علماء يفكون بعض ألغاز قردة البابون المحنطة لدى قدماء المصريين
تاريخ النشر: 9th, November 2023 GMT
سلط بحث جديد على البقايا الغامضة لقردة البابون المحنطة -التي عثر عليها بعيدا عن بيئتها الطبيعية منذ أكثر من 100 عام في مصر- الضوء على الأهمية المقدسة لهذه القردة لدى قدماء المصريين.
ومن خلال دراسة هذه المخلوقات الغريبة، يعتقد الباحثون أنهم كشفوا عن أدلة جديدة على أن منطقتي بونت وأدوليس -وهما منطقتان تجاريتان في المنطقة الساحلية لإريتريا اليوم شكلتا البنية الاقتصادية والجيوسياسية للعالم في تلك المنطقة- يفصل بينهما فاصل زمني مقداره ألف سنة من التاريخ.
عُثر على قرد البابون المحنط عام 1905 متآكلا من وادي القرود، وهو موقع أثري على الضفة الغربية لنهر النيل في الأقصر معروف بتصويره لقرود البابون على جدران المقابر المكتشفة.
وكانت هذه المخلوقات تفتقد أنيابها الشرسة، ولكن على عكس عينات قرد البابون المحنطة الأخرى التي عُثر عليها في الإطار الزمني نفسه، لم تكن مدفونة مع النبلاء في ذلك الوقت ولم يُعثر عليها في سراديب الموتى الجماعية، وهو ما أثار تساؤلات لعقود من الزمن عن كيفية وصولهم إلى هناك ولماذا.
وقد تقدم العلم أخيرا بما يكفي للإجابة عن بعض الأسئلة العالقة عن قرود البابون. فبعد اختبار 10 عينات مختلفة والقدرة على استخراج الحمض النووي من عينة واحدة منها. فقد استخدمت عالمة الأحياء من جامعة "كونستانس" الألمانية، جيزيلا كوب، طريقة جديدة للتحليل الجيني للحمض النووي من العينة لتتبع أصولها. وهي المرة الأولى التي يتم فيها بنجاح تحليل الحمض النووي القديم لحيوان رئيسي غير محنط.
القرن الأفريقي كان المنطقة الأصلية لقردة البابون التي تم جلبها إلى مصر القديمة (غيتي) قرود من سواحل إريترياالمومياء التي استخرجت جيزيلا كوب الحمض النووي منها، والتي يعود تاريخها إلى ما بين عامي 800 و500 قبل الميلاد، تؤكد نتائج دراسة حمضها أن القرن الأفريقي كان المنطقة الأصلية لقردة البابون. وتمت مقارنة الجينات الوراثية لقرد بابون كوب بعينة أخرى نشأت من المنطقة الساحلية في إريتريا، حيث كان يقع ميناء أدوليس في العصور القديمة.
ومع ذلك، تم الحفاظ على قرد الباحثة كوب قبل فترة طويلة من ازدهار مدينة أدوليس القديمة كمركز تجاري رئيسي وميناء، حيث كانت الحيوانات مثل قرد البابون والفهود تُشترى وتُباع بشكل متكرر.
وتشير النصوص القديمة من الفترة الزمنية نفسها إلى أن قرد البابون المشار إليه نشأ على الأرجح في مدينة تسمى بونت. تقول كوب لموقع "إنسايدر" إن "الموقع الدقيق للقرد حير الباحثين منذ فترة طويلة، بسبب وجود إشارات إلى المدينة في نصوص وأعمال فنية مهمة، ولكن لم يتم العثور عليها في الخرائط الموجودة".
وتضيف العالمة أن "العينة التي درسناها تتناسب زمنيا مع آخر الرحلات الاستكشافية المعروفة إلى بونت. ومع ذلك، فهي تتناسب جغرافيا مع أدوليس، وهو الموقع الذي كان يُعرف بعد قرون بأنه مكان تجاري للرئيسيات أيضا. ونحن نفترض أن بونت وأدوليس هما منطقتان مختلفتان. وأنهما "أسماء للمكان نفسه تم استخدامها في نقاط زمنية مختلفة".
وقالت كوب التي نشرت نتائج بحثها في دورية "إي لايف" إن "الأساليب الدقيقة وراء استيراد الرئيسيات (قرود البابون) إلى مصر، وتربيتها، ثم تحنيطها في النهاية، لا تزال غير واضحة".
بالنسبة للمصريين القدماء، يبدو أن قردة البابون خدمت غرضا روحيا مزدوجا (غيتي) الأهمية الدينية لقرود البابونوقال عالم الأنثروبولوجيا ناثانيال دوميني من كلية دارتموث الذي تعاون مع الباحثة كوب في الدراسة إن "قردة البابون غير موجودة في الأعمال الفنية الأفريقية في ذلك الوقت، بسبب سمعتها السيئة في بيئتها الطبيعية، لكنها تحمل أهمية خاصة في مصر".
وأضاف دوميني لإنسايدر أنه بالنسبة للمصريين القدماء، يبدو أن قردة البابون خدمت غرضا روحيا مزدوجا. فغالبا ما تظهر تلك المخلوقات وأذرعها مرفوعة نحو الشمس فيما وصفه بـ"وضعية العشق" تجاه شروق الشمس الذي يمثله الإله المصري رع. كما تم تصوير البابون في كثير من الأحيان على أنهم التجسيد المادي للإله تحوت إله القمر المصري والإله المرتبط بالحكمة والحرب.
وربما كانت الأهمية الدينية هي الدافع وراء رغبة المصريين في استيراد المخلوقات وتربيتها والحفاظ عليها، كما يفترض دوميني وكوب. ومن المرجح أن أنيابها القوية جدا -لدرجة أنها يمكن أن تقطع فخذا بشريا حتى العظم في لدغة واحدة- أزيلت كإجراء وقائي.
وعلى الرغم من أنه لا يزال من غير الواضح ما إذا كان المشترون أو البائعون لقردة البابون قد أزالوا هذه الأسنان، فإن دوميني قال إن هناك دليلا واضحا على أن الأسنان أزيلت في وقت مبكر من الحياة، حيث بدأت العظام الجديدة في النمو فوق الفجوة التي خلفها الخلع.
وبينما يبقى السر الكامل وراء حفظ وتحنيط قردة البابون في مصر مجهولا، فإن المعرفة الجديدة المقدمة من تحليل الحمض النووي للقرود توفر الحلقة المفقودة في فهم كيف شكلت التجارة الدولية التي تطورت في المنطقة العالم في نهاية المطاف.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: الحمض النووی قردة البابون
إقرأ أيضاً:
علماء يحذرون من ثوران بركاني هائل قد يفاجئ العالم قريبًا
قبل انتهاء عام 2024 تفاجئ العماء بكارثة متوقعة قد تصيب العالم هذا القرن حيث حذر العلماء من أن الأرض تواجه فرصة "بنسبة 1 من 6" لحدوث ثوران بركاني ضخم هذا القرن قد يؤدي إلى "فوضى مناخية" مشابهة لتلك التي حدثت عقب ثوران جبل تامبورا في إندونيسيا عام 1815، وأوضحوا أن البشرية لا تمتلك خطة لمواجهة آثار هذا الحدث الكارثي المحتمل.
وفي عام 1815، أطلق ثوران جبل تامبورا 24 ميلا مكعبا (100.032 كم مكعب) من الغازات والغبار والصخور إلى الغلاف الجوي، ما أدى إلى انخفاض كبير في درجات الحرارة العالمية، وهذا الحدث تسبب في "عام بلا صيف"، حيث فشلت المحاصيل الزراعية وانتشرت المجاعة، كما تفشت الأمراض ما أسفر عن وفاة عشرات الآلاف من الأشخاص.
ومع ذلك، فإن تأثيرات ثوران بركاني ضخم في القرن الحادي والعشرين قد تكون أسوأ بكثير، بالنظر إلى الظروف البيئية الحالية التي تشهدها الأرض نتيجة للاحتباس الحراري الناتج عن الاعتماد المستمر على الوقود الأحفوري.
وقد تزيد الغازات المسببة للاحتباس الحراري التي تم إطلاقها في القرن الماضي من تأثير التبريد الناتج عن ثوران بركاني. ووفقا للدكتور توماس أوبري، فإن الغلاف الجوي الأكثر سخونة سيساهم في انتشار الغاز الكبريتي بشكل أسرع وأكثر فعالية، ما يزيد من قدرة الجسيمات المعلقة في الهواء على عكس أشعة الشمس وتقليل درجات الحرارة العالمية.
وقالت الدكتورة أنيا شميت، عالمة الغلاف الجوي في جامعة كامبريدج: "هناك نقطة مثالية من حيث حجم الجسيمات الدقيقة التي تكون فعالة للغاية في تشتيت ضوء الشمس". وأضافت أن دراستها التي نشرت في Nature Communications عام 2021، تشير إلى أن الاحترار العالمي سيزيد من قدرة هذه الجسيمات على تقليص 30% من الطاقة الشمسية، ما قد يساهم في تبريد سطح الأرض بنسبة 15%.
وعلى الرغم من هذه الاكتشافات، يبقى التنبؤ بالثورات البركانية أمرا صعبا. وقال الدكتور ماركوس ستوفيل، أستاذ المناخ بجامعة جنيف: "نحن في بداية الفهم لما يمكن أن يحدث"، مشيرا إلى ضعف البيانات المتاحة حول البراكين القديمة.
لذلك، يعتمد العلماء على بيانات نوى الجليد وحلقات الأشجار القديمة لتحليل تأثيرات البراكين في الماضي.
وتشير الدراسات إلى أن العديد من الثورانات البركانية في العصور الماضية أدت إلى تبريد مؤقت للأرض، مثل ثوران جبل تامبورا الذي أدى إلى انخفاض درجة الحرارة العالمية بنحو درجة مئوية واحدة. كما تشير الأدلة إلى أن ثوران بركان سامالاس في إندونيسيا عام 1257 قد ساعد في بداية "العصر الجليدي الصغير"، الذي استمر لعدة قرون. أما ثوران جبل بيناتوبو في الفلبين عام 1991 فقد أدى إلى تبريد الأرض لمدة عدة سنوات بمقدار نصف درجة مئوية.
وبالإضافة إلى ذلك، قد يساهم تغير المناخ في تعديل سلوك البراكين.
وقال الدكتور توماس أوبري: "الذوبان السريع للأنهار الجليدية فوق البراكين يمكن أن يزيد من الضغط تحت الأرض ويؤدي إلى ثورانات بركانية". كما أن هطول الأمطار المتزايد بسبب تغير المناخ قد يتسبب في انفجارات بركانية مشابهة لـ "قنبلة البخار"، حيث تتسرب المياه إلى الشقوق القريبة من البراكين النشطة.
وأظهرت دراسة أجريت في 2022 أن حوالي 58% من البراكين النشطة في العالم قد تكون معرضة للانفجار نتيجة لتغير المناخ وزيادة هطول الأمطار المتطرف، ما يعزز فرص حدوث تبريد عالمي مشابه "لعصر جليدي صغير".
وبالرغم من صعوبة التنبؤ بتوقيت حدوث ثورانات بركانية، فإن العلماء يحثون على أهمية الاستعداد لهذه الكارثة المحتملة. وقال ستوفيل: "يجب على صناع السياسات الاستعداد من خلال وضع خطط إخلاء وتنظيم المساعدات الغذائية في حالة فشل المحاصيل نتيجة للثوران البركاني".
كما أشار الخبراء إلى أن ثورانا بركانيا في القرن الحادي والعشرين قد يؤثر على عالم أكثر اكتظاظا بالسكان، حيث يمكن أن تكون الاضطرابات الناتجة عنه غير متوقعة وقد تتردد تأثيراته في أنحاء مختلفة من العالم بطرق مميتة وغير مباشرة.