العدالة الانتقالية وشراء المستقبل
تاريخ النشر: 9th, November 2023 GMT
في سياق البحث عن "المعادلة الكسبية" التي تحقق السلام والتحول الديمقراطي، لا نستطيع ان نتجاهل كل الدماء التي سالت في هذه البلاد، وننسى كل الجرائم الكبرى التي ارتكبت، وبذات القدر ليس بالإمكان انفاذ عدالة العين بالعين والسن بالسن حرفيا على جميع من أجرموا، ولذلك يحتاج السودان لتصميم "نموذج سوداني للعدالة الانتقالية"، يحقق فكرة "شراء المستقبل" بشرط تصفية الحساب مع الماضي بصورة تحترم عقول الشعب وتضحياته، تفصيل هذا النموذج بكفاءة على الواقع السوداني وعلى ضوء تحدياته هو واجب الخبراء السودانيين في هذا المجال ويجب ان يكون من اهم اولويات قوى السلام والتحول الديمقراطي.
في الوقت الذي نطالب فيه بإيقاف الحرب والكف عن إعاقة جهود بناء السلام والتحول الديمقراطي ليس من الحكمة ان يكون الخطاب الموجه لقيادات الجيش والدعم السريع "يا عسكر مافي حصانة يا المشنقة يا الزنزانة" لأن هذا الشعار سيدفعهم لالتماس الحصانة المستدامة في التمسك بجيوشهم كما هي وبسلطتهم المفروضة بقوة السلاح لانها الوحيدة التي توفر لهم الامان الشخصي، إقناع القوى التي تتقاتل بالكف عن القتال وكف اسلحتها عن عرقلة مساعي الانتقال الى مربع السلام والحكم المدني يتطلب الاستعداد لتحفيزها على ذلك بضمان مخرج آمن بعفو او حصانة او أي صيغة متوافق عليها، بشرط ان يتم كل ذلك في سياق إعادة هيكلة مؤسسات الدولة العسكرية والأمنية والعدلية في اتجاه لايسمح مجددا بانتهاكات حقوق الانسان والافلات من العقاب مستقبلا، وبشرط انفاذ العدالة الجنائية في الحق الخاص الذي لا يسقط بحصانة او عفو او تقادم، اذ يظل من حق الضحايا التقاضي محليا ودوليا عن حقهم الخاص ويجب إصحاح البيئة السياسية والقانونية لمساعدتهم على ذلك، وفي ذات الوقت نحتاج لخطاب سياسي يشجع على إعلاء روح المصالحة والتعافي طوعا واختيارا.
السودان لن يعيد اكتشاف العجلة في مجال العدالة الانتقالية، فالعالم حافل بتجارب لدول يشهد تاريخها وتوثق متاحفها أبشع جرائم القتل والتعذيب والمجازر الجماعية والتطهير العرقي(جنوب أفريقيا ورواندا مثلا)، ولكنها لم تحبس نفسها في الماضي واشترت المستقبل، ليس بنسيان الماضي بالكامل، بل بحسن إدراك الماضي الاليم واستخلاص الدروس الصحيحة منه، وعقد العزم على عدم تكرار مآسيه في المستقبل ، عقد العزم ليس بالكلام بل بحزمة من التدابير السياسية والقانونية والمؤسسية التي تضمن عدم تكرار ما حدث في الماضي مستقبلا، وابتداع آليات لكشف الحقائق والاعتذار والمصالحة وتمكين الضحايا من حق التقاضي بالفعل، وخلق مناخ سياسي وثقافي يشجع على التسامح والعفو.
حتى نظام روما المؤسس لمحكمة الجنايات الدولية ، تنص المادة 16 منه على "إرجاء التحقيق او المقاضاة" لمدة اثني عشرة شهرا قابلة للتجديد (دون سقف لعدد المرات) بناء على طلب من مجلس الامن تحت الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة، والمنطق الذي يسند هذه المادة هو ان مقتضيات السلام والاستقرار في بعض الحالات تقتضي تأجيل تنفيذ العدالة الى حين، ليس لأن العدالة ليست مطلوبة ومقدسة، ولكن لأن منطق العدالة نفسه يرتب الاولويات بحيث يجعل من تحقيق السلام الذي يوقف نزيف الدم ويوقف قتل وتشريد واغتصاب وتعذيب المزيد من الضحايا في الحاضر والمستقبل، مقدم على القصاص الفوري لضحايا الماضي. وبكل تأكيد لو كان القصاص الفوري متاحا فلن يتردد احد في تطبيقه، ولكن عندما تكون البلاد تحت وطأة حرب كحربنا هذه، يكون الوضع أشبه بوضع شخص له ابن تم قتله وابن اخر رهينة في قبضة القاتل الذي يهدد بقتل الابن الذي في قبضته لولم يسمح له بالفرار ، في هذه الحالة هل نطالب الاب بان يجعل عقاب المجرم مقدما على انقاذ حياة ابنه الوحيد المتبقي له؟!
الطريق الى لجم المزايدات
اول خطوة لهزيمة الغوغائية هي توطين العقلانية في مناقشة القضايا السياسية، وربط كل فكرة تطرح بنهاياتها المنطقية في سياق الواقع الماثل، فمثلا من يطرح الآن فكرة ان السلام يجب ان يكون مشروطا بالمحاسبة السياسية والجنائية لطرفي الحرب ممثلين في قيادات الدعم السريع والجيش، فيجب ان يسأل عن تصوره العملي لتحقيق ذلك، المحاسبة السياسية والجنائية لقيادات جيوش جرارة كهذه مهما كانت درجة صوابها الاخلاقي فإنها غير متاحة في سياقنا، لأننا لا نملك قوة عسكرية كاسحة كي نراهن عليها في فرض "عدالة المنتصر" وإصدار حكم فوري بحل قوات الدعم السريع وحكم اخر بحل الجيش ومحاكمات فورية تعلق القيادات على المشانق ! والسؤال المهم هل "عدالة المنتصر" دائما تحقق السلام والديمقراطية؟ في العراق مثلا، عندما نفذت الولايات المتحدة الأمريكية قرار حل الجيش العراقي بالقوة وأعدمت صدام حسين وابرز رموز نظامه ، انخرطت عناصر الجيش المحلول في تكوين مليشيات ارهابية احالت حياة العراقيين الى جحيم جعلهم يشتاقون الى ايام صدام حسين!
آفة الخطاب السياسي في السودان بعد الثورة هو استسهال المزايدات الثورية في مجال العدالة وعدم الاستعداد لتفهم تعقيدات الواقع والقفز الى اصدار حكم تجريمي على كل من يتحسس الواقع ويحاول ايجاد حلول معقولة واتهامه بانه يفعل ذلك من باب التواطؤ مع المجرمين ومساعدتهم على الافلات من العقاب، في حين ان هناك تنازلات ومساومات يفرضها الواقع لصالح السلام والاستقرار وكف ايدي المجرمين عن سفك مزيد من الدماء وازهاق مزيد من الارواح.
العامل الحاسم في لجم المزايدات هو الشفافية في إدارة ملف العدالة، وان يكون ثمن أي تنازلات يتم تقديمها للقيادات المسؤولة عن الانتهاكات هو دفع استحقاقات السلام والاصلاحات الجوهرية للدولة بشكل يضمن عدم تكرار الانتهاكات، ورد الاعتبار للضحايا بكشف الحقائق كاملة وارساء نموذج حقيقي للعدالة الانتقالية، بمعنى البعد كل البعد عن تمييع قضية العدالة لأنها من مقتضيات السلام والاستقرار وكذلك البعد عن الخفة والاستسهال لموضوع العدالة وافتراض انها تحقيقها ممكن بين عشية وضحاها، ففي ظل الخراب الشامل في الدولة السودانية ومن اهم المؤسسات التي طالها الخراب وفقدت تأهيلها الفني والاخلاقي هي المؤسسات العدلية من قضاء ونيابة عامة، ودون اعادة بناء لهذه المؤسسات في سياق التأسيس الجديد للدولة السودانية لن يكون بالإمكان انفاذ أي عدالة، وفي ظل واقع كهذا سنجد انفسنا مطالبين ليس فقط بتسليم المطلوبين لمحكمة الجنايات الدولية بل سنحتاج لامحالة كثير من قضايا جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية لهذه المحكمة.
إن الأشواق الثورية النبيلة للعدالة والحرية ، لن تتحقق بمجرد الهتاف والمزايدات المدفوعة بروح المنافسة السياسية أو الأجندة التخريبية التي تهدف لتقسيم صف التغيير على اساس الطهرانية الثورية. بل تحقق بعسر مخاض في الجهد والزمن، لا نملك سوى ضبط بوصلتنا الفكرية والسياسية والاخلاقية في الاتجاه الصحيح ثم نسرع الخطى صوبه ما استطعنا.
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
حبس البول قد يكون له مخاطر صحية خطيرة.. ما هي؟
دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- من الشائع تجاهل إشارات الجسد من أجل الإنتاجية أو الاسترخاء. فكم مرة أرجأت التبوّل حتى انتهاء اجتماع أو لأنك لا تريد تفويت بضع ثوان من الفيلم الذي لطالما أردت مشاهدته؟
وقال الدكتور جيسون كيم، الأستاذ المشارك السريري في جراحة المسالك البولية بكلية رينيسانس للطب في جامعة "ستوني بروك" بمدينة لونغ آيلاند، إن حبس البول بين الحين والآخر قد يكون غير ضار بشكل عام، لكن هناك بعض الحالات التي يمكن أن يهدد فيها هذا السلوك صحتك، خصوصًا إذا كان سلوكًا منتظمًا ومكتسبًا.
وتنبع هذه المخاطر من الأسباب والطريقة التي نتبول بها في المقام الأول.
وأضاف كيم، الذي يشغل أيضًا منصب مدير مركز صحة الحوض وسلاسة البول لدى النساء في الجامعة، أن هناك نظام عصبي معقد يتحكم في عملية التبول. وتقوم الكلى بإنتاج البول، ثم يتم نقله عبر أنبوبين يُدعيان الحالبين إلى المثانة.
وتابع: "يمكنني القول إن السعة الطبيعية للمثانة تتراوح بين 400 إلى 600 (سنتيمتر مكعب)".
ما أن تمتلئ المثانة إلى نحو نصفها، تقوم المستقبلات العصبية بإبلاغ الدماغ بأنه حان وقت التبول، ويطلب الدماغ من المثانة الاحتفاظ بالبول حتى يحين وقت مقبول اجتماعيًا للتبوّل، وفقًا لما ذكره كيم. وأوضح أنه في تلك اللحظة، يرسل الدماغ إشارات تؤدي إلى استرخاء العضلة العاصرة للإحليل وانقباض عضلات المثانة لدفع البول للخارج.
من جانبه، يقول الدكتور ديفيد شوسترمان، اختصاصي المسالك البولية المعتمد لدى مركز نيويورك لأمراض المسالك البولية في مدينة نيويورك: "لقد خلقنا بهذه الطريقة لأنه إذا قمنا بالتبوّل أثناء سيرنا على الطريق، فسوف تشتم الحيوانات المفترسة رائحتنا. ويحتوي البول على سموم مركزة، لهذا السبب يحاول جسمك التخلص منها، وما يحدث في النهاية أنك تريد حبس السموم لأنها ذات رائحة، وتريد أن تكون قادرًا على إخراج السموم في وقت تكون فيه أكثر حماية".
استنادًا إلى هذا التفسير العلمي، إليك ما تحتاج إلى معرفته حول مخاطر تأجيل التبول.
العيوب المحتملة لتأجيل التبوليمكن أن يزيد احتباس البول من خطر الإصابة بعدوى المسالك البولية، التي تنتج عن دخول البكتيريا إلى المسالك البولية.
وفي حين أن التبول المثالي من شأنه أن يطرد أي غزاة جدد، فإن حبس البول يمكن أن "يخلق أرضًا خصبة للبكتيريا"، وفقا للدكتور جامين براهمبات، اختصاصي المسالك البولية ومساهم لدى CNN.
لهذا السبب يُنصح الأشخاص، لا سيما النساء، بالتبول بعد ممارسة الجنس لأن احتكاك النشاط الجنسي يمكن أن يدفع البكتيريا إلى مجرى البول.
وأشار كيم إلى أنه إذا تُركت عدوى المسالك البولية من دون علاج، فقد تصعد إلى الكلى، وتؤدي إلى التهاب الحويضة والكلية. وإذا لم يتم التحقق من هذه العدوى أيضًا، فقد يكون هناك عدوى في مجرى الدم أو تعفن الدم من مصدر بولي.
ولفت الخبراء إلى أن حبس البول كثيرًا بمرور الوقت يمكن أن يجهد، وبالتالي يضعف، عضلات المثانة، التي لا يمكنها بعد ذلك توليد قوة كافية لتفريغ البول.
وقال براهمبات إن هذا "يجعل من الصعب إفراغ المثانة تمامًا عندما تذهب لإفراغها أخيرًا. وعندما يحدث ذلك، يمكنك الدخول في حلقة مفرغة، فالمزيد من البول المتبقي يعني المزيد من خطر الإصابة بالعدوى".
وأشار الخبراء إلى أن تجاهل الإشارات الجسدية باستمرار يمكن أن يجعلها تبدأ بأن تصبح أقل وضوحًا أو غير فعالة.
وإذا لم تتمكن من التبول، عليك مراجعة الطبيب.
وبحسب كيم، تشمل العلاجات المتاحة القسطرة المتقطعة ذاتية الإدارة، أو القسطرة طويلة الأمد، أو تعديل الأعصاب العجزية، وهو جهاز تنظيم ضربات المثانة الذي يمكنه أحيانًا "استعادة قدرة عضلة المثانة على الانقباض بشكل طبيعي".
وفي الحالات الأكثر تطرفًا، يمكن أن يؤدي حبس البول إلى ارتداد البول للكلى، ما قد يؤدي إلى التهابات، أو تلف الكلى، أو استسقاء الكلية، بحسب الخبراء.
والأخير، هو حالة تتورم فيها الكلى وتتمدد من التراكم. عدم إفراغ المثانة بشكل كافٍ يمكن أن يسبب أيضًا آلامًا في البطن أو تقلصات أو حصوات المثانة.
ما مدى خطورة حبس البول؟يقول الخبراء إن الاستجابة لإشارات جسمك بأسرع ما يمكن هو الخيار الأفضل دائمًا.
ومع ذلك، قال الخبراء إن حبس البول لمدة تصل إلى بضع ساعات مرات عدة في الأسبوع ليس من المرجح أن يسبب ضررًا للشخص السليم العادي. لكن إذا تجاهلت بانتظام رغبتك بالتبول لأسابيع أو أكثر، فأنت تضع مثانتك وكليتيك تحت ضغط غير ضروري.
وهناك بعض الأشخاص الذين قد يكون تأخير التبول بالنسبة لهم أكثر خطورة من المعتاد، وينطبق هذا على أولئك الذين قد لا يتمكنون من محاربة العدوى أيضًا، ضمنًا كبار السن الذين قد يعانون أيضًا من انخفاض القدرة على التبول بشكل طبيعي لأن الشيخوخة يمكن أن تكون مصحوبة بتضخم البروستاتا (للرجال)، وتضييق مجرى البول (للنساء)، بحسب ما ذكره شوسترمان.
ويعد الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات المثانة أو الكلى العصبية أكثر عرضة للأذى من حبس البول.
ويجب على النساء الحوامل أيضًا توخي الحذر الشديد لاحترام الرغبة يالتبول، حيث أنهن بالفعل أكثر عرضة لخطر الإصابة بالتهابات المسالك البولية بسبب زيادة وزن الرحم وضغطه على المثانة، ما قد يمنع تفريغ البول.
وأضاف شوسترمان أنه إذا كنت تدخن أو تعمل بالقرب من السموم مثل البنزين، فأنت معرض لخطر أكبر للإصابة بسرطان المثانة، لذا فإن التبول بشكل متكرر مهم لك أيضًا.
وقال الخبراء إنه إذا كنت تحبس بولك لأنك لاحظت أنك تركض إلى المرحاض بشكل غير معتاد، فقد يكون ذلك علامة على متلازمة فرط نشاط المثانة، أو مرض السكر،ي أو التهاب المسالك البولية. في هذه الحالة، راجع طبيب المسالك البولية الذي يمكنه مساعدتك على معرفة السبب وبدء بعض تمارين تدريب المثانة.
وإذا كنت تشعر بعدم الارتياح في ارتياد الحمامات العامة، أكد براهمبات أنه من الأفضل تلبية نداء جسمك عوض حبس البول.
ونصح قائلا: "احمل بعض المناديل المطهرة أو غطاء مقعد محمول إذا كان ذلك يجعلك أكثر راحة. ستشكرك مثانتك في المستقبل!"
نصائحنشر الثلاثاء، 17 ديسمبر / كانون الأول 2024تابعونا عبرسياسة الخصوصيةشروط الخدمةملفات تعريف الارتباطخيارات الإعلاناتCNN الاقتصاديةمن نحنالأرشيف© 2024 Cable News Network. A Warner Bros. Discovery Company. All Rights Reserved.