كيف عزلت الحرب على غزة بلدان المنطقة عن الغرب؟
تاريخ النشر: 9th, November 2023 GMT
نشرت صحيفة "لوموند" الفرنسية تقريرا تحدثت فيه عن ابتعاد البلدان في الشرق الأوسط عن الغرب بسبب الحرب في قطاع غزة، مع تزايد الانتقادات ضد القادة ووسائل الإعلام الأميركية والأوروبية المتهمة بـ "تجريد الفلسطينيين من إنسانيتهم".
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إنه في قاعة أحد مباني الجامعة الأميركية في بيروت، يجلس أحد الطلاب على البيانو مرددا صدى نغمات "موطني"، وهو النشيد العربي والأغنية الحاشدة للفلسطينيين.
وبينت الصحيفة أن رابطة أساتذة الجامعات نشرت بيانا شديد اللهجة في 13 تشرين الأول/أكتوبر مشيرة فيه إلى أن إدانات "الفظائع التي ترتكبها إسرائيل في غزة دون عقاب" تقترن بانتقادات إعلامية ومواقف سياسية للدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، في مواجهة الحرب، بتهمة "التشويه الصارخ للتاريخ" و"تجريد الفلسطينيين من إنسانيتهم".
ونقلت الصحيفة عن سومة البالغة من العمر 21 سنة وهي طالبة في الجامعة الأميركية في بيروت خلال مظاهرة في 18 تشرين الأول/أكتوبر، وسط بيروت: "لا أستطيع أن أتحمل تدمير الفلسطينيين وإسكات أصواتهم وتقديمهم كإرهابيين. في مواجهة المعلومات المضللة، من واجبنا أيها العرب أن نتحدث علنا".
هذه ليست المرة الأولى التي تكشف فيها المواجهة بين الإسرائيليين والفلسطينيين عن فجوة بين الغرب والشرق الأوسط العربي، الذي شهد بدوره عدة دورات من الصراع، من خلال الحرب أو وصول اللاجئين الذين طردوا من أراضيهم منذ قيام إسرائيل في سنة 1948. ولكن هذه المرة الفجوة آخذة في الاتساع.
وأشارت الصحيفة إلى أن كل ما يأتي من الغرب تقريبا أصبح موضع شك، بدءا من الدعم أحادي الجانب للكيان الصهيوني الذي عبر عنه الرئيس الأمريكي جو بايدن والعديد من القادة الأوروبيين الذين زاروا إسرائيل، في إطار موجة الصدمة التي سببها هجوم حماس الدموي في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الذي أدى إلى مقتل أكثر من 1400 شخص في إسرائيل، بينما احتجزت الحركة الإسلامية 240 شخصا كرهائن.
"لقد فجر الأوروبيون نظام القيم الخاص بهم"
أثار الغرب الجدل بشأن التردد وعدم الجرأة على الدعوة إلى وقف إطلاق النار عندما قُتل أكثر من 10 آلاف شخص في غزة، وذلك وفقا لأرقام وزارة الصحة في الأراضي التي تديرها حماس، وكذلك أوجه التشابه بين الجماعة الفلسطينية وتنظيم الدولة أو الإرهاب العالمي، أو حتى ردود الفعل على التظاهرات والخطابات المؤيدة للفلسطينيين.
وأضافت الصحيفة أن هناك الكثير من العلامات التي تحرّض على التمرد في منطقة تشعر بأنها متهمة بكل الشرور لأكثر من عشرين سنة: مرتبطة بالإرهاب منذ أيلول/سبتمبر 2001، وتعاني بشدة من الدمج بين الإسلام والتطرف، وهي محرومة من التعبير أو رهينة للصور النمطية عندما تتمكن من التعبير عن نفسها.
يقول معين خوري، وهو مستشار أردني من أصل فلسطيني، إنه "منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر، تحطم الخطاب الأوروبي حول القانون الدولي وحقوق الإنسان وحرية التعبير والإعلام. ينفق الاتحاد الأوروبي الكثير من الأموال على برامج للصحفيين في الشرق الأوسط، باسم الحرية. رأينا هذه الدول ترتعد من لبس الكوفية الفلسطينية. لقد فجر الأوروبيون أنفسهم نظام القيم الخاص بهم".
وأضاف خوري أنه: "كان من المتوقع أن يعبر القادة الأوروبيون عن تعاطفهم مع إسرائيل. لكن ألم يكن لهم أي ايماءات تجاه الشعوب العربية؟ أليس لديهم من يقدم لهم نصائح بشأن صورتهم؟ إن ما رأيناه وسمعناه يتماشى مع كلمات جوزيب بوريل، عندما أعلن [في سنة 2022] أن أوروبا "حديقة" و"معظم بقية العالم "غابة". وكان رئيس الدبلوماسية الأوروبية قد اعتذر عن كلامه في ذلك الوقت، دون أن يقنع المنطقة بأنه لا يعكس شعورا بالتفوق أو العنصرية.
"سنتقدم للأمام في حقل ألغام"
في عالم شديد الترابط، يُنظَر إلى الاستجواب المنهجي للضيوف العرب في مختلف وسائل الإعلام الغربية لإدانة هجمات حماس على أنه "معايير مزدوجة" أخرى. ومن دون انتظار وسائل الإعلام، وصف المثقفون العرب والمسلمون ما فعلته حماس بالفظيع. ولكن النقاش الحالي خطير: فهو يقول ضمنا أننا لابد أن ندين حماس حتى تتمتع بالحق في الكلام. علاوة على ذلك، لا يجوز وضع الأمر في سياقه؛ ودون فهم مصدر هذه الفظائع، لن يتم حل أي شيء. يقول خالد منصور، الكاتب المصري الذي يعيش في الأردن: "هذا يعني "أدينوا حماس، واخرجوا من الاستوديو".
من جهته، يقول مصدر دبلوماسي غربي: "إن رفض الدول الأوروبية توضيح السياق يزيد من شعور المجتمعات في مصر والأردن ولبنان بعدم سماع صوتها". ويخشى كثيرون أن يؤدي العنف ــ تماما مثل أعمال معاداة السامية المسجلة في أوروبا ــ إلى توسيع الفجوة بشكل أكبر، نحو أفق مميت.
حسب المعارضة السورية رولا الركبي البالغة من العمر 67 سنة المنفية في لبنان، فإنه بين الغرب والشرق الأوسط "هناك ما قبل السابع من تشرين الأول/ أكتوبر وما بعده. العالم لن يبقى كما كان بعد الآن". وفي هذه العلاقة هناك المزيد من القسوة. وهي تعتقد أن "العالم الذي يدعي أنه ديمقراطي لم يعد كذلك. إنها صدمة. كنا نطمح إلى أن تكون أوروبا نموذجا للديمقراطية: فقد رأينا حظرا على المظاهرات المؤيدة للفلسطينيين، وحرمان الناس من أصواتهم... ونرى أوروبا صامتة في وجه المجازر التي ترتكب ضد المدنيين في غزة".
"أم المعارك"
في قلب هذا "التنافر" القديم تكمن القضية الفلسطينية، التي عادت إلى الظهور على الساحة الدولية بعد هجوم حماس. وتتابع رولا الركبي: "هنا، لم ننساها أبدا. لم يفهم الغربيون هذا: إن الظلم الكبير الذي تعرض له الفلسطينيون في سنة 1948 راسخ في ذاكرتنا، ووجودنا، بالنسبة لنا، نحن سكان هذا الجزء من العالم. لقد شكلنا الصراع الإسرائيلي الفلسطيني كمواطنين".
تجدر الإشارة إلى أن هذه الناشطة المنخرطة في المجتمع المدني اضطرت إلى مغادرة دمشق في سنة 2016، وعاشت صراعات سنتي 1967 و1973. وفقا لها "القضية الفلسطينية هي أم المعارك. ودون منح الحقوق للفلسطينيين، لن يكون هناك استقرار في هذه المنطقة من العالم. ستكون هناك دائما مشاكل وثورات. وأضافت أن "جذور كل أعمال العنف التي شهدناها منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر تكمن في رفض الاعتراف بحق الفلسطينيين في الوجود... إن القضية الفلسطينية وإدانة الاحتلال هي قضية إنسانية وأخلاقية".
"كان للفلسطينيين أرض ومنزل"
في الجامعة الأميركية في بيروت، تشارك فاطمة شرف الدين، أمينة المكتبة والأرشيف، نفس التجربة مثل الكثير من اللبنانيين: "لقد عشت مع القضية الفلسطينية منذ طفولتي. لقد عشت الغزو الإسرائيلي الكبير للبنان سنة 1982. وكان بعض أساتذتي فلسطينيين. عندما كنت طفلة في مدينة صور، في الجنوب، كنت أتساءل دائما لماذا يعيش اللاجئون الفلسطينيون هناك ويعيشون في فقر". لكن في أعقاب سنة 1948، تم دمج الفلسطينيين الأثرياء الذين وصلوا إلى لبنان. تم وضع أولئك الذين جاءوا من خلفيات ريفية فقيرة في معسكرات تحولت إلى أحياء فقيرة.
شاركت فاطمة شرف الدين في جمع شهادات الفلسطينيين الذين عانوا من نكبة سنة 1948، والتي تم جمعها في قاعدة بيانات رقمية كبيرة للجامعة الأميركية في بيروت. "تخبرنا هذه القصص أن الفلسطينيين كان لديهم أرض، ومنزل، وكان عليهم التخلي عنه، وأن المجتمع الفلسطيني كان متقدما جدا، وتقدميا للغاية". قصة أسرع الغرب من خلالها في تسليط الضوء على التمييز الذي يعاني منه اللاجئون في مختلف الدول العربية، وقد أخفاها منذ عقود.
أشارت الأكاديمية إلى أن هذه الأرشيفات أثارت اهتماما متزايدا، بما في ذلك في أوروبا والولايات المتحدة، منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر لكنها أيضا ترى بفزع أن "هناك زملاء في الغرب، حساسين لمحنة الفلسطينيين، يفرضون رقابة على أنفسهم على الإنترنت، خوفا من العقوبات، ومن فقدان وظائفهم". وتؤكد قائلة: "اليوم، أشعر بحرية أكبر في لبنان أكثر مما كنت عليه في الولايات المتحدة".
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة مقابلات سياسة دولية سياسة دولية الشرق الأوسط الغرب غزة الشرق الأوسط غزة الغرب لوموند عزلة سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة السابع من تشرین الأول الأمیرکیة فی بیروت القضیة الفلسطینیة فی سنة إلى أن
إقرأ أيضاً:
هل تجاوزت حماس تغييب بعض قياداتها في غزة؟
غزة- شهدت الحرب الإسرائيلية على غزة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 إعلان جيش الاحتلال اغتياله ما يقارب نصف أعضاء المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) في القطاع، على وقع وعيد وتهديدات قادة الاحتلال الإسرائيلي بجعل قادة الحركة يدفعون الثمن، فهل نجحت إسرائيل في تحقيق أهدافها، أم أن حماس تمكنت من تجاوز تغييب بعض قيادتها؟
وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو هدد -خلال مؤتمر صحفي عقده مع وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن خلال زيارته لإسرائيل بعد أيام من بدء الحرب- بـ"القضاء على حماس" وجعل من ذلك أحد أهداف الحرب.
وفي مارس/آذار 2021 أعلنت حركة حماس نتائج انتخاباتها الداخلية في قطاع غزة، واختيار رئيس وأعضاء مكتبها السياسي، وذلك بناء على نظامها الداخلي الذي ينص على إجراء الانتخابات الحركية كل 4 أعوام. وضم المكتب السياسي لحركة حماس 17 عضوا، أضيف لهم عضوان آخران لاحقا، وترأس المكتب يحيى السنوار.
إسرائيل اغتالت زكريا أبو معمر رئيس دائرة العلاقات الوطنية في حماس بعد يومين من بدء الحرب (الجزيرة) سلسلة اغتيالاتومع بدء شرارة الحرب الإسرائيلية على غزة، بدأ جيش الاحتلال بتنفيذ التهديدات باغتيال القيادة السياسية لحركة حماس، وتمكن بعد 3 أيام فقط من اغتيال عضوين من المكتب السياسي في استهداف واحد، حيث نعت حركة حماس في العاشر من أكتوبر/تشرين الأول 2023 كلا من زكريا أبو معمر الذي يرأس دائرة العلاقات الوطنية فيها، وجواد أبو شمالة الذي يتولى الدائرة الاقتصادية.
وفي 19 أكتوبر/تشرين الأول 2023 اغتالت، جميلة الشنطي أول سيدة تشغل عضوية المكتب السياسي في حركة حماس، وكانت تشرف على ملفي الجامعات والقرآن الكريم.
وفي 21 أكتوبر/تشرين الأول 2023 أعلنت حماس استشهاد رئيس مجلس الشورى في قطاع غزة أسامة المزيني، إثر العدوان الإسرائيلي.
إعلانومنذ ذلك الحين، توقفت حركة حماس عن الإعلان عن استشهاد أي من أعضاء مكتبها السياسي، رغم إعلان الجيش الإسرائيلي عن اغتيالات جديدة، والتزمت الصمت دون النفي أو التأكيد.
ففي 17 نوفمبر/تشرين الثاني 2023 أعلن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي دانيال هاغاري أنه استهدف في غارة جوية نفقا كان يختبئ فيه أعضاء كبار في المكتب السياسي لحركة حماس من بينهم روحي مشتهى وعصام الدعاليس وسامح السراج.
وفي 26 مارس/آذار 2024 أعلن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي اغتيال عضو المكتب السياسي لحركة حماس والقيادي في كتائب القسام مروان عيسى، وقال "إن عملية استهداف القيادي عيسى وقعت قبل أسبوعين في مخيم النصيرات".
وفي 18 أكتوبر/تشرين الأول 2024 أعلن القيادي في حركة حماس خليل الحية عن استشهاد رئيس المكتب السياسي للحركة يحيى السنوار بعدما ظهر مشتبكا مع قوات الاحتلال في مدينة رفح جنوبي قطاع غزة.
وكان رئيس حركة حماس إسماعيل هنية قد تعرض للاغتيال في 31 يوليو/تموز 2024، بينما كان في العاصمة الإيرانية طهران لحضور مراسم تنصيب الرئيس الجديد مسعود بزشكيان، في عملية اتهمت حماس بها إسرائيل.
سد الفراغوقال قيادي في حركة حماس بغزة إن استهداف القيادات السياسية والعسكرية في معركة طوفان الأقصى "غير مسبوق" في تاريخ النضال الفلسطيني، لكن حماس بحكم قيادتها لمشروع التحرر الوطني الفلسطيني تعرضت لموجات ممتدة من الاستهداف المباشر للقيادة السياسية منذ عقود، وهو ما جعلها تضع قضية استهداف صفوفها القيادية الأولى ضمن ترتيباتها الإدارية واللوائح الناظمة للعمل بحيث يتم التعويض المباشر لأي غياب للقيادات سواء السياسية أو العسكرية.
وأكد القيادي، في حديث للجزيرة نت، مفضلا عدم ذكر اسمه بسبب الظروف الأمنية الراهنة، أن "واقع معركة طوفان الأقصى والاستهداف الواسع للمستويات القيادية وضع حماس أمام تحد لتعويض التغييب السياسي لعدد منهم، وأي متابع يدرك أن الحركة استطاعت تعويض جميع المناصب السياسية والميدانية التي تم استهداف مسؤوليها".
إعلانودلل القيادي في حماس على ذلك بأن حركته تواصل الإمساك بزمام المعركة الميدانية والسياسية ولم تتأثر عملية المفاوضات غير المباشرة مع إسرائيل، وأضاف "ظروف الحرب الضاغطة وضعت ترتيبات جديدة لجميع الملفات بما يتناسب مع المرحلة عبر بناء إداري ديناميكي يتيح الانتقال بالمناصب والمهام بشكل سريع".
وشدد القيادي في حماس على أن هناك "تواصلا مستمرا بين القيادة السياسية في غزة وخارجها خاصة في إدارة عملية التفاوض، وهذا ما تحدث عنه الوسطاء والاحتلال أكثر من مرة عندما قالوا إن القيادة في غزة حاضرة بقرارها".
وأكد أنه رغم الاغتيالات والملاحقة، فإن حركة حماس اتخذت جملة إجراءات لضمان استمرار عملها السياسي والتفاوضي بتوافق كامل بين قيادتها في الداخل والخارج.
وتابع "حماس ستفاجئ الجميع بقدرتها على البقاء والاستمرار، وستظل العمود الفقري لمشروع التحرر الفلسطيني، وباعتراف الجميع، لا يمكن القضاء على حماس أو إقصاء نهجها وفكرتها بأي شكل لأنها تعبر عن تطلعات الشعب الفلسطيني بالحرية والاستقلال".
يشار إلى أن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي دانيال هاغاري قال في مقابلة له مع القناة 13 الإسرائيلية في 19 يونيو/حزيران الماضي "إن الحديث عن القضاء على حماس ذر للرماد في عيون الشارع الإسرائيلي"، مضيفا "ما دام المستوى السياسي لا يطرح بديلا لحماس فإنها باقية، لأن حماس فكرة، ومن يظن أنه من الممكن أن تختفي فهو مخطئ".
الاستفادة من التجاربويرى الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني، وسام عفيفة، أن حركة حماس تعرضت منذ تأسيسها عام 1987 إلى ضربات قاسية سواء بالاعتقال أو الإبعاد أو الاغتيال، كان أولها بعد عامين من انطلاقتها عندما تعرضت كل القيادة السياسية ومختلف أذرعها لحملة اعتقالات واسعة من قبل الجيش الإسرائيلي.
وقال عفيفة، في حديث للجزيرة نت "يبدو أن التجربة الأولى كانت اختبارا حقيقيا لحماس واستطاعت تعويض الغياب القسري لقيادتها من خلال مستويات أخرى وملء الفراغات من الصفوف الخلفية للحركة، بحكم طبيعتها التنظيمية التي تعتمد بشكل كبير على البناء الهرمي وتهيئة الأفراد للتقدم في المستوى القيادي".
إعلانوأوضح أن الأمر تكرر مع حركة حماس في الانتفاضة الفلسطينية الثانية مطلع عام 2000 عندما اغتالت قوات الاحتلال كل قيادات المستوى الأول منهم الشيخ أحمد ياسين وعبد العزيز الرنتيسي وإبراهيم المقادمة وإسماعيل أبو شنب وغيرهم، ورغم ذلك تجاوزت حماس كل العقبات في فترة وجيزة عبر إعادة ترميم نفسها واستكمال مسيرتها.
واعتبر عفيفة أن تغييب القيادة السياسية لحماس في معركة طوفان الأقصى وعلى رأسهم يحيى السنوار يجب النظر إليه بعدة اعتبارات، أولها أن وجود عدد لا بأس به من أعضاء المكتب السياسي لحماس بغزة، خارج القطاع قبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 يبدو قد يكون ضمن مخططات القيادة السياسية، لأنها هي التي تتابع حاليا الشأن السياسي وملف المفاوضات.
ولفت المحلل السياسي إلى أنه بناء على المعطيات السابقة يمكن القول إن الثقل بالقرار السياسي أصبح خلال الحرب بشكل إجباري خارج قطاع غزة، وهو ما يعطي مؤشرا مبدئيا على طريقة إدارة المشهد السياسي خلال الفترة المقبلة للتأقلم والتعاطي مع المستجدات التي فرضتها الحرب على القيادة السياسية لأكثر من 14 شهرا، مع تقديره أن حماس تدار حاليا بطريقة إدارة الأزمة.
مواصلة العملوفي السياق نفسه، يعتقد الكاتب والمحلل السياسي، إياد القرا، أن الاستهدافات والاغتيالات الإسرائيلية تاريخيا لا تؤثر على الفصائل الفلسطينية، وأن حركة حماس استفادت من سياسة الإقصاء وتأقلمت مع العمل تحت المطاردة والاغتيال والاعتقال عبر إيجاد قيادات بديلة بمستويات متعددة لشغل أي تغييب لقيادتها وعناصرها.
وقال القرا إن حماس تمكنت من تجاوز أزمات سابقة عبر العودة للعمل بسرية وكتمان دون الإعلان عن أسماء قيادة بعض الملفات، مضيفا أن مواصلة عملها في غزة على كل المستويات بما فيها العسكري والتفاوضي يشير إلى أنها تجاوزت أزمة الاغتيالات.
إعلانواستشهد القرا بأن حماس تتمسك بمطالبها بوقف إطلاق النار، وبالتالي دحضت رواية الاحتلال بأن اغتيال السنوار وتغييبه عن قيادة حماس قد يدفعها لخفض سقف مطالبها، لكنها بقيت تتعامل بنفس الزخم والآليات والمطالب.
وأشار إلى أن حركة حماس لا تعتمد على أشخاص بعينهم رغم أهميتهم بقدر اعتمادها على البنية التنظيمية والمؤسساتية في مختلف المجالات، وهذا ما مكنها من الاحتفاظ بعشرات الجنود الإسرائيليين الأسرى لديها منذ 15 شهرا رغم الاستهداف الكبير لقيادتها العسكرية والميدانية، وهو ما ينطبق على القطاعات الاجتماعية والإغاثية، والحكومية التي تواصل عملها رغم الاستهداف والتضييق.
ويستبعد القرا إمكانية انتقال العبء القيادي من داخل غزة لخارجها نظرا لخصوصية قطاع غزة وتمثيله ثقل حماس سواء من خلال عدد المنتمين للتنظيم أو القوة السياسية والعسكرية والحكومية.
ورغم ذلك، فإن هذا لا يمنع بروز دور لحماس في الخارج فيما يتعلق بملف الطوارئ والعمل الإغاثي والتواصل الخارجي والتشبيك، بحسب المحلل السياسي، مع الإشارة إلى أن البنية التنظيمية لحركة حماس لا تقوم على إقليم أو شخص، وهناك قيادة تجمع الأقاليم الثلاثة التي تضم قطاع غزة والضفة المحتلة والخارج إضافة إلى السجون.