بريق الماضى.. قصة قصيرة لــ صفاء عبدالصبور
تاريخ النشر: 5th, July 2023 GMT
وهذا مساء آخر بدونك.
أخبار متعلقة
العاملة.. قصة قصيرة لــ بهاء الدين حسن
نعيمة والأراجوز.. «قصة قصيرة» لـــ أحمد عبدالعزيز صالح
العبرة بالنهايات.. آرسنال وصن داونز يُدونان قصة «النفس القصير لا يعرف الذهب»
وها هو صباح آخر، وها هو يوم آخر، يومان، شهر، عام، أعوام.. بدونك.
دون أن أطالع وجهك الباسم، دون أن أنعم بالقرب منك، دون أن يجمعنا لقاء بل حياة، بل أعنى حيوات.
لكنك حين مضيت ظللت أنا على أملٍ وخُيل إلىّ أنه لا مناص من لقاءٍ آخر لنا يعقبه خلود، فمكثت أترقبك هناك عند الصخرة التى كان يخرج من خلفها الصباح كل يوم حاملًا معه الآمال والسكينة، كنت أوقن أنك حتمًا ستعود كما يعود الفجر كل يوم بعد ليلة مظلمة كالحة السواد، من ثم تدب الحياة وتضج الشوارع بأنفاس الأحياء، فيحيا قلبى المتصدع، وتنير روحى بوهَجك الذى يشبه وَهج شمس الصباح.
ولاح أمامى فى الأفق أنك تَعدو ملوحًا لى بالكثير من الوعود ورأيتنى أشاهدك بعينين واسعتين مليئتين بالطمأنينة والسلام، ووجدتنى أهمس أنه بوسعى أن أدنو منك وأنه لن يقف فى وجهى شىء، فها أنا لا أمانع أن أكون ظلك الذى يتبعك دومًا، أو أكون قنينة عطرك المفضل، أو ضمادة جراحك.. كنت أتمنى أن أكون أى شىء ذلك خير من العدم، ذلك خير من القنوط.
انتظرتك كثيرًا كليلة العيد التى ينتظرها الناس كى تأتى لترسم البسمة فوق شفاههم العابثة.
انتظرتك حتى مرت الأيام دون أن أستشعرها حتى إننى لم ألتفت لما فعلته بكلانا الأيام إلا حينما رأيتك ففُجعت وملأت الحسرة قلبى، أى خطوط هذه التى رُسمت أعلى جبينك وحول شفاهك التى لطالما حلمت بحديثها الذى كان يثلج صدرى ويسر قلبى؟، أى خصلات بيضاء هذه التى غزت رأسك فحولت شعرك إلى اللون الفضى؟، وأى أحزان تسللت إلى قلبك فسلبت عينيك بريقها الآخاذ؟.
وأى أحداث تلك التى قصمت ظهرك فجعلته منحنى هكذا وجعلت بنيتك هزيلة؟، بنيتك وجسدك المفتول القوى ووجهك الذى كان ينضخ شبابًا وطاقة وحيوية، وعيناك المفعمتان بالنور والسحر وكل شىء كنت عليه وصار اليوم ضربا من الماضى السحيق، كل شىء قد كان وسلبنى عقلى لأعوام وجعلنى كنت مفتونة بك لا أراه اليوم!. بل هاجمنى للحظة هاجس أننى كنت فى ضلال، وأن ما كان بداخلى ليس بحب حقيقى، بل انبهار ووله وجنون بشبابك وحديثك الذى كان يطربنى ويشعرنى بالأهمية والقيمة والأنوثة.
لا أدرى لمَ أشعر بالزهد والجمود فى هذه اللحظة التى عشت لأجلها أعواما طويلة، بل كنت لأدفع عمرى ثمنًا لها؟ ولكن كل ما أدركه الآن أننى ربما توقف بى الزمن عند تلك اللقاءات التى كنت أجدك فيها رجلا مفعما بالحياة والقوة والأناقة، رجلا عيناه وأنفاسه وكل ما فيه كان يريدنى بقوة، وأنا كنت مثله، فقد كان الحماس ولهيب الحب والغرام يسرى بدماء كلانا ويحركنا ويدفعنا دفعًا نحو أن تلتحم أجسادنا وتتعانق أرواحنا، كان بريق وزهو وجنون الشباب يلهب أنفسنا ويشعل قلوبنا بالوجد واللذة والشوق.
لكن اليوم عندما رأيتك على تلك الشاكلة هرعت أبحث عن ذاتى، فوجدتنى لست سوى انعكاس لصورتك الباهتة المخيفة، فبُهت وشعرت بالرجفة وخيمت الوحشة على صدرى الخائر وذبلت الكلمات ولم يعد للوقت قيمةً لدىّ.
ثقافة سور الأزبكية قصة قصيرة بريق الماضىالمصدر: المصري اليوم
كلمات دلالية: ثقافة
إقرأ أيضاً:
تحليل سياسي يكتبه محمد مصطفى أبوشامة: وانتصرت «أمريكا أولاً».. وسقطت العولمة
أعلنت وسائل الإعلام الأمريكية تقدماً كبيراً للرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب والمرشح الجمهورى على منافسته كامالا هاريس المرشحة الديمقراطية، وبات ترامب هو الرئيس الـ47 للولايات المتحدة الأمريكية، بحسب قناة «فوكس نيوز» التى استبقت الجميع معلنةً الخبر، قبل أن يطل علينا الرئيس القادم، والعائد إلى البيت الأبيض معلناً انتصاره، فى مفاجأة تؤكد من جديد ضلال استطلاعات الرأى، التى أوحت للعالم فى الأسابيع الأخيرة أن النتيجة أقرب إلى التعادل، ولكن الصناديق أظهرت اكتساح الترامبية للولايات المتحدة الأمريكية.
وحتى يتسنى لنا الاطلاع على النتائج الكاملة فى كافة الولايات الأمريكية، وتحليلها، كى نستطيع فهماً حقيقياً لما حدث فى الخامس من نوفمبر 2024، واتجاهات تصويت الناخبين، والتى عكست قرارهم بشأن ما عرضه عليهم كلا المرشحين من قضايا.
إذن ما الذى يعنيه فوز «ترامب»؟ الرجل الذى تمثل عودته رئيساً سابقةً لم تتكرر فى تاريخ الولايات المتحدة إلا مرة واحدة منذ 132 عاماً، بأن يحكم رئيس دورتين غير متتاليتين، سبقه الرئيس جروفر كليفلاند فى نهاية القرن التاسع عشر، كما سيكون ترامب أول رئيس فى التاريخ يفوز بعد إدانته جنائياً بارتكاب العديد من الجرائم الفيدرالية وعلى مستوى الولايات.
ترامب أولاً وأمريكا أيضاً
«أمريكا أولاً»، ليس شعاراً انتخابياً سينتهى أثره بعد أن يحقق هدفه، لكنه فلسفة حكم تبلورت بها (الترامبية) كظاهرة سياسية، اختبرها الشعب الأمريكى بين عامَى (2017 و2021)، وعاد ليختار صاحبها مجدداً لدواعٍ اقتصادية، بحسب اتفاق عام بين أغلبية المحللين، وإشراكهم الرأى مع عدم إغفال الأثر الكبير لـ«ذكورية» المجتمع الأمريكى كدافع رئيسى للتصويت ضد «هاريس».
والتصويت الذكورى سبق أن حقق لـ«ترامب» ولايته الأولى بعد فوزه أمام هيلارى كلينتون، ولا ننسى أنه عندما ترشح أمامه رجل خسر بالفعل، وفاز بايدن فى الانتخابات السابقة، هذا لا ينفى دور خطته السياسية، من الاقتصاد إلى المهاجرين، مروراً برفضه للإجهاض ودعواته المحافظة التى أيقظت شيئاً ما فى المجتمع الأمريكى، لقد أجاد ترامب اللعب على مشاعر الجماهير، ورسمت حملته صورة متميزة له؛ الرجل القوى المحافظ البارع اقتصادياً، الذى تخشاه دول العالم وتحاول قوى الشر اغتياله، فيما حصد دور البطولة بعد عملية اغتياله الفاشلة، وتحولت صورته بعد النجاة إلى أيقونة ترسخت فى المخيلة الأمريكية، تلك اللقطة التى رصدتها كاميرا مصور عبقرى، عندما نهض «ترامب» ثابتاً وشجاعاً رغم إصابته بعيار نارى، وهى صورة غسلت كل أخطائه وغفرت له ذنوبه أمام غالبية الأمريكيين.
وجاءت الفكرة
ليس استباقاً للحوادث، فالعالم كله بقى معلقاً طوال العام الأخير انتظاراً لهذا اليوم، عندما تنفض أمريكا يدها من مهرجان الانتخابات الرئيسية وتفيق لدورها الإمبراطورى.. كسيدة العالم وأقوى دولة فيه، بعد وصول ترامب، ما مصير هذا الدور فى ظل تراجعه الحاد خلال السنوات الماضية؟
يرى المفكّر الأمريكىّ جورج مودلسكىّ أن مدّة حياة أى «نظام عالمىّ» هى تقريباً 100 سنة، مقسّمة على 4 مراحل، لكلّ منها 25 سنة، المرحلة الأولى هى مرحلة الحرب الكبرى، الثانية هى مرحلة صعود المهيمن، الثالثة هى مرحلة فقدان المهيمن الشرعية والمصداقيّة فى عيون اللاعبين الدوليين. أما المرحلة الأخيرة فهى مرحلة فقدان مركز الثقل «Core» القدرة على إدارة أزمات وشئون النظام الذى أنتجه، وبذلك يصبح العالم «لا مركزيّاً».
وتحت عنوان «عندما تهوى الإمبراطوريات»، كتب فى وقت سابق المحرر العسكرى لصحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية، موضحاً أن «تغيير الأمم يعنى تغيير المهيمن، وتغيير المهيمن يعنى مزيداً من الصراعات والحروب. ومزيد من الحروب يعنى أن التحوّلات والتغييرات فى موازين القوى العالميّة أصبحت واضحة ومؤثّرة». واستناداً لرأى مودلسكىّ حول دورة حياة النظام العالمى، يمكن لنا تصور حال النظام العالمى الحالى، فى ظل التراجع الملحوظ للدور الأمريكى (المهيمن)، والتخبط الواضح فى تعامله مع سائر الأزمات حول العالم.
الإمبراطورية الأمريكية!
وفى كتابه المهم «الإمبراطورية الأمريكية والإغارة على العراق» الصادرة طبعته الأولى عام ٢٠٠٣، عن دار الشروق المصرية، يعدد الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل فى نقاط محددة، مزايا هذه الإمبراطورية والتى جعلتها مختلفة ومحصنة إلى حد الكمال، فيصفها قائلاً: «هذه الإمبراطورية الأمريكية تملك من عوامل القوى الاقتصادية والمالية ما يتفوق على سابقتها طول التاريخ. وتوظف لخدمة أهداف أقوى وأكبر منجزات التقدم الإنسانى فى كافة المجالات. وتملك سطوة فى السلاح لم تتوافر لغيرها.. مع وجود توافق حرج بين التكنولوجيا العسكرية والتكنولوجيا المدنية.
واستطاعت أن تعرض نوعاً من جاذبية النموذج يمهد لتوسعها وانتشارها بغواية فى أساليب الحياة تعزز وسائط القوى. كما تمكنت من أسلوب جديد فى السيطرة.. يقوم على نظام شديد الجرأة والجسارة إلى درجة الاقتحام واختراق خصوصيات الدول والشعوب.. والقدرة على خطف وعى الآخرين وارتهانه.. أسير إعلام مصور وملون.. مكتوب وناطق.. يعطى لنفسه احتكار وضع جدول اهتمامات الرأى العام العالمى وسحب الآخرين وراءه».
ويضيف الأستاذ هيكل أن «هذه الإمبراطورية عاشت حياتها بعيدة عن أى تهديد مباشر لأرضها وسكانها، وراكمت من أسباب القدرة والثروة مدداً وفيراً، وبالتالى قدراً ضخماً من المناعة والثقة بالنفس يزيد أحياناً عن الحد»، وهو ما يصل بنا إلى الحكمة الصوفية المأثورة التى وظفها هيكل فى موضعها بالتمام، مؤكداً: «عند التمام يبدأ النقصان، فكل كائن حى له أجل، ولهذا الأجل مراحل، طفولة وصبا وشباب وكهولة وشيخوخة وموت، وذلك قانون نافذ حتى على الإمبراطوريات باعتبارها كيانات حية».
وهو ما يتوافق مع رأى مودلسكى حول دورة حياة النظام العالمى، فهل تمثل عودة ترامب هذا النقصان؟، وهل ما نعيشه هو لحظة الشيخوخة الإمبراطورية للولايات المتحدة الأمريكية؟، هذا ما سنراه ونعيشه فى السنوات الأربع القادمة التى تمثل مرحلة فارقة فى تاريخ العالم.
الشرق الأوسط أولاً
وُصفت عدم قدرة الرئيس الأمريكى الحالى جو بايدن على إيقاف الحرب فى غزة بالمسألة المهينة لكبرياء بلاده كقوة عظمى، فيما مثَّل انسياقه التام وراء رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو تأكيداً على فقدان الهيبة بسبب توغل نفوذ اللوبى اليهودى وهيمنته على مفاصل الإدارة الأمريكية، فبات صانع القرار الأمريكى لا يملك إلا استرضاء إسرائيل على الدوام.
وبفعل التقارب بين «ترامب ونتنياهو»، سيكون للشرق الأوسط أولوية وبالتوازى معه ستكون الحرب فى أوكرانيا أيضاً مساراً عاجلاً للرئيس «ترامب»، بهما سيطوى صفحة الحروب المشتعلة فى العالم، ويتبقى لديه ملفان هما إيران والصين، وكلاهما سيكون للحصار الاقتصادى دور كبير فى تجحيم قدرات الدولتين، وإن كان من غير المستبعد توجيه ضربة إسرائيلية برعاية أمريكية لإيران، والتى ربما تكون قبل دخول ترامب إلى البيت الأبيض.
أمريكا أولاً، تعنى فى مرحلتها الأولى الانتهاء السريع من ترتيب الأولويات الخارجية، للتركيز الكبير فى الشئون الداخلية وتعزيز القدرات الاقتصادية والتكنولوجية، وهذا ما يعزز وجود شخص مثل إيلون ماسك فى الفريق الرئاسى لترامب، والذى خصه بتحية وتقدير كبير فى خطابه الذى ألقاه «ترامب» فى فلوريدا مقر حملته الرئاسية وهو يعلن انتصاره على «هاريس». أما عن ضحايا الترامبية، ممن يتأهبون لسنوات الخسائر، تأتى فى مقدمتهم أوكرانيا وتزاحمها إيران على المركز الأول، فيما تأتى القضية الفلسطينية ثالثة، وتجاهد دول الاتحاد الأوروبى للهروب من قائمة الضحايا المتوقعين. لا أدرى موقع لبنان على خارطة الضحايا، وإن كنت أتمنى الوصول لوقف إطلاق نار على جبهتها قبل مغادرة بايدن للبيت الأبيض.
أما داخلياً فسيبقى السؤال معلقاً، إلى أى مدى سيكون انتقام «ترامب» من أعدائه والذين لقَّبهم بـ«أعداء الداخل»؟ وقد سربت وسائل إعلام قائمة بالأسماء والمؤسسات ممن اختلفوا مع ترامب وكانوا طرفاً ضده خلال السنوات الأربع الماضية.
وختاماً، فقد فاز «ترامب» بفعل المزاج اليمينى المهيمن على المجتمعات الغربية، وإن كانت أخطاء الحزب الديمقراطى الكبرى هى التى مهدت الطريق له لتحقيق فوز ساحق، زلات ولاية بايدن، والإصرار على بقائه مرشحاً للحزب وتأخر الدفع بـ«هاريس» لمنافسته، حتى اختيار «هاريس» كان فى حد ذاته خطأ مركباً. فاز «ترامب»، لأنه الخيار الأقل ضرراً، كما ذكرت فى مقالى السابق، ويمثل اختياره رسالة واضحة من الشعب الأمريكى للعالم، يجب فهم محتواها جيداً، كى تمر سنوات حكمه بسلام.