كيف أخطأت الاستخبارات الإسرائيلية في قراءة حماس؟.. فايننشال تايمز ترصد 3 أسباب
تاريخ النشر: 9th, November 2023 GMT
نتائج التحقيق الكامل في كارثة الاستخبارات الإسرائيلية في أحداث 7 أكتوبر/تشرين الأول، قد تكون بعد سنوات، لكن الدروس المستفادة منها بدأت بالفعل في تشكيل الحملة العسكرية التي لا ترحم والتي تشنها إسرائيل بهدف "تدمير حماس"، العدو الذي أدركت إسرائيل أنها لم تعد قادرة على احتوائه.
هكذا ترصد صحيفة "فايننشال تايمز"، في تقرير ترجمه "الخليج الجديد"، نحو 3 أسباب رئيسية، لفشل الاستخبارات الإسرائيلية في التعاطي مع عملية "حماس" المفاجئة، ما يشير إلى خلل أساسي في الجهاز.
وتحكي الصحيفة، صراع مناحيم والذي كان جزءًا من فريق من المتطوعين، الذين قاموا بمراقبة شبكات الاتصالات في غزة ووسائل الإعلام العربية لمدة عامين، ونقلوا شذرات من المعلومات إلى الجيش الإسرائيلي.
وعلى الرغم من أن فريقه كان تربطه بعلاقات شبه رسمية، مع الاستخبارات، إلا أنهم عندما حذروا مرارا وتكرارا من أن مقاتلي "حماس" كانوا يجرون مناورات حربية معقدة بالقرب من الحدود، تم تجاهل المتلصصين الهواة.
وتنقل الصحيفة عنه القول: "قال لنا الضابط العسكري الإسرائيلي: أنتم لستم مهمين، ولسنا بحاجة إليكم".
كما نقلت ضابط المخابرات العسكرية السابق مايكل ميلشتاين، حديثه لزملائه السابقين وكتابته العديد من المقالات في الصحافة، قائلاً إن "النهج الذي تتبعه إسرائيل تجاه حماس لم يكن ناجحاً، ولكن لم يعره أحد الكثير من الاهتمام".
اقرأ أيضاً
هآرتس: ما تعرفه إسرائيل عن أنفاق حماس لا يقترب من حجمها وتعقيداتها
وأضاف ميلشتاين، وهو المستشار الحكومي السابق للشؤون الفلسطينية في غزة والضفة الغربية: "كانت الكتابة على الحائط.. حماس كانت تبشر بالحرب".
وتابع: "حتى التحذيرات الصادرة عن هيئة الاستخبارات القتالية الإسرائيلية، التي تراقب حدود البلاد مع غزة، تم تجاهلها".
كما قالت إحدى الجنديات، وتدعى نوا ميلمان، لرؤسائها في وقت سابق من هذا العام، إن مقاتلي حماس كانوا يمارسون هجمات على سياج وهمي، ويفجرونه مراراً وتكراراً.
وأضافت في مقابلة تلفزيونية لاحقة: "لكن الجميع تعاملوا مع الأمر وكأنه أمر طبيعي.. وكأنه روتيني".
في 7 أكتوبر/تشرين الأول، شنت حماس هجوماً أسوأ حتى من أحلك هواجس مناحيم وميلشتاين وميلمان.
ففي حوالي الساعة 6:30 صباحًا، وتحت غطاء وابل صاروخي ضخم، قام أكثر من 1500 من مقاتلي حماس بتدمير الاتصالات الحدودية الإسرائيلية بطائرات بدون طيار محملة بالمتفجرات، واخترقوا الحواجز الأمنية بالجرافات، وداهموا الأراضي الإسرائيلية بالدراجات النارية والطائرات الشراعية.
اقرأ أيضاً
ميدل إيست آي: مصر أبلغت أمريكا بعدم قدرة إسرائيل على هزيمة حماس
لقد أدى الهجوم المتزامن إلى تحطيم ثقة إسرائيل في جيشها وأجهزتها الاستخباراتية.
ولم يقتصر الأمر على فشلهم في تتبع ما كان يخطط له أحد أعدائها الرئيسيين، بل تجاهلوا تحذيرات متعددة مفادها بأن "حماس" كانت تستعد لهجوم كبير، وغالباً ما يكون ذلك على مرأى من الجميع.
وقال رئيس الوزراء السابق إيهود أولمرت، إن إسرائيل عانت من "الثقة المفرطة التي أدت إلى الغطرسة، مما أدى إلى الرضا عن النفس".
وأضاف: "لقد فعلت بنا حماس ما نفعله عادة: المفاجأة، والذكاء، والتفكير خارج الصندوق".
فيما قال مسؤول إسرائيلي كبير: "حتى في ليلة الهجوم، شممنا أن شيئًا ما كان يحدث، لكن التفسير كان أنه مجرد مناورة عسكرية منتظمة لحماس"
وأقر بالفشل حين قال: "لقد عانت استخباراتنا من خلل أساسي".
ووفق الصحيفة، فإن هناك عوامل كثيرة ساهمت في الفشل، أبرزها أن أجهزة الأمن الإسرائيلية استخفت بقدرة حماس على شن مثل هذه العملية واسعة النطاق مع كل الإجراءات الأمنية العملياتية المشددة والتخطيط المنضبط والمعرفة التفصيلية بالتضاريس الإسرائيلية التي تتطلبها.
اقرأ أيضاً
إثر طوفان الأقصى.. رئيس حزب يميني: إسرائيل فشلت في تقدير قدرات حماس العسكرية
وقال الرئيس السابق لجهاز المخابرات الخارجية البريطاني أليكس يونغر، إن "الإدراك المتأخر أمر رائع، ولكن يبدو أن الفشل الكبير في إسرائيل كان فشلاً في الخيال، كما كان الحال مع أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001".
وأضاف: "هناك دائمًا خطر الخلط بين ما تريد وما هو موجود بالفعل.. وشعرت إسرائيل أن حماس قد تم تجريدها من المخاطر".
وتابع: "لقد ارتكبت إسرائيل خطأ مماثلاً قبل 50 عاماً بالضبط، قبل حرب يوم الغفران ضد مصر وسوريا، عندما اعتقدت خطأً أن الدول العربية لن تهاجم أبداً بسبب قوتها العسكرية".
ولكن هناك تطوراً تاريخياً إضافياً في هجوم هذا العام، والذي قارنته إسرائيل في كثير من الأحيان بهجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001 على أمريكا، فتقرير 11 سبتمبر/أيلول، وهو الرواية الرسمية للحكومة الأمريكية لما حدث، أعرب عن أسفه لأنه لم يتوقع أي مسؤول أمني أن الإرهابيين قد يقودون طائرات إلى مباني أمريكية كبيرة، على الرغم من أن العديد منهم قالوا إنهم قرأوا رواية توم كلانسي عام 1994 والتي تبلغ ذروتها بهذا المشهد.
وعلى نحو مماثل، قبل أن تشن حماس هجومها في 7 أكتوبر/تشرين الأول، رفض آفي يسسخاروف، الذي شارك في تأليف المسلسل التلفزيوني الإسرائيلي الشهير "فوضى"، مخططاً محتملاً لإحدى الحلقات التي اقتحم فيها مقاتلو "حماس" السياج الحدودي وهاجموا إسرائيل، معتبراً ذلك غير قابل للتصديق.
ويبدو أن أجهزة الأمن الإسرائيلية فكرت في الأمر نفسه، فما هي احتمالات أن يتمكن العشرات، ناهيك عن الآلاف، من القيام بذلك دون المخابرات العسكرية أو الشاباك (جهاز الأمن الداخلي) معرفة ذلك؟.
اقرأ أيضاً
هجوم 7 أكتوبر.. كاتبان غربيان: 4 دروس مستفادة تكشف عبقرية حماس
ويتذكر يساخاروف ما قاله لكتاب السيناريو في ذلك الوقت: "دعونا نمضي قدمًا ونجد شيئًا أكثر واقعية".
أما السبب الثاني لفشل إسرائيل، وفق الصحيفة، فهو ما وصفه أحد المسؤولين الغربيين بـ"الغطرسة التكنولوجية، والإيمان متعجرف بأن التكنولوجيات المتقدمة، مثل الطائرات بدون طيار التي تتنصت على غزة والسياج المجهز بأجهزة استشعار والذي يحيط بالقطاع، سوف تتفوق على القدرات التكنولوجية المحدودة لحماس.
وقد ساعدت هذه التكنولوجيا لسنوات عديدة، في إحباط جميع خروقات الحدود باستثناء عدد قليل منها، وهو ما ولّد إحساسًا زائفًا بالأمان، كما قال مسؤول أمني غربي آخر، مقارنًا إياه بجهاز "آي فون".
وقال المسؤول: "إنه أمر رائع عندما ينجح الأمر، ولكن إذا لم ينجح، فلن تتمكن فجأة من فعل أي شيء".
كما توقفت وحدة استخبارات الإشارات العسكرية الإسرائيلية 8200 مؤخرًا عن التنصت على أجهزة الراديو المحمولة التي يستخدمها مسلحو "حماس" بعد أن اعتبروا ذلك مضيعة للجهد، وفقًا لصحيفة "نيويورك تايمز".
وقال ميلشتاين: "لقد أصبحنا مدمنين على التكنولوجيا والإنترنت والبيانات الضخمة وبقية ذلك".
اقرأ أيضاً
تحقيق يكشف فبركة الاحتلال استخدام حماس "أنفاقا" بمستشفى حمد في غزة
وأضاف: "لكن المعلومات الاستخبارية الأرخص والأبسط، مثل المصادر المفتوحة، وتتبع اتصالات حماس اللاسلكية، وحتى الاستماع إلى جنديات المراقبة لدينا على الحدود، لم تكن موضع تقدير كامل".
والمشكلة الأخرى هي أنه في حين أن أساليب المراقبة الإسرائيلية عالية التقنية يمكن أن تنتج كميات كبيرة من المعلومات الاستخبارية التكتيكية عالية الجودة، مثل تحديد الموقع الدقيق لمنصة إطلاق الصواريخ، إلا أنها أقل جودة في الكشف عن الإستراتيجية أو نوايا القيادة، وهو ما يمثل التركيز الرئيسي للسياسة الإسرائيلية.
وقال يونجر: "إذا كنت تكرر الوضع الراهن، فإن التكنولوجيا جيدة جدًا".
وأضاف: "الأمر أقل أهمية بكثير عندما يتعلق الأمر بالقيام بقفزة استراتيجية أو الكشف عن النوايا".
أما السبب الثالث وراء فشل إسرائيل في توقع هجوم "حماس"، وفق الصحيفة، هو أن الاضطرابات السياسية الناجمة عن السياسات الداخلية المثيرة للجدل التي ينتهجها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو كانت سبباً في إضعاف الأمن القومي وتشتيت انتباه أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية.
وقال ديفيد بتريوس، المدير السابق لوكالة المخابرات المركزية والجنرال الأمريكي الذي قاد القوات المتحالفة في العراق والقوات الأمريكية وحلف شمال الأطلسي في أفغانستان: "كان من المفهوم أن يركز الشاباك على زيادة العنف في الضفة الغربية، والذي أصبح يمثل تحديًا متزايدًا".
اقرأ أيضاً
الجارديان: هذه تفاصيل تنفيذ حماس لطوفان الأقصى.. وهكذا حافظت الحركة على سريتها
وقد استغلت "حماس"، التي تحكم غزة منذ عام 2007، هذه الانحرافات.
كما يتماشى ذلك مع سياسة نتنياهو التي سعت إلى تعزيز حكم حماس في غزة كوسيلة لتقليص مكانة السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية.
وحتى عندما كانت حماس تستعد للحرب، ظلت على اتصال يومي مع الحكومة الإسرائيلية بشأن القضايا الدنيوية، مثل حصص التصدير وتصاريح العمال.
ويؤكد العديد من المسؤولين الإسرائيليين والدوليين أن هؤلاء العمال ساعدوا في جمع المعلومات الاستخبارية، بما في ذلك الخرائط الدقيقة للكيبوتسات التي هاجمتها "حماس" لاحقًا.
بالإضافة إلى ذلك، قامت حماس بتصفية المعلومات المضللة من خلال القنوات التي كانت تعرف أن المخابرات الإسرائيلية تراقبها، في حين تم وضع الخطط الفعلية للهجوم من قبل مجموعة صغيرة من قادة التنظيم.
وتعلق الصحيفة على ذلك بالقول إن "الدروس التي استخلصها المسؤولون الأمنيون الإسرائيليون من فشلهم في توقع الهجوم لها آثار مميتة".
وتتابع: "النتيجة التي توصلوا إليها هي أن إسرائيل لم يعد بوسعها الاعتماد على المعلومات الاستخباراتية لتوفير إنذار مبكر بشأن الهجمات القادمة من غزة، أو على القوة العسكرية للبلاد لردعها".
وبدلا من ذلك، يجب عليها استباق التهديدات المحتملة من خلال القضاء عليها بشكل مباشر.
وتختتم الصحيفة بنقل ما قاله مسؤول إسرائيلي كبير: "الحل الوحيد هو: عدم الاعتماد بعد الآن على الاستخبارات.. والعمل على نموذج جديد".
اقرأ أيضاً
موقع عبري: هكذا خدعت "حماس" إسرائيل 18 شهرا قبل "طوفان الأقصى"
المصدر | فايننشال تايمز - ترجمة وتحرير الخليج الجديدالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: طوفان الاقصى أمريكا حماس المقاومة قدرات عسكرية الاستخبارات الإسرائیلیة اقرأ أیضا فی غزة ما کان
إقرأ أيضاً:
لماذا صمدت “حماس”؟.. تحليل لفشل الإستراتيجية الإسرائيلية
#سواليف
نشرت صحيفة “صاندي تايمز” تقريراً أعده أستاذ دراسات الحرب في كلية كينغز كوليج في لندن مايكل كلارك، تساءل فيه عن قدرة “ #حماس ” في #غزة، وكيف أن #إسرائيل فشلت في تدمير الحركة.
وقال إن حكومة “حماس” في القطاع لم تهزم، وهذا بسبب تحضيراتها الذكية، واعتماد إسرائيل على القصف الجوي.
وأضاف الكاتب أن إسرائيل أعلنت رسمياً، في 7 تشرين الأول/أكتوبر، الحرب على “حماس”، وأعلن رئيس الوزراء بنيامين #نتنياهو أن “تدميرها” هو هدفه الرئيسي في #الحرب. ثم تحدث لاحقاً عن “إبادتها”.
مقالات ذات صلة الاثنين .. ارتفاع طفيف على الحرارة 2025/03/10وفي الأسبوع الماضي، وجه الرئيس الأمريكي دونالد #ترامب لـ “حماس” “تحذيراً أخيراً”، على منصته “تروث سوشيال”. وقال: “أطلقوا سراح جميع الرهائن الآن، وليس لاحقاً، وإلا انتهى الأمر بالنسبة لكم”.
وكان رد “حماس” على خطاب ترامب قوياً، مدروساً تقريباً. وقالت فيه إن أفضل طريقة للإفراج عن الأسرى هي المضي قدماً في المرحلة الثانية المحددة من اتفاق وقف إطلاق النار.
وقال كلارك إن العروض التي نظمتها “حماس” في الأسابيع الماضية لتسليم الأسرى كانت تهدف إلى تمرير رسالة تحدٍ بأن الجماعة لا تزال تسيطر على غزة ولم يتم محوها. كما ترسل أيضاً رسالة إلى العالم بأنها بعيدة كل البعد عن النهاية، وتهين إسرائيل في طريقة تسليم الأسرى أو جثثهم. ولكن “حماس” تضررت بشدة من الهجوم الإسرائيلي على غزة. فقد قتلت إسرائيل ثلاثة من كبار قادتها. وفككت كتائبها الـ 24 وقتلت 18,000 مقاتل من بين 48,200 شخص قتلوا في الحرب حسب أرقام وزارة الصحة في غزة.
العروض التي نظمتها “حماس” لتسليم الأسرى كانت تهدف إلى تمرير رسالة تحدٍ وهي أن الجماعة لا تزال تسيطر على غزة ولم يتم محوهاويرى الكاتب أن “حماس” فشلت في استفزاز حرب ضد إسرائيل وعلى عدة جبهات، والتي كان يمكن أن تحفز “حزب الله” في لبنان والفلسطينيين في الضفة الغربية والجماعات المدعومة من إيران في مختلف أنحاء المنطقة. وفي الحقيقة، كما يقول الكاتب، تشن إسرائيل حرباً ضد أعدائها بالمنطقة وتأمل بـ “إعادة تشكيل” المحيط المباشر لها.
ولكن “حماس” نجت، مع ذلك، وهذا ما يجب على أي جماعة تمرد فعله. ويعتقد الجيش الإسرائيلي أنه بحاجة لعدة سنوات قبل أن يتمكن من إعادة “حماس” للوضع الذي كانت عليه قبل عام 2006، عندما سيطرت على القطاع بعد صراع مع السلطة الوطنية، وربما لن تحقق هذا الهدف أبداً. وأشار كلارك إلى ما قاله وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكن، في الأسابيع الأخيرة من منصبه، بأن “حماس” “جندت مقاتلين بنفس العدد أو أكثر من الذين خسرتهم”، وربما كان الأمر أسوأ بالنسبة للجيش الإسرائيلي. فمن بين سكان غزة، البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة، والذين يعيشون وسط الدمار، فإن أكثر من نصفهم دون سن الـ 18 عاماً ونحو 300,000 شاب في الفئة العمرية التي تجند “حماس” مقاتليها منهم عادة.
ويعلق كلارك أن قادة الظل للحركة يشعرون أن لدى الحركة الكثير لتعيش من أجله، ومن غير المرجح أن يعيشوا ليروا الكثير منه.
ويعتقد الكاتب أن نجاة “حماس” يمكن نسبتها إلى وجهين لعملة واحدة إستراتيجية. الوجه الأول هو الاستعدادات التي قام بها قادة “حماس” للرد الإسرائيلي على هجوم 7 تشرين الأول/أكتوبر. ولعل قادتها لم يتوقعوا فجوة مدتها عشرون يوماً قبل أن يتقدم الجيش الإسرائيلي إلى غزة. ولكن عندما حدث ذلك، لجأت “حماس” إلى مخزونها من الأسلحة في أنفاقها التي تمتد لأميال تحت الأرض. ومع إجبارهم على الخروج من كل منطقة، كانوا يفرون عبر هذه الأنفاق، أو ينضمون إلى حشود اللاجئين المدنيين الذين كانوا أكثر عدداً من أن يتمكن الجيش الإسرائيلي من فحصهم بدقة. وقد لجأوا إلى الأنفاق التي لم تكن متاحة لسكان غزة العاديين من الهجمات الجوية الإسرائيلية، وكانوا يعيشون على مخزونهم من الطعام عندما قيدت إسرائيل إمدادات الغذاء، في محاولة فاشلة لتحويل السكان ضد “حماس”.
ووجد مقاتلو الحركة سهولة في إعادة تموضعهم، مع تركيز هجوم الجيش الإسرائيلي. فعندما ركزت إسرائيل على الشمال، اتجهوا جنوباً، وعندما تحركت القوات الإسرائيلية أخيراً نحو الجنوب، عادت “حماس” إلى الشمال ومراكز مثل جباليا والشجاعية. وقد أعاد الجيش الإسرائيلي الهجوم على مخيم جباليا ثلاث مرات بالفعل. وتمكنت “حماس” من إدارة دولة صغيرة بحرية تقريباً في وسط غزة، والتي تجاوزها الجيش الإسرائيلي، بل وحتى سيطرت على المواصي، الملجأ المدني المخصص في الجنوب، بمجرد أن تمكنت من الحصول على إمدادات المساعدات المرسلة إلى هناك. وفوق كل شيء، قامت “حماس” بالاستعدادات اللازمة للحفاظ على بنيتها سليمة من خلال عملياتها الاستخباراتية الخاصة، بغض النظر عن عدد قادتها أو مقاتليها أو مصانع إنتاج الأسلحة التي فقدت. ويقال إنها أعادت توجيه مواردها بعد كل هجوم. وإلى جانب الأسلحة التي تخزنها “حماس”، فإن إنتاجها المحلي من الصواريخ قصيرة المدى عيار 107 ملم زاد الآن أكثر من أي وقت مضى.
واستمر إطلاق الصواريخ وقذائف الهاون من عيار 60 ملم، كما حافظت على تدفق بعض الأسلحة الروسية والصينية التي زودتها بها إيران. ومن الواضح أن بنادق إي كي-47 الروسية كانت منتشرة في كل مكان، فضلاً عن بندقية القنص الإيرانية الصنع من طراز صياد. وعلاوة على ذلك، تم استخدام قاذفات أر بي جي-7 الروسية المضادة للدروع ومشتقاتها العديدة على نطاق واسع ضد القوات الإسرائيلية، إلى جانب نوع آخر صيني من أر بي جي وهو نوع 69.
جندت “حماس” مقاتلين بنفس العدد أو أكثر من الذين خسرتهموقال كلارك إن إيران واصلت تمويل “حماس”، ولكن على مدى 17 شهراً من الحرب، استولت “حماس” أيضاً على ما يكفي من المساعدات الغذائية لجمع ما يقرب من مليار دولار من بيع المساعدات إلى سكان غزة أنفسهم، أي ما يزيد بنحو 30% عن المبلغ الذي يعتقد أن القطريين قدموه مباشرة إلى القطاع لأغراض إنسانية. ولا يمكن لمنظمة مفككة أن تفعل كل هذا.
والواقع أنه بحلول ربيع العام الماضي بدا أن الصراع تحول إلى معركة بين ذراع الاستخبارات الإسرائيلية الشاباك والعملية الاستخباراتية الصارمة لـ”حماس” في “كتائب القسام”، التي صمدت حتى الآن وتمكنت من الحفاظ على سيطرة محكمة على السكان اليائسين. والجانب الآخر من العملة إذن هو العجز الإستراتيجي للجيش الإسرائيلي، نظراً لأن نتنياهو لم يحدد له قط هدفاً قابلاً للتحقيق في الحرب.
ويرى كلارك أن إستراتيجية مكافحة تمرد ربما نجحت أكثر، لو استندت على إستراتيجية “تطهير وسيطرة” على مناطق غزة والسماح للمدنيين بالعودة وتوفير ما يحتاجونه، ومن ثم التحرك من منطقة إلى أخرى، وربط “بقع الحبر” بين المناطق الآمنة والمحتلة حتى يتم تجميد وعزل “حماس” عن المجتمعات التي تم حصرها في منطقة معينة. وهذا النوع من مكافحة التمرد يتطلب أعداداً كبيرة من القوات لفترة طويلة، ومن المؤكد أنه سيتسبب في خسائر فادحة. كما يتطلب قدراً كبيراً من “ضبط النفس الكبير”، وهو أمر محبط للقادة والجنود على حد سواء.
ولكن الجيش الإسرائيلي لم يقترب أبداً من تطبيق هذه الإستراتيجية، وقد وصف المحللون في مركز القدس للأمن والشؤون الخارجية عمليات الجيش الإسرائيلي بأنها أديرت بشكل “عشوائي”.
ولأن الحكومة الإسرائيلية كانت مستعدة لخوض حرب على ثلاث أو ربما أربع جبهات مختلفة، فإنها حققت بعض النجاح. ولهذا، لم تكن راغبة قط بتخصيص العدد الأكبر من القوات لغزة.
وبعد استدعاء 300,000 جندي احتياطي وهجوم أولي بخمس فرق على القطاع، انخفض العدد في غزة بشكل كبير في أوائل عام 2024 ولم يرتفع مرة أخرى إلا من حين لآخر.
عندما ركزت إسرائيل على الشمال، اتجهوا جنوباً، وعندما تحركت القوات الإسرائيلية أخيراً نحو الجنوب، عادت “حماس” إلى الشمالوتم إرسال القوات إلى جبهة لبنان والضفة الغربية، ثم عاد الجنود إلى وظائفهم المدنية بسبب حاجة الاقتصاد إليهم. وبدلاً من ذلك، اعتمدت القوات الإسرائيلية على الهجمات الجوية المكثفة كلما حصلت على معلومات استخباراتية عن إعادة تأسيس مجموعات “حماس”. وهذا يناسب “حماس” تماماً. أعادت تأسيس نفسها في المدارس والمستشفيات وهي تعلم أن القوات الإسرائيلية ستقصف وتقتل المزيد من المدنيين. قد يفكر الجيش الإسرائيلي في تاريخ من حملات مكافحة التمرد الفاشلة التي اعتمدت كثيراً على القصف الجوي، من الحدود الشمالية الغربية في عشرينيات القرن الماضي إلى أفغانستان وشمال العراق في عشرينيات القرن الحادي والعشرين. ولا تزال مئات الأنفاق التي أنشأتها “حماس”، حوالي 40% منها، موجودة هناك ويمكن استخدامها كملاجئ للمقاتلين من الغارات الجوية.
وتم تكليف مهندسي الفرقة 143 في الجيش الإسرائيلي بالعثور على تلك الأنفاق الأساسية التي تربط جنوب غزة بطرق إمداد “حماس” عبر الحدود في سيناء وتدميرها. لكنها مهمة طويلة، وحتى هنا يعتقد أن جميعها لم يتم تحديدها على الخرائط بعد.
وربما بدت مزاعم إسرائيل أن “حماس” تحتجز شعب غزة رهينة، فلم تجر أي انتخابات لا في غزة ولا في الضفة الغربية، إلا أن “حماس”، وحتى نهاية أيلول/سبتمبر، كانت تحظى بأعلى دعم بين الفلسطينيين، 36% وربما كانت إستراتيجية الجيش الإسرائيلي المعيبة في غزة سبباً وراء هذه النسبة.