الجزيرة:
2024-07-06@01:27:47 GMT

حقوق الإنسان في مهب الحرب على غزة

تاريخ النشر: 9th, November 2023 GMT

حقوق الإنسان في مهب الحرب على غزة

تكشف الحرب الحالية التي يشنّها الكيان الإسرائيلي على غزة عن حالة غير مسبوقة فيما يتعلّق بوضع حقوق الإنسان. ولا تسعفنا هنا العبارات القانونية التقليدية مثل "المساس" أو "الانتهاك" لوصف درجة الاعتداء عليها. لقد وصل هذا "المساس" إلى درجة الإهدار الكامل للحقوق الإنسانية.

وبينما تقف المنظومة الدولية بهياكلها وأجهزتها القضائية عاجزةً عن ردع هذه الجرائم وملاحقة مُرتكبيها، فإن التساؤل يُطرح في كل مرة تتكرر فيها هذه الجرائم حول ما إذا كانت السياسة الجنائية الدولية في ملاحقة مجرمي الحرب تقوم فعلا على أسسٍ أخلاقية مجرّدة لا تميّز بين جنس الضّحايا والجناة ولا دينهم أو عرقهم، أم أنها ليست في الواقع سوى إحدى تجليّات منطق القوة الذي فرضته القوى المنتصرة في الحرب العالمية الثانية، وتسعى لتوظيفها بشكل انتقائي كوسيلة ضغط وهيمنة في علاقاتها مع بقيّة الدّول.

اقرأ أيضا list of 4 itemslist 1 of 4حقوقية أميركية: طوفان الأقصى نقطة تحول لصالح القضية الفلسطينيةlist 2 of 4مرصد حقوقي: حرب التجويع الإسرائيلية على غزة بلغت ذروتهاlist 3 of 4المفوضية الأممية لحقوق الإنسان: إسرائيل ارتكبت جرائم ضد الإنسانية بغزةlist 4 of 4مفوض حقوق الإنسان يصل الشرق الأوسط لبحث الحرب بغزةend of list

لا يسع المحلّل القانوني إلا أن يُصاب بالإحباط من حالة الانتهاك الجسيم لمبادئ القانون الدولي الإنساني في غزة أمام صمت المجتمع الدولي وعجز مؤسّساته عن ردع جرائم الاحتلال الإسرائيلي. إنه الإحباط الذي دفع مدير مكتب مفوض حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة إلى الاستقالة من منصبه في سابقة كشفت زيف الخطاب الغربي عن حقوق الإنسان، وعرّت منظومته القانونية التي تُصاب بالعمى هنا وتُبصر هناك.


إهدار الاحتلال حقوق الإنسان في غزة بالجُملة

لم يترك الاحتلال الإسرائيلي جريمة واحدة من الجرائم التي نصّ عليها نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدّولية، ولا تلك التي نصّت عليها اتفاقيات جنيف الأربع، ولا أية جريمة أخرى نص عليها ميثاقٌ أو عرفٌ دولي قديم أو حديث، إلا وارتكبها. فقد مارس جرائم الإبادة الجماعية، والجرائم ضدّ الإنسانية، وجرائم الحرب، والتهجير القسري، واستهدف المستشفيات والمرافق الصّحية ودور العبادة، وقطع إمدادات الماء والكهرباء، وقصف المناطق التي أعلن هو نفسه بأنها "آمنة"، ناهيك عن استهداف الصحافيين وطواقم الإسعاف وشاحنات الإغاثة.

وفي مواجهة هذه الجرائم، تقف كل منظومة المجتمع الدولي التي يزعم بأنه أسّسها على احترامِ حقوق الإنسان عاجزةً أمام حرب إبادة جماعيةٍ يصفها الكيان المحتل وداعموه من الدّول الغربية بأنها "حربٌ عادلة"، و"دفاعٌ مشروع عن النفس"، ومع كل ضربة يوجهها جيش الاحتلال لقطاع غزة، تسقط قيم ومبادئ القانون الدولي الإنساني، ولن ينهي الاحتلال حربه الشعواء على غزة إلا وستكون المنظومة الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان قد فقدت كل مصداقيتها وصارت بلا معنى.

إن وصف ما يحدث لحقوق الإنسان في غزة بأنه إهدارٌ للحقوق، وليس مجرّد مساسٍ بها أو انتهاك لها، إنما تبررّه حالة الاعتداء المُتعمّد والممنهج والجسيم الذي يستهدف الحقوق الأساسية لعدد كبير من المدنيين. إنه إعلانٌ صريح عن طريق القوة بأن الكيان الإسرائيلي لا يعترف بالصّفة الإنسانية للفلسطينيين، وبأنهم بالنتيجة مُجرّدون من أيّة حقوق تُمنح لهم بوصفهم بشرا. ولذلك، فإن جيش الاحتلال لا يهدر حقّ الإنسان من خلال الاستهداف المباشر بالقصف العشوائي والعنيف الذي يشكّل إبادةً جماعية فحسب، بل إنه يستهدف أيضا ما يمكن أن يقوم عليه الحق في الحياة للناجين، فهو يمنع عنهم مقومات الحياة الأساسية، كالغذاء، والماء، والرعاية الصحية عبر قصف المستشفيات وسيارات الإسعاف التي تقلّ الجرحى، وكل ما من شأنه أن يساعد في حفظ الأرواح أو إنقاذها وإسعافها.

إن الحرب التي يفوق عدد ضحاياها من المدنيين 10 آلاف شهيد بينهم ما يقارب 4200 طفل لا يمكن أن تكون حرباً عادلة، كما أن الحرب التي ينجم عنها تهجير قسري لأكثر من مليون إنسان من مساكنهم في شمال قطاع غزة إلى مناطق غير آمنة لا يمكن أن تكون دفاعاً مشروعاً عن النفس، ولا يمكن وصف هذه الانتهاكات الممنهجة لحقوق الإنسان سوى أنها جرائم حرب وفقاً لما ينص عليه نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدّولية.

هكذا، تؤكّد الحرب على غزة مرة أخرى جدية أطروحة القائلين إن منظومة حقوق الإنسان كما يتبناها الغرب لا تقوم على أيّ أساس أخلاقي مجرد، وإنما على أساس معايير انتقائية وتمييزية مزدوجة، وهذا ما يجعل من مطالبات الدّول الغربية باحترام حقوق الإنسان ورقة ضغط ومساومة ضدّ الأنظمة المعادية لها. وتدعم هذا الرأي سرعة استجابة هذه المنظومة لما يُعتقَد أنها جرائم حرب ارتكبتها روسيا في حربها على أوكرانيا وتخاذلها أمام الجرائم المروعة التي يرتكبها الاحتلال في غزة.


فشل منظومة العدالة الجنائية في مواجهة جرائم الاحتلال 

ينطلق نظام روما الأساسي المتعلّق بالمحكمة الجنائية الدولية من التأكيد على أن الدّول الأطراف تضع في الاعتبار بأن "ملايين الأطفال والنّساء والرجال قد وقعوا خلال القرن الحالي ضحايا لفظائع لا يمكن تصورها هزّت ضمير الإنسانية بقوة"، ولذلك تُعرب هذه الدّول عن عزمها على "وضعِ حدّ لإفلات مُرتكبي هذه الجرائم من العقاب، وعلى الإسهام بالتالي في منع هذه الجرائم"، وهكذا يتولّد الانطباع بأن هذه العبارات تنطبق تماماً على وضع الحرب في غزة حالياً، ويتأكّد هذا الانطباع عندما نستعرض نص المادة الخامسة من النظام الأساسي التي تحدّد الجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة الجنائية الدولية وهي: جرائم الإبادة الجماعية، والجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الحرب، وجرائم العدوان.

وفيما يتعلّق بجرائم الحرب تحديدا، فإن المادة الثامنة في فقرتها (أ) نصّت على أن من بين هذه الجرائم: تعمّد توجيه هجمات ضدّ السكان المدنيين بصفتهم هذه أو ضد أفراد مدنيين لا يشاركون مباشرةً في الأعمال الحربية، وتعمد توجيه هجمات ضد مواقع مدنية، أي تلك المواقع التي لا تشكّل أهدافاً عسكرية، وكذلك تعمد شنّ هجماتٍ ضد موظفين مُستخدمَين أو منشآت أو مواد أو وحدات أو مركبات مستخدَمة في مهمّة من مهام المساعدة الإنسانية أو حفظ السّلام. وأيضاً تعمّد شن هجومٍ مع العلم بأن هذا الهجوم سيسفر عن خسائر تبعية في الأرواح أو عن إصابات بين المدنيين أو عن إلحاق أضرار مدنية أو إحداث ضررٍ واسع النّطاق وطويل الأجل وشديد للبيئة الطبيعية يكون إفراطه واضحاً بالقياس إلى مجمل المكاسب العسكرية المتوقعة الملموسة المباشرة. والأهم من ذلك كلّه، أن هذه المادة اعتبرت بأن من جرائم الحرب تعمّد مهاجمة أو قصف المدن أو القرى أو المساكن أو المباني العزلاء التي لا تكون أهدافاً عسكرية بأية وسيلة كانت.


لن يأخذ رجل القانون إذاً وقتا طويلا في الاستنتاج بأن الجرائم المنصوص عليها في النّصوص السّابقة تنطبق بدقة على ما يقوم به جيش الاحتلال في غزة، كما أن تقديم أدلة على هذه الجرائم لا يحتاج إلى تحقيقٍ مطول ولا إلى جمع أدلة، فالجرائم موثقة بالصورة وتُرتكَب يومياً منذ أزيد من شهر، وقد زار المدعي العام للمحكمة الجنائية معبر رفح وعبّر عن "فزعه" من رؤية "جثث الأطفال والصّغار وهي مملوءة بالتراب"، لكن جثث الأطفال التي فاق عددها 4 آلاف لم تكن كافية بالنسبة له ليفتح تحقيقاً في جرائم الاحتلال التي يشاهدها العالم على الهواء مباشرةً، بينما شرع على الفور وبعد مرور 4 أيامٍ فقط على نشوب الحرب في أوكرانيا في فتح تحقيق حول جرائم حرب مُحتملة ارتكبتها روسيا.

ختاماً، يمكن القول إن المنظومة الدولية المتعلّقة بحقوق الإنسان صُمّمت بطريقة تجعلها مجرّد مبادئ معلّقة في الهواء، ولن يستطيع سوى الأقوى الوصول إليها وتطبيقها على أرض الواقع. إن جرائم الاحتلال الإسرائيلي في غزة تعيد طرح ذلك التساؤل الفلسفي التقليدي حول ما إذا كانت مبادئ القانون الدولي تعبّر عن قانون القوة أم عن قوة القانون، وأيا كانت الإجابة، فإنه لا يمكن التعويل على المؤسّسات الدولية الرسمية ولا على آليات العدالة الجنائية الدولية في ردع جرائم الكيان المحتل المتكررة. لكن، قد يشكّل الرأي العام العالمي الذي خرج في مظاهرات حاشدة في كبرى العواصم الغربية مستنكرا هذه الجرائم عنصر القوة المفقود الذي بإمكانه أن يفرض تطبيق مبادئ القانون الإنساني في الحرب على غزة بنفس الدرجة والفعالية التي طُبّقت فيها على الحرب في أوكرانيا.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: الجنائیة الدولیة جرائم الاحتلال حقوق الإنسان هذه الجرائم جرائم الحرب على غزة لا یمکن التی ت فی غزة

إقرأ أيضاً:

الدكتورة التويجري: المملكة تنطلق في حمايتها لحقوق الإنسان من مبادئها وقيمها الراسخة وإرادة قيادتها

أكدت معالي رئيس هيئة حقوق الإنسان الدكتورة هلا بنت مزيد التويجري أن المملكة العربية السعودية عازمة على المضي قدماً نحو بلوغ أفضل المستويات العالمية في حماية وتعزيز حقوق الإنسان، منطلقةً من مبادئها وقيمها الراسخة، وإرادة قيادتها التي تقدم الإنسان على كل اعتبار.
جاء ذلك خلال كلمة المملكة في جلسة اعتماد نتائج الاستعراض الخاص بها ضمن الجولة الرابعة لآلية الاستعراض الدوري الشامل في مجلس حقوق الإنسان بجنيف.
وقالت التويجري التي ترأس وفد المملكة المشارك في هذه الجلسة، إن حكومة المملكة أبدت أقصى درجات التعاون مع آلية الاستعراض الدوري الشامل بكونها إحدى أدوات مجلس حقوق الإنسان التي تمكنه من القيام بدوره المحوري في تحسين أحوال حقوق الإنسان في العالم، مشيرةً إلى أن مبادئ المساواة والحوار والتعاون والحياد والموضوعية والشفافية ينبغي أن تمثل مرتكزاً أساسياً، وأرضية مشتركة لأي تفاعل وعمل مشترك بين الدول في مجال حقوق الإنسان.
وأشارت إلى أن قبول المملكة لمعظم التوصيات التي قدمتها لها خلال الجولة الرابعة للاستعراض الدوري الشامل بنسبة تتجاوز 80%؛ من شواهد اهتمامها بحقوق الإنسان.
وخلال الحوار التفاعلي، استعرضت رئيس هيئة حقوق الإنسان الدكتورة هلا بنت مزيد التويجري أبرز الإصلاحات والتطورات المتحققة في المملكة في مجال حقوق الإنسان والمرتبطة بموضوعات التوصيات التي قدمت لها، مشيرةً إلى أن أكثر من (150) إصلاحاً وتطوراً تشريعياً ومؤسسياً وقضائياً وإجرائياً تحققت منذ اعتماد “رؤية المملكة 2030”.
وأوضحت أن هذه الإصلاحات لم تتوقف حتى خلال الظرف الذي عصف بالعالم والمتمثل في جائحة (كورونا – كوفيد 19)، مؤكدةً أن عناية المملكة واهتمامها بحقوق الإنسان ينطبق من رؤية وطنية لكون حقوق الإنسان جزء لا يتجزأ من قيمها وثقافتها الأصيلة التي ترجمت إلى تشريعات وممارسات.

مقالات مشابهة

  • موزة بنت طحنون: الاتّجار بالبشر أكثر الجرائم المنظمة انتشاراً
  • الإمارات تشارك في أعمال الدورة الـ 56 لمجلس حقوق الإنسان في جنيف
  • 21 منظمة إسرائيلية تنشر تقريرا مشتركا حول كارثة الاحتلال في عامه الـ57
  • "التويجري": المملكة تنطلق في حماية حقوق الإنسان من مبادئها وإرادة قيادتها
  • الدكتورة التويجري: المملكة تنطلق في حمايتها لحقوق الإنسان من مبادئها وقيمها الراسخة وإرادة قيادتها
  • وزير حقوق الإنسان: مجلس الأمن أصبح إدارة من إدارات الخارجية الأمريكية ويمثل جزءاً من المشكلة
  • الديلمي: مجلس الأمن أصبح إدارة من إدارات الخارجية الأمريكية ويمثل جزءاً من المشكلة
  • حقوق الانسان : مجلس الامن ادارة امريكية وجزء من المشكلة
  • دشتي يطالب مجلسي حقوق الإنسان والأمن الدولي بالتعامل بمسؤولية مع الأوضاع الإنسانية في سورية
  • بسبب حضور أميرة الفاضل والمؤتمر الوطني، الحركة الشعبية التيار الثوري الديمقراطي تقرر مقاطعة الاجتماع النسوي التشاوري والذي يعقده الاتحاد الافريقي بكمبالا