د. حسين عبدالبصير يكتب: «قربان لا تأكله النار».. تشظى الذات فى عالم الصحو واليقظة والتذكر
تاريخ النشر: 5th, July 2023 GMT
«قربان لا تأكله النار» للشاعرة والناقدة د. منال رضوان هو الديوان النثرى الثانى لها بعد تجربتها الأولى والمهمة ديوان «أنا عشتار»، الذى خاضت «رضوان» فيه غمار عالم الأسطورة. و«قربان لا تأكله النار» هو مجموعة شعرية فصحى متميزة، مكونة من عشرين نصًا شعريًا نثريًا فاتنًا.
أخبار متعلقة
القيم والمبادئ المفتقدة وأصحاب الحرف القديمة فى رواية «بلكونة نحاس» للكاتبة منال رضوان
صدور رواية «امرأة سوداء في باريس» للفلسطينية سناء أبو شرار
دعاء البطراوى تكتب: يتراجع الحب ولا يعود فى رواية «شمس أيوب»
وبعد الإهداء اللافت، وهو: «إلى روحين أعياهما الجسد؛ فغادرا إلى ألف حياة أهديكما هذا.
وهنا أتناول بعضًا من هذه المجموعة الشعرية النثرية البديعة.
القصيدة الأولى «عبق»: «للوقت رائحة.. للضوء المتثائب كل صباح.. الإطارات الفارغة لصور.. محنطة بملهى الذاكرة.. لها رائحة أيضًا».. إلى قولها: «على أجساد الستائر البالية... يمتلكون رهجًا غائمًا.. أعرفه جيدًا.. وحدها الأحجار شديدة التهذيب.. التى قَبَّلتك برفق.. امتلكت رائحة لم أعرفها أبدًا.. لكنها فقط.. بدت.. كأنا!».
القصيدة الثانية «المقعد الشاغر لى»: «فى المنتصف من مايو.. رأيتك جالسًا على حافة البحر.. بين تخوم الذاكرة وجبال الملح.. حاولت تأويل رؤياى الغائمة.. كفك التى اغترفت أوجاعى ذات صباح.. ما بالها تؤنس اغترابى الآن أكثر.. أسفار الجليد.. قضمات القوافى المعطوبة.. أوراق البردى المحنطة بخزانتى.. التى أضحكت أناملك العازفة..على شغاف قلبى.. واللاهية بميراث كآبتى.. حزمات القصائد التى اشترتنى.. وربما.. عيرتنى!!.
منال رضوان - صورة أرشيفية
لا أعرف!.. لم أعد أذكر.. من أوهام الأنثى غير أوراق.. انتبذت مكانها بحقيبتى.. استلت على أطراف أصابعها.. إلى فراشنا لتداعبك.. الخرس الشمعى.. استصرخه.. دفء السادس عشر من نوفمبر.. وجهك العصى على تأويل.. أضغاث أحلامى المستباحة.. رسالتى الخجول.. كل التفاصيل الغارقة.. لم أعد أذكر منها غير.. ابتسامتك إلى جوار البحر.. دغدغات الرمال للمقعد الشاغر.. هذا المرح الفردوسى.. خرمشات الملح على جسدى.. والتى بدت رائعة جدًا.. ذكرتنى.. أن أبتسم أنا أيضًا».
القصيدة الثالثة «دقات متناثرة»: «فى صحبة الناقوس.. أخوض لجة السطور الغارقة.. الأوراق اللينة.. تعج بمئات الزائرين.. رجفات الضوء تدغدغ حواف عالمى المخبوء.. للحظة.. وددت لو أعدت كرات الصوف إلى سيرتها.. لمَ ينسجون أحلام الدفء لأقدام مبتورة؟.. يطربون إلى صخب ارتطام الجسد العالق.. هناك.. سألتهم: ماذا عن مشهد جديد؟.. وهنا.. رأسى الذى لم يعد يحتمل البقاء».
القصيدة الرابعة: «قربان لا تأكله النار»: «قائمة الأشياء البغيضة.. لم أعد أطيق النظر إلى الكأس الفارغة.. مرآة لا تعكس غير صورتك.. شبح مدينتى القديمة بلا مطر.. ظلال الموتى يتحلقون حول مائدتى.. يغترفوننى كل مساء.. انتصار الرؤى الكاذبة.. مخافة تأويلها كل حين.. حصاد أمنيات لا تجىء.. قرابين سنواتى العجاف.. ثرثرة نسوة طاولة الأحد.. نظراتهن الذابلة إلى بقعات مرتجفة.. خشيتهن لعنة الطهر الأبدى!.. و.......... ما أكثر الأشياء التى بت أبغضها.. ألف باء خ ذ ل ا ن.. بدت كمشنقة مدلاة.. على حافة سطر أخير...».
غلاف الكتاب
فى هذه المجموعة من النصوص الشعرية النثرية، تتحاور الذات مع العالم فى إطار من الغوص فى فضاءات الحيرة والقلق والحزن، وفى عمق الذات هذا البوح الذى يشى بجمال الروح وذوبها فى عالم شديد التشظى. تشكل الذات الشاعرة هنا العالم بشكل مختلف؛ حيث تحاور الشاعرة العالم من خلال مفردات المكان مثل: البحر، والحضارة مثل: البردى، والقربان الذى لا تأكله النار، والعبق الذى يمنح للوقت رائحة خاصة، وللضوء المتثائب كل صباح، والإطارات الفارغة للصور المحنطة الموجودة بملهى الذاكرة ذات الرائحة المميزة.
فتحمل النصوص هذه المراوحة بين الماضى والحاضر؛ فنجدها تستهل نصوصها بأمنية سرعان ما تغادرها ككل الأشياء التى أصابتها بالخذلان؛ لم تعد الشاعرة تطيق النظر إلى الكأس الفارغة، ولا للمرآة التى لا تعكس غير الخيانة التى جسدتها فى صورة رجل، وشبح مدينتها القديمة التى صارت بلا مطر، بينما ظلال الموتى يتحلقون حول مائدتها، يغترفونها كل مساء، وانتصار هذه الرؤى الكاذبة مخافة تأويلها كل حين، حصاد أمنيات لا تجىء، وقرابين السنوات العجاف، أو ثرثرة نسوة طاولة الأحد، ونظراتهن الذابلة إلى بقعات مرتجفة، خشيتهن لعنة الطهر الأبدى!.
فالبوح الإنسانى لدى الشاعرة فى هذه القصيدة حملَ الأوجاع والمخاوف التى يمكن أن تداهم المرأة فى سنوات حياتها، منذ الخذلان الذى بدأ بـ (ألف باء) حتى حرف الـ (م) الذى شبهته «رضوان» بالمشنقة التى بدت مدلاة على حافة سطرها الأخير، والذى نتمنى ألا نصل إليه أبدا طوال مطالعتنا لهذه المجموعة الشعرية التى تحمل بصمة خاصة لشاعرة وناقدة وقاصة تتميز حروفها بصدق التجربة الإنسانية.
من الجدير بالذكر أن الدكتورة منال رضوان كاتبة وناقدة متميزة للغاية. وهى أيضًا عضو اتحاد كتاب مصر، وكذلك عضو نادى القصة، ومدير تحرير موقع أوبرا مصر الإخبارى، ولها مجموعة من الأعمال مثل «طقس اللذة».. وهى مجموعة قصصية متميزة للغاية، ورواية «بلكونة نحاس»، وصدرت فى طبعتين «أولى وثانية»، و«سنوات الجراد»، وهى مجموعة قصصية جميلة للغاية.
و«أضغاث صحوتى»، وهى نصوص سيرة ذاتية، و«أنا عشتار»، وهى مجموعة شعرية فصحى بديعة، و«رباعيات حب وبعاد». وهى مجموعة شعر عامية، فضلًا عن عدد من الإصدارات قيد النشر مثل «١٠٥ فاصل أغانى»، وهى نصوص فاتنة، و«بنت بحر»، وهى مجموعة شعر عامية مصرية، و«أضغاث صحوتى» الجزء الثانى، و«قراءات نقدية فى الرواية العربية الحديثة».
وشاركت «رضوان» بإبداعات أدبية وقراءات نقدية فى العديد من الصحف والمجلات والمواقع المصرية والعربية مثل: (الأهرام، والمصرى اليوم، وروز اليوسف، والأسبوع، والأهالى، والجمهورية، ودورية عالم الكتاب، والكواكب، ودورية نقد ٢١، وجريدة القاهرة، وجريدة الدستور، وصحيفة الرأى الأردنية، ومجلة الكلمة اللندنية، ومجلة الأهلية البحرينية، وصحيفة الأيام البحرينية.
ومجلة نقش الأردنية، وصحيفة أنباء إكسبريس المغربية). وأعدت العديد من الملفات عن شخصيات أدبية مصرية وعربية فارقة فى تاريخ الأدب العربى، مثل: الأديب العالمى نجيب محفوظ، والروائى السورى حيدر حيدر، والأديب يوسف السباعى، والأديب محمد عبدالحليم عبدالله، والأديب بهاء طاهر، والأديب يحيى الطاهر، والأديب الدكتور يوسف إدريس.
وتكتب «رضوان» بصفة دورية فى جريدة «عالم الثقافة» سلسلة حلقات بعنوان «أضغاث صحوتى»، كما شاركت بإبداعات ودراسات نقدية فى عدة مواقع إلكترونية، منها الموقع الرسمى للهيئة المصرية العامة للكتاب (المعرض)، وموقع ثقافات، وموقع آفاق حرة، وموقع العربى اليوم، وموقع بوابة مصر الآن، وموقع مصر ٢٤، والصراحة اللندنية.. واشتركت كمحكم فى لجنة تحكيم مسابقة محمد عبدالمنعم زهران فى دورتها الأولى، وتشارك كمحكم فى مسابقات القصة القصيرة والقصة القصيرة جدًا بمجلة القصة. وشاركت بإدارة ومناقشة العديد من الندوات واللقاءات الأدبية.
* مدير متحف الآثار بمكتبة الإسكندرية
ثقافة سور الأزبكية قربان لا تأكله النارالمصدر: المصري اليوم
كلمات دلالية: ثقافة
إقرأ أيضاً:
«الغيطانى» حكاء الماضى.. سردية الوجع الإنسانى
استلهم التراث وبرع فى الإسقاط صاحب الزينى بركات.. تجربة إبداعية فريدة الجمالية وعمله بالسجاد.. أدوات شكلت إبداعهالغيطانى ومحفوظ.. ثنائية أثقلتها القاهرة القديمة عمل محررًا عسكريًا وكتب عن أحداث الحرب
«كل شىء فى سفر دائم ولكل شىء زمان»
بضع كلمات ربما استطاع من خلالها أن يجسد مشوارا فريدا من الإبداع المختلف، زمن الأشياء، بما يمثله من ماض وحاضر، وجهان استطاع أن يمزج بينهما باحترافية أديب أريب، ذلك السفر الذى يتراوحان خلاله، الماضى والحاضر، بكل ما يحفلان من أحداث رأى بينها تشابها لا ينفك، فقارب بتمكن فيلسوف بين ماض سحيق قد تأنفه الذاكرة، وحاضر نحاول الهروب من ثقله، ليضعنا جميعا رغما عنا وبإرادتنا أمامه.
هذا هو الأديب والصحفى العظيم جمال الغيطانى، ولأنه أبن المدينة العتيقة المدججة بالتاريخ.. القاهرة المملوكية، فقد تفتح وعيه صغيرا على تاريخ طويل من حكايات قديمة تحكيها القصور والمشربيات والقباب والبوابات والمآذن، ماض أفاض عليه بأسئلة شتى، وفجر بداخله فيوضات إبداع لا تنتهى.
* لغة سردية متفردة
هكذا استطاع أن يوجد لنفسه لغة سردية مختلفة، تجمع بين الماضى والحاضر، وكأنها منحوتة من التاريخ وأحداثه، أو كأنها وثيقة تاريخية لا يمكن مضاهاتها، بكل ما يحمله التاريخ من صراعات ووقائع وآمال، حتى إذا ظننت نفسك قد أمسكت بمفاتيح سرده، وجدت نفسك غارقا فى عمق حاضرك وآلامك، فهو يأخذك بكليتك من قبضة حدث مغرق فى القدم ليلقيك عند قدمى حاضرك، لذا فإن حضور التاريخ لدى الغيطانى ليس حضورا شكلانيا أو استحضارا حرفيا، بل هو أداة للإشارة إلى وقائع حاضرة، متعلقة بحلم يكمن فى الذاكرة، إنها تلك السردية التى تقبض بعنفوانها على الزمان بأحداثه واختلافه والمكان بتجلياته وفيوضاته.
ولأنه وعلى طول ما يزيد على الخمسين عملا، استحضر الغيطانى خلالها الموروث الإنسانى فى كل طبقاته الحضارية، وأفاد منه فى تنويع آفاق تجربته فى الكتابة، فقد عدت تجربته الإبداعية من أكثر التجارب نضجًا فى عالم الأدب العربى.
* طبيب الوجع الإنسانى
أدرك الغيطانى أن الوجع الإنسانى لا يختلف من زمن لآخر، إنه التيمة الأكثر تواجدا بين العصور، لذا فقد نصب قلمه معبرا عن ذلك الوجع، خالقا تلك المسافة الجامعة بين الأزمنة مهما بعدت، ليصبح هناك جسر تعبر عليه آلام البشر جميعا عل التقاءها يخفف من وطأتها.
وبحنكة شاب صعيدى تشرب طفلا من شوارع القاهرة المملوكية، وامتهن صناعة السجاد فى بدء شبابه، فقد تمكن من مزج الأزمنة والأحداث التاريخية وإسقاطها على زمن مغاير لزمانها، تماما كما تفعل أنامله فى مزج خيوط السجاد وألوانه ونسجه، وكلها تصب فى هدف وحيد، إزالة تلك الآلام التى تنخر فينا، هكذا تجده يستحضر ماضى الدولة المملوكية ويسقطه على الحاضر الناصرى والساداتى.
فإن تنوع خبراته، ما بين النشأة فى حى شعبى أثرى، ودراسة فن السجاد بإيقاعه الشرقى، والعمل بالصحافة، وصداقته الكبيرة لنجيب محفوظ منذ كان فى الرابعة عشرة من عمره، كلها أهلته لأن يخلق لنفسه مشروعا إبداعيا مغايرا ومتفردا عن كل ما عداه.
«اكتشفت نفسى بنفسى، مش بس كأديب.. ومن تكوينى أدركت أنى ولدت لأكتب من عمر 7 سنوات».
* ملامح تتضح
مثلت مجموعة الغيطانى القصصية «أوراق شاب عاش منذ ألف عام» التى صدرت سنة 1969، ملامح مشروعه المتفرد بشكل واضح، واتضح أنها بداية لتيار جديد فى الكتابة، قد نضجت ملامحه مع رواية «الزينى بركات» سنة 1974، و«وقائع حارة الزعفرانى» 1976، و«خطط الغيطانى» 1980، و«إتحاف الزمان بحكاية جلبى السلطان - عام 1985».
تعد رواية الزينى بركات من الروايات البارزة فى الأدب العربى حيث عالجت ظاهرة القمع والخوف، وعرت أسبابها السرية المرعبة.
وانطلاقا من واقع ثقيل يستعيد الغيطانى تاريخ ابن إياس فى «بدائع الزهور»، مجسدًا شخصية سردية موازية لشخصية كبير البصاصين الشهاب الأعظم زكريا بن راضى ووالى الحسبة الزينى بركات فى العصر المملوكى الذى يفضح، خلال فصول الرواية، وسائله فى تعذيب الفلاحين والتجار ليحصل منهم على المال، بالإرغام والإكراه والإقرار بجرائم لم يرتكبوها، بل إنه كان يتلذذ بذلك أمام عينيه، فهو هنا يتناول فكرة السجن منطلقا من شخصية السجان فيما يشبه القراءة النفسية له، باعتباره أداة القهر من خلال شخصية والى الحسبة، الزينى بركات، والشهاب الأعظم زكريا بن راضى، مع حضور الإسقاط السياسى.
يتجلى أمامنا أيضا ذلك الإسقاط السياسى فى أعمال الغيطانى، ولكن على نحو فانتازى فى «هاتف المغيب»، كما لم تفارقه اللغة التراثية فى «دفاتر التدوين» السبعة التى جاءت أشبه بالشذرات والذكريات التى تفيض بالتأمل والسرد الروائى.
وفى «التجليات» مزج فى بردة صوفية بين الحضور الحلم لصورة الأب، وبين أب روحى آخر، تجسد فى شخصية الزعيم جمال عبدالناصر، يحاور الاثنين بلغة سردية ممزوجة بروح التاريخ والحاضر معًا، كما تنوعت هذه اللغة ما بين المشهدية الواقعية فى إيقاعها اليومى، ومحاولة استعادة روح الماضى والبطولة الإنسانية فى مجموعته القصصية «أرض.. أرض»، التى استفاد منها من تقاريره الصحافية التى كان يكتبها ويطالعها حين عمل مراسلاً حربيًا، وكذلك فى رواية الرفاعى، التى نسجها من كلمات للشهيد إبراهيم الرفاعى الذى استشهد وهو يقود جنوده فى حرب الاستنزاف.
* التجريب عند الغيطانى
تمثل رواية «وقائع حارة الزعفرانى» ذروة روح التجريب الفنى فى أعمال الغيطانى، من خلال حدث مروع هو (وباء الزعفرانى) الذى يهدد حياة سكان حارة شعبية فى مقتل، فكل سكان الحارة يفقدون قدرتهم الجنسية عدا شخص واحد غير معروف. وتنفتح الرواية على الحدث ببناء سردى شائق لا يدغدغ حواس القارئ، بحبكة تقليدية، وإنما عبر مسافة مركبة من البحث والتقصى، وإثارة الأسئلة، من خلال معاناة الشخوص، وفى علاقات وسياقات سردية مفعمة بالتجريب والتجديد.
يقول الغيطانى فى «وقائع حارة الزعفرانى»: «استفدت من تجربة ابن إياس اللغوية على الرغم أن الموضوع ليس تاريخيًا، كان ابن إياس يكتب أفظع الحوادث بالهدوء نفسه الذى يكتب به أبسط الحوادث، كان يوجد مسافة موضوعية بينه وبين الحدث، فى الزعفرانى كنت أعبر عن الأحداث بروح محايدة لأننى أحاول أن أستكشف الشخصى فى العام، والماضى فى الحاضر، والعكس أيضًا».
بروفايل:
ولد جمال الغيطانى فى صعيد مصر، فى مدينة جِهينة بسوهاج فى 9 مايو 1945، ثم انتقلت والدته بعدها إلى القاهرة بسبب عمل الوالد، لتجمع نشأته بين الأصول الجنوبية فى ظل حفاظ الأب والأم على لكنتهما، وبين الترعرع فى الجمالية قلب التاريخ.
كانت أسرته فقيرة، ولكنه يذكر كيف كانت والدته الصعيدية «ذاكرة حية متنقلة للحكم والأمثال والحكايات والثقافة الشفهية»، فكانت تستمع لحكاياته وهو ابن السابعة وتتفاعل مع تخيلاته عن النفق الذى اكتشفه فى الحارة ووجد به التماثيل وحديث أحدهم له، أما والده فكان رجلا عاملا لم يكمل تعليمه «لكن كلامه كان زى الشعر».
بعد أن أنهى الدراسة الإعدادية، التحق بمدرسة الفنون والصنائع بالعباسية، ودرس بها لثلاث سنوات صناعة السجاد، ثم امتهن تصميم السجاد الشرقى وعمل فى أحد مصانع خان الخليلى، ثم انتقل للعمل فى الجمعية التعاونية المصرية لصناع وفنانى خان الخليلى، وأشرف على عدد من مصانع السجاد الصغيرة فى القاهرة والمنيا.
* صداقته بمحفوظ وبدء الإبداع
وهو فى سن ١٤ عاما التقى نجيب محفوظ خلال تمشيته اليومية على كوبرى قصر النيل.
صار نجيب محفوظ أستاذا ومعلما، كما كان بوابته إلى الحياة الثقافية والمثقفين، جمعهما الأدب والصداقة، وعنه يقول «كان أبويا الروحى وسرى كان معاه.. علاقتنا استمرت حتى شهدت على لحظاته الأخيرة».
بدأ الكتابة فى عمر صغير، حين كان مراهقا، وأولى مظاهرها كانت فى القصة القصيرة، التى نشر منها بصورة متفرقة ما يفوق الـ 50 قصة قصيرة فى مصر وبيروت، فى البدايات واجه النشر صعوبة كبيرة، حتى استطاع عام 1969 نشر مجموعته القصصية «أوراق شاب منذ ألف عام» التى قرأها الكاتب والمفكر محمود أمين العالم، وطلب منه العمل محرر ثقافى فى جريدة «أخبار اليوم».
وعمل بعد عام 1974، بقسم التحقيقات الصحفية، ثم صار رئيسا لقسم الأدب فى جريدة أخبار اليوم عام 1985، وأسس جريدة «معرض 68» الأدبية، التى كانت تجمع كُتاب جيله، كما ساهم فى تأسيس جريدة «أخبار الأدب» عام 1993، وظل يرأس تحريرها حتى عام 2011.
* محرر عسكرى ومؤرخ للحرب
بعد هزيمة يونيو 1967، عمل محررا عسكريا على الجبهة حتى حرب أكتوبر 1973 مرورا بحرب الاستنزاف فغطى على مدار 6 سنوات تقريبا ظروف التدريبات، والعمليات العسكرية.
وكتب عن الحرب عدة كتب وروايات ودراسات، منها: «المصريون والحرب: من صدمة يونيو إلى يقظة أكتوبر»، ورواية «الرفاعى»، ورواية «حكايات الغريب» تلتى تحولت إلى فيلم بنفس الاسم عام 1992، ومجموعة قصصية بعنوان «أرض.. أرض»، كما كتب عن الجيوش العربية على جبهة سوريا، وخاصة الجيش العراقى، فى كتابه «حراس البوابة الشرقية».
* برامج وجوائز
قدم أكثر من برنامج تليفزيونى، كان أشهرها «تجليات مصرية»
الجوائز:
نال العديد منها، وكان آخرها جائزة النيل للآداب عام ٢٠١٥.
وتوفى جمال الغيطانى فى 2015.. رحم الله مبدعا أريبا متفردا، كان جزءا من كثير يستحقه أن يطلق اسمه على الدورة السادسة والثلاثين من مؤتمر أدباء مصر، والذى ينطلق يوم ٢٤ من هذا الشهر، فى المنيا،التى شهدت يوما عمله فى مصانعها، لتحتفى عروس الصعيد بابن من أبناء الصعيد، مبدعا وإنسانا.