتمام بالنسبة للمستقبل هو ما إذا كانت إسرائيل مستعدة الآن، في حالة غزة، لتعديل في المبادىء الثلاثة".
وحسب رأي السفير البريطاني في إسرائيل فإن "مخيمات اللاجئين توفر ظروفا مثالية لنشاط الفدائيين، الأمر الذي جعل من الصعب تطبيق سياسية الجسور المفتوحة"، التي عبر عن اعتقاده بأنها نجحت في الأراضي المحتلة الأخرى".
ونبه السفير بارنز، في تقرير شامل إلى وزير الخارجية، إلى أن معلوماته تقول الأونروا "تتوقع لجوء إسرائيل إلى حل الترحيل".
وقال إن الوكالة "تتفهم المشكلة الأمنية الإسرائيلية"، لكنها "لا يمكن أن توافق على النقل القسري للاجئين من منازلهم، ولا إجلائهم حتى على أساس مؤقت إلى العريش في مصر".
غير أن السفير عبر عن اعتقاده بأن "توطين اللاجئين الغزاويين في الأراضي المصرية في العريش هو نموذج لعدم الحساسية (الإسرائيلية) تجاه الرأي العام الدولي".
وفي تقييمه للخطة السرية الإسرائيلية، حذرت إدارة الشرق الأدنى من أنه "مهما تكن المبررات الإسرائيلية لهذه السياسة بعيدة المدى، لا نستطيع إلا أن نشعر بأن الإسرائيليين يقللون من قيمة حجم الغضب الذي تثيره هذه العقيدة (الإسرائيلية) القائمة على خلق حقائق على الأرض، في العالم العربي والأمم المتحدة"،
حلول أخرى لمشكلة غزةغير أن سعي إسرائيل لتنفيذ سياستها لم يتوقف، وإن تباطأت وتيرته.
وقالت السفارة البريطانية في تقرير إلى الخارجية في أواخر أغسطس عام 1971 إن "عمليات التطهير في المخيمات مستمرة، رغم أنها تسير بوتيرة أبطأ لأن السكن البديل في العريش وأماكن أخرى في الأراضي المحتلة ليس متاحا".
وأكدت أن عددا من اللاجئين الفلسطينيين نقلوا بالفعل من مخيم النصيرات إلى العريش".
وبحلول نهاية شهر ديسمبر/كانون الأول، نقلت لندن معلومات من إسرائيل عن "المطرودين" الفلسطينيين إلى خارج غزة.
وحسب المعلومات التي نقلت خلال زيارة لدبلوماسي إسرائيلي إلى إدارة الشرق الأدنى، فإن سلطات الاحتلال الإسرائيلي "رحلت332 أسرة (عدد أفرادها 2522 شخصا)، من بين 1638 أسرة إلى العريش".
وفي برقية بعنوان "طرد الإسرائيليين للاجئين من غزة"، قالت الإدارة إنه "تم بالفعل طرد 1638أسرة (11512 شخصا) من منازلهم في قطاع غزة إما إلى مناطق أخرى في القطاع أو إلى مواقع أخرى خارجه".
وفي تقييم عام آخر للوضع، تحدث السفير البريطاني عن حلول أخرى محتملة لمشكلة غزة أحدها هو "إمكانية أن تُربط غزة يوما ما بالأردن كي يكون لهذا البلد منفذ إلى البحر المتوسط".
وأضاف أن "احتمال أن يكون القطاع جزءا من سوق شرق أوسطى مشترك"، هو أحد الحلول الأخرى.
عقاب جماعي وإرهابفي الوقت نفسه، جرى نقاش في وزارة الخارجية بشأن مدى اتفاق السياسة الإسرائيلية مع معاهدة جنيف الرابعة التي تحدد مسؤوليات دول الاحتلال.
فوفق المادة 39 من المعاهدة، فإنه يُحظر النقل القسري الفردي أو الجماعي، وكذلك عملية ترحيل الأشخاص من أرض محتلة إلى أرض سلطة الاحتلال أو أرض أي دولة أخرى، سواء تخضع للاحتلال أم لا، وبغض النظر عن الدافع وراء ذلك.
وخلص تقييم للمستشار القانوني للوزارة إلى أن توطين اللاجئين (من غزة) في سيناء وليس في منطقة أخرى في غزة "ربما يلقى اعتراضا سياسيا".
غير أنه قال: "أعتقد أنه سيكون من الصعب، بناء على الأسس القانونية، تحدي (خطة التوطين) لو قالت إسرائيل بصرامة إن العملية برمتها نفذت من أجل أمن السكان".
غير أن المستشار القانوني عاد ليحذر من أنه "لا يرى مبررا لاعتماد إسرائيل بثقة على هذا البند" في معاهدة جنيف الرابعة.
وأشار إلى أنه لا يمكن الثقة في حجة إسرائيل بأنها قادرة في الوقت المناسب على إعادة اللاجئين إلى منازلهم، "بينما تدمر هي نفسها منازلهم في سياق العملية نفسها"، في غزة.
ونبه أيضا إلى أنه يمكن الادعاء بأن العملية الإسرائيلية لإجلاء فلسطينيي غزة عقاب جماعي.
وشدد على أنه "لا ينبغي معاقبة أي شخص محمي (تحت الاحتلال) على جريمة لم يرتكبها شخصيا.
وفالعقوبات الجماعية وكذلك كل إجراءات الترويع أو الإرهاب محظورة" وفقا للمادة 33 من المعاهدة الدولية.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: سيناء الجيش الإسرائيلي سيناء المصرية العريش الضفة الغربية قطاع غزة إسرائيل مجلس العموم القدس الشرقية الجولان السورية شمال سيناء الأراضی المحتلة النقل القسری إدارة الشرق فی الأراضی إلى العریش فی القطاع فی العریش فی تقریر قطاع غزة أخرى فی من غزة فی غزة إلى أن غیر أن
إقرأ أيضاً:
الاقتصاد المصري متضرر.. هل يرى في اللاجئين كبش فداء وحلّا محتملا؟
نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، تقريرا لمراسلتها فيفيان يي، قالت فيه إنه: "في الأوقات الأفضل للاجئين في مصر، لم يكن لدى عزة مصطفى، مذيعة التلفزيون الموالية للحكومة، سوى كلمات سخية للآلاف من السوريين الذين بنوا حياة جديدة في مصر بعد أن انفجرت بلادهم في حرب أهلية في عام 2011".
وبحسب التقرير الذي ترجمته "عربي21"، قالت في بث عام 2019: "أود أن أقول لعائلاتنا السورية وإخواننا في مصر، لقد نورتم مصر".
"في حزيران/ يونيو قامت في برنامجها، بالتنديد بالعدد المتزايد من الغرباء في مصر، بمثابة صدى لقادة البلاد، الذين تشدّدت سياستهم تجاه اللاجئين والمهاجرين مع صراعهم مع أزمة اقتصادية تفاقمت بسبب الحروب في غزة والسودان وليبيا المجاورة" وفقا للتقرير نفسه.
قالت عزة مصطفى، متهمة المهاجرين برفع الإيجارات والترويج لختان الإناث: "لقد أصبح هذا لا يطاق. هناك العديد من أعمال تتجاوز الحدود. هل هذا مقبول؟ بعد أن فتحنا بلادنا لهم؟".
وتابع التقرير: "لقد سهلت مصر منذ فترة طويلة على الأجانب من جميع الأنواع العيش والعمل في البلاد، دون تدخل إلى حد كبير، سواء كانوا لاجئين أو عمالا مهاجرين أو غربيين هاربين من إغلاق فيروس كورونا".
وأضاف: "لقد جلبت السنوات الثلاث عشرة الماضية تيارا متواصلا تقريبا من الوافدين الجدد الفارين من الصراع إلى البلد المعروف بين العرب باسم "أم الدنيا". وهذا لا يشمل السوريين فحسب، بل يشمل أيضا السودانيين واليمنيين والإريتريين، ومؤخرا الفلسطينيين من غزة".
وأردف: "كانت قواعد الهجرة المتساهلة في مصر تعني أن العديد من اللاجئين لم يسجلوا رسميا كلاجئين أو لم يحصلوا على إذن رسمي للبقاء على المدى الطويل، ومع ذلك تمكنوا من نسج أنفسهم في البلاد بسلاسة تقريبا، ودعم أنفسهم وأحيانا بدء أعمال تجارية".
واسترسل: "مع ذلك، منذ أن أدت الحرب الأهلية في السودان إلى زيادة أعداد اللاجئين إلى مصر بدءا من عام 2023، اشتكت الحكومة الفقيرة في القاهرة بصوت أعلى وأعلى بشأن عبء الأجانب. وشددت سياساتها بسرعة - على أمل، كما يقول المحللون والدبلوماسيون، كسب المزيد من الدعم من الداعمين الدوليين الحريصين على منع الهجرة إلى بلدانهم".
"تقول مصر إنها تنفق 10 مليارات دولار سنويا على تسعة ملايين لاجئ، وفقا لمسؤولين ووسائل إعلام تسيطر عليها الحكومة (على الرغم من أن الخبراء يقولون إن كلا الرقمين مبالغ فيهما إلى حد كبير)، وكل ذلك بينما يتحمل المصريون ارتفاع الأسعار وخفض الدعم" بحسب التقرير.
وأبرز: "كانت سنوات من الإنفاق الحكومي المفرط، والاعتماد على الواردات والسياسات التي أهملت نمو القطاع الخاص سببا في ترك مالية البلاد في حالة هشة قبل أن تؤدي الحروب في أوكرانيا وغزة إلى انهيارها. خسرت مصر 7 مليارات دولار من العائدات الحاسمة من قناة السويس في عام 2024 حيث أدى الصراع في غزة إلى الضغط على الشحن في البحر الأحمر، وفقا لمسؤولين حكوميين".
وأضاف: "مع غرق مصر في الديون وصعوبة دفع ثمن الواردات مثل القمح والطاقة، انهارت العملة، في حين أصبح من الصعب العثور على بعض السلع".
ألقى رئيس شركة السكر المملوكة للحكومة، شركة دلتا للسكر، أحمد أبو اليزيد، باللوم على اللاجئين في نقص السكر الذي يربطه الخبراء بالأزمة الاقتصادية. واتهمهم الرئيس باستنزاف مياه مصر الثمينة.
وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، بحسب التقرير، اتّهمت حسابات مؤيدة للحكومة -بعضها يبدو مزيفا- اللاجئين السودانيين برفع الإيجارات والترويج لختان الإناث. ولقد أعقبت هذه الاتهامات حملة وصفت بـ"القمعية"، وفقا للمهاجرين واللاجئين والمدافعين عنهم.
وأوضح التقرير: "تم القبض على اللاجئين السودانيين في حملات أمنية، واحتجازهم وترحيلهم على وجه السرعة. كما طُلب من السوريين الذين عاشوا في مصر لسنوات أن يدفعوا آلاف الدولارات للبقاء. ولا يزال العديد منهم مترددين في العودة، على الرغم من سقوط نظام الأسد في كانون الأول/ ديسمبر، إلى أن يستقر الوضع".
ويقول المدافعون عن حقوق اللاجئين: "إن العمال الأجانب من آسيا وأجزاء أخرى من أفريقيا يواجهون الآن عقبات إضافية للحفاظ على وضعهم القانوني، وفي بعض الحالات، تم اعتقالهم لإجبارهم على دفع رسوم عالية".
وفي الشهر الماضي، أقرّت مصر قانونا من شأنه أن يسلم مسؤولية فحص اللاجئين وغيرهم إلى الحكومة، بدلا من وكالة الأمم المتحدة للاجئين. وقال مسؤولون حكوميون إن هذا الإجراء من شأنه أن يضمن مجموعة واسعة من حقوق اللاجئين.
ومع ذلك، قال منتقدو هذه الخطوة إن الأمر سيصبح أكثر صعوبة بالنسبة للاجئين للحصول على الحماية أو الوصول إلى الرعاية الصحية والمدارس. كما يخول القانون الحكومة إلغاء وضع اللاجئ لأسباب غامضة مثل انتهاكات الأمن القومي أو النشاط السياسي أو انتهاك العادات الاجتماعية المصرية.
أبو صالح، 32 عاما، سوري يعمل في محل بقالة صغير في القاهرة، قال إنه عاش في المدينة لمدة 13 عاما "دون أي مشكلة" حتى اكتشف في تموز/ يوليو أنه لم يعد بإمكانه تسجيل ابنه في المدرسة دون تصريح إقامة.
وقال إنه لكي يجدّد تأشيرات عائلته السياحية، قيل له إنه سيتعين عليه العودة إلى سوريا ودفع 2000 دولار للشخص الواحد كرسوم -هي العملية التي يتعين عليه تكرارها كل ستة أشهر-.
وقال أبو صالح، الذي طلب عدم الكشف عن هويته بالاسم الذي يستخدمه في المدينة لتجنب العواقب المحتملة: "كانت مصر بجانبنا طوال الوقت. أود أن أناشد حكومة مصر: امنحونا الإقامة، حتى لو كانت أكثر تكلفة قليلا. نحن نواجه ظروفا صعبة".
"لم تشرح مصر موقفها المتشدد تجاه الأجانب. لكن المحللين والمدافعين عن المهاجرين يربطون ذلك بالأزمة الاقتصادية، التي أثارت مرارة واسعة النطاق وقوضت حكم الرئيس عبد الفتاح السيسي" أبرز التقرير.
وتقول جماعات حقوق الإنسان إنّ: "الوافدين الجدد يشكلون كبش فداء ملائما لمصاعب المصريين. ويمكن لرسوم الهجرة، التي يتم تحصيلها بالدولار، أن تزود مصر ببعض العملات الأجنبية التي تحتاج إليها بشدة". مضيفة أن: "الأجانب يشكلون أيضا بيادق قيمة في سعي مصر للحصول على المزيد من الدعم المالي من شركائها الدوليين".
وتقول المديرة التنفيذية لمنصة اللاجئين في مصر، التي تدافع عن حقوق المهاجرين، نور خليل: "إنهم يفكرون، كيف يمكن لهؤلاء الناس أن يكونوا مفيدين للحكومة؟".
وتحصي وكالة الأمم المتحدة للاجئين حوالي 818 ألف لاجئ مسجل في مصر، يحق لهم الحصول على الرعاية الصحية العامة والتعليم المجاني. ومن المرجح أن يكون هناك المزيد من اللاجئين غير المسجلين، على الرغم من أن المحللين وعمال الإغاثة يشككون في أن الرقم يصل إلى تسعة ملايين.
وقال وزير الخارجية، بدر عبد العاطي، في مؤتمر صحفي، الشهر الماضي، إن "الفوائد التي يحصل عليها اللاجئون المسجلون تعني أن مصر، تعاملهم مثل المصريين، على الرغم من حقيقة أننا لسنا دولة غنية. لا توجد دولة في العالم تتحمل هذه المسؤوليات والتحديات مثل مصر. ليس لدينا مخيم واحد للاجئين، فهم مندمجون بشكل كامل في المجتمع".
يتفق المدافعون عن اللاجئين على أن مصر تحتاج إلى المزيد من الموارد. وعلى النقيض من بلدان أخرى في المنطقة، بما في ذلك الأردن ولبنان وتركيا، حيث ضخت الولايات المتحدة والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي مليارات الدولارات لدعم اللاجئين، لم تتلق مصر أموالا كبيرة للمساعدة في إيواء اللاجئين السوريين أو غيرهم من اللاجئين. وهذا بدأ يتغير.
ومع تضرّر مالية مصر بسبب الحرب في غزة، سارع الداعمون الغربيون إلى مساعدة مصر، حرصا منهم على منع الانهيار الاقتصادي في أكبر دولة من حيث عدد السكان في العالم العربي، كما يقول المحللون والدبلوماسيون. وقد يؤدي الانهيار الاقتصادي في مصر إلى زعزعة استقرار الشرق الأوسط بشكل أكبر وإرسال طوفان من المهاجرين عبر البحر الأبيض المتوسط إلى أوروبا، حيث توجد ضغوط شعبية شديدة لتقييد الهجرة.
وتعهّد الاتحاد الأوروبي بتقديم حزمة مساعدات سريعة بقيمة 8 مليارات دولار لمصر في آذار/ مارس، وهو ما يعكس الصفقات التي أبرمها الاتحاد مع موريتانيا وتونس وتركيا والتي مولت إنفاذ قوانين الهجرة في تلك البلدان.
كذلك، أرسل داعمون آخرون، بما في ذلك صندوق النقد الدولي، مليارات أخرى لتحقيق الاستقرار في اقتصاد مصر. ويقول المنتقدون إن الاتفاق الأوروبي مع مصر، مثله كمثل صفقات الهجرة الأخرى التي عقدها الاتحاد، يمكّن من انتهاكات الحقوق من خلال مكافأة استبداد السيسي وربما تمويل الحملة الحالية على المهاجرين.
إلى ذلك، وثّقت مجموعات بما في ذلك منظمة العفو الدولية ومنصة اللاجئين في مصر ما يقولون إنه نمط من الاعتقالات التعسفية الجماعية والترحيل غير القانوني للاجئين السودانيين -بعضهم محتجز أثناء تهريبهم عبر الحدود، والبعض الآخر تم القبض عليهم خلال عمليات تفتيش عشوائية للأحياء ذات الأغلبية السودانية.
وقالت نور خليل من منصة اللاجئين إنّ: "بعض السوريين طردوا أيضا". مبرزة أن "مجموعته وثقت أيضا أكثر من 50 حالة اعتقال لعمال أجانب، بعضهم كان لديه بالفعل إقامة، والذين احتُجزوا حتى دفعوا 1000 دولار كرسوم وغرامات".
وقد أدى جو الخوف إلى دفع حشود من السودانيين إلى عتبة دار مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في القاهرة، سعيا للحصول على الحماية الرسمية. ولكن الحصول على وضع اللاجئ قد يستغرق شهورا، إن لم يكن سنوات: فالمواعيد لبدء العملية غير متاحة حتى أواخر عام 2025.
وقالت نور خليل: "إن بعض السودانيين الذين تم احتجازهم وترحيلهم يحملون شكلا من أشكال هوية الأمم المتحدة، مما يثير الشك حول ما إذا كانت المنظمة قادرة على ضمان الأمن".
ومن بين أولئك الذين كانوا ينتظرون بالخارج ذات صباح كان محمد عبد الوهاب، 36 عاما. وبحلول الوقت الذي حاول فيه هو وعائلته عبور الحدود من السودان هذا الربيع، كانت مصر قد فرضت قيودا صارمة على الحركة الحرة بين البلدين، لذلك لجأوا إلى المهربين بدلا من ذلك.
وبدون أوراق قانونية، جمع عبد الوهاب وابنه مهند البالغ من العمر 14 عاما، زجاجات بلاستيكية في شوارع القاهرة لكسب لقمة العيش. وكان عبد الوهاب يبحث عن عمل أفضل في أحد أيام شهر حزيران/ يونيو عندما اختفى مهند.
وبعد عشرين يوما، عاد مهند إلى الظهور برسالة على تطبيق واتساب: لقد تم القبض عليه مع مجموعة من السودانيين الآخرين وتم ترحيلهم. كان عبد الوهاب يبحث عن مهند في مدينة أخرى. وعندما عاد إلى القاهرة، وجد أنه قد تم طرد زوجته وثلاثة أطفال آخرين بسبب عدم سداد الإيجار.
وقال: "إنه أمر لا يوصف. الآن يخيمون جميعا هنا"، في إشارة إلى عائلته، مشيرا إلى الرصيف أمام وكالة اللاجئين، حيث كانت مجموعات من السودانيين الآخرين ينتظرون بلا مبالاة تحت أشعة الشمس.