على مدار أكثر من شهر منذ بدء “حرب الإبادة الهوجاء” التي يشنها جيش الاحتلال الإسرائيلي ليلا نهارا على سكان غزة، عجز المجتمع الدولي عن وقفها أو على الأقل فرض هدنة إنسانية من أجل استعادة القطاع المحاصر أنفاسه قليلا جراء القتل الوحشي والتدمير والتجويع ولا أحد يحرّك ساكنا.

فشل الجميع ومع كل جلسة لمجلس الأمن الدولي تخيّم خيبات الآمال بين أروقته بعد أن تنتهي بالفشل في اعتماد مشروع قرار لوقف إطلاق النار، لترتفع التّكلفة الإنسانية والمادية كل يوم مع تقديم غزة أكثر من 10500 شهيد وقرابة 26500 مصاب بالإضافة إلى تحويل “العدوان الغاشم” الوضع داخلها إلى “جحيم كارثي” بعد التدمير الممنهج لكلّ مرافق الحياة والعيش.

كما جرّب العالم حظّه بعقد قمة القاهرة للسلام، بيد أنها كانت – مع تأخرها وضعف التمثيل الغربي فيها – دون عنوان واضح لدعم الفلسطينيين في غزّة أو حمايتهم من آلة الحرب الإسرائيليّة، إنما برفع شعار فضفاض كالسّلام وبإصدار بيان كشف عن خيبة الأمل من انعدام التوافق لوقف العدوان.

وأمام كلّ هذه المواقف الغربية والدولية “المخزية” والحرب الإعلامية الممنهجة وتغطيتها المنحازة إلى إسرائيل بتغييب السياقات في نقل ما يجري بكل موضوعية في غزة، وكعادته، لا يكاد يُسمع للموقف العربي الرسمي صوت رادع ضدّ هذه المهزلة، حيث لم تكن سياسة النأي بالنفس مفاجئة ومستغربة خصوصا بعد صدور بيان الجامعة العربية خلال أعمال دورتها الأخيرة غير العادية – رغم عديد التحفظات – بتلك الصيغة التي تتمثل أهم مخرجاتها في إدانة حماس وإسرائيل وغياب تام لاعتبار الحصار إبادة جماعية وفق مقتضيات القانون الدولي الإنساني…

حريق مستعر في حقيقة الأمر، ورّطت الحرب الإسرائيلية على غزة الجميع إما بالدعم اللامحدود لتل أبيب أو بالصمت المطبق عن جرائمها وما بينهما تعكر المزاج الشعبي العالمي الثائر على “المنطق الانتحاري” لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي بات يدور في فلك ضغوط من كلّ حدب وصوب داخليا وخارجيا.

هذا المنحى الخطير الذي يأخذه العدوان الإسرائيلي على غزة، بات يدفع بقوة نحو إطفاء الحريق المستعر في الشرق الأوسط والذي طال لهيبه دول الخليج والمنطقة العربية ككل. وفي الوقت الذي ظهرت فيه بعض التغييرات في الخطاب الغربي وبالأخص الأمريكي بضرورة إنهاء الحرب في أسرع وقت من أجل تخفيف المعاناة على المدنيين والتشديد على رفض التهجير القسري للفلسطينيين ودعم حل الدولتين كما رود في تصريح وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن عقب اختتام اجتماع لوزراء خارجية مجموعة السبع في طوكيو، تتحرك بالتوازي، الدبلوماسية السعودية بكلّ ثقلها في المنطقة بعقد قمّتين عربية وإسلامية في محاولة لتوحيد الصفوف للضغط على الغرب وإسرائيل من أجل وقف “حرب الإبادة” في قطاع غزة.

اختبار كبير في الواقع سيكون الحراك الدبلوماسي العربي في العاصمة السعودية الرياض بطلب من فلسطين – رغم تأخره بالمفهوم العام – تحت اختبار كبير لإثبات أن الحرب على غزة أعادت تشكيل الوعي السياسي العربي من أجل محو تلك الصورة المهزوزة للأنظمة المختزلة في دائرة العجز عن رفع سقف الحقوق والمطالب بخصوص الصراع العربي – الإسرائيلي والقضية الفلسطينية بشكل عام.

فالقمة العربية الطارئة في الرياض بهذا المنطق يُنتظر منها أن تشكل مواقف قوية وموحدة مثل ما حصل في جلسة مجلس الأمن الدولي الأخيرة، خاصة من وزراء خارجية السعودية والأردن ومصر ووزير الخارجية الفلسطيني بتأكيد أن عملية “طوفان الأقصى” لا تبرر السلوك الذي انتهجته “إسرائيل”، ولا تبرر العقاب الجماعي للمدنيين.

وفي هذا الصدد يقف الموقف العربي أمام فرصة تاريخية في لحظة حرجة يعيش على وقعها الشعب الفلسطيني لإثبات جملة من المعطيات على الأرض بعيدا عن بيانات الشجب الهزيلة والشعارات الفضفاضة، فكل هذا الكلام لن يجدي نفعا مع إسرائيل، التي وصلت إلى حد تهديد أحد وزرائها بإلقاء قنبلة نووية على غزة:

– استفادة القادة العرب من السياق المتمثل في حالة الرفض الواسعة لجرائم الاحتلال للدعوة إلى صدور قرار من مجلس الأمن تحت البند السابع لوقف الحرب.

– الارتقاء بمخرجات القمة إلى مواقف عملية ملموسة في مستوى الشعبين الفلسطيني والعربي، ليس بإدانة العدوان على غزة، إنما بإضفاء الشرعية على المقاومة الفلسطينية التي شبّهها الإعلام الغربي بتنظيم داعش؛ تقطع رؤوس الأطفال وتقتل النساء دون رحمة. – مراعاة القمة العربية مجموعة من التشابكات الإقليمية والدولية مع هذه الحرب، لتتمكن من عبور مطباتها العديدة، وتوصيل رسالة إيجابية للحفاظ على ما تبقى من أمل في دولاب العمل القومي ممثلا في الجامعة العربية، والتي تعرضت لاتهامات عدة حول إصابتها بالشلل وعدم قدرتها على قيادة العمل المشترك.

– تغيير ذهنية الشعوب العربية التي لم تعد تثق في تقديم القمم شيئا منذ 75 سنة على خلفية أن القرارات لم تعد بيد السياسيين العرب ولا بيد السلطة الفلسطينية أيضا. – وقف قطار التطبيع واتخاذ إجراءات عقابية وسحب السفراء العرب من داخل الكيان الصهيوني وفرض قرارات عملية في الحلول الدائمة للشعب الفلسطيني بإنهاء الاحتلال ومنع مخطط التهجير القسري نحو مصر أو الأردن واسترجاع الحقوق المسلوبة للشعب الفلسطيني. – استثمار القمة الإسلامية التي تعقد بعد يوم من القمة العربية لإعطاء زخم كبير على مستوى المواقف من الحرب على غزة من أجل اتساع دائرة الجهد العربي إلى الجهد الإسلامي على خلفية أن الخطر واحد على كل الأطراف.

توازنات صعبة

صحيح أنّ ما هو مطلوب من الزعماء المجتمعين في القمتين العربية والإسلامية هو استخدام قدراتهم لوقف الإبادة الجماعية في غزة حتى لا تتحمّل وزر ما ينتجُ عنها دولة واحدة، وتصوير أنّ ما يجري ليس حربا على غزة فقط بل على العرب والمسلمين وبالتالي الذهاب في خيارات مقاطعة إسرائيل وأمريكا وإنهاء عمليات التطبيع ووقف المعاهدات.

وبالرغم من منطق ضرووة الضغط في هذا الاتجاه وموضوعية الإجراءات التي يمكن اتخاذها في هذا الصدد، إلا أن مشكلة العرب أنهم يتعاملون مع إسرائيل على اعتبارها دولة، وليست مشروعا استعماريا استيطانيا، كما أن لديهم شعورا تاريخيا بالعجز أمامها، وبعضهم لديه شعور تاريخي بالخوف، وهناك حالة تلكؤ وتحجج بأن هذه المعركة هي معركة حماس وليست معركة الشعب الفلسطيني.

وتبقى المعادلة الصعبة؛ كيف سيوفق القادة العرب والمسلمون بين عواطفهم مع الشعب الفلسطيني الذي يُنكَّل به كل يوم في غزة وبين علاقات ومصالح متزايدة مع إسرائيل، فصدور بيان عن قمتي الرياض العربية والإسلامية، عملية ليست صعبة، لأن الخطوط الإنسانية العريضة لا توجد خلافات كبيرة بشأنها، لكن سيظهر التباين في الطريقة التي يمكن مخاطبة إسرائيل بها لوقف الحرب وتحجيم تداعياتها. وهذا تحديدا، إذ يكمُن الهدف المحدّد من الحراك الدبلوماسي في الرياض، في وقف قتل المدنيين وفتح الباب لدخول المساعدات الإنسانية عبر معبر رفح، وليس لديه المجال لمناقشة قضايا مصيرية، أو حدوث مناوشات مع إسرائيل أو ضد حماس، أو مع المقاومة وضد السلطة الفلسطينية، فقد تجاوزت دول عربية عدة هذه السرديات منذ قيام السعودية بطرح مبادرتها للسلام عام 2002. خلاصة القول إن وقف الأزمة الإنسانية له أولوية، وهو الباب الذي يمكن الدخول منه إلى المجتمع الدولي لممارسة ضغوط على إسرائيل للتوصل إلى هدنة مقدمة لوقف الحرب، ولا يُنتظر من القمتين البحث عن انتصارات سياسية وهمية حول العودة إلى السلام وحل الدولتين، لأن الأجواء المشحونة لن تمكّن أحدا من الإنصات إلى ذلك بواقعية، إلا إذا كان الهدف تهيئة المسرح لما بعد حرب غزة.

 

محمد بشير ساسي

المصدر: مأرب برس

كلمات دلالية: مع إسرائیل على غزة من أجل

إقرأ أيضاً:

الوثائقي الفلسطيني من المسافة صفر يترشح لجائزة الأوسكار

أعلنت أكاديمية فنون وعلوم الصور المسئولة عن توزيع جوائز الأوسكار، القوائم القصيرة لترشيحات النسخة الـ ٩٧ قبل إعلان القوائم كاملة في يناير المقبل.

ينافس الوثائقي الفلسطيني "من المسافة صفر" ضمن قائمة أفضل فيلم دولي مع مجموعة من أفلام عالمية.

فى اطار احتفائة بالسينما الفلسطينية عرض مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، قائمة افلام "من المسافة صفر" ضمن فعاليات الدورة الـ 45 الماضية.

"من المسافة صفر" هو مجموعة من الأفلام القصيرة التي أطلقها المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي، استجابةً للأحداث التي تلت هجمات 7 أكتوبر 2023. يجمع المشروع 22 مخرجًا من غزة، مقدّمًا رؤية سينمائية عن الحياة اليومية وآمال وواقع السكان وهي:
 

خارج الاطار‌  | Out Of Frame

نداء أبو حسنة‌

وثائقى  | ٦:٥١ د

فنانة تشكيلية تعود إلى الأستوديو المدمر لإقامة معرض.
 

جنة الجحيم| ‌  Hell’s Haven

كريم س‍‍ت‍‍وم‌

دراما وثائقية |٤:٤٧ د

يستيقظ كريم مذعورًا ليجد نفسه ملفوفًا بكفنٍ أبيض.
 

سِحر |Charm

بشار البلبيسي

‌ روائي|٤:١٢ د

راقصة تبحث عن سبل للتواصل روحيًا مع أصدقائها بعد أن فرقتهم الحرب.
 

صحوة ‌|  Awakening

مهدي كريرة‌

تحريك|٤:٥٣ د

عقب عشر سنوات من فقدان الذاكرة، يستعيد أبٌ ذاكرته خلال تفجيرات الحرب.
 

جاد وناتالي‌ |Jad And Natalie

أوس البنا‌

وثائقي| ٣:١٣ د

يراقب أوس أحلامه بعد عودته إلى حيه المدمر.
 

لا‌  | No

‌‌ ‌‌هنا عليوة

وثائقي‌ |٧:٣١ د

رحلة البحث عن لحظة فرح وسط الدمار.

كل شيء على ما يرام  | All is Fine

‌‌نضال دامو‌

وثائقي‌ |٤:٢٩ د

كوميديا مستوحاة من صراعات البقاء اليومية فى محاولة  لمواساة النازحين.

تاكسي ونيسة‌ | Taxi Wanissa

‌‌اعتماد وشاح‌

دراما |٤:٤٨ د

ونيسة حمار ترفض ترك صاحبها وراءها بعد موته.

24‌ ساعة‌| 24 Hours

‌‌علاء دامو‌

وثائقي‌ |٦:٠٢ د

تهديدات الموت التي يتعرض لها مصعب على مدار 24 ساعة.

سليفي‌ | Selfie

‌‌ريم محمود‌

وثائقي‌ | ٧:٤٩ د

تُلقي امرأة في بحر غزة زجاجة تحتوي على ذكرياتها لتبقى حية.

خارج التغطية‌ | No Signal

‌ ‌‌محمد الشريف‌

روائى|٤:١٩ د

حالة من عدم اليقين تخيم على رجل يرفض قبول أن أخاه ربما يكون ميتًا.

جلد ناعم   Soft Skin |

‌‌خميس مشهراوي‌

تحريك| ٧:٥٤ د

ستة أطفال يرون الحرب بعيونهم من خلال فيلم رسوم متحركة.

فلاش باك | ‌Flashback

‌‌إسلام الزريعي‌

وثائقي‌ |٥:٢١ د

تستعين فرح، الفتاة ذات الخمسة عشر عامًا، بالرقص والموسيقى لمقاومة أصوات الحرب.
 

شظايا | Fragments

‌‌باسل المقوسي‌

فيديو آرت | ٣:٢٤ د

صور متلاحقة ترصد رحلة البحث عن الحياة في ظل الدمار.

قرابين‌ |  Offerings

‌‌مصطفى النبيه‌

روائي| ٤:٤٣ د

تستيقظ الروائية لتراقب الدمار والنزوح.
 

يوم دراسي‌ | ِA School Day

‌‌أحمد الدنف‌

دراما‌ | 3.09 د

يستعد زياد، للذهاب إلى المدرسة، لكنه ينتهي به الأمر جالسًا أمام ضريح معلمه.

فرح ومريم‌ | Farah And Myriam

‌‌وسام موسى | ٥:٤٣ د

‌ وثائقي‌

تواجه فرح، التي تبلغ من العمر عشرة أعوام، الحياة بعد فقد صديقتها مريم.

حمولة زائدة‌ |  Overload

‌‌آلاء أيوب‌

تجريبي‌ |٣:٥٢ د

تتخيل آلاء نفسها سجينة في أحد الروايات أثناء النزوح.

الأستاذ| ‌ The Teacher

‌‌تامر نجم‌

وثائقي‌|٥:١٥ د

رحلة يعيشها أستاذ نازح في الخمسينيات من عمره، محاولًا تلبية احتياجاته اليومية.
 

  إعادة تدوير‌ | Recycling

‌‌رباب خميس‌

وثائقي‌ | ٣:١٥ د

أسرة تحاول النجاة على سطح مبنى قديم في ظل شح المياه.

صدى‌ | Echo

‌‌مصطفى ك‍‍لاب ‌

وثائقي  |٢:٣٢ د

ليلة طويلة مظلمة على بحر غزة. أصوات القنابل وسيارات الإسعاف وصرخات الاستغاثة.

عذرا سينما‌ Sorry Cinema  |

‌‌أحمد حسونة‌

وثائقي‌ | ٦:٥٦ د

مخرج يعتذر للسينما بعد أن تغيرت أولوياته في تلك اللحظة الفارقة.

مقالات مشابهة

  • تفاؤل حذر وترقب لوقف الحرب في غزة
  • اقرأ بالوفد.. جهود مصرية - قطرية لوقف الإبادة الصهيونية في غزة
  • الوثائقي الفلسطيني من المسافة صفر يترشح لجائزة الأوسكار
  • الهباش: الشعب الفلسطيني ضحية بين مطرقة الاحتلال وسندان حماس
  • مقتل الفلسطيني خالد نبهان.. الجد الذي أبكى العالم أثناء وداع حفيدته "روح الروح"
  • هكذا انهارت بروباغندا إسرائيل إلى الأبد
  • مراسلة الجزيرة بموسكو تكشف عن الفندق الذي نزل به الأسد والأموال التي بحوزته
  • الدفاع المدني الفلسطيني: أكثر من 40 شهيدا في مجزرة للاحتلال داخل مدرسة خليل عويضة بغزة
  • فلسطين تناشد المجتمع الدولي لوقف إجراءات التهجير والضم في الضفة الغربية
  • الخارجية الفلسطينية: نجدد مطالبتنا بضغط دولي عاجل لوقف إجراءات الضم في الضفة