البوابة نيوز:
2025-01-05@07:21:26 GMT

لا توجد عين بريئة

تاريخ النشر: 9th, November 2023 GMT

لا توجد عين بريئة، لأن العين تأتي إلى عملها محملة بتاريخها القديم، وتهمس بماضيها وحاضرها الخاص وبالتلميحات القديمة والجديدة، فهي لا تعمل بمفردها بوصفها أداة ذاتية، ولكنها تعمل بوصفها جزءًا فعالًا في كائن حي مركب ومتقلب الأطوار، ليس فقط في كيفية الرؤية، فعمل العين لا يقتصر على مجرد الرؤية، وإنما هي تنظم ما تراه وفقًا للحاجة والميل، وتنفي وترفض وتصنف وتحلل وتركب، والعين في أغلب الأحيان ليست كالمرآة كما تأخذ تعطي، أو كما تستقبل تعكس، إن ما تأخذه لا ترسله ولا تعطيه كما هو، وكأنها مادة خام بدون خواص، لا شيء يُرَى كما هو مجردًا أو خاليًا.


نحن عندما نرى شيئًا في الواقع إنما نراه مصبوغًا بخبراتنا وآمالنا ومخاوفنا، نحن نرى العالَم لا كما هو في الواقع؛ بل نراه من خلال أفكارنا ومعتقداتنا؛ التي تلقيناها حين كنا أطفالًا لا نملك القدرة على الفحص والتمحيص، ولقد ترسخت تلك الأفكار والمعتقدات في عقولنا ووجداننا حتى أصبحت تصبغ رؤيتنا للأشياء والأشخاص، والأخطر هو أننا نتوهم أن رؤيتنا موضوعية تعبر عن الحقيقة بوضوح وجلاء وأن رؤية غيرنا المخالفة لنا هي الباطل بعينه. وتبدأ المآسي البشرية حين يحاول كل صاحب رؤية فرض رؤيته على غيره بالقوة. 
العين ليست آلة صماء كالكاميرا تُصَوِّر الواقع كما هو، وتنقله بحذافيره إلى المخ، بل إنها مصبوغة بلون معين؛ لون بيئتها (أي بيئة صاحبها، ومعتقده الديني، وتربيته، ومستواه الثقافى، ودرجة تعلمه، وطبقته الاجتماعية...إلخ). ووفقًا لهذا اللون الذي يصبغ أعيننا؛ وكأن البشر يرتدون نظارات ملونة، فهناك من يرتدي نظارات ذات زجاج أزرق اللون، وآخرون يرتدون نظارات حمراء أو خضراء أو صفراء. إن كل واحد منا يرى العالَم مصبوغًا باللون الأحمر إذا كانت نظارته حمراء، ويراه أزرق اللون إذا كانت نظارته زرقاء... إلخ.  نرى أشياءً دون أشياء، رغم تجاور هذه وتلك أمام ناظرينا!! إننا لا نرى كل ما هو ماثل أمام أعيننا، بل نرى ما نرغب في رؤيته فحسب. بعبارة أكثر دقة يمكننا القول: إننا لا نرى ما هو ماثل أمام أعيننا، وإنما نرى ما هو كامن وراءها، أي نرى الواقع كما تصوره لنا الأفكار التي تم غرسها داخل رؤوسنا وتم حشوها بها. 
إننا لا ندرك كل شيء حولنا، إننا ننتقي ما نريد إدراكه، ونترك ما عداه حتى وإن كان ماثلًا أمام أعيننا، وقد يبدو هذا القول غريبًا أو محيرًا للوهلة الأولى، ولكن الواقع المعيش والتجارب التي أجريت أثبتت صحة ذلك؛ إن السحرة وبعض الساسة ورجال الدين المخادعين يسلكون على نحو يجعل تركيز الناس ينصب على أشياء تثير الاهتمام لتحويل أنظارهم عما لا يريدون منهم أن يروه. يفسر علماء الأعصاب أسباب هذه الظاهرة إلى القدرة المحدودة للدماغ على تذكر الصور المعقدة بتفاصيلها المختلفة، إذ إن الفرد يعطي الأولوية فيما يشاهد لما يعتقد أنه مهم وحقيقي، ويغفل تمامًا عما هو ماثل في الواقع أمام عينيه. 
لقد قام عالمان من جامعة هارفارد، وهما «دان سايمانز» و«كريس» بتجربة علمية توضح كيف أن عمل الدماغ يختلف قليلًا عما تراه العين في الحقيقة، وهي تجربة طريفة. فطلبا من شابين القيام بتجربة على عدد من المتطوعين الذين شاركوا دون علمهم بطبيعة التجربة - تم الكشف عنها لهم لاحقًا - وأثناء تعبئة المتطوعين لنموذج يقوم أحد الشابين بالانحناء تحت الطاولة ليقوم صاحبه الذي كان مختبئًا بالوقوف، وهكذا بالتناوب. وأسفرت نتيجة هذه التجربة عن أن ٧٥٪ من المتطوعين لم يلحظوا أن الشاب الآخر ليس هو نفسه الشاب الأول، أي أن أعين المشاهدين لم تلحظ الفرق الكبير في الأشياء التي أمامها، وهو ما فسره العالمان على أن العين لا ترى كل ما هو ماثل أمامها؛ لأن تركيز كل متطوع كان منصبًا على النموذج المراد تعبئته، لا على الشابين، وما إذا كانا هما شخصًا واحدًا أم شخصين. كانت دهشة المتطوعين كبيرة حين اكتشفوا أن من استقبلهم عند قدومهم شابان وليس واحدًا، وأنهم لم يلحظوا هذا الفرق الكبير بين الشابين الأول والثاني!
بقي أن نقول إنه لا بد أن نعرف أن دائرة إدراكنا محدودة، وهذا يصل بنا إلى نتيجة بالغة الأهمية، تقول بضرورة أن يكون تسامحنا عظيمًا، وتواضعنا أعظم، علينا أن نتسامح مع الآخر، ونكون أكثر تواضعًا معه.
د.حسين علي: أستاذ المنطق وفلسفة العلوم بآداب عين شمس

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: العين د حسين علي أعيننا کما هو

إقرأ أيضاً:

بين عاميّ 2024 ـ 2025

قبل أن يودّع العالم عام 2024، بشهرين، حدثت مجموعة من المتغيّرات، تمسّ معادلة ميزان القوى، في المواجهة العسكرية والسياسية الدائرة، بين جبهة المقاومتين الفلسطينية واللبنانية، ومحور المقاومة عموماً من جهة، وبين جبهة الكيان الصهيوني وأمريكا وحلفائهما، من جهة ثانية.

وحمل كل متغيّر أكثر من تقدير للموقف، من حيث تأثيره في ميزان القوى الذي ساد طوال ثلاثة عشر شهراً من 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 إلى نهاية العام 2024. الأمر الذي ولّد تقديرين متباعدين في قراءة ميزان القوى الراهن، وما ينتظر العام 2025، من انعكاسات على موازين القوى والوضع العام.

يمكن اتخاذ متغيّرين أساسيين من بين تلك المجموعة من المتغيّرات، كمتغبرين عموماً في تقدير الموقف، من حيث التأثير في ميزان القوى، وهما: موقف المقاومة في لبنان، بعد اتفاق وقف إطلاق النار. والثاني خروج سورية من محور المقاومة.

ينطلق التقدير الأول باعتبار هذين المتغيّرين، حسما المواجهة التي اندلعت مع عملية طوفان الأقصى في مصلحة الكيان الصهيوني وأمريكا. وذلك وصولاً إلى الدخول في العصر الأمريكي، وتغيير خريطة الشرق الأوسط.

أما التقدير الثاني، فيبدأ من واقع عياني قائم، وصارخ بوضوحه، وهو استمرار المقاومة في الحرب البريّة في قطاع غزة، بإنزال الضربات القاسية في الجيش الصهيوني، حتى بأقوى من السابق، أو قل كما لو أنها بدأت المقاومة الآن. 

فمن يتابع مثلاً المعارك في جباليا خلال الشهرين الماضيين، يعتبر أن القول بأن المواجهة حُسمت في مصلحة نتنياهو، ضربٌ من العبث.

والدليل السياسي بعد العسكري هنا، هو ما يجري من مفاوضات لوقف إطلاق النار في غزة، وما يواجهه نتنياهو من مأزق، سواء أُفشِلت واستمرّ القتال، أم أُنجزت، ليسجل انتصار للمقاومة يناقض ذلك التقدير. وما ذهب إلى ما أسموه العصر الأمريكي القادم، في تصفية القضية الفلسطينية، وتغيير خرائط الشرق الأوسط.

إلى هنا كان الاحتكام إلى الواقع القائم في المواجهة في غزة. وفيه القول الفصل. أما بالنسبة إلى المُتَغيّرين، ولنبدأ بالمتغيّر السوري، حيث خسر محور المقاومة سورية، حقيقة لا جدال فيها. ولكنها لا تعتبر إضافة تلقائية لقوّة الكيان الصهيوني وأمريكا. فمن ناحية مصير سورية، أو إلى ما ستؤول إليه سورية، فمن المبكر جداً الحكم عليه.

أما بالنسبة للمتغير الثاني، المتعلق بوضع المقاومة الإسلامية في لبنان، في ميزان القوى بعد وقف إطلاق النار، فمن العبث أكثر، اعتباره خروجاً من خط المقاومة، الذي هو أساس حزب الله وجوهره.

فكوْن حزب الله قد وافق على اتفاق لوقف إطلاق النار. وكوْنه تحوّل إلى وقف إطلاق نار من جانب واحد (حزب الله)، واستمر العدوان الصهيوني، بارتكاب اختراقات وصلت إلى المئات، لا يعنيان أن ميزان القوى الراهن، مال في مصلحة الكيان الصهيوني.

قبل أن يودّع العالم عام 2024، بشهرين، حدثت مجموعة من المتغيّرات، تمسّ معادلة ميزان القوى، في المواجهة العسكرية والسياسية الدائرة، بين جبهة المقاومتين الفلسطينية واللبنانية، ومحور المقاومة عموماً من جهة، وبين جبهة الكيان الصهيوني وأمريكا وحلفائهما، من جهة ثانية.ويكفي أن يلاحظ استمرار حزب الله، بتعزيز قدرته عسكرياً وسياسياً، كما إعطاء مهلة محدّدة للاختراقات. مما يؤدي إلى العودة الأقوى للمواجهة، إذا ما اقتضى الأمر ذلك.

من هنا فإن التشكيك في اعتبار الوضع الراهن في لبنان، إخلالاً في قوّة محور المقاومة، ضربٌ من الخطأ والوهم. والأهم أنه يخدم الحرب النفسية التي تُشنّ على المقاومة في قطاع غزة، بأنها تُركت وحيدة، فيما هي ليست بوحيدة، وإنما منذ انطلاقتها، كانت ولم تزل محتضنة من الشعب الفلسطيني، ومحور المقاومة، والشعوب العربية والإسلامية، وأحرار العالم.

والدليل العملي والواقعي هو التجربة الفعلية، خلال الشهرين الماضيين في قطاع غزة، حيث استمرت الإنجازات العسكرية في كل المعارك الصفرية، بل تصاعدت أكثر. بل يمكن القول، كأن اتفاقًا لم يحدث في لبنان، أو أي متغيّر آخر في المنطقة.

الأمر الذي يوجب، بالاستناد إلى هذا الواقع القتالي والسياسي، بالنسبة إلى غزة، بأن تقرأ موازين القوى، بطريقة مختلفة عن حسابات تعداد العوامل السلبية والإيجابية (منهج سوات SWOT)، إلى حساب ما يجري على أرض الواقع، ومنه الانطلاق إلى قراءة موازين القوى.

إن منهج قراءة الواقع الفعلي، للقوى التي شكلت محور المقاومة ودعمًا للمقاومة، في تجربة العام 2024 وقبلها، سيجدها على حالها في أغلبها، من طهران إلى بيروت إلى غزة.

كما إن منهج قراءة الواقع الفعلي، لنتنياهو والكيان الصهيوني والجيش الصهيوني. وما يتوقع أن يحمله من تفجّر تناقضات في وجه ترامب، ليشير إلى أن عام 2025، يحمل في طياته ما يدعو للتفاؤل والأمل، وليس إلى وهم تشكل العصر الأمريكي، وتغيير خرائط الشرق الأوسط.

مقالات مشابهة

  • العين والشارقة.. «القمة الكلاسيكية» في «أدنوك للمحترفين»
  • هل توجد حالات يجوز فيها تحويل الجنس؟ شوقي علام يكشف
  • بعد فوات الأوان
  • كايو لوكاس يترقب «الظهور 14» مع الشارقة أمام العين
  • القوات: كل ما يتمّ تناوله بعيد كل البعد من الواقع
  • الزراعة: لا توجد أصناف بطاطس أرجوانية بنفسجية مسجلة ومتداولة فى مصر
  • بين عاميّ 2024 ـ 2025
  • «الزراعة» تنفي وجود أصناف بطاطس أرجوانية بنفسجية مسجلة في مصر
  • الزراعة: لا توجد أصناف بطاطس ارجوانية بنفسجية مسجلة ومتداولة بصورة اقتصادية بمصر
  • انتشار البطاطس الأرجوانية البنفسجي.. مسئول حكومي يكشف الحقيقة