لا يمكننا معالجة أو منع الخسائر المروعة في أرواح المدنيين والمواجهات الشرسة التي بدأت في 7 أكتوبر2023،  دون فهم سياقها السياسي...كان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش على حق عندما قال: "إن أحداث ذلك اليوم لم تحدث من فراغ".

وما نشهده الآن في غزة، حيث تجاوز عدد القتلى العشرة آلاف، هو لجوء إسرائيل إلى المنطق الأمني المتعب الذي تستخدمه في حل كافة مشاكلها.

.. لكن هذا النهج لم ينجح – ولن ينجح أبدًا – على وجه التحديد لأنه يهمل السياق السياسي: عقود من الاحتلال.

أحمد ياسر يكتب: إسرائيل في غزة.. لا خيارات جيدة أحمد ياسر يكتب: الصراع الفلسطيني الإسرائيلي… لماذا دعت روسيا إلى السلام في الشرق الأوسط؟

ولهذا السبب، فعندما تنتهي هذه الحرب ـ بغض النظر عن نتائجها العسكرية ـ فإن الأفكار التي تحرك حماس، والتي تجمع بين المعتقد الديني والمقاومة المسلحة للاحتلال، سوف تصبح أقوى وأكثر شعبية... لقد صعدت حماس في أجواء من القمع المتزايد وفشل وعود حل الدولتين.

لكن الفلسطينيين في الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، وقطاع غزة، لم يتوقفوا قط عن مقاومتهم للاحتلال، منتقلين من شكل إلى آخر.

 إن كل أعمال العنف التي استُخدمت لقمع الأطفال والنساء، بما في ذلك القتل العادي للمدنيين، وهدم المنازل، وسرقة الأراضي، لم تردع الفلسطينيين عن الوقوف صامدين في معارضة ذلك الاحتلال... وأكثر الشخصيات احتراما في تاريخنا وحاضرنا هم أولئك الذين قاوموا الاحتلال، مستخدمين الاحتجاجات أو الصمود أو الأدوات المتاحة.

إن الخسائر الفادحة التي شعر بها الفلسطينيون نتيجة لذلك لم تؤد إلا إلى تمهيد الطريق للثورة القادمة... وينشر العديد من الفلسطينيين على وسائل التواصل الاجتماعي مثلا يوضح فشل القمع الإسرائيلي: "لقد حاولوا دفننا، لكنهم لم يعرفوا أننا بذور".

وفي الأيام التي تعقب هذه الحرب في غزة، سوف تصبح السلطة الفلسطينية أضعف وأقل شعبية وأقل أهمية... ولا يكاد يكون لها أي دور في هذه التطورات التي تهم شعبها.... وفي الواقع، في مرحلة ما من الحرب، يمكن للمرء أن يتوقع توجيه حملة من اللوم إلى الطرف الأضعف.

أحمد ياسر يكتب: الحقيقة هي الضحية الأكبر في حرب غزة أحمد ياسر يكتب: حماس والمعبر الأمريكي

ولن يكون هناك مكان في اليوم التالي لحل الدولتين، وذلك بسبب التأثير الراديكالي الذي خلفته الحرب على المجتمعين والسياسات الإسرائيلية والفلسطينية... وهذا ليس تغييرًا جذريًا على أية حال، لأن إسرائيل قد غادرت الآن ساحة التسوية الإقليمية إلى واحدة من الخطوات الوجودية التي لا رجعة فيها.

إن التركيز المفاجئ من جانب الساسة الأميركيين والأوروبيين على إحياء محادثات حل الدولتين أمر مثير للسخرية ومتأخر جدًا... ولسنوات عديدة، شهدوا قتل إسرائيل لتلك الرؤية، لكنهم اختاروا بدلًا من ذلك تجاهل التوسع الاستيطاني الإسرائيلي والتقليل من شأن الفلسطينيين الذين دافعوا عن إقامة دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل.

ومن بين ضحايا هذه الحرب ما تبقى من مصداقية أوروبا في الشرق الأوسط وخارجه... إن القيم التي تدعي الدول الأوروبية الكبرى أنها تدافع عنها - الديمقراطية وحقوق الإنسان وحرية الإعلام والتعبير - سقطت مثل النمور من ورق مع استمرار تلك الدول نفسها في السماح بالاستهداف العشوائي والمتكرر للمدنيين في غزة والضفة الغربية.

يتبادل الفلسطينيون عبر وسائل التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو لسياسيين أوروبيين وأميركيين يذرفون الدموع على الضحايا المدنيين في أوكرانيا، مع شاشة منقسمة لهم وهم يدافعون عن التصرفات الإسرائيلية باعتبارها "حقها في الدفاع عن النفس".

أحمد ياسر يكتب: فقدت الدبلوماسية الأمريكية زخمها في الشرق الأوسط أحمد ياسر يكتب: الدبلوماسية المُحايدة وسط القصف الدموي

وفي الأيام التالية سوف يواجه "إخوة إسرائيل الكبار"، الولايات المتحدة والدول الأوروبية الكبرى، بعض الأسئلة الاستراتيجية المهمة.... ما الذي يقف وراء التدهور في السياسة والمجتمع الإسرائيلي الداخلي، وهل هناك علاقة بين ذلك وبين تعرض إسرائيل لهجوم 7 أكتوبر؟..

هل تستطيع إسرائيل الحفاظ على أهميتها الإستراتيجية بالنسبة للغرب في الشرق الأوسط أو استعادتها؟

هل يريد هؤلاء الإخوة الكبار الاستمرار في نهج إفساد إسرائيل من خلال فصل دعمهم غير المحدود لكيان الاحتلال عن تلك السياسات التي يجدونها ضارة وخطيرة على مصالحهم الخاصة؟

بعد هذه الحرب، فإن العودة إلى الخطاب والنموذج القديم المتمثل في "الحل المتفق عليه"، أو "حل الدولتين عن طريق التفاوض"، أو "إعادة الأطراف إلى طاولة المفاوضات"، سيكون بمثابة دعوة للجولة التالية من المفاوضات... ستكون مواجهات عنيفة.

لقد أصبحت هذه الكلمات مرادفة لمنح الطرف الأقوى، إسرائيل، حق النقض (الفيتو) على النتيجة... إن إسرائيل تدين بإنشائها وبقائها وتفوقها للولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين: ويتحمل هؤلاء الحلفاء أيضًا نصيبًا من المسؤولية في هذا التدهور العميق.

لقد حان الوقت - ونحن نشهد أمامنا بعضًا من أسوأ الجرائم الدولية في حياتنا - لكي تتوقف هذه الدول عن معاملة إسرائيل كدولة فوق القانون الدولي، وأن تقنع إسرائيل أو تملقها أو تجبرها على إنهاء احتلالها.

 والبديل واضح بالفعل: مزيج من الفصل العنصري، وجولات متواصلة من المواجهات الوحشية على نحو متزايد، وتدهور موقفهم في العالم.

المصدر: بوابة الفجر

كلمات دلالية: احمد ياسر فلسطين اخبار فلسطين غزة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي الاحتلال الاسرائيلي نتنياهو حماس طوفان الاقصي واشنطن أوروبا الشرق الأوسط فی الشرق الأوسط أحمد یاسر یکتب حل الدولتین هذه الحرب فی غزة

إقرأ أيضاً:

أزمة غذاء في إسرائيل وتدهور الزراعة بسبب حرب غزة

كشف تقرير عن خسائر الأغذية في إسرائيل، فقدان ما يقرب من 2.87 مليون طن من الغذاء خلال عام 2023، بقيمة إجمالية بلغت 24.3 مليار شيكل «أي ما يعادل6.6 مليار دولار أمريكي» بسبب الحرب في غزة وتزايد الجوع في جميع أنحاء البلاد.

وأشار تقرير يستند إلى بيانات من المكتب المركزي للإحصاء الإسرائيلي أوردته صحيفة «يدعوت أحرونوت» الإسرائيلية اليوم الإثنين إلى أن الحرب أضافت خسائر اقتصادية بلغت 1.6 مليار شيكل «أي ما يعادل 437 مليون دولار» خلال الأشهر التسعة الأولى من القتال، بما في ذلك ما يقرب «273 مليون دولار» من الخسائر الغذائية المباشرة، و «55 مليون دولار» من الأضرار البيئية، و «101 مليون دولار» من التكاليف الصحية بسبب زيادة انعدام الأمن الغذائي.

كما تضرر القطاع الزراعي في إسرائيل بشدة، حيث تقع 32٪ من الأراضي الزراعية في مناطق القتال في الجنوب والشمال، وأدى الانخفاض الحاد في عدد العمال الأجانب بنسبة تصل إلى 59٪ خلال الأشهر الأولى من الحرب إلى خسارة بلغت 251 ألف طن من المنتجات الزراعية، وهو ما يكفي من الغذاء لإطعام مئات الآلاف من الأسر خلال هذه الفترة الحرجة.

وأوضح التقرير أيضًا أن 1.5 مليون إسرائيلي يعانون حاليًا من انعدام الأمن الغذائي، ومن المتوقع أن يرتفع ذلك العدد بصورة حادة بسبب الوضع الأمني والاقتصادي الراهن.

ويتكبد الاقتصاد 5.5 مليار شيكل « أي ما يعادل 1.5 مليار دولار» سنويًا تكاليف رعاية صحية إضافية مرتبطة بسوء التغذية.

بينما نوه التقرير بأنه لا يزال ما يقرب من نصف إجمالي الأغذية المهدرة صالحًا للأكل وقابلًا للإنقاذ، ويمكن أن يُلبي احتياجات الأمن الغذائي لجميع المواطنين بشكل كامل، وخاصةً الفئات السكانية الضعيفة، مع تقليص الفجوات الاجتماعية الآخذة في الاتساع.

وقدر التقرير أن خسائر الغذاء تعادل نحو خُمس ميزانية الدفاع الإسرائيلية الموسعة، وأن تكلفة خسارة الغذاء تقع في النهاية على عاتق الجمهور، ما يزيد العبء المالي الذي تفاقم أصلًا بسبب الحرب.

ويؤكد التقرير على أهمية الأمن الغذائي في الأوقات العادية وفي حالات الطوارئ، تجدر الإشارة إلى أن واحد دولار أمريكي يساوي 3.66 شيكل إسرائيلي.

اقرأ أيضاًالنائب حازم الجندي: المظاهرات الحاشدة في جموع المحافظات تؤكد الرفض الشعبي للعدوان على غزة

بعد صلاة العيد.. مدينة السادات تتضامن مع غزة بحشد جماهيري ضخم

غزة تستقبل عيد الفطر بالقصف.. شهداء في غارات للاحتلال على مناطق متفرقة بالقطاع

مقالات مشابهة

  • إسحق أحمد فضل الله يكتب: إنسانيات وأسفل سافلين
  • أبوبكر الديب يكتب: إقتصاد إسرائيل يدفع ثمن طموحات نتنياهو السياسية
  • صحيفة (يسرائيل هيوم) تكشف الفجوة بين إسرائيل و(حماس) في المفاوضات
  • إسرائيل تقترح هدنة 50 يومًا مقابل إطلاق نصف الأسرى المحتجزين لدى حماس
  • أزمة غذاء في إسرائيل وتدهور الزراعة بسبب حرب غزة
  • مقابل هذ الشرط.. إسرائيل تقترح هدنة في غزة
  • السيد الرئيس أحمد الشرع في كلمة بمناسبة عيد الفطر المبارك بقصر الشعب: سوريا يكتب لها تاريخ جديد وأمامنا طريق طويل وشاق، وكل مقومات البناء نملكها على كل المستويات، وما يتطلب منا ان نعمل ولا نختلف.
  • إعلام عبري: إسرائيل ستناقش إنهاء الحرب على غزة بشرط واحد
  • أسرار بدلة الزنجباري التي ارتداها رامز جلال في برنامجه.. فيديو
  • خالد الشناوي يكتب: الحرب الصهيو أمريكية